نظرة على مستقبل السينما اليابانية

تجهيز الجيل القادم من مخرجي السينما اليابانية

اقتصاد ثقافة

يعد المعهد الياباني للصور المتحركة المؤَسس من قبل المخرج الحائز على جائزة السعفة الذهبية لمرتين إيمامورا شوهيه (جولة ناراياما، ثعبان البحر)، الجامعة الوحيدة في اليابان المتخصصة في الدراسات السينمائية. أجرينا مقابلة مع الناقد السينمائي، مدير المعهد السيد ساتو تدا، فيما يخص نهج المدرسة في التعليم السينمائي ومستقبل الصناعة السينمائية في اليابان.

ساتو تاداو Satō Tadao

ولد في محافظة نيجاتا عام ١٩٣٠. من رواد نقاد الأفلام في اليابان ومن أوائل الباحثين في السينما الآسيوية. نَشر خلال حياته المهنية التي تمتد على مدى أكثر من ٥٠ عاماً، كتابات شملت الدراما، الأدب، الثقافة الشعبية والتعليم، بالإضافة إلى الفيلم، موضوعه الرئيسي. بعد أول منجزاته ”نيهون نو إيجا“ (الفيلم الياباني) الذي نال جائزة القراء لمجلة كينيما جونبو Kinema Junpōعام ١٩٥٦، وله أكثر من ١٠٠ كتاب. كما حصل على جائزة وزير الثقافة للفنون الجميلة ووسام الشرف (الشريط الأرجواني)، بالإضافة الى جوائز أخرى عديدة، وهو فارس من فرسان نقابة الفن والآداب Chevalier de l’Ordre des Arts et des Lettres. يشغل حالياً منصب رئيس معهد اليابان للصور المتحركة.

المدرسة وتدهور السينما في السبعينات

يعود تأسيس المعهد لعام ١٩٧٥، حيث كان يعرف بِاسم كلية يوكوهاما للبث والسينما. وقد أٌسست المدرسة بالتعاون بين المدير الشهير إيمامورا شوهيه وعدد من زملائه. حيث أنشأ ايمامورا أكاديمية الفيلم متولياً إدارتها. وفي عام ١٩٨٥، وأصبحت المدرسة كلية إعداد مهني بمنهج دراسي لثلاث سنوات وأُطلق عليها اسم معهد اليابان للصورة المتحركة. وإلى جانب هذه التغييرات، إنتقلنا إلى موقع جديد في شين يوريجاوكا Shin-Yurigaoka في مدينة كاواساكي. وفي أبريل/ نيسان ٢٠١١، تم الانتهاء من بناء الحرم الجامعي الجديد هاكوسان Hakusan، الذي هو بمثابة مقر جديد للمدرسة التي رقيت لمستوى التعليم الجامعي بمنهج دراسي لأربع سنوات جامعية كاملة. حيث تخضع الجامعات في اليابان لمتطلبات صارمة جداً فيما يخص أملاكها ومبانيها وبمساعدة مدينة كاواساكي التي أتاحت لنا قطعة أرض كانت سابقاً مدرسة ابتدائية، وقد تمكنا في نهاية الأمر من أن نصبح مؤسسة أكاديمية ذات مناهج دراسية لأربع سنوات كاملة.

وبفضل هذا الإنجاز فقد حققنا أخيراً حلم مؤسس المعهد، حيث كان الناس على علم ودراية لفترة طويلة، بأن الكلية مهنية وبمنهج دراسي مقلص لم تعد كافية لتلبية احتياجات مجتمع مثقف ذو تفتح متزايد على العلم. سيما وأن عالم السينما في اليابان ذو طابع دولي بالنسبة لسائر العالم، وبالتالي فهناك حاجة ماسة لتأهيل تعليم يُمّكن الناس من المشاركة الكاملة في نقاش مع نظرائهم من البلدان الأخرى.

