منتجات يابانية

تواصل ريادة دواء ياباني في القرن الخامس على ابتكاره

اقتصاد مجتمع صحة وطب

يرتكز المنتج الرئيسي لشركة أوزوكيومييغان على الطب الصيني التقليدي، ولا يزال يحافظ على شعبيته في اليابان لمعالجة البكاء في الليل عند الأطفال الصغار. في هذه المقالة يصف أكبر مديرين تنفيذيين للشركة التزامهما باحترام التقاليد التي ورثاها وبتجديد حيوية الشركة.

سر تركيبة أوزوكيومييغان

قبل أكثر من ٤ قرون استسلم راهب متجول للإرهاق وانهار أمام بوابة منزل في تاكانيزاوا فيما يعرف حاليا بمحافظة توتشيغي شمالي طوكيو. وقام أفراد الأسرة بإدخاله للمنزل وواظبوا على العناية به، ولكنه توفي في نهاية المطاف. ولكن قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، أعطى أفراد العائلة تلك كتابا عرفانا منه بحسن صنيعهم. وكان الكتاب يحتوي على وصف لتركيب دواء سحري.

هذه هي الأسطورة وراء دواء كيومييغان وهي تركيبة دواء صيني تقليدي ”كامبو“ غدت دواء يحظى بشعبية استمرت بين الناس في اليابان لمعالجة الأطفال الذين يبكون في الليل. وبدأت عائلة أوتسو بإنتاج الدواء تجاريا في حوالي عام ١٦٠٠. كان أوتسو غونئيمون يعمل طبيبا في عشيرة أوتسونوميا ذات النفوذ القوي. ولكن هذه العشيرة فقدت مكانتها كإقطاعية وجُردت من ممتلكاتها من قبل أمير حرب بارز في اليابان هو تويوتومي هيدييوشي، وقد عاد غونئيمون إلى حياة الزراعة في تاكانيزاوا في عام ١٥٩٧. وعلى ما يبدو فقد خدم المجتمع بوصفه طبيبا وهو ما أدى إلى البدء بمشروع لإنتاج دواء كيومييغان.

وقامت عائلة أوتسو بإنتاج وتسويق دواء الكامبو الخاص بها من خلال الشركة التي أصبح حاليا اسمها أوزوكيومييغان. وانتقل المقر الرئيسي للمشروع الذي تديره العائلة إلى طوكيو في عام ١٩٣١، حيث تحولت إلى شركة مساهمة. وفي نفس العام، تبنت اسم أوتسوكيومييكان لمنتجها الرئيسي. وفي ستينيات القرن العشرين غيرت الشركة قراءة اسم المنتج إلى أوزوكيومييغان، مع بدء إجراء دعايات للدواء بشكل مكثف في الإذاعة والتلفزيون، واعتقدت إدارة الشركة أن القراءة الثانية للمنتج ستكون أفضل بالنسبة لجمهور البث الإذاعي والتلفزيوني.

ولا تزال شركة أوزوكيومييغان تجري عمليات الإنتاج في معملها بتاكانيزاوا حيث أسست الشركة. ويتواجد المعمل على مساحة ٣.٣ هيتكار من الأرض المشجرة وتتألف من تجمع للمباني يذكر بأوزوكيومييغان في بدايات القرن السادس عشر.

يقول أوتسو يوشييوكي المدير العام الكبير في أوزوكيومييغان والابن الأكبر وولي عهد رئيس الشركة أوتسو يوشيهيرو: ”شاركت عشيرة أوتسونومييا في الغزو الياباني لكوريا في تسعينيات القرن السادس عشر. نستطيع أن نتخيل أن أتسونومييا ربما استطاعت إحضار أدوية عشبية صينية وتركيبات دوائية معها، ولكن يبقى الأمر مجرد تخمين“.

ويبقى معرفة كيفة حصول أسلاف أوتسو على تركيبة الدواء بالتحديد لغزا، ولكن قيامهم بحمايته بعناية هو أحد جوانب تقاليد الشركة المدونة جيدا. رب العائلة فقط هو من يمتلك معلومات مفصلة عن تركيبة الدواء، ويورثها فقط لابنه الأكبر. وعلى مدى عدة أجيال، أصبح مبنى يشبه غرفة شرب الشاي موجود في المصنع ويعرف بـ”سيئييكين‘‘مكانا لتمرير تركيبة الدواء من جيل إلى آخر. وبالجوار يوجد متحف الشركة وأوتسو ياكوشيدو وهو معبد طبي تاريخي، ما يغني بيئة التراث الدوائي والثقافي.

تنقل المعروضات في المتحف الواقع داخل معمل أوزوكيوميغان بتاكانيزاوا شعورا بتاريخ الشركة المميز الممتد لأكثر من ٤ قرون.

رسومات لـ٥٦ عشبة طبية تزين سطح معبد أتسو ياكوشيدو.

شكل سيئييكين لأجيال من أرباب أسرة أتسو مكانا للتأمل بهدف استيعاب أسرار تركيبة دواء أوزوكيومييغان.

محن متكررة

روجت أسرة أتسو في البداية لدوائها على أنه يشفي الناس من جميع الأعمار من جميع الأمراض، وتم توزيعه أحيانا مجانا. وأصبح هناك طلب كبير على الدواء وكان دائما متوفرا في النزل والحانات المنتشرة في أرجاء البلاد. وكان الناس يقولون إن حبة دواء واحدة منه تعادل ما يصل إلى قيمة كيس كبير من الأرز.

