أهمية عرض اليابان لكنوزها المخفية من مطبوعات أوكييو-إي الفنية!

ثقافة

يقول أحد مقتني لوحات الطباعة الخشبية ’’أوكييو-إي‘‘ إنه يتعين على اليابان إذا كانت تريد جذب عدد أكبر من السياح الباحثين عن الجمال الثقافي للبلاد بذل جهود أكبر لعرض أعمالها الفنية الشهيرة.

أوراغامي ميتسورو Uragami Mitsuru

مقتنٍ لأعمال فنية آسيوية وتاجر وخبير. ولد في عام 1951 في طوكيو. عندما كان طالبا جامعيا وقع في حب ’’هوكوساي مانغا‘‘ وهي مجموعة شهيرة للغاية من الرسوم التخطيطية الموجودة في عدة مجلدات تعود لفنان أوكييو-إيه الشهير كاتسوشيكا هوكوساي. جمع منذ ذلك الحين حوالي 1500 مُجلد ليصبح أكبر مقتنٍ في العالم لهوكوساي مانغا. يدير معرضه الخاص للتحف الآسيوية ’’أوراغامي سوكيو دو‘‘ ويشغل منصب مدير إدارة نادي طوكيو للفنون والمدير التنفيذي لجمعية أوكييو-إيه الدولية. من ضمن أعماله ’’مقدمة إلى هوكوساي مانغا‘‘.

المحاور: تحظى لوحات الطباعة الخشبية ’’أوكييو-إي‘‘ ببعض الازدهار في اليابان وحول العالم. وتحتوي جوازات السفر اليابانية الجديدة على تصميمات من سلسلة ’’36 منظرا لجبل فوجي‘‘ لكاتسوشيكا هوكوساي. بيعت مطبوعتان من تلك السلسلة في مزاد أمريكي أقيم في شهر مارس/آذار من هذا العام، وهما ’’رياح لطيفة، صباح جلي (وتشتهر باسم فوجي الأحمر)‘‘ و ’’الموجة العظيمة قبالة كاناغاوا‘‘، ثمن كل واحدة منهما أكثر من 500 ألف دولار. ما هو رأيك في هذه الظاهرة؟

أوراغامي ميتسورو: أول تفتح عيني بشكل حقيقي على هذه الظاهرة كان في عام 2017 عندما باعت دار مزادات الأعمال الفنية ’’كريستيز‘‘مطبوعة ’’موجة عظيمة‘‘ لهوكوساي بنحو مليون دولار. والمطبوعتان اللتان بيعتا في شهر مارس/آذار الماضي جيدتان مثل تلك المطبوعة من حيث الجودة أو الحالة. ولكن رغم ذلك فقد بيعتا بأكثر من نصف مليون لكل منهما.

بشكل عام كان سوق الفن في اليابان راكدا إلى حد ما خلال العقد الماضي. الكثير من الأعمال الفنية عالية الجودة التي كانت مملوكة في السابق ضمن مجموعات يابانية خاصة، بما في ذلك الخزف الصيني واللوحات الإنطباعية الفرنسية، قد خرجت إلى خارج البلاد. أما فيما يتعلق بالفن الياباني، فإن النوعين الوحيدين اللذين حافظا على أنفسهما في السنوات الأخيرة هما الحرف اليدوية التي تعود إلى عصر ميجي وأوكييو-إي. وهناك طلب كبير على تلك الأعمال الفنية في جميع أنحاء العالم. لذلك أقول إن العامل الأكبر في ذلك هو تجدد التقدير لأهمية أوكييو-إيه في سوق الفن الدولي.

في فترة إيدو (1603-1868) تم نحت تصاميم فنانين أوكييو-إيه على مكعبات خشبية وطبعت آلاف النسخ. ربما كان هناك حوالي 5 آلاف طبعة أصلية من لوحة الموجة العظيمة، لكن ضاعت الغالبية العظمى منها. لم يتبق في يومنا الحالي سوى حوالي 150 أو 200 نسخة في العالم معظمها موجودة في المتاحف. ولذلك عندما تعرض في الأسواق طبعة جيدة، فستجلب ثمنا باهظا.

