ما أسباب عزوف الشباب الياباني عن السفر للخارج؟

مجتمع سياحة وسفر

في يومنا هذا من المحتمل أن تكون أعداد الشباب اليابانيين من المسافرين الرُّحّل الذين يسافرون بميزانية محدودة ضمن الأقلية. حيث أسهمت كل من شركات الطيران منخفضة التكلفة ومواقع السفر عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في تغيير طريقة سفر هذه الفئة السكانية إلى الخارج.

السفر إلى الخارج بين الماضي والحاضر

عملت الحكومة على بذل جهود جبارة لتحفيز السياحة الوافدة والتي يطلق عليها الزوار الأجانب السفر إلى اليابان منذ انطلاق حملة زوروا اليابان وقيام الحكومة بإنشاء وكالة السياحة في عام 2008. ولأول مرة في عام 2016، تجاوز عدد المسافرين الوافدين 20 مليون مسافراً، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 30 مليون بحلول نهاية عام 2018. وعلى خلاف ذلك، تلقى السياحة الخارجية (الرحلات التي يقصدها اليابانيون إلى الخارج) اهتماماً أقل بكثير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث سجل معدل سفر الشباب الياباني إلى الخارج انخفاضا ملحوظاً بشكل خاص منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي. سيكون موضوع سفر الشباب الياباني إلى الخارج محور تركيزي في هذا المقال.

لقد ظهرت أربعة اتجاهات رئيسية في عادات السفر لهذه الفئة السكانية منذ الثمانينات. وكان أولها زيادة أعداد المسافرين الرُّحّل، الذي حفزه أشخاص مثل ساواكي كوتارو، الذي كتب سلسلة من مذكرات السفر بين عامي 1986 و1992. وقد ساعدت أيضاً أدلّة السفر مثل Chikyū no arukikata (سلسلة دليل السفر غلوب تروتر) التي تم نشرها لأول مرة في عام 1979، على انطلاق الطفرة في رحلات المسافرين الرُّحّل بين الشباب المهتم بالسفر إلى الخارج لفترات طويلة.

يتمثل الاتجاه الثاني في "رحلة التخرج"، في إشارة إلى السفر مع الأصدقاء إلى أوروبا أو الولايات المتحدة لتجربة ثقافة مختلفة قبل تولي مسؤوليات الكبار في عالم العمل. في بداية الثمانينيات، أصبح الذهاب إلى رحلة التخرج أمراً شائعاً بين طلاب الجامعات، الذين يسافرون قبل التخرج مباشرة أو قبل بدء عملهم الأول. وكان الدافع وراء رغبتهم في السفر في هذه المرحلة من حياتهم هو إدراكهم بأنهم ما أن يبدؤوا العمل بدوام كامل، فلن يكون لديهم متسع من الوقت للقيام برحلات خارجية طويلة. في بدايات هذا الاتجاه، كانت مثل هذه الرحلات تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أسابيع، ولكن ومع بداية التسعينات أصبحت الرحلات القصيرة التي تستغرق أقل من أسبوعين أكثر شيوعاً.

أما عن الاتجاه الثالث فهو رحلة متعة التسوق، الذي انحصر إلى حد كبير في سفر الموظفات الشابات إلى وجهات مثل هونغ كونغ أو هاواي أو أوروبا بهدف شراء سلع المصممين بأرخص سعر ممكن. وقد بدأ هذا النوع من السفر في منتصف الثمانينات واستمر خلال التسعينات.

وأخيراً الاتجاه الرابع وهو القيام برحلة سياحية قليلة التكلفة، وعادة ما تكون رحلة قصيرة لمدة ثلاث ليال تقريباً تشمل تذاكر العودة بالطائرة والإقامة المحلية فقط بدون مرشد سياحي. وقد قامت وكالات السفر بتسويق مثل هذه الرحلات الجماعية باعتبارها أقل تكلفة من الحجز بشكل فردي. غالباً ما يذهب المسافرون في مثل هذه الرحلات إلى وجهتهم حاملين مجلات سفر باللغة اليابانية مثل روروبو أو مابل بنية التسوق أو التنقل بين المطاعم دون أي تخطيط للتعرف على التاريخ المحلي أو الثقافة.

