على حافة الهاوية... هل تصبح اليابان دولة بلا أطفال؟!

مجتمع هو وهي

إن معدل المواليد في اليابان آخذ في الهبوط والانخفاض على الرغم من زيادة عدد الأطفال على قوائم الانتظار للالتحاق بدور الرعاية النهارية. كما أن الإفراط في الاعتماد على العمالة المحددة حسب نوع الجنس والإدراك الراسخ لرعاية الأطفال كمسؤولية فردية - وبالتحديد مسؤولية المرأة - هو وضع يضع اليابان على حافة الهاوية.

تسبق اليابان بقية دول العالم عندما يتعلق الأمر بتراجع معدل المواليد وشيخوخة السكان بشكل متسارع. وقد كانت أول جهود جادة قامت بها الحكومة لمعالجة المشاكل الناجمة عن هذا الوضع في عام 1994، عندما قامت وزارة التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والبناء بدمج مواردهم لتنفيذ خطة الملاك، وهي مبادرة لتوفير دعم أفضل لرعاية الأطفال للآباء العاملين. ومنذ ذلك الحين واصلت الإدارات الوطنية والمحلية المتتالية بذل الجهود من خلال اتخاذ تدابير إضافية لزيادة عدد مرافق الرعاية النهارية، ولكن في المناطق الحضرية الرئيسية لا يزال هناك قوائم انتظار للأطفال ليلتحقوا بمراكز الرعاية النهارية.

في غضون ذلك، يستمر معدل المواليد بالانخفاض في بشكل متسارع أكثر من أي وقت مضى. وتكافح مرافق الرعاية النهارية في المناطق النائية التي تنخفض معدلات الالتحاق بها، ويغلق بعضها بشكل كامل. وفي علامة أخرى تنذر بالمستقبل المظلم، فعلى مدى السنوات الـ 15 الماضية، كان ما يقرب من 500 مدرسة ابتدائية وثانوية في المتوسط يغلق كل عام. حيث انخفض عدد المواليد في السنة إلى أقل من مليون طفل لأول مرة في عام 2016، وانخفض أكثر حتى عام 2017 إلى 946 ألف طفل. وهناك تكهنات بأن الرقم قد ينخفض إلى أقل من 900 ألف طفل عام 2018. ومع ذلك لا تزال هناك عائلات غير قادرة على تسجيل أطفالهم في مرافق الرعاية النهارية في مناطق معينة لأسباب معقدة ومتشابكة.

الدخل المزدوج هو القاعدة

أولا، هناك عدد أكبر من النساء يشاركن في قوة العمل التي تعاني أساسا من نقص حاد، ويواصل عدد متزايد منهن العمل بعد الولادة أو البحث عن عمل جديد بينما لا يزال أطفالهن صغار

ثانياً، دخل الجيل الأصغر هو بوضوح أقل مما كان عليه في التسعينات. يقال أن الدخل ينمو، إلا أنه في السنوات القليلة الماضية التي وصلت إلى أدنى مستوى من انخفاض الدخل، وفي كثير من الحالات، يجب على كلا الوالدين العمل من أجل القدرة على توفير الأموال اللازمة لتربية الأطفال.

ثالثًا، تتزوج النساء ينجبن أطفالًا في سن متأخرة. إذا أخذوا إجازة لرعاية أسرهن، فسوف يكن في أواخر الثلاثينات أو الأربعينات في الوقت الذي يمكنهن فيه العودة مرة أخرى لقوة العمل، مما يجعل من الصعب عليهن العثور على عمل. وكما سبق أن لوحظ، فإن هذا سبب آخر يجعل النساء يقررن العودة إلى العمل بينما لا يزال أطفالهن صغاراً في السن.

دور الرعاية لا تواكب زيادة الطلب

رابعا، فتح مرافق الرعاية النهارية الجديدة يحفز الطلب الذي يمكن أن يفوق حتى القدرة المتاحة حديثا. عندما يفتح مركز رعاية نهارية جديد في مجتمع ما، فإن الآباء الذين يعيشون هناك والذين كانوا يناقشون ما إذا كانوا يبحثون عن عمل من المرجح أن يقرروا العمل عندما يعلمون أنه سيكون هناك مكان لرعاية أطفالهم أثناء وجودهم في عملهم. ومع نقص العمالة الحالي، يمكن لأي شخص مستعد للعمل أن يفعل ذلك بسهولة.