لوحة ’’الموجة العظيمة قبالة كاناغاوا‘‘ (أعلى) ولوحة ’’أمطار تحت القمة‘‘ من سلسلة 36 منظرا لجبل فوجي لكاتسوشيكا هوكوساي، واللوحتان هما ضمن المجموعة الخاصة لأوراغامي ميتسورو.

تعريض لوحات أوكييو-إيه لضوء النهار

المحاور: السياحة الدولية في اليابان في ازدهار متنام، ومع إقامة كأس العالم للرغبي هذا العام ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2020 أنا متأكد من أننا يمكن أن نتوقع تدفقا أكبر للسياح على مدار السنوات القليلة المقبلة. أين برأيك يجب أن نطلب من الزوار الأجانب الذهاب إذا كانوا يأتون إلى هنا أملاً في رؤية مطبوعات أوكييو-إيه رائعة؟

أوراغامي: من الطبيعي أن نفترض أن اليابان هي أفضل مكان لمشاهدة أرقى مطبوعات أوكييو-إيه. ولكن لسوء الحظ، ليس هذا هو الحال في حقيقة الأمر. أخشى أن المسافرين الذين يأتون إلى هنا وتتملكهم أمال كبيرة سيصابون بخيبة أمل.

فيما يتعلق بالمجموعات، يضم متحف طوكيو القومي في أوينو عددا كبيرا من مطبوعات أوكييو-إي من مجموعة ماتسوكاتا السابقة. يوجد أيضا متحف أوتا التذكاري للفنون في هاراجوكو والمتخصص في مطبوعات أوكييو-إيه ومتحف سوميدا هوكوساي الذي افتتح في طوكيو في عام 2016. لكن مطبوعات أوكييو-إيه المعروضة بشكل دائم في تلك المتاحف ليست جذابة جدا. الأعمال التي يرغب معظم الناس في مشاهدتها لا يتم إخراجها كثيرا من أماكن تخزينها.

المحاور: يمكن لزوار باريس رؤية لوحة الموناليزا في أي وقت يزورون فيه متحف اللوفر. لماذا الوضع مختلف بالنسبة للوحات أوكييو-إيه الرائعة؟

أوراغامي ميتسورو مقتنٍ وخبير مطبوعات أوكييو-إيه

أوراغامي: من الصعب عرض مطبوعات أوكييو-إيه بشكل مستمر لأن الأصباغ تتلاشى بسهولة عندما تتعرض للضوء. يتبع متحف سوميدا هوكوساي قاعدة تتمثل في أنه لا يمكن عرض مطبوعة واحدة لأكثر من شهر واحد من العام. وبالتالي إذا تم عرض العمل الفني مرة واحدة فلن يخرج مرة أخرى في ذلك العام، ولا حتى من أجل معرض خاص.

تقع على عاتق المتاحف مسؤولية الحفاظ على أعمالها الفنية وكذلك مسؤولية عرضها على الجمهور، وقد يكون من الصعب للغاية تحقيق التوازن الصحيح. وفي ضوء ذلك، إذا لم يعجَب رواد المتحف بالمعروضات والأعمال الفنية التي يرونها، فلن يكتسب المتحف سمعة أو يجذب الزوار. ولكن مع تطور الإضاءة باستخدام الصمام الثنائي الباعث للضوء ’’LED‘‘ في السنوات الأخيرة، من الممكن تقليل الأشعة فوق البنفسجية بشكل كبير. أعتقد أنه قد حان الوقت للتفكير في زيادة الحد الأقصى لمدة العرض إلى شهرين أو ثلاثة أشهر في العام.

ولكن سيكون من الرائع أيضا أن يكون لدينا بعض المنشآت الخاصة التي تسمح بعرض مستمر لأكثر مطبوعات الأوكييو-إيه شهرة، أعمال مثل هوكوساي مانغا و 36 منظرا جبل فوجي إلى جانب عملي أوتاغاوا هيروشيغي وهما ’’53 محطة على خط توكايدو‘‘ و ’’100 منظر شهير لإيدو‘‘. ستكون هذه المعروضات بمثابة مغناطيس يجذب عشاق الفن من جميع أنحاء العالم. وسيتولد لدى الزوار تقدير جديد للفن والثقافة اليابانية، الأمر الذي سيعود بالفائدة على صورتنا على الصعيد الدولي.

