رواد العلوم

شركة يابانية رائدة في صناعة المناظير الطبية في العالم

علوم تكنولوجيا لايف ستايل صحة وطب

تشتهر أوليمبوس على نطاق أوسع بمنتجاتها من الكاميرات المخصصة للاستخدام العادي، ولكن الشركة هي أيضا رائدة على مستوى العالم في مجال المعدات الطبية وبشكل خاص المناظير الداخلية، حيث تستحوذ على حصة 70% من السوق العالمية. وفي هذه المقالة سوف نستعرض هذه التقنية ونسلط الضوء على قصة نجاح الشركة.

خطوات سريعة في المعالجة التنظيرية

لا يعتبر معظم الناس أن إدخال كاميرا من فتحة في الجسم هو أمر ممتع. ولكن هذا الإجراء – والذي يدعى التنظير الداخلي – شائع الاستخدام من قبل الأطباء لتشخيص حالات المرضى بدقة أكبر.

يوجد عند نهاية المنظار الداخلي عدسة ومكشاف ضوئي CCD وضوءان. يستخدم الضوءان للحيلولة دون أن تحدث الأدوات البارزة من نهاية المنظار الداخلي ظلالا. كما يمكن استخدام الأدوات التي تُدخل في قناة المنظار من أجل شفط السوائل من جسم المريض.

والمناظير الداخلية عادة هي أنابيب مرنة تدخل عن طريق الفم أو الأنف أو الشرج لتفحّص القناة الهضمية أو عبر شق جراحي لفحص أجزاء أخرى من الجسم. تحتوي هذه الأجهزة على جهاز اقتران الشحنات ’’CCD‘‘ وهو مكشاف ضوئي يركب على رأس المنظار الداخلي لتحويل صورة بصرية إلى إشارة كهربائية والتي بدورها تعرض بشكل متزامن على شاشة. ويطلق عليه اسم نظام التنظير بالفيديو.

والتشخيص ليس هو الخاصية الوحيدة التي يمكن للمناظير الداخلية القيام بها. حيث يقول ياماؤكا ماساؤ وهو مدير في قسم التخطيط بشركة أوليمبوس للأنظمة الطبية: ’’المناظير الداخلية مفيدة للغاية لأنه يمكن استخدامها أيضا لتقديم العلاج‘‘. وتستحوذ الشركة على 70% من حصة السوق العالمية في مجال المناظير الداخلية الطبية.

تحتوي المناظير الداخلية على قناة بقطر 2-3 ميلليمتر تقريبا تمتد على طول المنظار. ويمكن إدخال تشكيلة واسعة من الأدوات في هذه القناة للقيام بالمعالجة. يستخدم الأطباء قنوات المناظير الداخلية لاستئصال أنسجة سرطانية وأورام حميدة، وإعطاء الحقن وإيقاف النزيف وإزالة الأجسام الغريبة من الجسم.

بسبب تطور المناظير الداخلية وأدوات العلاج وبفضل مهارة الممارسين الطبيين، شهد العلاج بالتنظير أيضاً تقدماً سريعاً في السنوات الأخيرة. ففي السابق كان بالإمكان استئصال أجزاء صغيرة فقط من الأنسجة السرطانية بالتنظير الداخلي، ولكن الطريقة الأكثر حداثة من العلاج وتدعى تسليخ تحت المخاطية التنظيري ’’ESD‘‘ مكّنت من علاج الأنسجة السرطانية في المرحلة المبكرة من المرض والتي تكون بقطر 2 سم أو أكثر. وبالمقارنة مع جراحة البطن المفتوحة، فإن هذه الطريقة أخف وطأة على أجسام المرضى، حيث يستطيعون العودة إلى حياتهم اليومية في غضون فترة زمنية قصيرة.

تعد طريقة تسليخ تحت المخاطية التنظيري ’’ESD‘‘ أحدث الطرق الجراحية التي تتم بالتنظير الداخلي. في السابق، كانت إجراءات استئصال المخاطية بالتنظير ’’EMR‘‘ تستخدم أداة على شكل سلك فيه عروة  لاستئصال الأورام، ولكنها كانت مناسبة فقط للنموات الورمية التي تكون دون حجم معين. ولكن باستخدام طريقة ’’ESD‘‘ يستطيع الأطباء بمشرط صغير استئصال الأورام ذات القطر الأكبر من 2 سم. وفي اليابان، خضع ربع مرضى سرطان المعدة بالفعل لمثل هذه المعالجة.
المصدر: ’’غان نو كيرازو ني ناؤسو نايشيكيو تشيريو ESD غا واكارو هون (معرفة ESD: إجراء لعلاج السرطان بدون جراحة كبرى)‘‘، دار النشر كودانشا لعام 2011.