السؤال : ما هي أهداف إيمامورا شوهيه من وراء تأسيسه للمدرسة؟

سات

و: لقد أوقفت صناعة السينما في اليابان توظيف المدراء المساعدين خلال سبعينات القرن الماضي. كانت تلك سنوات تدهور صناعة السينما اليابانية، حيث شهدت نظم الاستوديوهات انهياراً كبيراً. في السابق، كان نظام الاستوديو يقوم على مبدأ التسلسل الهرمي الصارم، عندما يبدأ صغار السن العمل كمساعدين لتعلم تقنيات الأفلام من الزملاء القدامى، من خلال التدريب المهني لمدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات في احد أقسام الاستديو يتعلم أولئك الأشخاص إدارة الأفلام، التصوير، التحرير، الأعمال الفنية، وغير ذلك. وبعد ذلك يصبح المنخرطون الجدد قادرين على العمل من تلقاء أنفسهم. وهكذا كانت الاستوديوهات بمثابة مدرسة.

وقد أدى إيقاف هذا النظام إلى حرمان الشباب من وسيلة لتعلم مهنة صناعة الأفلام. حيث أفلست استوديها العديد من السينمائيين ووجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل. وكان هذا دافع آخر لتأسيس المدرسة بهدف جمع الشباب وصناع السينما الذين لم يجدوا أي مكان آخر للجوء. ولعل احدى النقاط التي أصّر عليها إيمامورا تلخصت في أنه ينبغي للسينمائيين المحترفين تداول تقنيات صناعة الأفلام مع الطلاب بناءً على تجاربهم الخاصة.

نادى إيمامورا بتطبيق فكرة أخرى تنص على أنه ينبغي للتدريس أن يتم في الكلية باللغة الإنجليزية. ومؤخراً، بدأت العديد من الشركات الكبرى في اليابان التحول إلى استخدام اللغة الإنجليزية كلغتهم الرئيسية ولكن في مجال التعليم، كان إيمامورا من بين أوائل من قيموا مزايا هذا النهج.

المخرجون النجوم في المدرسة

السؤال

: هل تعمل المدرسة كورشة عمل للأفلام؟

: إن احد خصائص مدرستنا منذ نشأتها تكمن في أن مدرسيها محترفون وفي كونهم رواداً في مجال عملهم .فَهُمٌ أناس كانوا في طليعة مسرح السينما الدولية ،وكانوا فنانين أيضا في أعمالهم مثل إيماي تاداشي  Imai Tadashi، يوشيمورا كوزاورو Yoshimura Kōzaburō، كيرو أوراياما Kirio Urayama وشينودا ماساهيرو Shinoda Masahiro. وبعدما يتخرج الطلاب ويبدأوا حياتهم المهنية، يأتي دورهم في رعاية الطلاب الذين يأتون من بعدهم. وبهذه الطريقة، تزرع المدرسة بذور مهارات ومواهب الجيل الجديد من السينمائيين الشبان.

ولعل أشهر خريجي مدرستنا مييكه تاكاشي Miike Takashi (القتلة ١٣ (The 13 Assassins)، ٢٠١٠) ولي سانغ ايل Lee Sang-il (أكونين (Akunin)، ٢٠١٠). ولكن صناعة الأفلام أكثر بكثير من مجرد إخراج الأفلام فنحن أيضا فخورون جداً بكل الفنيين الذين يعملون حالياً في مجالات عديدة  مثل التصوير السينمائي، الإضاءة، الإخراج الفني والتسجيل. وقد فاز العديد من خرجيّنا بجوائز تقنية مهدات من قبل أكاديمية اليابان. وتعتبر شبكة الاتصالات الشخصية بين الناس الذين شقوا طريقهم في عالم السينما بعد التخرج أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت المدرسة تزدهر لفترة طويلة.

افتقار السينما للمواضيع الجيدة

: إن احدى الانتقادات الموجهة في كثير من الأحيان للمخرجين الشباب في السنوات الأخيرة هو افتقار أفلامهم للطموح والنظر إلى المدى البعيد. حيث يدعي الناس أن المخرجين الشباب اليوم لا يمكنهم تصوير إلا الأحداث التي تجري في فضاء محدود، كما أن أفلامهم لاتضم أي نوع من الرسائل الاجتماعية. ما رأيك في هذه الانتقادات ؟

أكبر التحديات التي تواجه الفيلم الياباني في الوقت الحالي هو عدم اتباعه أي اتجاه. حيث يتسأل الناس حول نوع الأفلام التي ينبغي إنجازها.

