منتجات يابانية

تورايا: قصة نجاح عمرها قرون

اقتصاد

عملت تورايا في مجال الحلويات منذ ما يقرب من خمسمائة سنة. تنوي الشركة الآن تعميم الحلويات اليابانية الخاصة بها وكذلك (واغاشي) خارج البلاد ونلقي هنا نظرة على كيفية تمكن هذه الشركة التقليدية العريقة من مواكبة عالم دائم التغير.

عرض علبة من ”اليوكان“ في الطابق الأرضي من متجر تورايا الرئيسي في طوكيو

رئيس تورايا كوروكاوا ميتسوهيرو، الرئيس السابع عشر لشركة العائلة.

جلب الفاتح الإسباني هرنان كورتيس حبوب الكاكاو من العالم الجديد عام ١٥٦٢. ويقال إن هذا حصل في نفس الوقت الذي بدأ فيه كوروكاوا إناتشو بيع الحلويات اليابانية (واغاشي) في كيوتو. ولا تزال الشركة التي أسسها، Toraya (حرفيا ”متجر النمر“) نشطة في العمل التجاري منذ ذلك الحين، والتي لا تزال تنتمي إلى عائلة كوروكاوا.

ومع ذلك، فإن كوروكاوا ميتسوهيرو، الرئيس الحالي والسابع عشر الذي يتولى زمام أمورها لا يكرس الكثير من الوقت لتسليط الضوء على ماضي شركته اللامع. ويقول، ”عندما تنتهي هذه المقابلة (مع nippon.com)، سأعود على الفور للتفكير فيما يتعين علينا القيام به في الوقت الحاضر.“

كما يضيف، ”التفكير في سبب استمرار تورايا لفترة طويلة هو مجرد بصيرة بعد فوات الأوان. وما هو مُهم الآن هو ليس الماضي أو حتى المستقبل، حيث أنّ الأمر في الوقت الحاضر يتعلق بما يتوجب القيام به لخلق نوع من الحلويات يلقى استحساناً أكثر من الزبائن“.

اليوكان: حلوى واعدة تختص بها تورايا

يقع مقر تورايا الرئيسي الآن في طوكيو حيث يتم إنتاج وبيع مجموعة واسعة من الواغاشي، ولكن قبل كل شيء تُعرف الشركة بحلوى اليوكان (yokan)، وهي عبارة عن حلوى هلامية سميكة مصنوعة من هريس فول الأزكي. ويعتقد كوروكاوا أن لدى اليوكان القدرة للوصول يوماً ما إلى درجة عالية من المنافسة مع الشوكولاتة كحلوى عالمية.

وإذا بدا هذا الهدف طموحا أكثر من اللازم، فلا بُدَّ من التذكر بأن شراب الكاكاو المر الذي كان الإمبراطور موكتيزوما يحلف به لم يلق قبولاً على الفور عندما وصل الشواطئ الإسبانية من قبل كورتيس. وقد استغرق الأمر بعض الوقت للأوروبيين للاعتياد على النكهة، وتم تعديل مزيج الشوكولاتة أيضا ليناسب الأذواق المحلية.

كوروكاوا ميتسوهارو، نجل الرئيس الحالي، على استعداد تام للمساهمة في التوسع العالمي للشركة، بعد أن أمضى عدة سنوات في الدراسة والعمل في الخارج.

كما يدرك كوروكاوا أن رفع المكانة العالمية لليوكان إلى مستوى يقترب من الشوكولاتة سيكون عملية تدريجية، تنطوي على العديد من الخطوات. ويقول، ”لن يكون الأمر سهلا ولكن وضع خطة عمل لتحويل اليوكان إلى منتج عالمي سيقطع شوطا طويلا فيما يتعلق بتوضيح ما يجب القيام به.“

ويتمثل جزء كبير من جعل هذا الحلم حقيقة واقعة في فول الأزوكي نفسه، المكون الذي يدخل حرفيا في صميم اليوكان وغيرها من حلويات الواغاشي الشهية. وفي الوقت الحاضر، يجري زرع معظم فول أزوكي المستخدم في متجر تورايا في أراضٍ بجزيرة هوكايدو شمال اليابان، سيما وأن تلك المنطقة مناسبة تماما لزراعة الفول بسبب وجود تفاوت كبير بين درجات الحرارة.

ويشير ابن كوروكاوا، ميتسوهارو، إلى وجود حبوب مماثلة تزرع في الصين وكوريا وفيتنام ولبلدان افريقية مثل نيجيريا، ولكن الفرق الرئيسي يأتي في نوع الفول المستخدم. كما يوضح، ”نوعية الفول اليابانية تميل إلى أن تكون أعلى بكثير من تلك التي تزرع في أماكن أخرى، ولكن لا يوجد نظام لزراعة الحبوب اليابانية في بلدان أخرى. ولعل هذا هو من العقبات الكبيرة التي تعترض توسيع زراعة فول الأزوكي“.

جذب عملاء جدد

متجر تورايا للوغاشي في باريس (الصورة مقدمة من تورايا).

