هتلر يظهر من جديد على أحد مسارح طوكيو!

مجتمع

عاد أدولف هتلر للحياة فجأةً من خلال الظهور في مسرحية نظمها طلبة قسم اللغة الألمانية بإحدى جامعات طوكيو في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. من خلال استغلال السخط الشعبي تجاه بعض القضايا مثل الهجرة، ما منح الدكتاتور السابق قبولاً جديداً لأفكاره التي تنم عن كرهه للأجانب، حيث يرى الطلاب الذين أدوا أدواراً في هذه المسرحية أنها رسالة تحذيرية لليابان اليوم.

تقيم جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية مهرجاناً  سنوياُ في الحرم الجامعي، تضم النشاطات الرئيسية لهذا المهرجان عروضاً مسرحية من أداء الطلبة باللغات التي يتخصصون في دراستها، وبالنسبة لمهرجان خريف 2018 المُقام بجامعة تي.يو.آف.آس فقد قام طلاب قسم اللغة الألمانية بتقديم عرض ’’آر ايست ويدر دا“ والتي تعني لقد عاد، وهو عرض مسرحي مستوحى من رواية تحمل نفس العنوان صدرت عام 2012 للكاتب تيمور فيرنيس ويذكر أن هذا العمل قد تم عرضه في السينما عام 2015 بالإضافة إلى ترجمته إلى اللغة الإنجليزية تحت عنوان’’انظروا من عاد“ وإلى اللغة اليابانية تحت اسم كأيتَه كيتا هتورا    ’’هتلر العائد“. وقد تم تقديم هذا العرض في قاعة تتسع ل 500 مقعد يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث لم يتمكن بعض المهتمين بالمسرحيةمن الدخول لأن القاعة كانت ممتلئة عن آخرها.

وتعود القصة الحقيقية لعودة ظهور هتلر مرة أخرى إلى عام 2012 في برلين أين كان يفترض الجميع أن انتحال هذه الشخصية سينتهي بها إلى أن تصبح شخصية كوميدية ساخرة لكن على ما يبدو أن الشرير الذي يقبع بداخل شخصية هتلر بقي مخفياً حتى النهاية. كما أن النسخة التي قام بتأديتها طلاب تي.يو.آف.آس حولت الطابع الفكاهي للعرض إلى شيء أكثر جدية. حيث يظهر هتلر مستغلاً شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام على الأنترنت للتأسيس لفكرة عودة ظهوره مرة أخرى، ثم ينتقل بعد ذلك إلى عالم السياسة، وفي نهاية العرض يقول الراوي أنهم كانوا يعتقدون أنهم يضحكون على هتلر لكن في نهاية المطاف انتهى بهم الأمر إلى الضحك معه. وهذا ما يجعلنا نفهم أنه بإمكان شخصية هتلر أن تجد مكاناً لها في عالم اليوم.

بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى فرضت القوى المنتصرة عليها تعويضات ضخمة، وقد كان لألمانيا نصيباً كبيراً من حالة الإحباط الذي أصاب العالم مع أواخر العشرينات إلى الثلاثينات وتسببت هذه الضربات في حدوث تضخم كبير صعبت السيطرة عليه مما نتج عنه انخفاض في قيمة العملة الألمانية المارك إلى واحد على ترليون من قيمتها السابقة، إضافةً إلى تسجيل بطالة ضخمة أسفرت عن ترك حشود كبيرة من العاطلين عن العمل في الشوارع. وكانت هذه هي الظروف التي مكنت هتلر من الوصول إلى السلطة لاحقاً.

وهنا يٌطرح التساؤل بشأن ما إذا كان هناك شيء مشترك مع ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى؟ ورداً على هذا السؤال يجيب الطالب ساطو هاجيمي وهو طالب جامعي في السنة الثالثة من تي.يو.آف.آس والذي أدى دور القيادي في المسرحية ’’ أعتقد أن هناك استياءً وقلقاً كبيرين وسط الألمانيين تلك الأيام ورغم أن الظروف والمعطيات قد تغيرت إلا أنني أرى تشابهاً كبيراً فيما يخص الاستياء الكبير الذي يشعر به الناس اليوم بشأن بعض المشاكل مثل تدفق موجات اللاجئين إلى أوروبا.

