الصين والولايات المتحدة: الحرب التجارية ومعركة التفوق التكنولوجي

سياسة

يمثل تنامي التقدم التكنولوجي الصيني في المجالات الحديثة، تهديد للأمن القومي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تقوض من سيادتها العسكرية.

هدنة متعسرة

مثلت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين محورًا رئيسيًا جذبت أنظار العالم خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي عقدت محافظة أوساكا. فبعد التنافر والصراع التجاري المستعر بين البلدين خلال الشهور الأخيرة، هل سنرى تحركًا نحو المصالحة أم أن التوترات ستزداد أكثر؟ خلال القمة، بدا أن العلاقة قد دخلت فترة من الهدنة. فقد خفف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من موقفه السابق المتعنت وغير المستعد لتقديم تنازلات إلى تبني لهجة تصالحية، سامحًا بتصدير المكونات التكنولوجية إلى هواوي ومؤجلًا تنفيذ وعده بزيادة رابعة على رسوم استيراد المنتجات الصينية. ورد نظيره الصيني شي جينبينغ بوعود لشراء منتجات زراعية أمريكية، مقدمًا بذلك العون والمساعدة لترامب في سباق حملته الإعادة انتخابه في عام 2020. وهكذا تم تجنب الكارثة وتم الاتفاق على الهدنة، على الأقل في الوقت الحالي. هل يمثل هذا بداية لنوع جديد من العلاقات بين البلدين، أم لا يتعدى الأمر كونه هدنة مؤقتة؟

أول شيء يجب الالتفات إليه هو أن أي من الولايات المتحدة ولا الصين في موقف ممارسة دور قيادي قوي. ففي الولايات المتحدة، يواجه ترامب الانتخابات الرئاسية في عام 2020، ويتعرض لضغوط على جميع الجبهات من خصومه الديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ. ويحتاج إثبات أن إدارته تقوم بإنجازات. ويعد قراره المفاجئ بزيارة منطقة بانمونجوم منزوعة السلاح بين الكوريتين لمقابلة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في الأغلب جزء من هذا السعي.

في الوقت نفسه تواجه حكومة شي في الصين مشكلاتها الخاصة، حيث أن الاقتصاد يعاني من الركود تحت تأثير الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وبدأ النمو الاقتصادي يصل إلى أقصى آفاقه. وتواجه الحكومة اضطرابات بين السكان الأويغور في شينجيانغ والمظاهرات الحاشدة في هونغ كونغ. لذا يحتاج الرئيس الصيني أيضًا إلى إنجازات ملموسة تساعد على إعادة بسط سلطته.

ولكن كيف ترتبط الحرب التجارية بهذه المخاوف من كلا الجانبين؟ بالنسبة للرئيس ترامب، تؤثر التوترات مع الصين بشكل سلبي كبير على المناطق الريفية ومناطق التصنيع حيث يعيش معظم مؤيديه. وإذا استمرت الحرب التجارية، فقد يؤثر ذلك سلبًا على فرص إعادة انتخابه. وفي الوقت نفسه، تبتنى شخصيات مؤثرة في واشنطن وفي العالم المالي والسياسي بشكل متزايد موقفًا متشددًا تجاه الصين، ولا يستطيع الرئيس أن يبدو ضعيفًا في مواجهة التهديد الصيني.

كما يواجه شي معارضة أيضا. فقد بدأت العديد من الصناعات التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة في المعاناة مع استمرار الحرب التجارية بين البلدين. قام شي بتغيير الدستور في عام 2018 للسماح لنفسه بالبقاء في الحكم أكثر من المدتين المحددتين سلفًا، وستستخدم القوى السياسية المعارضة له أي بادرة فشل لسياساته لمنح الزخم لحراك مرحلة ما بعد شي. وليس لديه خيار آخر سوى البقاء صلبًا في وجه الضغط الأمريكي مهما كلفه الأمر.

لذبك فالهدنة التي جرى الاتفاق عليها في قمة مجموعة العشرين، عكست الواقع السياسي الذي يعيشه كل منهما. فقد كانت حلًا وسطًا توصل إليه كلا الزعيمين دون رغبة في رؤية الحرب التجارية تتطور وتتوسع لما هو أبعد من ذلك. ولكن بعيدًا عن الأمنيات الشخصية لكلا الزعيمين، لاتزال جذوة النزاع مستمرة تحت الرماد، وقد يتصاعد الأمر مرة أخرى في أي لحظة. وإذا انتهت المحادثات التجارية القادمة بشكل غير موات، فإن احتمال أن يقوم ترامب باتخاذ قرار لفرض رسوم جمركية للمرة الرابعة قائمًا. وأحد مناطق الاهتمام الخاص هي معركة التفوق في تكنولوجيا الجيل القادم.