حققت تورايا بالفعل قدرا كبيرا من النجاح في تعميم الواغاشي في الخارج. ويصادف هذا العام عامها السادس والثلاثين لافتتاح متجر تورايا في باريس. فقد بدأت الشركة نشاطها هناك على نطاق صغير وبنت تدريجيا فئة مخلصة من الزبائن المحليين على مدى تلك السنوات. ويشير كوروكاوا أن ”بعض الباريسيين الذين زاروا المتجر مع والديهم يأتون اليوم مرة أخرى مع أطفالهم“.

كما كان لدى تورايا أيضا متجراً في نيويورك لمدة عشر سنوات، ولكن ارتفاع النفقات العامة، إلى جنب مع تأثير أحداث الحادي عشر من سبتمبر، دفع بالعديد من اليابانيين إلى مغادرة المدينة، مما أدى إلى إغلاقه عام ٢٠٠٣. ويقول كوروكاوا إنه يود في مرحلة ما في المستقبل القيام بمحاولة أخرى في السوق الأمريكية، ولكن هناك احتمالات أخرى تلوح في الأفق كذلك حيث تبدو في آسيا والشرق الأوسط، على وجه الخصوص أسواقاً واعدة للواغاشي نظرا للتشابه في الطعم والملمس مع الحلويات المحلية.

مدخل مقهى تورايا في طوكيو، الذي يضم حلويات ”الشرق يلتقي بالغرب“.

هذا ولا تقتصر جهود الشركة لتنمية تذوق طعم الواغاشي خارج البلاد فحسب بل تبذل أيضا قصارى جهدها لتعزيز الطلب بين أوساط الجيل الياباني الأصغر، الذي أصبح أكثر دراية للحلويات الغربية ومن حلال تتبع تلك النابعة من الداخل. على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، استجابت تورايا لهذا التحدي من خلال فتح محلات مبتكرة للبيع بالتجزئة في اليابان حيث رسمت صورة جديدة حول تقاليد الشركة.

ففي عام ٢٠٠٣، افتتحت الشركة أول مقهى تورايا في مبنى روبونغي هيلز المعروف في طوكيو، ويضم تشكيلة من الحلويات التي تجمع بين عناصر من الواغاشي والحلويات الغربية التي تشكل معا فئة طعم جديدة.ومن الأمثلة على ذلك ”فوندام الأزوكي والكاكاو“، وهو اقتران بين هريس فول الأزوكي والشوكولاتة.

”فوندام الأزوكي والكاكاو“، وهي حلوى شعبية في مقهى تورايا (الصورة مقدمة من تورايا).

وقد يكون ذلك نوع من التوازن لاستكشاف مثل هذه التوجهات الجديدة، لكنه في نفس الحين سعيٌ لتلبية توقعات الزبائن الذين نشأوا مع علامة تورايا التجارية. ويقارن كوروكاوا هذه الديناميكية مع طريقة شعور الناس نحو المدينة. كما يقول، ”قد يرغب البعض لو ظلت طوكيو على حالها منذ فترة إيدو، ولكن إذا كنت قد حاولت العيش في هذه المدينة التقليدية لسرعان ما وجدتها غير مريحة في نواح عديدة. سيما وأن بعضاً من التغيير أصبح ضرورياً نوعاً ما“. وهي النقطة التي يوضحها كوروكاوا والتي يتم التركيز عليها من خلال المنظر البانورامي الممتد وراء المقر الرئيسي لتورايا، والذي يعكس الجمال الخالد لقصر أكاساكا القريب ومباني المكاتب اللامعة في طوكيو.

حلويات موسمية

قد لا يكون التقليد دائما في عقل كوروكاوا لكن يمكن رؤيته بالتأكيد في متجر الواغاشي الأنيق في الطابق الأرضي من مبنى تورايا. إذ يمكن للعملاء العثور على مجموعة متنوعة واسعة من اليوكان، بعضها متوفر على مدار السنة وغيرها تأتي وتذهب حسب المواسم.

كما يُمكن للمرء في أي وقت من الأوقات، أن يَجدَ في المتجر أيضا خمس أو ست ناماغاشي مختلفة وهي نوع من الواغاشي تصنع طازجة يوميا وبتصاميم ومكونات متصلة بالمواسم والفصول السنوية. وكذلك كل أسبوعين أو نحو ذلك، تتصدر تشكيلة جديدة من الناماغاشي في الواجهة، وغالبا ما تتراوح بين حلويات ظهرت لأول مرة منذ قرون وتلك التي تم تصنيعها في السنوات الأخيرة. ففي أوائل أغسطس/آب، على سبيل المثال، ظهرت أقدم حلوى من الناماغاشي الخمسة والتي يعود تاريخ منشأها لأول مرّة إلى عام ١٧٧٣ في حين ظهر أحدثها في عام ١٩٩٤.

”واغاشي“ أوساغيمان على شكل أرنب، التي يعتقد أنها تجلب الحظ الجيد، يتم صنعها حسب الطلب (الصورة مقدمة من تورايا).

