انعكاسات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ على اليابان والاقتصاد العالمي

اقتصاد

 دخلت اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ والمعروفة أيضا باسم TPP11حيز التنفيذ في نهاية عام 2018 وتضم 11 دولة موقعة على الاتفاقية ليس من بينها الولايات المتحدة التي انسحبت منها. وفي هذه المقالة يناقش الكاتب تفاصيل وأهمية هذه الاتفاقية مع التركيز على الاتفاقيات المبرمة في المنطقة التي لا تفرض تعريفات جمركية.

رحلة مضطربة قبل التوصل لاتفاقية TPP11

في 30 ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 أصبحت الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة العابرة للمحيط الهادئ والتي تعرف أيضا باسم ’’TPP11‘‘ سارية المفعول وهو ما يشكل منطقة للتجارة الحرة يعيش فيها نحو 500 مليون إنسان ويبلغ الناتج الإجمالي المحلي مجتمعا لدول تلك المنطقة نحو 10 تريليونات دولار وقيمة التجارة السنوية بنحو 5 تريليونات دولار.

وقد حلت هذه الاتفاقية محل اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ ’’ TPP‘‘ والتي اتفقت عليها 12 دولة من ضمنها الولايات المتحدة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 ووقعت عليها في شهر فبراير/شباط من عام 2016. ولكن بعد سريان مفعول الاتفاقية بوقت قصير، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بالانسحاب من اتفاقية TPP حيث كان قد وعد الناخبين بذلك أثناء حملته الانتخابية. ولدخول الاتفاقية حيز التنفيذ كان يتعين المصادقة عليها من قبل 6 دول أعضاء فيها أو أكثر بحيث يكون الناتج الإجمالي المحلي لها مجتمعا 85% أو أكثر من الناتج الإجمالي المحلي الكلي لجميع الدول الاثنتي عشرة الموقعة على الاتفاقية. ولكن مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، سرى اعتقاد على نطاق واسع بأن اتفاقية TPP قد انتهت.

واعتقدت دول نامية مثل ماليزيا وفيتنام أنه بدون الولايات المتحدة فإن اتفاقية TPP ستخسر نصف أهميتها. في حين بالنسبة لكندا والمكسيك، كانت إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ’’نافتا‘‘ – التي نسفتها إدارة ترامب أيضا – تحظى بأولوية أكبر. ولكن اليابان واظبت على جهود لكسب تلك الدول وتم التوصل لاتفاقية على صورة TPP11 في نهاية المطاف في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017.

ومع تبني إدارة ترامب سياسات حمائية في التجارة، حظيت الدبلوماسية الاقتصادية القوية لليابان بترحاب كبير. واستضافت اليابان 3 من أصل 4 اجتماعات لكبار المسؤولين (على مستوى كبار المفاوضين التجاريين) عقدت في المرحلة النهائية من المفاوضات بعد شهر يوليو/تموز عام 2017، من بينها اجتماع عقد في البلدة المنتجع هاكوني بالقرب من طوكيو. إن القيادة التي أظهرتها اليابان كانت غير مسبوقة واستحوذت على الكثير من الاهتمام.

نموذج للاتفاقيات التجارية في القرن الحادي والعشرين

في حين أن اتفاقية TPP11 هي اتفاقية موجزة حيث تضم 7 مواد فقط، تستخدم المادة الأولى لدمج TPP باعتبارها اتفاقية تمت الموافقة عليها من قبل 12 بلدا. وبهذه الطريقة أصبحت TPP11 الوسيلة القانونية لبث الحياة من جديد في TPP.

تنص المادة الثانية على تعليق تطبيق بنود معينة حيث تجمد 22 بندا أضيفت تحت إصرار قوي من الولايات المتحدة أثناء مفاوضات TPP، نصفها تتعلق بحقوق الملكية الفكرية. ويتم تعليق بنود استحوذت على اهتمام قوي من الولايات المتحدة مثل فترة حماية للبيانات لمدة 8 سنوات للمواد البيولوجية وتسوية نزاعات بين المستثمرين والدول فيما يتعلق بالاستثمارات.

في حين تنص المادة 3 على دخول الاتفاقية حيز التنفيذ. فبخلاف TPP، تم إلغاء معيار مقدار إجمالي الناتج المحلي مجتمعا للدول المصادقة على الاتفاقية وأبقي على شرط عدد تلك الدول.