تسارع أمريكي نحو تطوير الأسلحة الذاتية التشغيل

في الحرب العالمية الثانية، سحقت الولايات المتحدة قوات دول المحور بتفوقها التكنولوجي، بإجبارها اليابان على الاستسلام من خلال تطوير السلاح النهائي، القنبلة الذرية. وبوضع الجانب الأخلاقي أو دقة الأمر جانبًا، فهذه هي وجهة النظر التي سادت بالولايات المتحدة. ولكن تلك الثقة تلقت ضربة كبرى في عام 1957، فيما يطلق عليه ’’صدمة سبوتنيك ‘‘.حيث أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي، وأرسل أول إنسان إلى الفضاء. وفقدت الولايات المتحدة مركز التفوق التكنولوجي، وواجهت حينها خطر تقنية الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي امتلكها الإتحاد السوفيتي. أدت تلك التجربة الأولية إلى الربط المصيري لدى الولايات المتحدة بين الحفاظ على تفوقها التكنولوجي وأمنها القومي.

وأدت هذه ’’الثورة ‘‘إلى هيمنة التفوق التكنولوجي للقوات المسلحة الأمريكية والتي تم استعراضها في حرب الخليج وفي كوسوفو. ولفترة من الزمن، بدا أن السيادة الأمريكية لا تتزعزع. ولكن في الحروب في أفغانستان من عام 2001 وفي العراق من عام 2003، وقعت القوات الأمريكية المجهزة بأسلحة عالية الدقة وأحدث التقنيات مرارًا في كمائن مستخدمة أجهزة تفجير بدائية الصنع وخطط حرب العصابات في قتال شوارع المدن. وأصبح من الواضح أن ثورة أخرى لازمة.

وهدفت ’’استراتيجية الجيل الثالث ‘‘إلى دعم التقنيات الأوتوماتيكية والروبوت لتمكين الوصول إلى أهداف عسكرية دون وجود خطورة وقوع إصابات. وطائرات الدرون هي أكثر الأمثلة شهرة لأسلحة التحكم الذاتي المستخدمة حاليًا في مواقف القتال الحقيقية من غير الحاجة للعنصر البشري. والمرحلة القادمة ستتضمن استخدام أكبر للتقنية التي يتم تطويرها حاليًا بواسطة شركات القطاع الخاص في مجالات مثل القيادة الذاتية، الذكاء الاصطناعي، والروبوتات. وهذه هي المجالات التي تقوم الصين بتطويرها بسرعة مدهشة. وفي بعض الحالات، استطاعت الشركات الصينية حتى التفوق على مثيلاتها الأمريكية.

تطوير التقنيات العالية والأزمة السكانية

ولكن كيف استطاعت الصين تحقيق مثل هذا التقدم الدراماتيكي في تطوير تقنيات جديدة بهذه المجالات؟ أحد الأسباب هو ميزة كون الصين بلد مطور لاحق. فباستخدام استراتيجية ’’اللحاق ‘‘. تستطيع الدول نسخ تقنيات موجودة بالفعل، واللحاق بشكل أسرع كثيرًا عما كان ممكنًا في حالة تجربة تطويرها من البداية. ويثار الجدل بالولايات المتحدة حول كون ذلك يمثل نوع من السرقة في كثير من الحالات. ولكن حتى من دون تلك الحوادث، فتظل وتيرة التطور التكنولوجي متسارعة.

وعادة حين تستطيع دولة باللحاق والوصول لنفس مستوى الأمم المتقدمة، فإن هذا التقدم يصطدم بسقف ما. ولكن الصين استثمرت حجم هائل من الموارد في الأبحاث والتطوير مع الهدف المعلن وهو أن تكون البلد معقل دولي كبير للعلوم والتكنولوجيا. والكثير من هذه التقنيات ركّز على التقنيات الجديدة في مجالات التشغيل الذاتي. ويرجع ذلك في جزء منه إلى كونه استجابة طبيعية للواقع السكاني الغير مستقر في الصين. فقد أدت سياسة إنجاب الطفل الواحد التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي، بالإضافة إلى الزيادة السريعة في أعمار السكان مع ازدهار البلاد، إلى تراجع معدلات المواليد وتزايد أعمار السكان بشكل سريع. وأجبرت الصين إلى التوجه نحو التشغيل الذاتي بشكل أكبر للاستمرار في معدلات النمو الاقتصادي القائم.

