فضيحة الإحصاءات الحكومية اليابانية تبرز الحاجة لاتباع نهج جديد

اقتصاد

أصبحت المخالفات الإحصائية التي تنعكس آثارها مباشرة على حياة المواطنين والسياسات الاقتصادية، قضية سياسية في البرلمان حول ما إذا كان مكتب رئيس الوزراء ضالعا فيها. كما أن هذه الفضيحة كشفت الجودة الآخذة في التدهور للإحصاءات الحكومية. وقد سألنا في هذه المقالة هاياكاوا هيديؤ المدير التنفيذي السابق في بنك اليابان، عن رأيه في هذه المسألة.

هاياكاوا هيديؤ Hayakawa Hideo

زميل تنفيذي كبير في معهد فوجيتسو البحثي. من بين اهتماماته البحثية الاقتصاد الياباني والسياسة الاقتصادية والأسواق المالية والسياسة النقدية. بعد أن حصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة طوكيو، التحق ببنك اليابان في عام 1977. وأثناء عمله هناك، كان مديرا عاما لقسم الأبحاث والإحصاءات والمدير العام لفرع ناغويا ومديرا تنفيذيا. تقلد منصبه الحالي في شهر أبريل/نيسان عام 2013. حصل على درجة ماجستير في الاقتصاد من جامعة برينستون في عام 1985.

في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2019 تبين أن وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية كانت تستخدم منهجية غير صحيحة في إجراء مسح العمل الشهري في الفترة ما بين عامي 2004 و 2017. فعوضا عن جمع بيانات من جميع الشركات التي تشغل 500 موظف فأكثر بالإضافة إلى عينة من شركات أصغر حجما، استقصت الوزارة عينة أصغر من شركات كبيرة موجودة في طوكيو فقط ما أدى إلى تغيير كبير في متوسطات الأجور على مستوى البلاد وإلى طيف من بيانات اقتصادية خاطئة مولدة على أساس تلك المعلومات. وقد تحدثنا إلى هاياكاوا هيديؤ – رئيس قسم الأبحاث والإحصاءات في بنك اليابان سابقا – بشأن هذه الفضيحة التي أثرت سلبا على أجور ملايين العمال اليابانيين الذين لم يحصلوا على مخصصاتهم المستحقة وأدت إلى إجراء مجموعة من التحقيقات الجديدة حول منهج الحكومة في جمع البيانات الإحصائية.

فضيحة مكتب الإحصاءات

المحاور: هل لك أن تحدثنا عن فضيحة الإحصاءات بإيجاز؟

هاياكاوا هيديؤ: يمكن القول ببساطة إنها كانت انتهاكا للقواعد: فقد حدث تغيير اعتباطي لمنهجية مسح العمل الشهري الذي يستقصي الأجور وإحصاءات العمل الأخرى، ما جعله مسحا للعينات أكثر من كونه تحقيقا كاملا في وضع سوق العمل. بالطبع لا ضير في إجراء مسوح على عينات مختارة في حد ذاتها طالما أنها تجرى بعد الإخطار عن ذلك بشكل مناسب. ولكن في القضية الحالية، شهدنا فشلا في إجراء المراجعات اللازمة للبيانات التي تغطي السنوات من 2004 إلى 2017.

بالطبع يمكن أن تكون مسوح العينات مفيدة. لنقل على سبيل المثال أنك تريد حساب متوسط أجور كامل فئة المديرين في شركة ما ولكنك استطلعت آراء مدير واحد من بين كل 10 مديرين. ففي تلك الحالة يجب ضرب الرقم الذي تحصل عليه بعشرة لحساب متوسط أجورهم في تلك الشركة. تلك إحصاءات أساسية ولكنها لم تجرى هذه المرة، وهو ما مثل صدمة حقيقية. لقد كان خطأ بدائيا لا يرتكبه إلا أشخاص قليلو الخبرة. كيف للذي أعد الإحصاءات ألا يعلم ذلك؟

كانت هناك مشكلة أخرى تمثلت في محاولة التستر على الموقف مع العلم أن مسوح العينات لم تضبط بشكل صحيح. هذه مشكلة في الامتثال للقواعد. الآن لدينا مشكلة، حيث تمت مقارنة أرقام مجموعة منذ شهر يناير/كانون الثاني عام 2018 وفقا للمنهجية الصحيحة مع الأرقام السابقة الخاطئة، الأمر الذي أدى إلى تأرجح صعودي في معدل النمو مقارنة بنفس الفترة من عام سابق. كان ينبغي لمكتب الإحصاء أن يعلن أنه ارتكب خطأ ويقدم تصحيحا له. ولكن من المعيب أن ذلك لم يحدث.
تسلط هذه المخالفة الضوء على وجود مشاكل في كفاءة مكتب الإحصاء وأخلاقياته. لديّ شكوك حول مدى ملاءمة النقاش الدائر حاليا في البرلمان هذه الأيام حول البيانات الملفقة، بالنظر إلى أن إحصاءات اليابان كانت تتنامى بشكل متزايد ومتذبذب منذ فترة، لكننا وصلنا الآن إلى مستوى منخفض بالفعل. ما يجب على البرلمان معالجته هو كيفية تصحيح الوضع الحالي حيث يتم عمل إحصائيات غير موثوقة.