تحدد المادتان 4 و5 قواعد الانسحاب والانضمام إلى الاتفاقية على الترتيب. وتتعلق المادة 6 بمراجعة الاتفاقية. فإذا كانت اتفاقية TPP الأصلية على وشك أن تصبح نافذة المفعول أو عندما يُعتقد أنه من غير المرجح أن يتم ذلك، فيمكن مراجعة الطريقة التي تعمل بها TPP11 بناء على طلب من أي دولة موقعة على الاتفاقية. ويمكن أن يفهم ذلك على أنه بند مضاف في حال قررت الولايات المتحدة الانضمام مجددا للاتفاقية. وتنص المادة 7 على أن النصوص الملزمة رسميا لهذه الاتفاقية هي باللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية.

إلغاء التعريفات الجمركية والقواعد الخاصة بالاستثمارات والتجارة الإلكترونية

ولكن ما هي التأثيرات المتوقعة لـ TPP11؟ وعدت الدول الموقعة على الاتفاقية بإلغاء التعريفات الجمركية بنسبة 100% تقريبا على السلع المصنعة وهو قطاع صناعي تتفوق فيه اليابان. ويحظر على البلدان المستقبلة للاستثمارات طلب نقل التكنولوجيا مقابل الحصول على رخصة للاستثمار. كما تشمل الاتفاقية قواعد تتعلق بالتجارة الإلكترونية وهي مجال غير خاضع للتنظيم من قبل منظمة التجارة العالمية. حيث تحظر تلك القواعد متطلبات نقل أو الوصول إلى الشفرات المصدرية أو إلى خوادم الكمبيوترات التي توضع محليا في سوق وطني معين. ويحظر على المؤسسات الحكومية التأثير سلبا على مصالح البلدان الأخرى الموقعة على الاتفاقية من خلال تقديم مساعدات غير تجارية.

وكما هو واضح أعلاه، فاتفاقية TPP11 تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لليابان التي تعتمد بدرجة كبيرة على التجارة والاستثمار. وهذا السبب في وصف TPP11 بأنها اتفاقية تجارة حرة ’’ضخمة‘‘ عالية المستوى للقرن الحادي والعشرين. وفي وقت تتعزز فيه النزعات الحمائية في التجارة في ظل إدارة ترامب، شكل دخول اتفاقية TPP11 حيز التنفيذ في نهاية عام 2018 تلتها اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين اليابان والاتحاد الأوروبي في 1 فبراير/شباط عام 2019، تطورات في غاية الأهمية من منظور الدفاع عن نظام تجاري دولي حر ومفتوح.

قواعد جديدة في اتفاقية TPP11

1. تسهيل الإجراءات الجمركية والتجارة

كانت إحدى القضايا التي توجب معالجتها في اتفاقية TPP11 تحسين التوصيل لزيادة كفاءة شبكات التصنيع عبر الحدود. حيث تضمن الاتفاقية تطبيق القواعد الجمركية بشكل يمكن التكهن به وباتساق وشفافية، وتشجع على تعزيز التعاون بين البلدان الموقعة والتناغم مع المعايير الدولية وتسريع الإجراءات الجمركية والوصول إلى المراجعات الإدارية أو القضائية.

ومن المتوقع أن ينجم عن اتفاقية TPP11 الفوائد التالية:

  • تسريع عملية التخليص الجمركي: يتم إدخال السلع خلال 48 ساعة من وصولها كحد أقصى.
  • شحنات سريعة: في الأحوال العادية يتم إدخال الشحنات السريعة خلال 6 ساعات بعد تقديم المستندات الجمركية اللازمة.
  • أحكام مسبقة: بإمكان الأطراف تقديم طلبات مكتوبة للحصول على أحكام مسبقة بشأن مسائل مثل تصنيف التعريفات الجمركية وبلد المنشأ وبالتالي تسريع عملية التخليص الجمركي.
  • الأتمتة: بإمكان الأطراف إكمال إجراءات التصدير والاستيراد إلكترونيا من نقطة دخول واحدة.