ويوضح ماتسودايرا ناريتادا، رئيس قسم العلاقات العامة في تورايا، بأنّ الشركة تعمل دائما على تطوير الناماغاشي الجديدة وغيرها من الحلويات في عملية قد تستغرق نحو ثلاث سنوات لكل عنصر. ولكن شركة تورايا تقدم حلوً جديدا فقط عندما يكون لديها ثقة كاملة في المنتج الجديد ودون الاعتماد على ملاحظات الزبائن على إجراء تعديلات.

ونظراً لأن تشكيلة الناماغاشي تتغير باستمرار، بما في ذلك ظهور منتجات جديدة، فإنَّ كل زيارة إلى متجر تورايا تعتبر بمثابة لقاء جديد سيما وأنّ المنتجات المحددة ذات صلة بفترة معينة من السنة سواء في تصميمها أو أيضاً في المكونات التي تحتوي عليها.

وتجدر الإشارة إلى أن للحلويات دور في الإيحاء للموسم القادم. فعلى سبيل المثال تظهر حلوى ناماغاشي في منتصف أغسطس، وهي على شكل الكستناء وذلك كدلالة على اقتراب فصل الخريف. إلا أن ماتسودايرا يستدرك بالقول ”لكن الحلويات المصنوعة فعلا بالكستناء تبدأ بالظهور في المتجر في سبتمبر/أيلول، أي في الموسم الحقيقي للكستناء.“

وبالنسبة لسكان المدن، الذين يميلون إلى أن يكونوا أقل انسجاما مع التغيرات الموسمية، فربما تذكرهم هذه الحلويات بالتمهل والتأني بعض الوقت لتذوق أطعمة ذات نكهة مميزة يتسم بها وقت معين من السنة.

المرونة والمستقبل

يبدو مستقبل تورايا مشرقا كماضيها، ولكن بالنسبة لشركات الواغاشي الصغيرة، التي تشكل الجزء الأكبر من هذه الصناعة، تبدو السنوات القادمة اقل وضوحا. وكمدير جمعية الواغاشي اليابانية، كوروكاوا، يدرك تماما التحديات التي تواجه شركات الواغاشي.

كما يوضح، ”لقد كان هناك فقدان للثقة بين صناع الواغاشي. فكثيرا ما أسمع من أصحاب الشركات بأن أبناءهم يعملون كـ ”salarymen“،وأنهم لا يريدون منهم تولي الأعمال التجارية العائدة للعائلة حيث أنها طريقة صعبة لكسب لقمة العيش“. وسوف يتحتم على هذه الشركات إغلاق أبوابها أن لم يكن هناك من أحد يمكنه الاستمرار في العمل فيها.

ويعتقد كوروكاوا أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ترفع المزاج في هذه الصناعة، وتزيد من جاذبيتها بين جيل الشباب تتمثل في بذل مزيد من الجهد لتعزيز صانعي حلوى الواغاشي الأفراد. ”على الرغم من أن صانعي الحلوى ماهرون بشكل لا يصدق، فإنّ كثيراً منهم لا يزال غير معروف نسبيا للجمهور. لذا أريد تسليط الضوء عليهم“.

وأضاف بأنّه يود أن يرى اسم الحلواني في المقدمة والوسط، بدلا من اسم المؤسسة التي يعملون بها، بشكل يشابه إلى حد كبير الوضع اليوم بالنسبة لطهاة الطهي والحلويات في فرنسا وغيرها. ويعتقد كوروكاوا أن هذا قد يستغرق شوطا طويلا لإثارة الاهتمام في هذه المهنة في أوساط الشباب.

ولعل هذا النوع من التركيز هو على ما يجب القيام به الآن، بدلا من مجرد اتباع الطرق المتبعة في الماضي، وربما كان هذا هو ما أبقى تورايا نشطة في مجال الأعمال التجارية كل هذه السنوات، وكذلك السماح لها للحفاظ على العديد من تقاليدها.

وقد تكون لهذه المرونة علاقة ما مع حقيقة عدم وجود عقبات ”تعاليم أسرة“ كوروكاوا التي يتوجب نقلها من الأب إلى الابن. وعندما تَسَّلم كوروكاوا ميتسوهيرو منصب القيادة من والده، في عام ١٩٩١، أدرك الحرية والمسؤولية التي جاءت مع المنصب: ”في غياب الأحكام، حيث كانت فلسفة المنصب على أساس أن تفعل ما تريد، وأن الآن كل شيء يعتمد عليك“.

بيانات الشركات
اسم الشركة: حلويات تورايا المحدودة
المقر: Akasaka 4-9-22, Minato-ku, Tokyo 107-8401
الممثل: كوروكاوا ميتسوهيرو، الرئيس
أنشطة الشركة: إنتاج وبيع الحلويات اليابانية
الرأسمال: ٢٤ مليون ين
عدد الموظفين: ٨٧٨ (اعتبارا من ١ يونيو/حزيران ٢٠١٣)
الموقع: http://www.toraya-group.co.jp/english

(المقالة الأصلية باللغة الإنكليزية بقلم مايكل شاويرت، نشرت بتاريخ ٢٤ سبتمبر/أيلول ٢٠١٣ بناء على مقابلة أجراها ناغاساوا تاكاأكي أحد كبار محرريّ nippon.com. تصوير: كيمورا جونكو من يانا برس).