المحاور: تعد الأجور مؤشرا مهما في مناقشة سياسة شينزو آبي الاقتصادية ’’أبينوميكس‘‘.

هاياكاوا: تُناقش أبينوميكس استنادا إلى بيانات اقتصادية مثل الأسعار ومعدل النمو الاقتصادي وعدد الموظفين والأجور. تعتبر الأجور عنصرا مهما في قياس التأثيرات الانتشارية، حيث تنتقل الأرباح المحسنة للشركات إلى الوظائف والأجور. ونظرا لأن معدل نمو الأجور قد تم تعديله نحو الأدنى عقب اكتشاف هذه المخالفات، فلا ريب أن هذا سيؤثر على تقييم أبينوميكس.

في شهر يناير/كانون الثاني عام 2018 كان الاقتصاديون قد لاحظوا بالفعل أن معدل نمو الأجور كان مرتفعا، وهو أمر نحّوه جانبا. وفي الحالة الراهنة، فإن تعديل معدل نمو الأجور نحو الأدنى لا يشكل مفاجأة. أشعر أنه من خلال هذه القضية يمكن أن نفهم أخيرا سبب هذه الأرقام الشاذة. كان مكتب مجلس الوزراء حتى صيف 2018 يتفاخر بأن معدل التوظيف كان ينمو بسرعة بناء على الأرقام الرسمية. ومنذ حوالي الخريف بدؤوا بالإقرار بوجود شيء خاطئ، فالتأثير الانتشاري لم يكن جاريا.

ازدراء البيروقراطية للإحصاءات

المحاور: كيف يمكن تفسير رداءة جودة الإحصاءات؟

هاياكاوا: أحد أسباب تدهور الإحصاءات في اليابان هو ازدراء الحكومة لها. يتم تعيين موظفين حكوميين مهنيين كبار في أقسام الإحصاء في وكالات الحكومة المركزية لمدة عام تقريبا، ولا تُحدث جهودهم هناك فرقا كبيرا في تقدم حياتهم المهنية. كما أن هؤلاء الموظفين يتعرضون لضغوط لتقليل عدد الموظفين والنفقات. التخفيضات الأولى التي يقومون بها تكون في المناطق التي من غير المرجح أن تعود بالنفع على حياتهم المهنية، وبالتالي تصبح أقسام الإحصاء عديمة النفع. من الصعب القول على وجه اليقين أنه من الممكن أن المخالفات الإحصائية قد اكتشفت في وقت مبكر، ولكن كل موظف جديد كان يسير على نهج سلفه لتجنب اندلاع خلاف بينهما.

المحاور: يشير بعض المراقبين إلى أن تلك الطرق الإحصائية قد عفى عنها الزمن.

هاياكاوا: عندما انضممت إلى بنك اليابان في عام 1977 اعتقدت أن الإحصاءات اليابانية كانت الأفضل. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تستخدم مبيعات التجزئة لقياس الإنفاق الشخصي في حساب الناتج الإجمالي المحلي. وفي حين أن الأمريكيين كانوا يقيسون الناتج الإجمالي المحلي فيما يتعلق بالسلع فقط، كان لدى اليابان رؤية أكثر تكاملا نظرا لأن مسح دخل ونفقات الأسر كان مشمولا أيضا ضمن المسوح التي تجريها. ولكن الأمور تغيرت على مر الزمن. فمسح دخل ونفقات الأسر كان يفترض أن ربات المنازل المتفرغات يحتفظن بسجلات عن حسابات الأسرة، وهو أمر نادر الحدوث. ومع تراجع عدد ربات المنازل المتفرغات واستمرار تزايد عدد الأسر ذات الدخل المزدوج، لم تعد الزوجات تعرفن أين تذهب رواتب أزواجهن.

