استراتيجية اليابان العلمية: دفعة نحو الطريق الصحيح أم مزيد من العراقيل؟

علوم تكنولوجيا صحة وطب

تابعت اليابان عن كثب حفل توزيع جوائز نوبل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2018 الذي أُقيم في ستوكهولم بالسويد، حيث كان أحد الحاصلين عليها هو العالم الياباني (هونجو تاسوكو) من جامعة كيوتو، الذي تسلمها في مجال الطب عن دوره في اكتشاف شكل من أشكال العلاج المناعي للخلايا السرطانية يطلق عليه (checkpoint inhibitor) (نقاط التفتيش المناعية). وبذلك يصبح الحائز الياباني الثامن عشر الحاصل على الجائزة في المجالات العلمية على مدار الثلاثين عامًا الماضية، ولكن بالنظر إلى حالة أبحاث العلوم الطبيعية والاتجاهات في سياسة العلوم والتكنولوجيا، فإن فرص استمرار النجاح تبدو ضئيلة نوعًا ما.

مناخ بحثي ضعيف

شهدت اليابان فترة من الجفاف البحثي استمرت لمدة ثلاثة عشر عامًا في عدد الحاصلين على جائزة نوبل في المجالات العلمية بعد حصول (تونيغاوا سوسومو) على الجائزة في علم وظائف الأعضاء أو مجال الطب في عام 1987. وكسر هذا الصيام عن حصد الجوائز (شيراكاوا هيديكي)، الذي فاز بالجائزة في الكيمياء عام 2000، ويبين الجدول أدناه الأعوام التي أعلن فيها الفائزون اللاحقون نتائج أبحاثهم التي تم تكريمهم عليها. (بما فيهم الحائزين عليها من العلماء اليابانيين المولد).

 الأعوام التي الإعلان فيها عن الأبحاث الحائزة على جائزة نوبل (الفائزون بعد عام 2000)

الستينات نامبو يوإيتشيرو: بداية سنوات البحث في عام 1960. (2008)
شيمومورا أوسامو: بداية سنوات البحث في عام 1962. (2008)
السبعينات كوباياشي ماكوموتو وماسوكاوا توشيهيدى: بداية سنوات البحث في عام 1973. (2008)
شيراكاوا هيديكي: بداية سنوات البحث في عام 1977. (2000)
نيغيشي إيإتشي: بداية سنوات البحث في عام 1977. (2010)
سوزوكي أكيرا: بداية سنوات البحث في عام 1979. (2010)
أومورا ساتوشي: بداية سنوات البحث في عام 1979. (2015)
الثمانينات نايوري ريوجي: بداية سنوات البحث في عام 1980. (2001)
تاناكا كوإيتشي: بداية سنوات البحث في عام 1985. (2002)
أكاساكي إيسامو وأمانو هيروشي: بداية سنوات البحث في عام 1989. (2014)
كوشيبا ماساتوشي: بداية سنوات البحث في عام 1987. (2002)
التسعينات أوسومي يوشينوري: بداية سنوات البحث في عام 1992. (2016)
هونجو تاسوكو: بداية سنوات البحث في عام 1992. (2018)
ناكامورا شوجي: بداية سنوات البحث في عام 1993. (2014)
كاجيتا تاكاكي: بداية سنوات البحث في عام 1998. (2015)
العقد الأول من الألفية الثانية ياماناكا شينيا: بداية سنوات البحث في عام 2006. (2012)

(الأعوام بين الأقواس تشير إلى سنة الحصول على الجائزة)

وبالنظر إلى الجدول أعلاه، نجد اثنين من الحاصلين على الجائزة قاما بأبحاثهم في الستينات، وستة في السبعينات، وخمسة في الثمانينات، وأربعة في التسعينات، وواحد في العقد الأول من القرن الحالي، ومعظمهم لم تعترف بهم لجنة جائزة نوبل إلا بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على نشر أعمالهم الرائدة. وهذا يشير إلى أن الاعتراف بالقيمة الكاملة للبحث العلمي لا يأتي بين عشية وضحها. الاستثناء البارز من هذه القاعدة هو ياماناكا شينيا، الذي حصل على الجائزة في عام 2012، بعد ست سنوات فقط من اكتشافه للخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات.

