اليابان وبناء الروابط حول العالم

حقائب ”راندوسيرو“ اليابانية تصل لأيدي تلاميذ أفغانستان

مجتمع

”إن كان مازال من الممكن الاستفادة من حقائب طلاب المدارس الابتدائية التي تم استخدامها لمدة ست سنوات، فنريد أن يستخدمها أطفال أفغانستان“... تحت هذا الشعار تواصل كلا من شركة صناعة الكيماويات العملاقة Kuraray ومنظمة جويسف غير الحكومية في طوكيو (JOICEF) منذ عام ٢٠٠٤ حملة لإرسال الحقائب المدرسية إلى مناطق النزاع. حيث تم إرسال أكثر من ١٨٠ ألف حقيبة مدرسية يابانية حتى الآن إلى خارج البلاد.

الحقائب اليابانية تطير لتصل إلى مالك جديد

ألوانها متنوعة، فمنها الأحمر والأسود، والأزرق الفاتح والزهري أيضا... في أحد أيام شهر يونيو/ حزيران، كان هناك كومة كبيرة تتكون من ستة آلاف حقيبة مدرسية يابانية أو كما يطلق عليها ”راندوسيرو“ في أحد مستودعات مدينة يوكوهاما، انتهى دورها بعد أن تم استخدامها من قبل طلاب المدارس الابتدائية اليابانية لمدة ست سنوات من حياتهم. حيث من المخطط أن يتم إرسال تلك الحقائب المدرسية القوية والتي مازال من الممكن استخدامها بشكل كافٍ إلى أفغانستان، وتسليمها إلى الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس هناك. وهذا العام هو العام الرابع عشر منذ بدء حملة ”هدية الحقيبة المدرسية اليابانية راندوسيرو المليئة بالذكريات“. حيث تجاوز عدد الحقائب المدرسية التي تم إرسالها إلى الخارج إلى أكثر من ١٨٠ ألف حقيبة.

متطوعون يقومون بفحص الحقائب المدرسية التي تم جمعها. ١٠ / ٦ / ٢٠١٧ (تصوير: إشيكاوا تاكيشي)

قام أكثر من خمسين متطوعاً بفحص حالة الأحزمة والقطع المعدنية لكل حقيبة من الحقائب المدرسية، وقاموا بتغليفها مع أدوات الكتابة غير المستخدمة التي سيتم إرسالها كهدايا مع الحقائب. ولأنه لا يمكن إرسال الحقائب المدرسية التي تم صنعها باستخدام جلد الخنزير لأسباب دينية إلى دولة مسلمة كأفغانستان، يقوم عمال شركات صناعة الحقائب المدرسية بالتطوع لتمييز تلك الحقائب عن الحقائب الأخرى.

الحقائب المدرسية التي تم إرسالها من جميع أنحاء البلاد والأشخاص المتطوعون (تصوير: إشيكاوا تاكيشي)

تسليم الحقائب يدا بيد في المدارس

السيد أوتشيبوري تاكيشي وهو يحمل كتاب الصور الحقائب المدرسية عبرت البحار (دار بوبورا للنشر) بيده. (تصوير: إشيكاوا تاكيشي)

قام المصور السيد أوتشيبوري تاكيشي (٦٢ عاما) بالذهب إلى أفغانستان سنويا ولأكثر من عشر سنوات، وقام مع موظفي المنظمة غير الحكومية المحلية المسماة مركز الاتحاد الطبي الأفغاني بتوزيع الحقائب المدرسية واحدة تلو الأخرى على الأطفال هناك، وقام بجمع صور توزيع الحقائب في كتاب للصور. ففي أفغانستان لا يستطيع أي شخص أن يحصل على حقيبة مدرسية يابانية وأدوات قرطاسية وأن يذهب إلى المدرسة بسهولة حتى ولو كان يرغب بالدراسة. ويتم إرسال الدفاتر وأقلام الرصاص والمماحي وأقلام الرصاص الملونة وغيرها من أدوات الكتابة غير المستخدمة، وحقائب مدرسية يابانية في داخلها رسائل وصور من أطفال اليابان كهدايا إلى هناك. ويقال إن المنظمات غير الحكومية المحلية تقوم بالتعاون مع الحكومة للتأكد من العدد المطلوب من الحقائب حتى تصل الحقائب إلى جميع الأطفال في نفس السنة الدراسية.