تعزيز وجود المتخصصين والبيانات الضخمة

المحاور: ما هو توصيفك للشعور بالازدراء تجاه أقسام الإحصاء؟

هاياكاوا: قبل نحو 20 سنة – عندما كان موراياما شوساكو يترأس قسم الأبحاث والإحصاء – أجرى بنك اليابان تغييرا كبيرا في سياساته الإحصائية.  نظرا لأن الناس في السابق لم يكن يستطيعون ببساطة بناء حياتهم المهنية بفعالية من خلال إعداد الإحصاءات، فقد كانوا ينظرون إلى عملهم على أنه تحليل للنتائج وتقديم تقارير بها للأشخاص المهمين قبل نشرها رسميا. ولكن في ظل موراياما أوقف هذا الإبلاغ المسبق، وبُذلت جهود لتحسين الإحصاءات وكُلف القسم بزيادة الدقة ككل. كانت هذه التغييرات تهدف أيضا إلى تعزيز إدارة المعلومات في تلك المنظمة. إحدى النتائج التي تم التوصل إليها تمثلت في وجود نقص ملحوظ في أنواع معينة من الموارد البشرية. في حين أن هناك العديد من حاملي الدكتوراه في الإحصاء في الولايات المتحدة، كان لدى اليابان القليل من المتخصصين في هذا المجال. وضع بنك اليابان الأشخاص في مناصب مهنية وعمل على تطوير متخصصين في الإحصاء بمرور الوقت وخاصة من الإناث.

من السهل الدعوة إلى إنشاء مكتب مركزي للإحصاء حيث يتم وضع أقسام الإحصاء المنتشرة في الوزارات والوكالات اليابانية تحت سقف واحد، ولكن بدون وجود موظفين محترفين لن يقوم هذا المكتب بالكثير لتحسين الوضع. يتعين تخصيص الأموال والأشخاص لتطوير المتخصصين في هذا المجال. وهذه المشكلة كبيرة جدا بالنسبة لمكتب مجلس الوزراء. فقسم الحسابات القومية الذي يعّد أرقام الناتج المحلي الإجمالي لليابان يعاني من نقص شديد في مثل هؤلاء الموظفين.

المحاور: يبدو أن الإحصاءات اليابانية قد عفى عنها الزمن. ماذا يتعين على البلاد القيام به لتحسين دقتها؟

هاياكاوا: على الرغم من أن مسح دخل ونفقات الأسر كان يبلي بلاء حسنا في الماضي، إلا أن البيئة قد تغيرت. والمحافظة على نفس الطرق لن تؤدي إلا إلى الحط من أهمية المسح. ما يجب القيام به هو الاستفادة من التقدم المحرز في التكنولوجيا الرقمية. فعلى سبيل المثال، عند إجراء مسح لأسعار المستهلك، تقوم وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات بشكل أساسي بجمع بيانات من المتاجر لعدد محدد من السلع. وفي حالة شطائر الهامبرغر، يتم مسح المنتج الأرخص والأساسي بشكل أكبر فقط. وبالتالي إذا تغير سعر شطيرة ’’بيغ ماك‘‘ أو ’’البرغر مع الجبن‘‘، فإن ذلك التغير لن ينعكس في الإحصاءات.

وفيما يتعلق بهذه القضية، جعلت الولايات المتحدة البيانات الإحصائية رقمية، وهي قادرة على إعداد إحصاءات بتفصيل كبير. الوقت الحالي هو عصر تكون فيه البيانات متاحة على الفور وبأحجام كبيرة بدون جعل ربات المنازل تحتفظن بسجل عن حسابات أسرهن. وفي حالة مسح دخل ونفقات الأسر، تقدم وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات للمستجيبين للمسح ورقة وآلة حاسبة. وستزيد الفعالية إذا تم جمع الردود من مستوى الأفراد بدلا من مستوى الأسر، وأن يتم ذلك من خلال تطبيق للهواتف الذكية. وبمجرد أن ندخل إلى عصر غير نقدي، يمكن أيضا إجراء مسح لبيانات التسويات.

لا يمكن تغيير الإحصائيات كل عام لكنها ستصبح سيئة إذا تواصل اتباع نفس الطرق على مر العقود. عندما تتغير الأزمنة يجب أن تتغير المنهجية استجابة لذلك. كيف يمكننا مناقشة السياسة بشكل صحيح إذا كنا نستخدم مسطرة ملتوية لقياس الأرقام التي تتأثر بها؟ هناك الكثير من الطاقة التي تم توجيهها نحو الحفاظ على النظام. ونظرا لأن هذه القضية قد برزت للعلن قبل الدورة البرلمانية فهي فرصة لإجراء إصلاحات.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 5 مارس/آذار عام 2019. الترجمة من الإنكليزية. المقابلة والنص من موتشيدا جوجي من Nippon.com)

الحكومة شينزو آبي الاقتصاد آبينوميكس