وعلى أية حال، فإن إنجازات العلماء اليابانيين مثيرة للدهشة نوعاً ما بالنظر إلى أن بيئة أبحاث العلوم الطبيعية التي كانت أقل من تلك التي يتمتع بها نظرائهم في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة صناعيا في السبعينات والثمانينات. وحتى من خلال المعايير العالمية كانت أبحاثهم فريدة، وغير تقليدية، ومركبة بعمق. وفي الواقع، كان هناك العديد من العلماء البارزين الآخرين في اليابان الذين لم يتم التعرف على عملهم من قبل لجنة جائزة نوبل، بما في ذلك عالم الفيروسات (هانافوسا هيدسابورو)، الذي أظهر كيف يمكن أن تسبب الفيروسات السرطان. وعالم الأحياء الخلوي (ماسوي يوشيأو)، الذي نجح في عزل المواد التي تتحكم في عملية انقسام الخلايا، وعالم الأعصاب (نوما شوساكو) الذي أجرى بحثًا رائدًا عن النواقل العصبية والقنوات الأيونية.

الإطلاق المتأخر للسياسات الأساسية تجاه العلوم والتكنولوجيا

لا يزال البحث العلمي يشغل مكانًا مهمًا في السياسات اليابانية، وربما كان ذلك بسبب إدراك أن التقنيات الغير متطورة لليابان في حقبة الحرب العالمية الثانية كانت عاملاً في هزيمتها. وبعد مرور خمسين عاماً، وفي الورقة البيضاء (دليل الحكومة تجاه السياسات) المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا لعام 1995، تم تلخيص التركيز المتطور للأولويات السياسية للدولة على النحو التالي:

(منذ نهاية الحرب حتى الخمسينات): اعتماد العلوم والتكنولوجيا من أجل البقاء وإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد.

الستينات: اعتماد العلوم والتكنولوجيا من أجل النمو الاقتصادي وتوسيع البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية

السبعينات: تدارك ومعالجة الضغوط المترتبة على النمو السريع والاستجابة للمتغيرات العالمية.

الثمانينات: التأكيد على العلوم الإبداعية والتكنولوجيا والاستجابة للأطروحات الجديدة.

التسعينات: السعي لبناء أمة قائمة على العلوم الإبداعية والتكنولوجيا.

وبالنظر إلى ما سبق في عجالة، فإن التركيز المتغير في السياسات المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا أمر مثير للاهتمام. وقد ظهر بالفعل الهدف المتمثل في بناء ”أمة قائمة على العلوم والتكنولوجيا“ في الورقة البيضاء لعام 1980، ولكن هذا الهدف كان يتم تنفيذه بطريقة مجزأة من قبل الوزارات المختلفة حتى أوائل التسعينات، عندما تم صياغة سياسة شاملة على مستوى الحكومة.

ففي عام 1995، تم تحديد سياسات ساعية لبناء دولة قائمة على العلوم الإبداعية والتكنولوجية، الأمر الذي سيؤول إلى خلق القيمة وضمان مجتمعات مرفهة. وكان ذلك أيضاً هو العام الذي شهد سن القانون الأساسي للعلوم والتكنولوجيا، حيث تم إطلاق جهوداً لتطوير سياسات علمية وتكنولوجية منسقة. وبدأت في العام التالي صياغة خطة خمسية ”الخطط الأساسية للتكنولوجيا والعلوم“ لتحديد الاتجاهات المرجوة في العقد القادم.

وتم تحديد الخطط الأساسية كتوظيف العلماء في معاهد البحوث الوطنية على أساس أجل محدد المدة، ودعم 10,000 باحث بعد الدكتوراة، وتوثيق التبادل والتعاون بين الصناعات والأوساط الأكاديمية والحكومة. وفي إحدى المحاضرات في عام 2004، أشار عضو البرلمان السابق للحزب الليبرالي الديمقراطي (أومي كوجي)
– كان وزيراً في الحكومة مسؤول عن سياسة العلوم والتكنولوجيا أثناء تشريع القانون الأساسي للعلوم والتكنولوجيا – إلى أن اليابان كدولة صغيرة فقيرة في الموارد الطبيعية، لم يكن أمامها خيار سوى استعادة القدرة التنافسية من خلال ابتكاراتها العلمية والتكنولوجية حتى تظل رائدة على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين.

وقد دعت الخطة الثانية للتكنولوجيا والعلوم الأساسية، التي اعتُمدت في عام 2000، إلى أولوية البحث والتطوير لمعالجة القضايا الوطنية والاجتماعية الرئيسية، وحددت أربع مجالات للاستثمارات الاستراتيجية من أجل النهوض بالسياسات الأساسية للمناحي العلمية والتكنولوجية في البلاد، وهي: علوم الحياة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، العلوم البيئية، تكنولوجيا النانو وتوفير المواد. ومن ثم استهداف موارد البحث والتطوير من خلال الانتقاء والتركيز على هذه المجالات ذات الأولوية.