وعادة ما يدعي الناس إن جمع الصين للبيغ داتا، يهدف إلى إحكام قبضة الحزب الشيوعي، أو لكونها تقوم بتطوير تقنيات التشغيل الذاتي للتمكين من محاربة التكنولوجيا العسكرية الأمريكية. بالطبع تلك أهداف هامة. فدور التكنولوجيا في الإبقاء على السيطرة على الدولة وأهمية العلوم والتكنولوجيا بما فيها مجالات الإنترنت والفضاء، لا يجب إغفاله في السياسات العسكرية المعاصرة. ولكني أعتقد أنه من المهم فهم أهمية تحول الدولة نحو معقل للعلوم والتكنولوجيا بالنسبة للصين، كجزء من استراتيجيتها للتعامل مع مشاكلها السكانية الحادة.

هواوي والمخاطر الأمنية لتكنولوجيا 5G (الجيل الخامس) الرخيصة 

أكثر النقاط لفتًا للانتباه في هذا الشأن، هي دور هواوي في تطوير الجيل القادم من تكنولوجيا 5G للهواتف المحمولة. فقد بدأت هواوي كشركة تبيع محولات تبديل الهواتف، ثم بدأت لاحقًا في تطوير التكنولوجيا الخاصة بها. وبنت خبرتها في بناء شبكات الاتصالات في إفريقيا مستفيدة من استراتيجية الحكومة الصينية نحو التوسع بالخارج، وازدهرت كمنتج وموزع لأجهزة الشبكات التي توفر جودة عالية بسعر رخيص. وفي مجال 5G، تقدم هواوي الآن خدمات تتيح بناء شبكات عالية السرعة بسعر لا تستطيع الشركات الأخرى حتى التفكير في منافسته.

ستتيح تكنولوجيا 5G نقل أحجام أكبر من البيانات بالمقارنة بشبكات 4G الحالية. وينظر كذلك للتقنية كبنية تحتية أساسية لإنترنت الأشياء، المركبات ذاتية القيادة، وتقنيات أخرى من الجيل القادم. ونظرًا لكون هواوي تمتلك تنافسية أكبر من الشركات الغربية، تتحمس الدول الأوروبية الساعية للاستفادة من تكنولوجيا 5G لتحويل IoT (إنترنت الأشياء) والسيارات ذاتية القيادة إلى واقع، في الاستثمار في منتجات هواوي التي تقدم خدمات يعتد بها بأسعار معقولة.

وفي المقابل، تجد دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا، خطرًا كبيرًا يهدد الأمن القومي في الاعتماد على أجهزة ومعدات هواوي. فقد خدم الرئيس التنفيذي للشركة الصينية رين تشنج في، في جيش التحرير الشعبي ولاتزال الشركة تمد الجيش بالأجهزة. ووفقًا لقانون الاستخبارات بالصين والقوانين المماثلة، على الشركة إلزام بتقديم البيانات إلى الحكومة الصينية، ولهذه الأسباب قررت الولايات المتحدة والدول الأخرى إبعاد منتجات هواوي من أسواق بلادهم.

وبشكل أكثر تبسيطًا، تمثل قضية هواوي، الاختيار بين أولويات متضادة: تكلفة البنية التحتية للجيل القادم من الاتصالات من ناحية، مقابل إمكانية المخاطر القومية لسرقة البيانات والتبعية للصين في بنية تحتية هامة.

تنافس هيكلي

يعني ذلك أنه على مستوى ما، تعد معركة التفوق التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين متزايدة بسبب المخاوف الأمريكية المتعلقة بالحفاظ على تفوقها العسكري. ولا يشعر الكثيرون بالارتياح في الولايات المتحدة حول احتمال حصول تفوق للصين وتحكمها في مجالات التكنولوجيا في قلب استراتيجية الجيل الثالث للولايات المتحدة لتحقيق استخدام أوسع لتطوير تكنولوجيا التشغيل الذاتي الغير معتمدة على العنصر البشري. وتضيف مخاطر سرقة البيانات إلى هذا التوتر حول السيطرة الصينية على هذه البنية التحتية ذات الأهمية العسكرية الحيوية.

وفي ذات الوقت، تتطلع الصين إلى تطوير تقنيات تشغيل ذاتي بشكل مستميت لتحقيق نمو اقتصادي في ظل تراجع معدلات المواليد وزيادة أعمار السكان. وبالطبع استخدام التكنولوجيا كجزء من استراتيجيتها العسكرية، هو أحد أسباب وقوعها تحت ضغوط من قبل الولايات المتحدة. وفي هذا السياق من الاختلافات الجذرية الهيكلية تتواصل معركة الهيمنة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين. وعلى الرغم من إمكانية تحقيق الهدنة على المدى القصير، إلا أن وجود حل لهذه المشاكل على المدى الطويل، لن يكون بالأمر السهل.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 1 يوليو/ تموز، 2019. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصافح نظيره الصيني شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين في أوساكا، 29 يونيو/ حزيران عام 2019. رويترز/ أفلو)

الصين الاقتصاد التجارة الولايات المتحدد