مصدر وافر لحقوق الملكية الفكرية

يتألف نظام التنظير بالفيديو بشكل رئيسي من وحدة ترسل ضوءا إلى نهاية المنظار الداخلي ومن معالج فيديو يأخذ الصور الملتقطة من CCD ويظهرها على الشاشة ومن مكونات أخرى. وتُستخدم أضواء زينون – وهي مصدر ضوئي قوي على نحو خاص – للحصول على صورة واضحة من الأماكن المظلمة داخل الجسم.

لا تزال التركيبة الأساسية للمنظار الداخلي بدون تغيير إلى حد كبير على مدى 20 عاما. فالمناظير الداخلية في اليوم الحالي لا يزال لها سلك يمر من خلالها تسمح للأطباء بثني والمناورة بالجزء النهائي منها. ولكن الآليات الفردية والمواد المستخدمة في نظام التنظير بالفيديو تتضمن الكثير من التقنيات الحائزة على براءات اختراع وعلى قدر كبير من الخبرة الهندسية. كشفت أوليمبوس عن جزء قليل فقط من براءات اختراعاتها وأنواعها ولكن طبقا لسجلات مكتب براءات الاختراع في اليابان، فإن عدد مرات التقديم لبراءة اختراع من قبل أوليمبوس المتعلقة بالمناظير الداخلية أكثر من أي شركة أخرى.

وحتى المادة القاتمة الشبه الراتنجية المستخدمة في الأنبوب الذي يدخل إلى الجسم فإن تصنيعها يتطلب قدراً كبيراً من المهارة. حيث يقول ياماؤكا: ’’إذا كان الجزء الذي يدخل إلى الجسم من جهاز التنظير الداخلي طريا ورقيقا فإن هذا الإجراء يكون أخف وطأة على المرضى، ولكن إذا كان طريا جدا فإنه يصبح من الصعب إدخاله والمناورة به. وللحصول على متانة وليونة مناسبتين فإننا بحاجة إلى مزيج خاص من المواد. وبالطبع فإن هذه المواد يجب أن تكون أيضا آمنة للاستخدام في جسم الإنسان‘‘.

زادت شركات تصنيع المعدات الطبية في السنوات الأخيرة من تركيزها على تقنية الرؤية المتخصصة التي تستخدم أمواجا ضوئية ذات أطوال متباينة لتوليد صورة أوضح. تستخدم تقنية التصوير بالحزمة الضيقة الخاصة بشركة أوليمبوس ضوئين أزرق وأخضر طول موجتيهما قصيرة. فالأوعية الدموية التي تكون صعبة الرؤية تحت الضوء العادي يمكن رؤيتها بوضوح باستخدام تقنية التصوير بالحزمة الضيقة، ومن شأن زيادة الوضوح أن يجعل من عملية التشخيص أسهل. يمكن أن يكون طول الموجة بعينه مسجلا كبراءة اختراع أيضا، ما يجعل من هذا مضمارا لمنافسة شرسة بين شركات التصنيع.

تقنية التصوير بالحزمة الضيقة تسمح بالتقاط صور أكثر وضوحا

عند استخدام ضوء عادي فإن تمييز الأوعية الدموية عن الأعضاء الداخلية ذات اللون الوردي يكون صعبا (يسار). بينما يجعل الضوءان الأزرق (طول الموجة 415 نانومتر) والأخضر (طول الموجة 540 نانومتر) من رؤية الأوعية الدموية أكثر يسرا. الصورتان من كاوامورا تاكوجي من قسم طب الجهاز الهضمي في مشفى الصليب الأحمر الثاني في كيوتو.

ترجمة آراء المختصين

قد يكون الأطباء الذين يستخدمون المناظير الداخلية مسهبين جدا بشأن أدق التفاصيل بدءا من سلاسة إدخال أجهزة التنظير وحتى كيفية انثنائها عندما تطبق قوة عليها. فعلى سبيل المثال، في إجراءات تسليخ تحت المخاطية التنظيري ’’ESD‘‘ يشغل الطبيب الأدوات الدقيقة الموجودة في نهاية المنظار الداخلي بينما ينظر إلى شاشة. وهذه الأدوات تستخدم على الأعضاء الداخلية الطرية، ولذلك من الضروري القيام بحركات مرهفة للغاية وبدقة متناهية. وإذا لم يعمل جهاز التنظير الداخلي تماما كما يتوقع منه الطبيب المشغل، فقد يصاب المريض بأضرار في أعضائه. ولذلك يطالب الأطباء بأجهزة ذات دقة وحساسية عاليتين.