ويخص هذا القول الطلبة والمحترفين على حد سواء. لقد كان هنالك خلال العصر الذهبي للفيلم الياباني مواضيعاً تلفت اهتمام الجميع كالتغلب على الفقر، إقامة الديمقراطية، زيادة حقوق المرأة ونحوها. وفي تلك السنوات، فاز عدد كبير من الأفلام المتضمنة هذه المواضيع باشادات دولية. لكنه من الصعب اليوم ايجاد مواضيع جادة ومعالجتها بطريقة مباشرة.

انه لأصعب بكثير إخراج أفلاماً تحكي قصة كبيرة. فيميل الناس اليوم إلى التشكك أو السخرية من بعض المواضيع. ربما يفتقرون إلى الثقة في التعامل مع الروايات عن الاضطرابات الاجتماعية وتحوّل القيم الأخلاقية. وهذا ما دفع بالمخرجين مثل كوروساو الى جعل البيانات الأخلاقية واضحة في عملهم حيث يمكن لأي شخص أن يفهمها. ولكنني مثل كثير من الناس، أشعر أنه حتى أفلام كوروساوا أصبحت أقل نجاحاً مما كانت عليه لأنه لم يعد قادراً على معالجة القيم الأخلاقية المقبولة عالمياً.

ما هي وجهات نظركم بشأن أفلام ”لجنة الإنتاج“ الممولة من قبل شركات التلفزيون؟

في أيام نظام الاستوديو تمثل مبدأ عمل النظام على إنتاج العديد من الأفلام الشعبية كمصدر للدخل. حيث كانت الميزانية المالية التي تقدمها هذه الأفلام ما يسمح للمدراء الكبار بإنتاج المزيد من الأفلام الأكثر طموحاً من الناحية الفنية. وقد تواجدت أنواع الأفلام هذه بصفة متوازنة وذلك من خلال نوع من العلاقات التكافلية. وقد مكن هذا النظام مخرجين مثل أوزو ياسوجيرو Ozu Yasujirō (١٩٠٣ـ ١٩٦٣) وميزوجوتشى كينجي Mizoguchi Kenji (١٨٩٨- ١٩٥٦) من إنتاج روائعهم الكبيرة. ولكن تراجع صناعة السينما يعني أن الأفلام لم تعد تحقق أرباحاً، وهذا ما دمر البيئة التي جعلت إنتاج الأفلام الكبيرة ممكناً في السابق. وأنني لأعتقد أنه من الصحيح أن العديد من صانعي الأفلام الشباب ليسوا سعداءً بأنواع الأفلام المنتجة في إطار نظام إنتاج لجنة العاملين في المحطات التلفزيونية اليوم. وعلى الرغم من ذلك ومهما كانت عيوب تلك الأفلام، فانه لا يمكنك أن تنكر أن النظام قد نجح في اعادة خلق وسيلة لإنتاج أفلام مربحة. ولكننا في الوقت الحالي، لم نصل بعد إلى المرحلة الثانية، والتي يتم خلالها استثمار الأرباح لإخراج أفلام ذات جودة فنية عالية والتي تعزز مكانة الاستوديو.

لا يمكن التعبير عن مشاكل الشباب إلا الشباب نفسه

ما هي آفاق السينما اليابانية في المستقبل؟

بالنسبة للطلاب الحاليين، يكفي إن يتمكنوا من الوقوف على أقدامهم كصناع سينما مستقلون في غضون عشر سنوات. حيث إنه ليس من الضروري بالنسبة لهم إخراج منتج تجاري في حين لا يزالوا مجرد طلبة. وبصفتي ناقد أفلام، فأعتبره من واجبي مشاهدة جميع أعمال الطلبة بنفسي وتقديم نقد موضوعي لكل واحد منها.