لا يزال بعض الشباب يقوم بمثل هذا النوع من الرحلات بشكل عام، ولكن عادات سفرهم قد تغيرت. فعلى سبيل المثال، قد يذهب البعض في رحلات التخرج، ولكن في هذه الأيام فإنهم غالباً ما يقومون بعدة رحلات قصيرة إلى وجهات مختلفة، ويكون ذلك برفقة شخص مختلف في كل مرة.

قم برحلتك على طريقتك الخاصة

بالفعل كان عدد قليل من الأشخاص في العشرينات من عمرهم يسافرون إلى الخارج منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ولكن حدثت زيادة طفيفة في أعداد هؤلاء المسافرين خلال السنوات الخمس الماضية. في الوقت نفسه، اعتمد هؤلاء الأشخاص طرقًا جديدة للسفر. لقد قمت بتحديد خمسة أنماط بين طلاب الجامعات من فئة الشباب التي غالباً ما أكون على اتصال بها.

يمثل النمط الأول الشباب الذين يتجنبون وكالات السفر ويقومون بترتيبات السفر إلى الخارج بمفردهم. هناك عوامل عديدة تتيح للشباب السفر بأسعار رخيصة دون الذهاب في رحلة عالية الرفاهية. وأحد هذه العوامل هو ظهور شركات الطيران منخفضة التكلفة. بدأت شركات الطيران منخفضة التكلفة LCCs)) في الطيران إلى وجهات خارج اليابان في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وأصبح السفر إلى آسيا أو أوقيانوسيا على متن إحدى رحلات الطيران منخفضة التكلفة LCC)) أمراً شائعاً. وبما أن القليل من عروض الجولات السياحية تشتمل على حجوزات مع شركات الطيران منخفضة التكلفة، يكون لزاماً على المسافرين الذين يختارون مثل هذه الرحلات الرخيصة أن يتخذوا ترتيباتهم الخاصة لباقي عناصر رحلتهم.

كما أن أحد العوامل الأخرى التي تقف وراء هذا الاتجاه هو وجود وكالات السفر عبر الإنترنت. إن المسافرين الذين يرغبون في القيام برحلة على طريقتهم الخاصة يختارون مواقع مثل إكسبيديا أو بوكينج لحجز أماكن إقامتهم في الخارج، معتمدين في ذلك على آراء العملاء لمساعدتهم على اختيار المكان الذي سيقيمون فيه. كما يلجأ بعض الشباب أيضًا إلى الحجز عبر إير بي إن بي أو غير ذلك من مواقع الإقامة التي تعمل بطريقة نظير إلى نظير. وكثيراً ما يقارنون أيضاً أسعار تذاكر الطيران على محرك بحث أعلى مثل سكاي سكانر، وهي طريقة فعالة للبحث عن أقل سعر ممكن لتذكرة الطيران.

دور وسائل التواصل الاجتماعي

ويتمثل النمط الثاني في المسافرين الشباب الذين لم يعودوا في حاجة لشراء الكتب الإرشادية عند السفر إلى الخارج. حتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي، كان الناس يشترون الكتب الإرشادية كعادة مرتبطة بالسفر، وذلك للاطلاع عليها من أجل تحديد المكان الذي سيذهبون إليه وما سيقومون به من أنشطة في وجهتهم المقصودة. غير أن انتشار خدمات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من مصادر المعلومات عبر الإنترنت أدى بشكل أساسي إلى تغيير عملية اتخاذ قرار السفر لدى الطلاب.