عندما يقيّم الأطباء سهولة استخدام منظار داخلي فإنهم قد يستخدمون أحيانا عبارات موجزة مثل ’’ينتابني شعور ضعيف قليلا عندما أحرك جهاز التنظير‘‘. ويكمن التحدي أمام المهندسين في تفسير عبارات الأطباء بصورة صحيحة وعكس التغييرات التي يرغب الأطباء بها في الأجهزة. يقول ياماؤكا: ’’إن تفهم طلبات المستخدمين وعكس ملاحظاتهم في المنتجات النهائية هو أفضل ما تجيده الشركات اليابانية‘‘. المتطلبات قد تكون متنوعة، ولكننا نعمل بجد لجعل المناظير الداخلية سهلة الاستخدام في جميع الظروف‘‘.

وقد يطلب الأطباء أيضا صورا عالية الجودة ملتقطة بكاميرا المنظار الداخلي. ويصب هذا الأمر في صالح أوليمبوس طبقاً لياماؤكا حيث يقول: ’’قادت شركات التصنيع الأمريكية في البداية قاطرة تقنية التنظير بالفيديو. وأحد الأسباب التي مكنتنا من التغلب عليها كان استجابتنا الفعالة لرغبات الأطباء في رؤية صور أوضح لمساعدتهم على كشف الأمراض‘‘. فعلى سبيل المثال، إذا رغب الطبيب في تفحص حالة الأوعية الدموية في أحد الأعضاء الداخلية ذات اللون الوردي عن كثب، فإن التوازن الدقيق في الألوان يكون العامل الرئيسي هنا، كما هو موضح في الصور أعلاه الملتقطة بتقنية التصوير بالحزمة الضيقة. وأكثر من ذلك، فجودة الصور المطلوبة من المنظار الداخلي تختلف بشكل كبير عن جودة الكاميرات الرقمية العادية، فقد طور المهندسون جودة صور المنظار الداخلي على مدى سنوات لجعلها ذات فائدة أكبر للأطباء في رصد الأمراض بسرعة وتقديم تشخيص وعلاج ملائمين.

تطوير مستمر تدريجي

بغض النظر عن التطويرات التي تدخلها أقوى الشركات، إلا أنها لا تركز على الأداء الوظيفي فحسب وإنما على سهولة الاستخدام أيضا. عندما يتعلق الأمر بالأدوات الاحترافية، فإن الكثير من المستخدمين لن ينتقلوا من شركة هم مرتاحون معها – حتى ولو كانت الشركات المنافسة الأخرى تقدم مزايا أكثر وأسعارا أفضل. ويقول ياماؤكا: ’’لا أعتقد أنه من الممكن إحداث تغيير مفاجئ وثوري فيما يتعلق بأعمال التنظير الداخلي للجهاز الهضمي. ننوي نحن في شركة أوليمبوس أن نستمر بما دأبنا على القيام به ألا وهو إدخال تحسينات ثابتة وتدريجية على مستوى التطوير والتصنيع‘‘. وقد مكّن هذا المنهج المتبع لمدة 60 عاما الشركة من الاستحواذ على الحصة الأكبر من السوق في يومنا الحالي.

■ جهاز التنظير الداخلي في خمسينيات القرن العشرين

إن مراجعة الجهود الأولية لشركة أوليمبوس في سوق أجهزة التنظير الداخلية تعطي تصورا عن مدى التقدم المحرز في هذه التقنية. ويعود الأساس في الخط الحالي من هذه المنتجات إلى جهاز تنظير داخلي مصنع في خمسينيات القرن العشرين. فالعدسة والفيلم وفلاش الكاميرا تحشر في مكان بحجم عدة سنتيمترات فقط. وبدأ تطوير هذا الجهاز في حوالي نهاية أربعينيات القرن العشرين، عندما اقترح أطباء في مستشفى جامعة طوكيو الفكرة. وتمثلت المهمة الرئيسية في العثور على نوع مناسب من الأفلام. لم يكن هناك عدسة عينية وكان من المتعذر معرفة كيف كانت الصور تبدو حتى يتم تحميضها. واعتاد الأطباء القيام بالعملية في غرفة حالكة الظلمة، مستخدمين ضوء مصباح يخترق جلد المريض لمعرفة المنطقة التي كانوا يصورونها.

(المقالة الأصلية مكتوبة باللغة اليابانية بقلم كيمورا ريوجي. الترجمة من الإنكليزية)

الطب