وفي عام 2001، أُنشئ مجلس سياسات العلوم والتكنولوجيا ليتسنى تفعيل نهج تنازلي (التوجيه الصادر من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا لفرض سياسة بعينها) للصياغة والتنسيق العام للسياسة العلمية والتكنولوجية برئاسة رئيس الوزراء. وتم تغيير اسمه إلى مجلس العلوم والتكنولوجيا والابتكار في عام 2014، مما يعكس تركيزه على معالجة مزيداً من التحديات العملية بشكل أكبر. وتغطي الخطة الخمسية الأساسية الحالية الفترة حتى عام 2020، وفي حين أنها تحتوي على العديد من الكلمات الرنانة مثل ”المجتمع 5,0“ (مجتمع يركز على الإنسان يوازن بين التقدم الاقتصادي وحل المشاكل الاجتماعية من خلال نظام يدمج بدرجة عالية الفضاء الإلكتروني والفضاء المادي)، إلا أن اتجاهها الريئسي لايزال دون تغيير كبير عن الخطط الأساسية المعتمدة سابقاً.

سياسات علمية وتكنولوجية غير مجدية

وبالتوازي مع تقدم السياسة العلمية والتكنولوجية، كانت الإصلاحات الشاملة في التعليم العالي، لا سيما الجامعات الوطنية.

وغني عن القول أن الأنشطة الأساسية في مجالات العلوم والتكنولوجيا كانت تُجرى في الجامعات الوطنية، وهو الأمر الذي برهنت عليه انتماءات الحائزين على جائزة نوبل في العلوم الطبيعية حتى الآن. وقد ركزت مثل هذه الجامعات على الأبحاث الأساسية، بدلاً من الأبحاث التطبيقية أو التطوير التكنولوجي، وكُلفت بمهمة اكتشاف ”البذور“ (الأفكار العلمية في مهدها) ورعايتها مع إمكانات كبيرة لتحقيق النمو.

في غضون ذلك، تم إطلاق مبادرة لإصلاح التعليم الجامعي في التسعينات. وفي عام 1991، نُقحت معايير إنشاء الجامعات لإدخال مزيد من المرونة بشكل أكبر على المناهج الدراسية، مثل إلغاء شرط تحديد التخصصات بوضوح. وتم التركيز بشكل أكبر على المواد المتخصصة بدلاً من التعليم العام، مما أثار انتقادات بأن تعليم العلوم الإنسانية كانت مهملة. وتم إعطاء الأولوية للدراسات العليا بدلاً من الالتحاق بمعاهد الدراسات العليا بكليات مدتها أربع سنوات، وكانت الأقسام في المرحلة الجامعية بمثابة امتدادٍ للأبحاث الجامعية على مستوى الدراسات العليا، وهو الأمر الذي رحبت به الجامعات الوطنية، مما مكنها من زيادة عدد طلاب الدراسات العليا والمطالبة بنفقات بحثية وإدارية أكبر.

ونتيجة لذلك، قفز عدد طلاب الدراسات العليا من 98,000 طالب في عام 1991 إلى أكثر من 200,000 في عام 2000، ولكن لم يكن هناك ارتفاع مصاحب في العدد الإجمالي لأعضاء هيئة التدريس، وكان هناك عدد أكبر من الأساتذة والأساتذة المساعدين، لكن العديد من الجامعات أُجبرت على العمل مع عدد أقل من مساعدي التدريس والمحاضرين. وهذا لا يشير فقط إلى أن الكم جاء كان على حساب الجودة ولكنه أدى أيضاً إلى وجود وفرة من حاملي الدكتوراه غير القادرين على العثور على عمل. ومن المثير للسخرية أن الدعم الذي وعُد به 10,000 من الباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراة في الخطة الأساسية ذهب إلى حد كبير لمساعدة هؤلاء الخريجين ذوي المؤهلات التي تزيد عن المطلوب لتغطية نفقاتهم.

وفي عام 2004، تم إدراج الجامعات الوطنية ككيان قانوني مستقل، مع وعد باستقلالية أكبر من الهيئات التعليمية. ومع ذلك، ظلت الجامعات تحصل على نفقاتها اللازمة من الحكومة، بينما شرعت في عملية إعادة التنظيم والإندماج، وأُدخلت نظم إدارية تابعة للقطاع الخاص، وأعطت الأولوية لتخصيص نفقات التشغيل على أساس التقييم الخارجي. ومع ذلك، فإن الفوائد المتوقعة من عملية الإدراج لم تتحقق بعد.