لا يزال الصراع في أفغانستان مستمراً حتى بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على انتهاء الحرب الأهلية. حيث تقع الحوادث الإرهابية التي تقوم بها جماعة طالبان المسلحة المعارضة للحكومة وتنظيم داعش الإرهابي المتطرف بشكل متكرر. وحتى أثناء إقامة السيد أوتشيبوري، كانت تطير الكثير من الطائرات بدون طيار والتي يعتقد أنها أمريكية في السماء، وكانت العربات المدرعة تسير في الطرق العامة.

الموظفون المحليون وهم يقومون بوضع الدفاتر وأدوات الكتابة في الحقائب المدرسية التي وصلت من اليابان أثناء طيران الطائرات بدون طيار فوقهم. ١٠ / ٢٠١١ (مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

لمس الكرة لأول مرة في الحياة

يتم نقل الحقائب المدرسية من باكستان عبر الطريق البري بالشاحنة إلى أفغانستان. ويقول السيد أوتشيبوري ”إنه عمل خطر لا نضمن الوصول بسلامة بعده حيث يتم عبور منطقة خطرة، ولكن عندما أشاهد الأطفال وهم يأخذون الحقائب أشعر بسعادة كبيرة“.

وهناك مشهد لا يمكن نسيانه بالنسبة للسيد أوتشيبوري. ففي إحدى المدارس كان هناك طفل حصل على قلم رصاص ياباني سداسي الشكل مطبوع عليه شخصية كرتونية، وكان يحدق بكل جانب من جوانبه الستة وبإعجاب وانبهار.

ومعظم الأطفال ليس لديهم حقيبة ولا دفتر أو كراسات للدراسة بل يذهبون إلى المدرسة بأيدٍ فارغة. وفي الصفوف تحت السماء الزرقاء حيث لا يوجد بناء للمدرسة تصبح الحقيبة المدرسية اليابانية بديلا عن مقعد الدراسة.

الأطفال وهم يستلمون الحقائب المدرسية اليابانية. عام ٢٠١١ (مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

آثار بناء المدرسة التي تم تدميرها. يتم تلقي الدروس بسبورة واحدة. عام ٢٠١١ (مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

يهتف الأطفال الذين حصلوا على كرة قدم مستعملة بفرح ”لم نكن نعتقد أن الكرة ترتد إلى هذا الحد! “. وعند سؤالهم عن السبب، يقول أغلب أطفال المدارس إنهم لم يشاهدوا كرة حقيقية حتى الآن. ويقول السيد أوتشيبوري ”هناك نقص حاد في الأشياء في تلك المنطقة، لدرجة أن حياة البعض قد تنتهي من دون أن يلمس شيئا اسمه كرة“.

الأطفال وهم يلعبون بكرة قدم مستعملة تم إرسالها كهدية من اليابان. عام ٢٠١١ (مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

أمام بوابة المدرسة في ولاية ننغرهار. الأطفال فرحين بحصولهم على الحقائب المدرسية اليابانية. ١٠ / ٢٠١١ (مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

الأطفال اليابانيون ينمون من خلال تقديمهم للمساعدات

كانت السيدة ياماموتو ميغومي الموظفة في شركة صناعة الكيماويات العملاقة Kuraray  تفكر بأنه إن كان سيتم إرسال الحقائب المدرسية اليابانية المليئة بذكريات ست سنين من ذكريات الأطفال اليابانيين، فإنه من الأفضل إرسالها إلى دولة تهتم بالتربية والتعليم بشكل صحيح وتستخدم الأشياء باهتمام كدولة مسلمة مثل أفغانستان. ومن الصعب توزيع الحقائب من قبل الشركة لوحدها. لذلك بحثنا التعاون مع منظمة جويسف غير الحكومية من بين الكثير من المنظمات.

وفي معظم الحقائب التي يتم إرسالها من جميع أنحاء البلاد هناك رسائل وصور يتم وضعها من قبل مالكيها الأطفال. وتقول مديرة برنامج منظمة جويسف غير الحكومية الدولية السيدة كاي واكاكو ”نقوم بوضع الرسائل المكتوبة باللغة اليابانية كما هي في الحقيبة المدرسية اليابانية وإيصالها إلى أفغانستان“. لأن الأطفال الذين يستلمونها حتى ولو كانوا لا يستطيعون قراءتها، فإنهم سيعرفون أن من أرسل الحقيبة لهم كتب لهم رسالة بحسن نية.