وما تعلمته من ذلك هو أن الشباب الذين لم يكتمل نضجهم بعد لدرجة كونهم وحدهم القادرين على التعبير عن المشاكل التي تواجه جيلهم. فعندما يحاول شخص كبير السن معالجة قضايا مثل، الخلافات مع الوالدين، إيذاء النفس، الانعزال الاجتماعي، يكون وصفها في كثير من الأحيان منحرفاً بسبب مشاكل من محض الخيال نظرياً. وبالتالي يبدو غالبا أن لتلك الأفلام وجهات نظر محتقرة وغير لائقة بحلّ المشكلة. وبالنسبة لي، فقد كنت على إدراك أن للشباب قدرة على التعامل مع بعض القضايا التي لا يملكها للمخرجين القدامى اكتشاف كونها في غاية الأهمية. وفي مثل تلك اللحظات أشعر أنني بوركت بكوني مدرساً.

في الوقت الحاضر يمكن لأي شخص إنتاج فيلم. فهنالك فرص أكبر بكثير وحرية أكثر مما كان عليه الحال سابقا. ولكن هل ننتج فعلاً روائعاً كما كنا عليه في العصر الذهبي؟

في الماضي، كانت الأفلام اليابانية بارزة على الساحة العالمية، حيث كانت تجعلنا نشعر بأن صناع السينما اليابانية قد اقتربوا من المستوى العالمي. إن أردنا إحياء هذا الحافز لجعل هذه الأشياء ممكنة مرة أخرى، فيجب أن نوفر مكاناً لمنتجي الأفلام من نفس النبوغ للإلتقاء وتبادل الأفكار.

قديماً كان هناك مبدأ لعمل الاستوديوهات. فالقدرة والموهبة لا تظهران عند التقاء الموهوبين ببعضهم فحسب، بل تتطلب ايضاً توفر تلك البيئة التي تغذي مواهبهم وتساعد على النمو والتطور. هذا هو طموحنا، فنريد من معهد اليابان للصور المتحركة أن يكون مكاناً تلتقي فيه المواهب ويتم ثقلها.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، المقالة للناقد السينمائي الصحفي ماتسوزاكي تاكيو، صور تانيجوتشي ماساهيكو)

معهد اليابان للصور المتحركةعرفت المؤسسة الحالية بأكاديمية يوكوهاما للبث والسينما، حيث تأسست في عام ١٩٧٥ من قبل إيمامورا شوهي، المخرج الذي قدم سلسلة طويلة من الأفلام الناجحة دون الاعتماد على استثمار الاستوديهات الكبرى. دعا إيمامورا ”الشباب الذين لم يرضوا بمتابعة المسار التقليدي“ للانضمام لمدرسته، ووظّف رواد المخرجين للعمل كمدرسين. تقترح المدرسة تعليما بأفواج صغيرة، وباستخدام نفس معدات الاستوديهات المحترفة، حيث يوجه الطالب خلال إنتاج الأفلام من مرحلة التخطيط إلى غاية الاتقان بعد الانتهاء من الدراسة، يستخدم العديد من الخريجين مهاراتهم كمحترفي الفن السابع. في عام ٢٠١١، أعيد تأسيس المدرسة كمؤسسة جامعية بمنهج دراسي يشمل أربع سنوات، مما يجعلها الجامعة الوحيدة في اليابان المختصة في الدراسات السينمائية. بالإضافة إلى التخصصات في السيناريو والأداء، الإضاءة والتصوير، التسجيل الصوتي، التحرير، إنتاج الفيلم الوثائقي، الدروس النظرية، تشجع الأقسام المقترحة بالمدرسة تصوير التفاعل الثقافي مع المجتمع المحلي. من مدراء الإخراج الحاليين خريجي المدرسة نذكر: مييكه تكاشي Takashi Miike، سسابي كيوشي Sasabe Kiyoshi، لي سانغ ايل Lee Sang-il، ياماجوتشي يوداي Yamaguchi Yūdai، ماتسوإ تتسواكي Matsue Tetsuaki.

الأفلام الأفلام اليابانية السينما