لقد تم إعداد العمل الأصلي في ألمانيا عام 2012 وهو العام الذي نشرت فيه الرواية على خلاف دراما جايجوصاي فقد قام طلاب تي.يو.آف.آس بعرضها في عام 2018. ويذكر أنه خلال هذه السنوات الست المتداخلة قد شهدت عجلة التاريخ العالمي منعطفاً وتحولاً كبيرين. الولايات المتحدة الأمريكية انتخبت دونالد ترامب مع أجندته من أجل أمريكا، كما قررت بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى أن اليمين المتطرف وقوى كراهية الأجانب آخذة في الازدياد في دول أوروبا. وهذه ليست سوى بعض الأمثلة الرئيسية على التحول المتعلق بالتعصب الآخذ في الاتساع على نطاق عالمي. ومن بين العوامل التي ساعدت على انتشار هذه الظاهرة التفاوت الكبير في الدخل وتوزيع الثروة، إضافةً إلى التدفق الكبير للمهاجرين واللاجئين وارتفاع البطالة، وكل هذه العوامل تسببت في زعزعة الاستقرار في المجتمعات الوطنية.

وعندما يتعلق الأمر بالشعور بعدم الرضا والقلق فإن اليابانيين غير مستثنين من هذا التوجه العالمي، وحسب ما يراه ساطو فإن التفاوتات المتزايدة اليوم في اليابان أصبحت خاصية أساسية في اليابان، ففي الوقت الذي يتمتع بعض الناس بحياتهم المميزة للغاية يجد آخرون على النقيض من ذلك صعوبة في توفير الأساسيات، وبصفة عامة فإن نسبة السكان المستائين آخذة في الارتفاع.

نداء الشعبوية

تٌفتتح المسرحية بكلمات امرأة عجوز وهي تتذكر هتلر ودكتاتورية النازية قائلة إنه كان فظيعاً، لقد مر 73 عاماً منذ أن انتهت الحرب العالمية فهل نحن أكثر حكمةً اليوم؟ القضية متعلقة بوضع ألمانيا اليوم في عام 2018. فهتلر يظهر فجأة مرتدياً زيه العسكري والصليب المعقوف ويرى الناس أنه يقلد صورة الدكتاتور المتوفى منذ فترة طويلة، فكلمة هذا المنتحل وجدت طريقها إلى مخرج تلفزيوني الذي وجد فيه تذكرة مثالية لتحقيق نجاح أكبر.

فإذا كان هتلر حياً اليوم ماذا كان سيقول على شاشة التلفزيون؟ تخيله الطلبة مشاركاً في برنامج شعبي يقوم بعرض الكوميديين الجدد حيث يعلن عن وعوده للشعب الألماني بتحقيق ازدهار لم يسبق له مثيل وحياة مليئة بالرضا، ثم يؤكد أنه ومن أجل تحقيق الازدهار سيكون من الضروري رعاية الجيل الأصغر سناً الذي سيمثل شعب الغد والذي سيرتكز عليه مستقبل البلاد، ويضيف أيضاً أنه سيٌخفض رسوم التعليم ويٌحسن من مستواه كما سيقوم بمضاعفة مرافق رعاية الأطفال خلال خمسة أعوام مٌلغياً نظام قوائم الانتظار من أجل القبول، ثم يشير إلى أن الحكومة تقوم بإهدار ضرائب الشعب من أجل أمم أجنبية كسولة بدلاً من تخصيصها للشعب الألماني.

فالناس وهم يشاهدون هذا الرجل الغريب على شاشة التلفزيون لن يٌعجبوا به كشخص كوميدي فقط بل كشخص يعبر عن مشاعرهم، حيث يقوم إندو مساتاكا وهو طالب بالسنة الثالثة والذي قام بكتابة السكريبت بشرح فكرته قائلاً إنه إن عاد هتلر الحقيقي فإنه لن يبدأ خطابه بالإعراب عن أيديولوجيته اليمينية المتطرفة بل سيفوز بقلوب الناس من خلال تقديم أفكار شعبية أكثر قبولاً.