خامسا، التوزيع غير المتكافئ للوظائف والناس. حيث يغادر الشباب المناطق الريفية - وكذلك مناطق الضواحي المتاخمة للمدن الكبرى - للانتقال إلى مراكز المدن الأكثر ملاءمة. في الوقت الذي يتناقص فيه عدد السكان اليابانيين ككل، في المناطق الحضرية الكبرى، وخاصة في وسط طوكيو، يتزايد ذلك مع تدفق الشباب. ولهذا السبب، رغم أن معدل الخصوبة الكلي في طوكيو هو الأدنى في البلد، فإن عدد الأطفال الذين يعيشون في المدينة آخذ في الازدياد.

ظاهرة أخرى هي عدم تناسق السكان. على سبيل المثال، تشهد منطقة كانساي، ولا سيما محافظة أوساكا انخفاضا في عدد السكان بشكل عام، ولكن في مدينة أوساكا، ينمو السكان بسرعة كبيرة لدرجة أن بناء الوحدات السكنية الشاهقة بالكاد يواكب تلك الزيادة الكبيرة. وتفاقم الوضع بسبب ارتفاع تكلفة الأراضي في المناطق الحضرية. وهذا يجعل من المستحيل تقريبا بناء مرافق رعاية نهارية جديدة، وهو فشل يمكن ربطه مباشرة بنقص التخطيط الحضري.

سادسا، نقص العاملين المدربين في مجال رعاية الأطفال، ولا سيما في المناطق الحضرية المركزية حيث تتوفر فرص عمل للنساء. إن ظروف العمل والرواتب للعاملين المحترفين في مجال رعاية الأطفال ليست ببساطة جذابة مثل تلك الخاصة بالعديد من أنواع الوظائف الأخرى المتاحة للنساء. حيث لا يتم دفع رواتب جيدة للعاملين في مجال رعاية الأطفال، وعادة ما يعملون لساعات طويلة، وغالبا ما يضطرون للتعامل مع أطفال مرضى أو جرحى وأولياء الأمور. وقد تم تنفيذ التدابير لرفع رواتبهم، ولكن تم الإبلاغ عن حالات لأصحاب مرافق الرعاية النهارية ومديريها باستخدام أموال الهدف منها مرتبات الموظفين لأغراض أخرى.

تستخدم الحكومات الإدارية في المناطق الحضرية خزائنها الغنية نسبياً لدفع مرتبات أعلى وتحسين ظروف العمل في مرافق الرعاية النهارية العامة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا يجذب المزيد من النساء الشابات بعيداً عن المناطق النائية إلى المراكز الحضرية المزدحمة بالفعل، مما يزيد من تفاقم المشكلة واختلال التوازن السكاني.

وأخيرا، يميل العاملون في رعاية الأطفال إلى العمل لساعات طويلة لأن أولياء أمور الأطفال الذين يعتنون بهم يفعلون نفس الشيء. وتروج السياسات الحكومية لزيادة توظيف النساء والسياسات من أجل إحداث ثورة في ممارسات التوظيف، لكن معايير العمل تبقى كما هي عندما يكون الرجال هم المعيل الأساسي للأسرة، ويتوقع أن تكون النساء ربات بيوت فقط. ولا تزال ظروف العمل التي تسمح بتوازن أفضل بين العمل والحياة لكل من الرجل والمرأة هي الاستثناء وليس القاعدة في اليابان في الوقت الحالي.

هل عمل ربات البيوت بدوام كامل يساعد على خفض تكاليف الضمان الاجتماعي؟

لم يكن حتى تنفيذ خطة الملاك أن تغيرت مرافق الرعاية النهارية لتلائم احتياجات الآباء الذين يعملون بدوام كامل. قبل ذلك، كانت مرافق الرعاية النهارية عادة تغلق في الساعة 5:00 مساءً وغير متزامنة أو متوافقة مع واقع بيئة العمل اليابانية. وقد أُجبر الوالدان العاملان بسبب تلك الظروف للاستعانة بجليسات الأطفال أو اللجوء إلى والديهما لتقديم رعاية إضافية للأطفال. وبالنسبة للعديد من النساء، لم يكن الاستمرار في العمل من عدمه بعد الولادة خيارًا واقعيًا.

ولم تبدأ التدابير الخاصة، مثل ساعات الرعاية النهارية الممتدة ورعاية الأطفال المرضى حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لماذا استغرق الأمر وقتا طويلا؟

أحد الأسباب هو النجاح الذي تمتعت به اليابان حتى ذلك الحين مع تقسيم العمل على أساس النوع الاجتماعي ومجتمع الأسر ذات الدخل الفردي. في عام 1979، أي قبل 15 سنة فقط من صياغة خطة الملاك، نشر الحزب الليبرالي الديمقراطي مجموعة من الدراسات بعنوان مجتمع الرفاهية الياباني، التي أكدت أنه من الممكن الحفاظ على الضرائب اليابانية وتكاليف الرعاية الاجتماعية منخفضة لأن ربات البيوت المتفرغات يقمن بعبء رعاية الأطفال وتقديم الرعاية التمريضية والصحية لآبائهن وأمهاتهن. كما ادعت الدراسات أن اليابان سوف تفلس إذا ما تعهدت ببناء جميع مرافق الرعاية النهارية التي قد تحتاجها النساء للانضمام إلى قوة العمل.