ومن ضمن المشاكل التي ظهرت وجود فجوات تمويلية، ليس فقط بين الجامعات المختلفة ولكن أيضا بين إدارة الجامعة الواحدة. ويُسمح الآن للكليات بالاستفادة بنطاق أوسع من مصادر الدخل، ولكن ثقافة التبرعات لم تلقي بظلالها بعد على اليابان، ولا تزال معظم الجامعات تعتمد على الحكومة في النفقات الإدارية التي يتم توفيرها بشكل موحد لجميع الكليات وعلى المنح البحثية الخاضعة لـ (مراجعة الأقران). وهناك أيضا ميل للتقييمات الخارجية لتكون أكثر من مجرد شكليات.

ولسوء حظ علماء اليابان، كلما حاولت الحكومة تقوية السياسات العلمية والتكنولوجية وتعزيز إصلاح التعليم العالي، كلما قلت الحاجة إلى متابعة اهتماماتهم البحثية. ومن المفارقات أن الجهود الحكومية الرامية إلى تشجيع البحث العلمي لا تؤدي إلا إلى حرمان الباحثين من حريتهم وحماسهم.

الضغائن المتزايدة

ربما نتيجة لذلك، تدهورت جودة الأبحاث اليابانية في السنوات الأخيرة. وفي مقال من ست صفحات بعنوان
”ما هو الثمن الذي سيدفعه العلم مقابل التقشف؟“ ، نُشر في مجلة ”نيتشر“ العلمية في عدد شهر مارس/ آذار لعام 2017، يندب ميزانية اليابان المتضائلة للأبحاث العلمية، مشيراً إلى أن حصة اليابان من الأوراق البحثية في سكوبس (قاعدة البيانات والملخصات المرجعية) ”قد انخفضت بأكثر من الثلث على مدار عشر سنوات“، وأن
”الباحثين في مرحلة مبكرة من حياتهم المهنية يواجهون مستقبلاً مجهولاً، حيث تقلل الجامعات من عدد الوظائف الدائمة وتحول المزيد من أعضاء هيئة التدريس إلى عقود قصيرة الأجل“، وأن الحكومة اليابانية قد خفضت التمويل من خلال ”تخفيض برنامج منح النفقات الإدارية بنسبة 1٪ سنويًا بين عامي 2004 و 2014“.

ووفقا لتقارير إخبارية صدرت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أشارت إلى أن رئيس جامعة كيوتو ياماغيوا جوإيتشي، والذي يشغل أيضا منصب رئيس الرابطة اليابانية للجامعات الوطنية كان على خلاف مع كاندا ماساتو نائب المدير العام لمكتب الميزانية التابع لوزارة المالية، بشأن مخصصات النفقات الإدارية. وأفادت التقارير بأن النقاش احتدم بينهما بشأن اقتراح من الوزارة لاستخدام أساليب التخصيص الترجحية في توزيع ما يقرب من 100 مليار ين - أي حوالي 10٪ من قيمة هذه المنح - اعتماداً على مدى ما حققته كل جامعة من تقدم في الإصلاحات.

بدأ التوزيع الغير متكافئ في عام 2016 بحصة أقل كثيراً – 30 مليار ين ياباني فقط – من إجمالي المنح، لكن النسبة ارتفعت، ويشك البعض في أن المبلغ بأكمله قد يتم توزيعه في يوم من الأيام على أساس تنافسي. وقد تم تخفيض إجمالي المنح بنسبة 1 ٪ سنوياً منذ عام 2004، مما أدى إلى انخفاض ما يقرب من 140 مليار ين ليصل المبلغ المتبقي إلى 1,1 تريليون ين يجب توزيعها على الجامعات. وإذا تم استقطاع نسبة 10٪ من هذا الإجمالي ليتم توزيعها على أساس ترجيجي، فيمكن أن ترى بعض الجامعات الوطنية انخفاضًا في مخصصاتها بنسبة كبيرة.

وتميل وزارة المالية إلى تشجيع الكفاءة الإدارية والمنافسة بين الجامعات الوطنية التي كانت حتى وقت قريب قادرة على التركيز على تنمية الموارد البشرية ورعاية الأفكار الواعدة العلمية والتكنولوجية. ويرجع ذلك إلى تضاؤل عدد السكان المحليين والضغوط المتزايدة من أجل ضبط الأوضاع المالية العامة.

