تحليل: هل يمكن نزع فتيل الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين؟

اقتصاد

تطورت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى لعبة تصادمية. لقد سألنا كي لونغ الخبير في الشؤون الصينية عن آرائه في ظل الموقف المتشدد للولايات المتحدة، والطريق نحو الوصول إلى حل، وتأثير ذلك على اليابان والاقتصاد العالمي.

من حرب تجارية إلى حرب اقتصادية

لن يتم حل الخلل التجاري بين الولايات المتحدة والصين عن طريق رفع الرسوم الجمركية أو عن طريق التلاعب بالعملة. على سبيل المثال، تستخدم الصين معدل ادخارها المرتفع في الاستثمار ثم تصدر المنتجات الناتجة من ذلك. وبالنظر إلى معدل الاستهلاك المرتفع بشكل مفرط، يتحول هذا بطبيعة الحال إلى عجز تجاري لدى الولايات المتحدة.

وبينما تصف وسائل الإعلام اليابانية الاحتكاك التجاري بين الولايات المتحدة والصين بالحرب التجارية، ومن وجهة نظري، قد تطور هذا الأمر ليصبح حربًا اقتصادية شاملة تشمل التكنولوجيا. فقد صرح ستيف بانون، كبير استراتيجيي البيت الأبيض السابق والمقرب من الرئيس دونالد ترامب، ’’إنها ليست حربًا تجارية، إنها حرب اقتصادية‘‘. ولم نسمع مصطلح ’’حرب اقتصادية‘‘ منذ أن استخدمها الرئيس رونالد ريغان ضد الاتحاد السوفيتي السابق. وأدى ذلك وقتها إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في النهاية.

 وارتفعت أسعار الأسهم، وامتد ارتفاعها طوال عطلة اليابان في الأسبوع الذهبي (من 27 أبريل/ نيسان إلى 6 مايو/ أيار) بسبب الشعور بأن الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين كان وشيكًا. واستندت هذه التوقعات إلى مفاوضات تجارية على وشك أن تجري في العاصمة واشنطن. ومع ذلك، في 6 مايو/ أيار، وهو اليوم الأخير من العطلة الطويلة باليابان، قام الرئيس ترامب بتغريدة مفاجئة، معلنًا عن إجراء عقابي ثالث، بوضع تعريفة جمركية بنسبة 25% على الواردات الصينية البالغ قيمتها 200 مليار دولار، مما  قضى على فرصة التفاوض.

وبحسب ما أوضح فريق التفاوض الأمريكي، أرادت الصين إعادة التفاوض بشأن القضايا التي كانت قد التزمت بتنفيذها بالفعل، مما اعتبرته إدارة ترامب بمحاولة الصين لكسب الوقت. واستندت خطوة الرئيس ترامب إلى مخاوف تفاقم الخلافات التجارية مع تمسك الصين بموقفها، بينما قد يؤدي هبوط أسعار الأسهم إلى وضع غير مريح في انتخابات عام 2020 الرئاسية. لذلك، ولمنع الصين من المماطلة، زادت الولايات المتحدة فجأة التعريفة الجمركية على السلع صينية تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار.

وبعد أن وعدت الصين بإنهاء الإعانات وحماية الملكية الفكرية وعدم سرقة أو طلب نقل التكنولوجيا، تراجعت عن وعودها هذه وسعت إلى إعادة التفاوض حيث رأت أن توقيع الاتفاقية التجارية سيكون بمثابة انتحار اقتصادي لها. وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن تستمر المؤسسات الحكومية في الصين بدون إعانات. ونفس الشيء بالنسبة يسري على الملكية الفكرية والتكنولوجيا. فإذا وافقت الصين على مطالب الولايات المتحدة، فإن وجود إدارة الحزب الشيوعي نفسه قد لا يستمر.

الطريق نحو التصادم

في ردها، على تلك الخطوة من الصين، بدأت الولايات المتحدة في إعداد جولة رابعة من العقوبات: تعريفة بنسبة 25 ٪ على نحو 300 مليار دولار من البضائع الصينية. وسيكون لهذه العقوبات ما هو أبعد من مجرد تأثير قصير الأجل. بل ستصبح ضغوطًا لتغيير سلسلة الإمدادات العالمية التي تتواجد حول الصين كمنصة إنتاج. وتنتظر العديد من الشركات لمعرفة ما إذا كان سيتم تنفيذ هذا الإجراء بحجم 300 مليار دولار أم لا. وإذا استمرت الولايات المتحدة في هذا الإتجاه، فستضطر هذه الشركات إلى تعديل نظم الإنتاج لديها. ويعتقد بعض المراقبين أن الولايات المتحدة لن تتخذ مثل هذه الخطوة الحمقاء بالنظر إلى تكلفة نقل المصانع في الصين. ونتيجة لذلك، تتمهل الشركات اليابانية في تقرير ما يجب عليها القيام به. إذا تم إعادة انتخاب الرئيس ترامب العام المقبل، فمن المحتمل أن يبدأوا في التحرك.

إذا نفذت الولايات المتحدة جولة رابعة من العقوبات على ما قيمته 300 مليار دولار من البضائع الصينية، فلن يكون لدى الصين طرق فعالة للانتقام. فبيعها لسندات الخزانة الأمريكية التي تملكها سيكون عملاً من أعمال تدمير الذات. وهذا من شأنه أن يخلق اضطرابات هائلة في الأسواق المالية الدولية، كما يمكن أن ترد الولايات المتحدة بتعليق التسويات بالدولار من قبل البنوك الصينية المملوكة للدولة. بالإضافة إلى ذلك، لن تكون الصين قادرة على إضعاف اليوان. فالقيام بذلك من شأنه أن يشعل موجة ضخمة من هروب رؤوس الأموال من قبل الأثرياء الصينيين، وهو تطور لن تستطع الصين تحمله.

والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان سيتمكن الرئيس ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ من التوصل إلى نوع من الاتفاق خلال قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في أوساكا في 28 يونيو/ حزيران أم لا؟

خيارات الصين

بينما تريد إدارة ترامب أن تصبح الصين اقتصادًا للسوق الحرة، فإن الصين لديها هيكل اقتصادي مختلف تمامًا. إذا وقعت الصين على اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة ونفذت الاتفاقية بحذافيرها، فربما من المبالغة القول إن الاقتصاد الصيني سيدمر نفسه، ولكنه على أقل تقدير سيتباطأ إلى حد كبير. واعتمادا على التطورات، قد تسقط إدارة الحزب الشيوعي. وهذه أسباب تجعل إدارة الرئيس شي لا تستطيع ببساطة قبول الطلبات الأمريكية.

ومع ذلك، إن لم توقع الصين على الاتفاقية وماطلت لبعض الوقت، فإن هذا سيكون مثل انتظار الموت. فكما رأينا في قضية هواوي، فإن شركات تكنولوجيا المعلومات الرائدة في الصين ستتم معاقبتها وإبعادها عن المجتمع الدولي. ولم تعد هواوي قادرة على إنتاج منتجاتها لقيام غوغل بحظر استخدام برامجها ولأن الشركات اليابانية قد توقفت عن تزويدها بالرقائق. وتبع ذلك  توقفت شركات الهاتف المحمول الأوروبية والأمريكية واليابانية عن بيع هواتف هواوي الذكية، وهبطت حصتها في السوق العالمية من 15% إلى 5%.

وليست الصين في وضع يسمح لها بقبول مطالب الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، يبدو أن الرئيس شي ينتظر رحيل الرئيس ترامب. وللقيام بذلك، فإنه يكتفي فقط بالترقب منتظرًا بينما تقترب ضربة قاتلة. فقد تم قطع شريان الحياة الخاص بشركة هواوي. وعلى الرغم من أن الشركة قد تبقى في الصين، إلا أن دورها كلاعب دولي من المحتمل أن ينتهي.

هيمنة اقتصاد البيانات

يذكر التاريخ أن الحروب حتى القرن التاسع عشر دارت حول الأراضي، ثم في القرن العشرين حول الموارد. ولكن في القرن الحادي والعشرين، ستكون الدول التي تتحكم في البيانات هي الرابحة. فبمجرد أن أصبح من الواضح أن البيانات هي المورد الأكثر أهمية، خططت الصين لتطوير شركات مثل هواوي للسيطرة على شبكة الجيل الخامس، وهي أساس عالم الاتصالات في جيله الخامس، وبالتالي توسيع سيطرتها على كل شيء. غير أن الولايات المتحدة كشفت خطة الصين.

وبينما تعد اليابان دولة تصنيع، بدء المزيد والمزيد من الناس يتفهمون أهمية البيانات. فهناك شركات مثل T-Point تبيع البيانات. وتنشأ القيمة عن طريق تحليل ما يتم بيعه. فمجرد التصنيع البسيط لا يولد الكثير من القيمة المضافة. ولكن مع البيانات، يصبح من الممكن توقع الطلب في المستقبل. وما يميز اليوم عن الفترات الماضية هو السرعة، والبيانات هي ما يسهل السرعة. ولن يكون من الممكن مواكبة الأمور ببساطة عن طريق التصنيع دون فهم البيانات التي ستنتج عن ذلك. نظرت الصين إلى المستقبل القريب ما بين 5 إلى 10 سنوات باستعجال، لكن الولايات المتحدة أعاقت تحركاتها. وتشارك الولايات المتحدة هذا الشعور بالاستعجال.

وبطبيعة الحال، ستكون الحرب الاقتصادية مع الصين مؤلمة للولايات المتحدة. على سبيل المثال، ستتضرر الشركات التي تبيع هواتف هواوي الذكية والشركات التي تزود هواوي بمكونات أشباه الموصلات. وهذا الألم، سيكون على المدى القصير. ولكن مع مرور الوقت، ستتطرأ تغييرات على شبكة الإمداد العالمية. وهذا هو الأهم في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. إذ أن الهدف من الحرب الاقتصادية التي أعلنها بانون هو القضاء على شركات التكنولوجيا الفائقة مثل هواوي بدلاً من تصحيح الخلل التجارية.

وإن لم يتم إعادة انتخاب ترامب، فلن يتحقق هذا الحلم. ولكن هناك فرص أخرى ضئيلة للاحتفاظ بمكانة في البيت الأبيض. فعلى المدى المتوسط والطويل، سوف تتشكل شبكات الإمداد الجديدة التي تستثني الصين. وستكون الشركات القادرة على حل محل هواوي هي الشركات اليابانية والكورية الجنوبية والتايوانية. حتى لو كان هناك ألم قصير المدى، ففي المقابل على المدى الطويل، فإن الشركات التي يمكنها رؤية الفرص في الأزمات ستكون هي الرابحة. والشركات اليابانية ليس لديها ما تخشاه. فسوف تحتاج إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها العالمية والاستعداد لفهم الفرص التي قد تظهر عند ذلك.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 10 يونيو/ حزيران عام 2019. الترجمة من الإنكليزية. ترجمة حوار لموتشيدا جوجي من Nippon.com).

الصين الولايات المتحدة التجارة ترامب