2. الاستثمارات

يتمثل أحد المكونات الهامة في تشييد شبكات تصنيع عابرة للحدود في التدفق الحر للاستثمارات الأجنبية المباشرة. ولهذا السبب يتطرق الفصل المتعلق بالاستثمار لمسائل بشأن المعاملة الوطنية ومعاملة الدول الأكثر رعاية للاستثمارات قبل إنشائها وبعده. كما يصف المعاملة النزيهة والمنصفة للاستثمارات وحمايتها وأمنها بشكل كامل. علاوة على ذلك، يُحظر على الأطراف فرض شروط أداء على المستثمرين مثل اشتراط الشراء المحلي وطلب نقل التكنولوجيا. وبهذه الطرق، تذهب اتفاقية TPP11 أبعد من الاتفاقية الراهنة لمنظمة التجارة العالمية بشأن تدابير الاستثمار المتعلقة بالتجارة.

بالنسبة لدول فيدرالية مثل كندا وأستراليا، يتم تطبيق الكثير من لوائح الاستثمار على المستوى الإقليمي للحكومة. ويتضمن فصل الاستثمار في اتفاقية TPP11 آلية يتعين على الأطراف بموجبها الدخول في مشاورات بشأن لوائح استثمار لا تتوافق مع الحكومات المحلية. والنتيجة تكون بيئة استثمار أفضل للمستثمرين.

3. التجارة في الخدمات عبر الحدود

تنص اتفاقية TPP11 على المعاملة الوطنية ومعاملة الدول الأولى بالرعاية وولوج الأسواق لتجارة الخدمات العابرة للحدود (نمط الإمدادات 1) وخدمات الاستهلاك في الخارج (نمط 2) وخدمات مزودة من خلال وجود أشخاص طبيعيين (نمط 4).

تغطي اتفاقية TPP11 جميع قطاعات الخدمات من حيث المبدأ وتضع في قوائم التدابير والقطاعات الملحقة حيث لا يتم تطبيق الالتزامات بشأن المعاملة الوطنية ومعاملة الدول الأولى بالرعاية وولوج الأسواق (طريقة القائمة السلبية). ومع هذا النهج، يمكن فهم الوضع الراهن بالنسبة للوائح بسرعة، وتكون الشفافية والاستقرار القانوني والقدرة على التنبؤ عالية. وبهذا الشكل يُنظر إلى هذه الطريقة على أنها نهج سهل الاستخدام أكثر من طريقة القائمة الإيجابية المتبعة في الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات لمنظمة التجارة العالمية.

4. الدخول المؤقت لرجال الأعمال

تحدد اتفاقية TPP11 الموافقة على الدخول المؤقت لرجال الأعمال من طرف موقّع على الاتفاقية إلى آخر وشروط الدخول المؤقت وزيادة سرعة وشفافية إجراءات التطبيق.

تشمل العناصر الجديدة في TPP11 التي لم تكن جزءا من الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات ضمان شفافية إجراءات التقديم لإجراءات الهجرة والتزامات بشأن توفير المعلومات مثل تلك المتعلقة بالتغييرات في شروط الدخول المؤقت والأطر الزمنية المعتادة لمعالجة الطلبات والالتزامات المتعلقة بالنظر في أنشطة التعاون الخاصة بمعالجة التأشيرات وأمن الحدود.

5. التجارة الإلكترونية

على الرغم من أن سوق التجارة الإلكترونية يتوسع بسرعة إلا أن التجارة الإلكترونية لا تغطيها منظمة التجارة العالمية. وفي اتفاقية TPP11 تم وضع أحكام شاملة وعالية المستوى بشأن التجارة الإلكترونية. وهذه البنود تشمل ما يلي:

أ) لا يجوز لأي طرف فرض رسوم جمركية على النقل الإلكتروني بين طرف وآخر.

ب) لا يجوز لأي طرف منح معاملة تفضيلية لمنتجات رقمية يتم إنتاجها في أراضي طرف آخر أقل من منتجات رقمية أخرى مشابهة.

ت) يسمح كل طرف بنقل المعلومات عبر الحدود بالوسائل الإلكترونية (بما في ذلك المعلومات الشخصية) عندما يكون هذا النشاط مخصصا لإجراء الأعمال.

ث) لا يجوز لأي طرف مطالبة مؤسسة ما باستخدام أو تحديد موقع منشآت الحوسبة في أراضي ذلك الطرف كشرط لممارسة الأعمال التجارية في تلك الأراضي.

ج) لا يشترط أي طرف نقل أو الحصول على الشفرات المصدرية لبرامج السوق الشاملة التي يملكها شخص من طرف آخر.

