يحدث في اليابان

جهود ميازاكي هاياو في الحفاظ على ذكريات مرض الجذام

مجتمع ثقافة

في ٢٨ يناير/كانون الثاني، تحدث مخرج الأنيمي ميازاكي هاياو في ندوة عن مرض الجذام عن طريقة تعرفه على المرض، وكيف أثر ذلك في صناعة فيلم ”مونونوكي هيمي (أميرة مونونوكي)“، وكيف أنه يدعم جهود ضمان عدم نسيان الصعوبات والإجحاف التي عانى منها مرضى الجذام.

عندما عكف ميازاكي هاياو على تطوير الأرضية التاريخية لما أصبح فيما بعد فيلمه ”مونونوكي هيمي“ لعام ١٩٩٧ (عرض في الخارج باسم ”الأميرة مونونوكي“، أراد أن يغير محور التركيز من محاربي الساموراي والأرستقراطيين النموذجيين إلى أشخاص أكثر تهميشا. فقد قام بدراسة ”إيماكي (لفافات الصور)“ خلال فترة كاماكورا الممتدة بين ١١٨٥-١٣٣٣ المتعلقة بالجولات الدعوية للراهب ”إيبّين“ والتي صورته وهو يقوم بوعظ عامة الناس، بما فيهم المنبوذون اجتماعيا، والمتسولون، ومرضى الجذام. وهو ما أدى فقط إلى تعميق رغبته في صناعة مثل هذا الفيلم، ولكنه وجد نفسه عاجز عن ذلك من الناحية الإبداعية.

وبينما كان يفكر ويتمشى ويسجل ملاحظات، وصل إلى ”تاما زينشوئن“، وهو واحد من ١٣ مصحا بنيت في اليابان للأشخاص المصابين بالجذام (يعرف أيضا بمرض هانسن). تقع منشأة الرعاية في مدينة هيغاشيموراياما غربي طوكيو على مسافة ١٥ دقيقة سيرا من منزل المخرج الشهير. ويقول ميازاكي في استدعاء لصور الأشخاص الذين شاهدهم في إيماكي: ”شعرت كما لو أنني تسمرت في تلك البقعة، لم أتمكن من الالتفات والعودة إلى المنزل“.

ميازاكي هاياو يتحدث في ”ندوة دولية عن تاريخ الجذام/مرض هانسن بوصفه تراثا إنسانيا“ في ٢٨ يناير/كانون الثاني ٢٠١٦.

الجذام على شاشة السينما

تحدث ميازاكي حول ما تعلمه في مصح تاما زينشوئن في ٢٨ يناير/كانون الثاني ٢٠١٦، وذلك خلال ندوة نظمتها ”مؤسسة ساساكاوا ميموريال هيلث“ استمرت ٣ أيام حتى اليوم الذي يسبق اليوم العالمي للجذام في ٣١ يناير/كانون الثاني. فقد تحدث عن كيفية تعرفه على نزلاء في المصح منذ فترات طويلة - مرضى جذام سابقين - بالإضافة إلى خلفية إدخاله لشخصيات يبدو أنها تعاني من الجذام في فيلم الأميرة مونونوكي.

بجانب المصح هناك متحف قومي لمرض هانسن وقد زاره ميازاكي مرات كثيرة. لقد أصابته الصدمة من أدوات الحياة اليومية المعروضة في المصح، بما فيها عملات خاصة يمكن أن تستخدم فقط بين الأفراد في المنشآت المنتشرة حول البلاد. في البداية كان مرضى الجذام يؤخذون إلى تلك المنشآت بالقوة، ولم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم. ودأب ميازاكي على الذهاب بانتظام من أجل أن يحني رأسه إجلالا في المكان الذي كانت تحفظ فيه عظام آلاف المرضى، وغدا السير حول المنطقة نوعا من الطقوس بالنسبة له.

شخصيات فيلم الأميرة مونونوكي موضوع الاهتمام هم عبارة عن حدادين مأجورين، تم توظيفهم لصنع أسلحة. وقد ظهروا وهم ملفوفين بشكل كثيف بالضمادات. وعلى الرغم من أن الترجمة الإنكليزية للفيلم تستخدم كلمة ”مجذومون“، إلا أنها لم ترد بشكل صريح في النسخة الأصلية. وبدلا من ذلك تم استخدام كلمة ”غوبيو“ والتي تعني المرض الذي يكون ابتلاء للتكفير عن الذنوب المرتكبة في حياة سابقة، ويعتقد ميازاكي أنها الكلمة التي استخدمت خلال الفترة التي يصورها الفيلم. وخلال كلمته قال ميازاكي: ”شعرت بوضوح أنه كان يجب علي أن أمثل هؤلاء الناس الذين عانوا من مرض كان يعتقد في ذلك الوقت أنه ”غوبيو“ ولكنهم مع ذلك كافحوا ليعيشوا حياتهم بصورة كاملة“.