المتاحف هي عنصر رئيسي في البنية التحتية السياحية. المتحف البريطاني في لندن، متحف اللوفر في باريس، متحف برادو في مدريد..... جميعها معالم جذب سياحي مدرجة ضمن قائمة الأماكن التي يجب على السياح من جميع أنحاء العالم رؤيتها، بما في ذلك اليابان. لماذا يريد الجميع زيارة المتاحف؟ لرؤية القطع الأثرية الثقافية التي تجسد هوية الأمة. ولسوء الحظ فإن متحف طوكيو القومي لا يصل إلى هذا المستوى إلى حد كبير.

تتحدث الحكومة عن بناء السياحة باعتبارها صناعة رئيسية، ولكن تتملكني المخاوف من أن البنية التحتية الثقافية لليابان متخلفة قليلا بالنسبة لهذا الغرض.

تجديد التأكيد على أهمية الفن في المجتمع

المحاور: يبدو الأمر بالفعل كما لو أن الحكومة تتحرك في هذا الاتجاه مثل القيام بفتح قصر الضيافة الحكومي في كيوتو أمام عموم الناس على مدار السنة وإطالة ساعات الزيارة المسائية للمتاحف القومية وإجراءات أخرى.

أوراغامي: حسنا، ساعات زيارة المتاحف أطول قليلا، لكن ميزانياتها تشهد انخفاضا عاما بعد عام. تخصص الحكومة اليابانية للأمور الثقافية مبلغا صغيرا على نحو يدعو للإحراج. وتذهب معظم تلك الأموال لإصلاح وصيانة المعابد القديمة، لذلك نادرا ما يتبقى أي شيء لمشاريع جديدة.

بصفتي مسؤولا تنفيذيا في نادي طوكيو للفنون، دأبت على ممارسة ضغوط منذ ما يقرب من عشرين عاما لتحويل وكالة الشؤون الثقافية إلى وزارة متكاملة الأركان، ولكن الحملة لم تتقدم قيد أنملة. لماذا؟ لأن السياسيين وكبار المسؤولين اليابانيين – رغم كل حديثهم عن الحاجة إلى إبراز ثقافتنا في الخارج – لا يقدّرون حقا قوة الثقافة والفنون.

يشعر الكثيرون في الغرب باحترام أكبر لشخص يمكنه التحدث عن الأمور الثقافية بإسهاب. وهناك عدد من قادة العالم من عشاق الفن. عندما يعتنى بالفنون، فإنها تصبح حية. سوف ترتفع أسهم رئيس الوزراء شينزو آبي إلى حد كبير على الصعيد الدولي إذا كان بإمكانه التحدث بفطنة وذكاء عن الفنون في اليابان، بدلا من التحدث عن الأطعمة والكحول اليابانية فحسب. وباعتباره قائد البلد، يجب عليه أن يجلب منافع إضافية.

قبل قمة مجموعة السبع (G7) في إيسيه شيما عام 2016، كان هناك حديث عن استخدام صور هوكوساي لتزيين قاعة المؤتمرات. أتمنى لو أنهم استمروا على ذلك النهج.

هناك قصة وقعت في وقت ليس بالبعيد بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، فقد استضاف يوشيدا شيغيرو اجتماعا مهما مع سلطات الاحتلال الأمريكية في قصر الأمير أساكا السابق [الآن متحف حديقة طوكيو متروبوليتان للفنون]. وقام بهذه المناسبة بعرض العديد من روائع الأعمال الفنية اليابانية. في ذلك الوقت، كان المسؤولون الأمريكيون الشباب الذين يخدمون تحت أمرة القيادة العليا لقوات الحلفاء يميلون إلى النظر إلى اليابان كدولة غير متحضرة، ولكن من الواضح أن موقفهم تغير عندما رأوا تلك الأعمال الفنية. هؤلاء المسؤولون كانوا نتاج نخبة تعليمية، وكان لديهم احترام حقيقي للفن الرائع. ونتيجة لذلك تمكن يوشيدا من توجيه الاجتماع في منحى إيجابي.