بالإضافة إلى ما سبق، توفر اتفاقية TPP11 أيضا حماية لمستخدمي التجارة الإلكترونية والمستهلكين عبر شبكة الإنترنت مما يضمن بيئة يمكن للمستهلكين من خلالها استخدام التجارة الإلكترونية بثقة.

6. المشتريات الحكومية

تحدد اتفاقية TPP11 قواعد شراء السلع والخدمات التي تتجاوز قيمتها الحد الأدنى من جانب كيانات الشراء في حكومة أحد الأطراف. وعلى وجه التحديد، تنص الاتفاقية على إجراء مناقصات مفتوحة ومناقصات متاحة بموجب معاملة وطنية مع عدم التمييز وعلى عملية شراء عادلة ونزيهة.

من بين الدول الموقعة على اتفاقية TPP11، لم تنضم ماليزيا وفيتنام وبروناي إلى اتفاقية المشتريات الحكومية لمنظمة التجارة العالمية. وبعد أن قدمت التزامات دولية بشأن المشتريات الحكومية لأول مرة من خلال اتفاقية TPP11، تحسنت قدرة اليابان على الوصول إلى أسواق المشتريات الحكومية في تلك الدول.

7. المؤسسات والاحتكارات المعينة الحكومية

عندما تقوم مؤسسات واحتكارات معينة حكومية للدولة الموقعة على اتفاقية TPP11 بشراء وبيع السلع والخدمات، فيتعين عليها:

أ) التصرف وفقا للاعتبارات التجارية.

ب) منح معاملة غير تمييزية لمؤسسات الدول الموقعة الأخرى.

ج) عدم التسبب في آثار ضارة على مصالح الطرف الآخر من خلال استخدام المساعدة غير التجارية (المنح أو القروض وأنواع التمويل الأخرى بشروط أكثر تفضيلا من تلك المتاحة تجاريا) التي يتم تقديمها إلى أي مؤسسة حكومية.

وفي الوقت نفسه، يتم استخدام المرفقات الخاصة بكل بلد من قبل الأطراف الموقعة على الاتفاقية لوضع قائمة بقواعد معينة لا تنطبق على بعض أنشطة المؤسسات أو الاحتكارات المعينة الحكومية.

لم تكن القواعد الخاصة بالمؤسسات الحكومية جزءا من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية أو اتفاقيات الشراكة الاقتصادية التي أبرمتها اليابان سابقا. خلقت بنود اتفاقية TPP11 بيئة حيث يمكن للمؤسسات الأجنبية والشركات الحكومية التنافس على قدم المساواة، وهو حدث تاريخي في عملية وضع القواعد.

دبلوماسية تجارية تجاه مشاركة الصين

وبهذه الطريقة تحقق اتفاقية TPP11 مستوى عالٍ من الوصول إلى الأسواق وتضع قواعد تغطي السياسات التجارية الجديدة للقرن الحادي والعشرين. ومن بين القضايا المستقبلية للاتفاقية زيادة عدد الدول الأعضاء وعودة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، سيتم اختبار القيمة الحقيقية لـ TPP11 من خلال معرفة إن كانت تستطيع ضم الصين في إطارها أم لا.

تعد عودة الولايات المتحدة ومشاركة الصين في الاتفاقية قضيتين صعبتين في الوقت الراهن. سيكون من المرغوب فيه أن تشارك اليابان في دبلوماسية تجارية استراتيجية لضم هذين البلدين الرئيسيين ضمن قواعد اتفاقية TPP11.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 20 فبراير/شباط عام 2019. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي (الثالث من اليمين) يصافح المشاركين في الاجتماع الأول للجنة TPP عقد في طوكيو بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني عام 2019. حقوق الصورة لجيجي برس).

واتانابي يوريزومي

أستاذ بجامعة كيئيو. متخصص في والسياسات والاقتصاديات الدولية بالإضافة إلى قوانين منظمة التجارة العالمية والاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة ’’غات‘‘. من مواليد 1953 وحاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة صوفيا. عمل باعتباره أمينا لاتفاقية ’’غات‘‘ وأستاذا مساعدا في مجال الاقتصاد بجامعة نانزان وأستاذا للثقافة المقارنة في جامعة أوتسوما للإناث، ومساعدا خاصا لوزير الشؤون الخارجية قبل توليه منصبه الحالي في عام 2005.

TPP الولايات المتحدة الاقتصاد دونالد ترامب