وعلى الرغم من أن اسم المرض لم يذكر بشكل مباشر في الفيلم، إلا أنه كان واضحا بشكل نسبي نوع المرض الذي يعانون منه. ونظرا لأن ميازاكي لم يناقش الفيلم مع أصدقائه الجدد في المصح، كان يشعر بالقلق بشأن طريقة رد فعلهم بعد مشاهدة فيلم الأميرة مونونوكي. ولكن طريقة تجسيدهم بالفيلم أسعدتهم، وهذا ما جعله يتنفس الصعداء.

توفر إمكانية الشفاء من المرض منذ ثمانينيات القرن العشرين

لطالما شكل مرض هانسن حرجا اجتماعيا في العالم، ما يتسبب في جعل المصابين به معزولين في قرى ومنشآت خاصة زاخرة بالأحداث التاريخية. في ثمانينيات القرن العشرين، أصبح المرض قابلا للشفاء مع المعالجة، وتعمل منظمات مثل ”مؤسسة ساساكاوا ميموريال هيلث“ للقضاء عليه. وفي عام ١٩٩١، وضعت منظمة الصحة العالمية هدف القضاء على مرض الجذام باعتباره مشكلة صحة عامة تظهر بأقل من حالة واحدة لكل ١٠ آلاف نسمة، وتم تحقيق تقدم ثابت منذ ذلك الحين.

ميازاكي هاياو في مؤتمر صحفي بعد إلقاء كلمته.

تم إنشاء مصح تاما زينشوئن بالإضافة إلى منشآت يابانية أخرى في أوائل القرن العشرين. وفي أحد الأوقات، كان يتواجد فيه أكثر من ١٥٠٠ مريض، ولكن حاليا يوجد أقل من مائتي مريض يقطنون في المصح. ويبلغ متوسط أعمار المرضى ٨٤.٥ عاما. وحتى عام ١٩٩٦، كان مرضى الجذام في اليابان معزولين عن المجتمع، ولم يكن يسمح لهم بإنجاب أطفال، وفي عام ٢٠٠١ كسب الأشخاص المصابون بالجذام اعتذارا رسميا ومساعدة من الحكومة، بالإضافة إلى تعهد باتخاذ إجراءات إضافية لمساعدتهم على استعادة شرفهم وكرامتهم.

بعد أن أصبح الجذام مرضا من الماضي، هناك خطر بأن يتم نسيان تاريخ حياة الأشخاص الذين أصيبوا به والمعارك التي خاضوها مع الإجحاف الذي تعرضوا له. وبدعم الإدارة المحلية في هيغاشيموراياما، تعمل جمعية قاطني مصح زينشوئن وغيرها للحفاظ على المساحة الخضراء والمباني القديمة باعتبارها أماكن يستطيع الناس التعلم منها حول ذلك التاريخ وقضايا حقوق الإنسان.

وفي إطار لعب دور في جهود الحفاظ على ”غابة حقوق الإنسان“ تلك، كان ميازاكي من بين المتبرعين لترميم مهجع إقامة الرجال العُزب في عام ٢٠٠٣. كما تم افتتاح حضانة الأطفال على أرض زينشوئن في عام ٢٠١٢ وذلك كجزء من جهود لاستغلال أكبر جزء من مساحة الأرض البالغة ٣٥٠ ألف متر مربع. وقد علق ميازاكي على ذلك بالقول: ”بعد وفاة آخر مريض، سيكون من المهم لهيغاشيموراياما استخدام هذه المساحة الخضراء الثمينة لبناء منشآت مختلفة كثيرة، من بينها غابة حقوق الإنسان“.

وفي أعقاب الكلمة الافتتاحية التي ألقاها ميازاكي، تواصلت فعاليات ”الندوة الدولية عن تاريخ الجذام/مرض هانسن بوصفه تراثا إنسانيا“ حتى ٣٠ يناير/كانون الثاني بمشاركة باحثين ومرضى سابقين من نحو ٢٠ بلدا.

(المقالة تستند إلى جزء من خطاب ميازاكي هاياو في ٢٨ يناير/كانون الثاني ٢٠١٦، وتم نشرها بتاريخ ٩ فبراير ٢٠١٦. الترجمة من الإنكليزية. الصور من قبل أوتاني كييوهيدي)

حقوق الإنسان ميازاكي هاياو استوديو جيبلي