ويقوم المصور السيد أوتشيبوري تاكيشي بإقامة معارض قصيرة للصور في المدارس الابتدائية في جميع أنحاء اليابان تحت عنوان ”الحقائب المدرسية اليابانية تعبر البحار“. ويقوم بالطلب من الأطفال الحديث في كل مرة عن الصور التي أعجبتهم وسبب ذلك. ويقول إنه عندما تكلم في إحدى المدارس اليابانية عن الأطفال اللاجئين الأفغان الذين يموتون جوعا، كان هناك أطفال يذرفون الدموع ويقولون ”اليوم لن أترك شيئا من وجبة الغداء المدرسية“.

وهناك أطفال أيضا يقومون بالتفكير بالعالم عن قرب من خلال قيامهم بمشاركة مشاعرهم مع الأطفال الذين يحصلون على حقائبهم المدرسية، وبنائهم علاقة بينهم وبين بلد بعيد كأفغانستان. ووفقا لمنظمة جويسف، فإن أولئك الأطفال يقومون بالمشاركة كمتطوعين لفحص الحقائب في المستودعات عندما يكبرون، ويشاركون في البرامج التدريبية في جويسف عندما يصبحون طلاب جامعة..إلخ. وبالتالي فإن الأطفال اليابانيين يكبرون مع تلك الحملة.

الأطفال الذين استلموا الحقائب المدرسية اليابانية. ١٢ / ٢٠١١(مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

الحقائب المدرسية اليابانية رمزاً للتعليم

المناطق الجبلية في أفغانستان.  ١١ / ٢٠٠٧ (مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

وتقول السيدة كاي مديرة برنامج جويسف إن إحدى نتائج الحقائب المدرسية اليابانية هي أنه ”أصبحنا نعرف الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس في القرى بشكل واضح للعيان. فقبل ذلك "لم نكن نعرف هل يقوم الأطفال برعي الأغنام، أم أنهم ذاهبون للعب، أم أنهم ذاهبون إلى المدرسة“ عند مشاهدتهم لأول وهلة.

وعندما تصبح الحقيبة المدرسية اليابانية رمزا للذهاب إلى المدرسة، فإن معدل الذهاب إلى المدرسة سيرتفع لأن الأشخاص سيعتقدون أنه ”إن كان أطفال الجيران يذهبون إلى المدرسة بالحقيبة المدرسية اليابانية فأنا أيضا أريد أن أرسل أطفالي إلى المدرسة أيضا“. وعند ازدياد اهتمام الناس بالتعليم، فستظهر أصوات في كل القرية تدعو إلى ترميم بناء المدرسة.

ومازال يوجد الكثير من القوى المحلية التي لا تعترف بحق الفتيات بتلقي التعليم حتى الآن في أفغانستان. وتم منع التعليم بشكل كامل أثناء حكم حكومة طالبان السابقة. حيث يعتبر معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الفتيات الأفغانيات (عام ٢٠١٥) البالغ ٢٤٪ الأدنى في العالم.

ومؤخرا، وصل تقرير لم يكن متوقعا أبدا إلى مكتب منظمة جويسف في اليابان. حيث يقول التقرير إن إحدى الفتيات التي حصلت على حقيبة مدرسية يابانية في السابق دخلت كلية الطب في الجامعة. وكانت المنطقة التي تربت فيها تلك الفتاة منطقة من الصعب استمرار الفتيات بالتحديد بالدراسة فيها. وتقول السيدة كاي بمشاعر قوية ”حتى لو كانت فتاة واحدة أو فتاتين فهذا جيد. وسأكون سعيدة إذا ازداد عدد مثل هؤلاء الفتيات“.

 


مقطع مصور رسائل من أفغانستان (٥٣ ثانية) مقدم من منظمة جويسف

موقع منظمة جويسف الإلكتروني (باللغة يابانية)

المقالة الأصلية باللغة اليابانية بقلم دوي إيمي من nippon.com صورة العنوان: فتاة أفغانية تحمل الحقيبة المدرسية اليابانية على ظهرها في طريقها إلى المدرسة عام ٢٠١٢ (مقدمة من السيد أوتشيبوري تاكيشي)

حقيبة مدرسية راندوسيرو