وأحد الأمثلة على ذلك هو إنستغرام. فعندما يقرر شاب ما القيام برحلة إلى الخارج ويقترب من تحديد وجهته، فإنه يقوم باستخدام هاشتاغ للبحث عن الصور التي تم تحميلها على إنستغرام والبحث عن مواقع insuta-bae (ما يستحق المشاهدة على إنستغرام). بعد ذلك، يبحثون على الإنترنت عن الآراء ويكتشفون كيفية الوصول إلى ذلك المكان بالتحديد. يقال إن الناس اعتادوا في السنوات الماضية على السفر لرؤية الأماكن المذكورة في الكتب الإرشادية، ولكن السفر في الوقت الحاضر قد تحول إلى رحلة استكشافية لرؤية المواقع الجذابة فوتوغرافياً الموجودة على إنستغرام أو رحلة من أجل الظهور في تلك الأماكن بعينها، ومن ثم تحميل صور لما رأوه بغرض إبهار أتباعهم.

أما النمط الثالث فهو نمط "السفر المتكرر" حيث يعود المسافرون الشباب إلى نفس الوجهة عدة مرات. ويعد السفر إلى كوريا مثالاً جيداً على هذا النمط. بدأ "ازدهار كوريا" من خلال إذاعة الأفلام الكورية والمسلسلات التلفزيونية في اليابان في العقد الأول من القرن الحالي. وقد تبع ذلك بداية من عام 2010 تقريباً تنامي شعبية موسيقى البوب الكوري، حيث نجحت هذه الموسيقى الكورية الموجهة للشباب في جذب قاعدة من المعجبين المتحمسين لا سيما طالبات الجامعات اليابانية اللاتي يستمتعن كثيراً بكوريا وسافرن إلى هناك عدة مرات ليتشبعن بثقافتها.

لا للرحلات مع الأصدقاء

النمط الرابع يمثل ميل الشباب إلى عدم السفر إلى الخارج مع أصدقائهم المقربين، فنجد بعضهم يفضلون السفر بمفردهم، وفي بعض الحالات يرجع السبب في ذلك إلى عدم قدرة أصدقائهم على استقطاع بعض الوقت من أجل السفر أو عدم قدرتهم على تحمل تكاليفه. وفي الآونة الأخيرة يفضل بعض الشباب السفر بمفردهم لأنهم يبحثون عن تجربة خالية من المتاعب، بمعنى عدم الاضطرار إلى تلبية تفضيلات مرافقيهم أو لرغبتهم في تجنب الخلافات المحتملة أثناء سفرهم على الطريق. البعض الآخر يلجأ إلى خدمة الشبكة الاجتماعية للقاء شباب جدد عبر مواقع المطابقة مثل Trippiece، وتشكيل مجموعات عفوية للاستمتاع بتجربة ثرية مرة واحدة في العمر مع أشخاص غرباء بالكامل.

وأخيراً يأتي النمط الخامس الذي يمثل سفر الشباب إلى الخارج بغرض الدراسة. فمنذ عام 2010 قامت بعض الجامعات اليابانية بإضافة بند "الدراسة في الخارج" إلى مناهجها الدراسية كأحد المتطلبات الرئيسية بمدة تتراوح من بضعة أشهر إلى سنة واحدة. في الماضي، كانت الدراسة في الخارج مبادرة تطوعية مستقلة، ولكن هذه الرحلات أصبحت شائعة في الوقت الحاضر، حيث أصبح العديد من الطلاب يسافرون إلى الخارج باعتبار ذلك جزءاً إلزامياً من دراستهم. بعد قضاء عدة أشهر في بلد أجنبي يمكن للطلاب اليابانيين أيضًا الالتقاء بطلاب أجانب من العديد من البلدان الأخرى والبقاء على اتصال معهم عبر الفيس بوك بعد عودتهم إلى اليابان، مما يحفز الشباب الياباني على السفر إلى الخارج مرة أخرى لمقابلة أصدقائهم.