ومع ذلك، بعد 10 سنوات فقط في عام 1989، كان هناك انخفاض حاد في معدل المواليد حيث ووصل إلى 1.57، أقل حتى من معدل 1.58 لعام 1966. تم عمل الكثير لما يسمى صدمة 1.57، ولكن لم يكن كافياً لتقويض القيم التقليدية للأسرة ذات الدخل الواحد، ولم يتحقق تقدم يُذكر في تغيير ظروف العمل. واستمر معدل المواليد الياباني في الانخفاض، حيث سجل أدنى مستوى قياسي بلغ 1.26 في عام 2005. وفي حين كانت هناك ارتفاعات متقطعة منذ ذلك الحين، لم تكن أي منها قوية بما يكفي لعكس هذا الانخفاض. وعلى مدى ثلاثة عقود، كانت التدابير المضادة لمعالجة انخفاض معدل المواليد ضعيفة في أحسن الأحوال، مع عدم بذل أي جهد لإجراء الإصلاح الشامل المطلوب.

لا يمكن لمرافق الرعاية النهارية وحدها حل مشكلة قوائم انتظار الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية أثناء عمل والديهم. يجب معالجة القضية من قبل المجتمع ككل، فأصحاب العمل من جانبهم، بحاجة إلى تنفيذ التغييرات الرئيسية التي من شأنها توفير دعم أفضل لرعاية الموظفين لأطفالهم، مثل برامج إجازة رعاية الطفل للشركات وأساليب عمل أكثر مرونة.

مجتمع غير قادر على رعاية أطفاله

يستمر معدل المواليد في اليابان في التراجع، لكن مشكلة قوائم الانتظار الطويلة للالتحاق بدور الرعاية النهارية تبقى دون حل. إن خطة الحكومة لتوفير رعاية مجانية للأطفال ابتداءً من السنة المالية 2019 ستحفز الطلب وربما تجعل التأخير أكثر سوءًا. إجراءات منتصف الطريق الرامية إلى اجتذاب الأصوات لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع. كما أن السماح بإدراج مرافق الرعاية النهارية غير المدعومة وغير المنظمة في خطة توفير رعاية مجانية للأطفال قد يعرض الأطفال لظروف غير آمنة، وهناك حتى قصص متفرقة عن أطفال يموتون في مثل هذه المرافق.

وثمة سبب آخر للانخفاض الحاد في معدل المواليد في اليابان وهو العدد المتزايد للشباب غير المتزوجين بين أطفال جيل الطفرة المولود بعد الطفرة ومرحلة ما بعد الطفولة. ويمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى سوق عمل غير مستقر، حيث يقوم عدد متزايد من الشركات المتعثرة بعدم اختيار التعيين التقليدي على أساس التفرغ الكامل، وبدلاً من ذلك تقوم بتوظيف عمال بعقود محدودة المدة، وعمال بدوام جزئي. وسط تلك الظروف كيف يُتوقع من الشباب أن يتزوجوا ويربون الأطفال عندما لا يكون لديهم أمن وظيفي ويعانون من أجور ورواتب منخفضة؟

إن النقص الحالي في اليد العاملة يعني المزيد من فرص العمل للشباب، لكننا نميل إلى نسيان أن الفشل خلال العقدين الماضيين في معالجة المشاكل الكامنة في النسيج الاجتماعي الياباني قد يدفع ثمنها غاليًا الجيل الأصغر، مما أدى إلى تسارع هبوط معدل المواليد. هناك حاجة إلى تدابير لضمان العمل المستقر وخلق بيئة تمكن الشباب الراغبين في الزواج والأطفال من تحقيق ذلك في أقرب وقت ممكن.

لقد اعتبرت اليابان ذات يوم أن الأطفال هم رصيدا قيما للمجتمع، ومع ذلك فقدوا في مكان ما التسامح اللازم لتعزيز الأجيال القادمة. وأصبحت رعاية الأطفال مسؤولية فردية - على نحو أدق، مسؤولية المرأة - وليس مسؤولية مشتركة للمجتمع ككل. ومع انخفاض معدل المواليد والشيخوخة، أصبحت اليابان على وشك التحول إلى مجتمع بلا أطفال. إن الافتقار إلى القيادة والبصيرة يهدد بإغراق البلاد في مستقبل غامض.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان من بيكستا)

أطفال انخفاض عدد السكان كبار السن