فإهدار أموال الضرائب التي يشير إليها هتلر في المسرحية كان سيكون له صدى لدى ألمان اليوم الذين يشعرون أن بلادهم مجبرة على دفع مبالغ ضخمة لدعم بقية الاتحاد الأوروبي. ويضيف إندو أن مساهمات ألمانيا في ميزانية الاتحاد الأوروبي تعادل بالتقريب نفس إجمالي الناتج المحلي لها وهو ما يمثل نفس قيمة مساهمات الدول الأعضاء الأخرى، لكن الناس تنظر إلى هذه المبالغ وتعتقد أن ألمانيا وحدها من تتحمل عبئاً ثقيلاً، المخيف في الفكر الشعبوي أنه يقدم إجابات سهلة مبنية على أساس التفكير المبسط مع استعداد الناس السريع لقبول مثل هذه الاستنتاجات.

طلاقة الممثل الرئيسي في الالقاء

في ربيع 2018 بدأ طلاب تي.يو.آف آس قسم اللغة الألمانية العمل على المسرحية، ويذكر أنه قد تم اقتراح ثمانية أعمال بما في ذلك ’’قائمة شيندلر’’ و’’القارئ’’ إلا أن غالبية الطلبة صوتوا لصالح عمل ’’أنظروا من عاد’’.

مقطع من سكريبت المسرحية مرفق بترجمة يابانية.

يقول ساطو منذ أن إلتحق ب تي.يو.آف آس كان دائم الحرص على لعب دور البطولة في المسرحيات الألمانية أياً كان الموضوع، لكنه ذُهل عندما علم أن دور البطولة هذه المرة يتعلق بشخصية هتلر، فقد كان على هتلر إلقاء خطاب طويل مكون من قسمين يستغرقان حوالي 30 دقيقة ولم يكن باستطاعة ساطو التدرب على إلقاء الخطاب في غرفته بصوت عال لذلك اختار الفصول الفارغة في الجامعة من أجل التدرب على دوره في المسرحية. كما قام بمشاهدة مقتطفات من خطابات هتلر الفعلية لمساعدته على إتقان إلقائه بالطريقة المطابقة للنمط النازي من حيث طريقة الكلام وحركة الأيدي، ويعتبر ساطو في الحياة الواقعية شاباً لطيفاً ومتحدثاً هادئاً لكنه على المسرح غير ذلك تماماً حيث تقمص دور شخصية طاغية مندفعة تعتمد الصراخ في أسلوب كلامها.

كما أدت كلاً من الأمهات والأطفال الذين ظهروا في المسرحية أدواراً رئيسية في إظهار إمكانية تأثر الناس العاديين وانجذابهم تدريجياً نحو هتلر ويوضح ساطو ذلك قائلاً إن الهدف من ذلك هو توعية الجمهور بإمكانية أن يكون لهم نفس رد الفعل.

وكان إندو وهو المسؤول عن محتويات خطاب هتلر في المسرحية قد أصيب بصدمة لا تنسى عندما أمضى فترة قصيرة من الدراسة في برنامج بمعهد باريس للدراسات السياسية، أين كان يعرف عن بريكسيت التي تشير إلى أرضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولم يكن يعلم بوجود مصطلح يحمل نفس المعنى في فرنسا فريسيت، إذ أن فكرة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي قد طرحت في فرنسا أيضاً وهذا ما جعله يدرك أن فكرة الانفصال عن الاتحاد صارت مطروحة في كامل أوروبا.

عدم الرغبة في تحمل المشقة

يتحدث إندو عن كيفية عمل النازيين فقد اعتمدوا أربعة مناهج بدت للناس صحيحة وحظيت بقبول واسع، وما إن استحوذوا على السلطة في انتخابات ديموقراطية باشروا بتنفيذ كل ما جاء في أجندتهم معتمدين في ذلك على التفويض الذي نالوه عقب تلك الانتخابات. وفي المسرحية أيضاً استحوذ هتلر على قبول واسع بسبب مواقفه التي روج لها عبر شاشة التلفزيون ومواقع التواصل، وهذا ما جعله يفكر بولوج السياسة. وعندما توصل إلى ذلك تغير خطابه تماماً عما كان عليه عندما كان يلقيه ككوميدي على شاشة التلفزيون، حيث أصبح يجهر بتوجهات أكثر حزماً وتطرفاً.