صور هوكوساي المنتجة بالطباعة الخشبية، من بينها كراسات رسم تعرف باسم هوكوساي مانغا (المعروضة هنا)، كان لها تأثير رئيسي على الرسامين الانطباعيين.

الفن ليس هواية بلا فائدة

أوراغامي: من الرائع إدخال تصميمات هوكوساي إلى جوازات السفر اليابانية، لكن كم عدد المسافرين اليابانيين القادرين على إخبار الأجانب الذين ينظرون إلى جوازات سفرهم عن هوكوساي وإنجازاته الفنية؟ قليل جدا، على ضمانتي. أود أن يصل اليابانيون إلى المرحلة التي يمكنهم من خلالها فعل ذلك. وأود أن تقوم اليابان بتطوير بنيتها التحتية الثقافية إلى مستوى يمكنها من القول للزوار الأجانب: ’’مرحبا بكم في مسقط رأس أوكييو-إيه. الآن نود أن نعرض لكم أوكييو-إيه في أفضل حالاتها‘‘.

المحاور: بدأ الغربيون في شراء مطبوعات أوكييو-إيه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر متأثرين بجودتها الفنية، وانتهى بها الأمر إلى أن يكون لها تأثير كبير على الانطباعية وغيرها من مدارس الفن الغربية. وعلى ما يبدو لم يكن اليابانيون في ذلك الوقت يفهمون ما تدور حوله تلك الضجة.

أوراغامي: ليس الأمر أن اليابانيين كانوا غير قادرين على تقدير أوكييو-إيه. ففي نهاية المطاف، كانت شعبية للغاية بين فئة التجار في فترة إيدو. ولكنها كانت شائعة ومألوفة جدا لدرجة أن لا أحد أولاها تلك القيمة. كان موقفهم تجاه التجار ومقتني القطع الفنية الغربيين يتمثل في أنه ’’إذا كنت تحبها بذلك القدر، فعلى الرحب والسعة".

اليابان أمة تعشق الفن بشكل كبير. أنتجت قدرا كبيرا من الفن الرائع على مر القرون. لكن المجتمع الياباني المعاصر لا يظهر الاحترام المناسب للفن. وهذا واضح في الإحجام عن شراء الأعمال الفنية، والذي ذكرته من قبل. فالأشخاص الذين لديهم فائض قليل من المال جميعهم يريدون إنفاقه على المنازل أو السيارات أو السفر إلى الخارج أو تناول الطعام الجيد. لا مشكلة في هذه الأشياء، ولكن في بلد متقدم ثقافيا، تتوقع أن تحول نسبة مئوية معينة من هؤلاء الأشخاص انتباهها إلى الفن. ومع ذلك بالكاد يشتري أي شخص في اليابان أعمالا فنية في الوقت الحاضر، وأولئك الذين يقومون بذلك لا يحصلون على قدر كبير من الاحترام. يُنظر إلى الفن هنا على أنه هواية وترف، بينما في البلدان الأخرى فيُنظر إليه على أنه من الأصول الثمينة بل حتى أنه يعتبر استثمارا جيدا.

وحتى يتغلب اليابانيون على ذلك المفهوم بشأن الفن باعتباره هواية لا طائل منها، لن تتمكن اليابان من البروز باعتبارها قوة ثقافية كبرى. ولكن ماذا يترتب على ذلك؟ لن تصبح اليابان لاعبا سياسيا أو عسكريا رئيسيا. ومن غير المرجح أن نستعيد وضعنا باعتبارنا قوة اقتصادية عظمى. إذا كنا نريد الحفاظ على صلتنا مع المجتمع الدولي فنحن بحاجة إلى العمل على تعزيز موقفنا كمركز للثقافة.

أوراغامي مع عينة من مجموعته من مانغا هوكوساي.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بقلم إيشيي ماساتو من Nippon.com بتاريخ 30 مايو/أيار 2019. الترجمة من الإنكليزية. جميع الصور من كاواموتو سيئييا. صورة العنوان: أوراغامي ميتسورو في معرضه للأعمال الفنية الآسيوية ’’أوراغامي سوكيو دو‘‘ في نيهونباشي بطوكيو بتاريخ 24 مايو/أيار 2019)

الفن أوكييو-إيه الفن المعاصر