وأفادت تقارير بأن نائب المدير العام لمكتب الميزانية (كاندا) أشار في نقاشاته مع (ياماغيوا) رئيس جامعة كيوتو إلى أن الحصول على كمية كبيرة من الأموال دون وجود هامش تنافسي، إضافة إلى الإدارات الجامعية ضيقة الأفق كانت كلها عوامل وراء تضاؤل الحصة العالمية من الأوراق البحثية الأكاديمية. وشجع على تعزيز الركائز المالية للجامعات من خلال تنويع مصادر الإيرادات، وبناء نظام بحثي عالي الإنتاجية، وجعل المساهمات الاجتماعية متناسبة مع أموال الضرائب التي تتلقاها الجامعات، وإنشاء نظام تقييمي يفضي إلى تخصيصات أكثر عدلاً للتمويل الحكومي.

ورد ياماغيوا قائلاً بإن دمج الجامعات الوطنية وتخفيض مبالغ منح النفقات الإدارية كان خطأً، وأن المؤسسات كانت تُجبر على تحمل وطأة سياسة الحكومة التقشفية المالية. وأضاف بأن إدخال المنافسة على هذه المنح لا يؤدي إلا إلى خفض المعايير البحثية، حيث يضطر العلماء إلى ”إضاعة وقتهم“ في السعي إلى تعزيز القدرة التنافسية لجامعاتهم. وقد أثيرت هذه الشكاوى من قبل العديد من الباحثين الآخرين في اليابان.

ويجب أن تستمر الجامعات في التنافس على المنح البحثية والإدارية مع الحصول على تقييمات عالية من برامج مثل (Global Centers of Excellence) (مراكز التميز الدولية) و (World Premier International Research Center Initiative) (المركز العالمي الرئيسي للأبحاث الدولية)، والتي من المحتمل أن تؤثر على ترتيبها العالمي ونموها المستقبلي.

وتدعو الجامعات الوطنية مرة أخرى هذا العام، إلى تقديم مدفوعات موحدة من منح الإدارة والإعانات من أجل تحسين المرافق، ولكن من غير المحتمل أن تستوعب السلطات المالية هذه الطلبات.

هل يمكننا أن نرى مزيداً من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل؟

وتستند الخطة الثانية للعلوم والتكنولوجيا التي تغطي الفترة (2001-2005) إلى هدفها المتمثل في ”الابتكار المعرفي“ عن طريق ”نشر مجموعة من الأوراق البحثية القيمة التي تناسب فرص الاستثمار، وذلك بزيادة النسبة المئوية للأوراق البحثية العالية الجودة، بهدف إعداد أعداد كبيرة من العلماء يمكنهم الحصول على جائزة نوبل كحال أكثر الدول الأوروبية المتقدمة تكنولوجياً“، أملاُ في الوصول إلى ثلاثين حائزٍ على جائزة نوبل في السنوات الخمسين القادمة.

إلا أن هذا الهدف لم يتجلى لاحقاً في الخطط الأساسية التالية، ولكن في حالة استمرار اليابان في تقديم مزيداً من الحائزين على الجائزة بنفس الوتيرة التي شهدتها العقود الثلاثة الماضية، فقد يكون مسعاً من الممكن تحقيقه بالفعل، وبالنظر إلى أن جائزة نوبل تُمنح لعمل رائد لم يسبق لأحد أن فكر فيه، فإن البحث في مثل هذه المجالات غالباً ما يكون مجازفة مع احتمالية كبيرة للفشل. كذلك كان الأمر بالنسبة لاكتشاف (هونجو تاسكو) لبروتين (PD-1) الذي كان في بداية الأمر غير محسوم النتائج، لكنه استمر في دراسته لهذا البروتين ”المثير للاهتمام“ لأكثر من عشرين عامًا حتى استطاع تحقيق مبدأ جديد تماماً في العلاج المناعي للسرطان. وفي الوقت ذاته، فإن أبحاثه الأصلية حول (immunoglobulin class switching) (تحول الأنماط المناعية)، لم تنته بعد.

وفي حديث لأحد أعضاء مجلس العلوم والتكنولوجيا والابتكار أشار فيه إلى أن البحوث الأساسية في السنوات الأخيرة، قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى تحقيق مكاسب تجارية. مثل هذا التعليق من قبل شخص مسؤول عن صياغة سياسة اليابان للعلوم والتكنولوجيا يكشف عن مدى جهل صانعو السياسات وعدم وعيهم بالواقع الحقيقي والمتطلبات اللازمة لتقديم أبحاث علمية يمكنها الحصول على جائزة نوبل.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية في الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2019، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: هونجو تاسكو من جامعة كيوتو يتسلم ميدالية وشهادة تقديرية لحصوله على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب خلال حفل توزيع الجوائز في ديسمبر/ كانون الأول 2018 في ستوكهولم بالسويد. جيجي برس)

تكنولوجيا جائزة نوبل الطب