وخلال عقود من الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي والتي أعقبت الحرب العالمية الثانية انقسمت ألمانيا إلى شرقية وغربية، ولم يكن لصوتها وزناً كبيرا في المجتمع الدولي بالمقارنة مع ما تقدمه من مساهمات للأمم المتحدة، إضافة إلى كل هذا كان على ألمانيا أن تكفر عن ماضيها النازي عدا محدودية مجال تحركها في تنفيذ ما تريد. وهنا يكشف هتلر العائد عن غضبه ويختم خطابه بالقول إنه يجب تسخير أموال الألمان من أجل الألمان فقط، سننسحب من الاتحاد الأوروبي، ونعيد للمارك الألماني قوته، كما سنحد من ظاهرة الهجرة ونعيد الوظائف للألمان، وننسحب من مجلس الناتو وندافع عن أنفسنا.

وعلى خشبة المسرح قام مستمعو خطاب هتلر بترديد عبارة هاي هتلر بكل حماس وإثارة، وهنا التزم الحضور الصمت التام وامتلأ المدرج بتوتر ملموس، ثم بدأ طفل بالبكاء ربما خوفاً. وهنا يمكننا القول إن يابانيو اليوم الذين يشاهدون العرض لا يعرفون كيف يتجاوبون مع عودة هتلر بل وكانوا يحاولون إبقاء أنفسهم بعيداً عما يحدث فوق خشبة المسرح.

تعد ألمانيا ركيزة الاتحاد الأوروبي، لكن فكرة التخلي عن هذا الدور آخذة في التوسع. فبعد نيل ألمانيا ثقة جيرانها الأوروبيين خلال عقود من التعاون هي اليوم متعبة من عملية إنقاذ دول أخرى كاليونان على سبيل المثال واستقبال اللاجئين كالسوريين مثلاً، وتجلى الشعور بالإرهاق من دور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي من خلال تراجع الدعم الذي كانت تحظى به أنجيلا ميركل، المستشارة التي خدمت طويلاً والتي كان ينظر إليها على أنها الملاك الحارس للاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من بقائها على رأس الحكومة إلا أنها تخلت عن قيادة حزبها المسيحي.

وفي هذه الأثناء تشن إدارة ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية حرباً تجارية شرسة مع الصين من خلال فرض تعريفات عقابية على الواردات الصينية بهدف حماية الاقتصاد الأمريكي.

ويصرح ساطو أنه هناك العديد من الأمور في العالم تطالب الناس بالرضوخ لمشاعر عدم الرضا وتقبلها، كقبول اللاجئين والحفاظ على التجارة الحرة. ويضيف قائلاً إنه يتعين علينا أن نكون قادرين على بناء عالم تشمله المساواة من خلال تقاسم الأعباء والاستعداد لتقديم بعض التنازلات، لكن اليوم وبعد مرور سبعين عاماً على الحرب العالمية الثانية فٌقدت هذه القدرة، وعلى ما يبدو أننا نسير إلى الخلف تقريباً، وهذا ما يبدو جلياً من خلال تعابير الناس حول امتعاضهم وشكاواهم من الوضع.

فالإنترنت اليوم يسمح ويساعد على نشر الأفكار مثل النار في الهشيم، فإذا حاول مستبد اليوم سحب أمة بشكل ماكر نحو اتجاه فاسد فهل بإمكاننا وضع حد للأمر في وقت معين؟ يضيف إندو قائلاً الضفدع الذي يقفز في الماء الساخن سيخرج منه على الفور ولكن إذا كان الماء فاتراً في البداية وارتفعت درجة الحرارة تدريجياً سيبقى في تلك المياه ويكتسب منها تلك الحرارة بشكل مفرط. وهنا يشير إندو إلى الخطر الذي يمكن أن نجد أنفسنا فيه مرة أخرى من خلال تواجدنا على الطريق الخطأ حتى قبل أن ندرك ذلك.

(تم نشر الموضوع باللغة اليابانية في 6 مايو/أيار 2019. تقرير وكتابة موتشيدا جوجي من قسم التحرير، صورة العنوان لطلبة قسم تي.يو.آف.آس أثناء تدريبات المسرحية)

السياسة الولايات المتحدة الاقتصاد