الإصابة بعدوى السفر أم لا

حتى الآن، قمت بمناقشة كيف يسافر الشباب إلى الخارج، ولكن من المهم ملاحظة أنه ليس كل شخص في هذه التركيبة السكانية مهتم بالسفر إلى الخارج.

على سبيل المثال، فقد كشفت دراسة أجريتها أنا وزملائي في عام 2016 على العزاب اليابانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا (انظر الجدول أدناه) أن 51.8% ممن شملهم الاستطلاع لم يسافروا أبداً خارج اليابان وأن 14.7% فقط كانوا قد سافروا إلى الخارج أكثر من مرة في عام 2015. وبعبارة أخرى، فإن حوالي 85% ممن شملهم الاستطلاع لم يسافروا إلى الخارج ولو حتى مرة واحدة خلال السنة الدراسية. وبفحص الإجابات استناداً إلى السمات الشخصية، أشارت الدراسة إلى أن 44% من الطلاب لم يسبق لهم الذهاب إلى الخارج، في حين أن 17.7% منهم قد سافروا من اليابان مرة واحدة أو أكثر في عام 2015. ومن ناحية أخرى، فقد بلغت نسبة الشباب الذين يعملون بدوام جزئي أو العاطلين عن العمل ولم يسبق لهم السفر إلى الخارج نهائياً 71.7% و6.0% فقط سافروا من اليابان في عام 2015.

لقد حددت الدراسات السياحية حتى الآن عدداً من العقبات التي تواجه سفر الشباب اليابانيين إلى الخارج، بما في ذلك العقبات الذاتية (القلق من حاجز اللغة ومن الإقامة في بلد أجنبي) والتواصل مع الآخرين (عدم وجود أحد يرافقه في الرحلة) والهيكلية (قلة الوقت والمال). وكان يُعتقد أن إزالة هذه العقبات من شأنه أن يحفز السفر.

ولكن أثبتت الأبحاث التي أجريت في السنوات العشر الماضية أن هناك نسبة معينة من الشباب لا تهتم كثيراً بالسفر إلى الخارج حتى بعد إزالة جميع العقبات. إن هؤلاء الناس لا يعتبرون السفر إلى الخارج أحد الخيارات لقضاء وقت الفراغ من الأساس، إما لعدم اهتمامهم بالسفر على الإطلاق، أو لأنهم لا يشعرون بوجود علاقة بينهم وبين الدول الأجنبية، أو أنهم يعتقدون أن السفر إلى خارج لا يوفر خدمة جيدة لتكلفة الأداء.

غير أن اتجاهات سفر الشباب الياباني إلى الخارج التي كانت موجودة قبل 30 عامًا لا تزال باقية على حالها. وظهرت في الوقت نفسه اتجاهات جديدة خلال السنوات العشر الماضية (وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة) نتيجة للعولمة والانتشار الهائل لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل السفر الجديدة مثل شركات الطيران منخفضة التكلفة (LCCs) ومواقع الحجز عبر الإنترنيت (OTAs) وتغير المواقف تجاه العلاقات الشخصية، لقد تغيرت نظرة اليابانيين تجاه السفر إلى الخارج مع مرور الزمان. ومن ناحية أخرى، فإن بعض الشباب ليست لديه الرغبة في السفر إلى الخارج، ولذلك فإن هناك استقطاباً داخل هذه التركيبة السكانية بين من لديهم اهتمام ضئيل أو غير مهتمين بالسفر للخارج وبين المسافرين المتحمسين معتادي السفر.

في يوليو/ تمّوز عام 2018، أصدرت وكالة السياحة اليابانية تقريراً تلخص فيه طرق تحفيز الشباب الياباني للسفر إلى الخارج. تحاول الوكالة من خلاله تعريف الشباب بالتجارب الأجنبية من خلال السفر، ولكن لم يتبين بعد كيفية تنفيذ هذه الاستراتيجية.

(النص الأصلي نشر باللغة اليابانية في 20 سبتمبر/ أيلول عام 2018، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان من بيكستا)

السياحة الشباب