بدأ التسويق الحديث لمنتج أوزوكيومييغان في عام ١٩٠٦. فقد بدأت شركة أدوية كبيرة تبيع بالجملة ومقرها طوكيو بتسويق الدواء، ما أسس مكانا للمنتج باعتباره دواء لعلاج الأطفال الصغار الذين يعانون من البكاء في الليل.

ويشرح يوشييوكي ذلك بالقول: ”كانت المعايير الغذائية فقيرة في ذلك الوقت. وقد خفف دواؤنا من بعض عدم الراحة عند الأطفال الناجمة عن سوء التغذية لديهم“.

وقد استخدمت شركة أوزوكيومييغان الأموال الكبيرة المتدفقة جراء بيع الدواء لتمويل استثمارات متنوعة في مشاريع في مجالات المال والنقل بالسكك الحديدية وإنتاج مخصبات وفتح مدرسة خاصة. ولكنها واجهت تحديات مثل ظهور منافسين لها في السوق بأدوية مقلدة حيث لم تكن الأسواق مجهزة بقوانين لحماية براءات الاختراع. في غضون ذلك، ظهر تحد أكبر تمثل في الأزمة المالية في فترة شووا عام ١٩٢٧. فقد أدت الأزمة إلى تقليل تدفق الأموال النقدية على الشركة بشكل كبير، ما دفعها إلى الانسحاب من مشاريعها المتنوعة التي تستثمر فيها وإلى بيع حقوق تسويق دوائها.

وبعد أن أصبحت أوزوكيومييغان شركة مساهمة في عام ١٩٣١، ركزت بشكل ضيق على إنتاج دوائها الرئيسي. وقد انتقلت في الترويج لعلامتها التجارية إلى شكل حديث مثل عرض فتيات غربيات وحتى بابا نويل. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها واستعادة الشركة زخم أعمالها.

وخلال طفرة المواليد في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية تضاعفت مبيعات أوزوكيومييغان مرتين إلى ثلاث مرات سنويا. ولكن الإدارة سمحت بخروج التكاليف عن نطاق السيطرة، وقد تمكنت شركة أوزوكيومييغان من البقاء فقط بفضل مساعدة من شركة أدوية أخرى في عام ١٩٥٥. ومرة أخرى أدت عملية إعادة هيكلة الشركة إلى انتعاشها. واستأنفت المبيعات السنوية النمو ووصلت ذروتها حوالي عام ١٩٧٠ حيث بلغت نحو ٢ مليار ين.

وفي ضوء ذلك يقول يوشييوكي: ”إن نظرة على بياناتنا المالية تكشف عن أزمتين هددتا وجود الشركة على مدى ٣٠ عاما خلال القرن العشرين. وفي المرتين، تمكنا من تجاوز المخاطر بفضل مساعدة من نظرائنا في صناعة الأدوية“.

إن مرونة أوزوكيومييغان هي برهان على الطلب القوي المستمر على منتجها الدوائي الذي يحمل نفس الاسم. وبشكل مثير للاهتمام، تتشارك الشركة ذلك الطلب مع شركة أخرى عمرها في هذه الصناعة نحو ٤ قرون وهي هييا للأدوية. ومقر هذه الأخيرة في أوساكا وتنتج وتسوق ”هيياكيؤوغان“ وهو دواء مشابه لدواء علاج الأطفال الذين يعانون من البكاء في الليل المنتج من قبل أوزوكيومييغان. وتحافظ هذه الشركة على حصة كبيرة من السوق في غرب اليابان بينما تحظى أوزوكيومييغان بتواجد قوي في الأجزاء الشرقية من البلاد.

بالكاد تغيرت تركيبة دواء أوزوكيومييغان على مدى كل تلك القرون. ومن بين المواد الفعالة الداخلة في تركيب الدواء المسك وحصوات مرارة أبقار مجففة وهي فعالة في تهدئة الأعصاب وتقوية القلب، بالإضافة إلى الجزر وجذور عرق السوس للمساعدة على الهضم. الشيء الذي تغير هو تبني الشركة لأحدث المعدات لإنتاج الدواء بما يتوافق مع النظم الدوائية في اليابان.

تحد ديمغرافي

يعرب أوتسو يوشيهيرو رئيس شركة أوزوكيومييغان عن ثقته في إمكانية بيع منتج الشركة الرئيسي على المدى الطويل حيث يقول: ”أجرينا مسحا قبل عدة سنوات للأمهات اللواتي يربين أطفالا رضع. وقد كان الهاجس الأكبر للمستجيبات للمسح هو البكاء الخارج عن السيطرة. ويفترض مجتمع المعلومات لدينا وجود تنامي في الإجهاد على الرضع، تماما كما يحدث مع البالغين. وهذا يشكل سببا كبيرا في الهياج الذي يشاهد عند الرضع وظاهرة بكائهم في الليل. وسيواصل الآباء الترحيب بدوائنا لمعالجة تلك المشاكل“.

ولكن يوشيهيرو أرفق ثقته المعلنة تلك بإقرار صريح بوجود تحديات جديدة وصعبة. حيث يقول شاكيا: ”إن عدد الأطفال في تراجع. في غضون ذلك، ينحسر عدد متاجر الأدوية التي تديرها العائلات - والتي كانت قناة مبيعاتنا الرئيسية تقليديا - على حساب سلاسل المتاجر الكبرى، كما أن الآباء حاليا هم أقل ميلا لإعطاء أطفالهم أدوية مثلما كانوا في الماضي“.

وتؤكد الأرقام مخاوف رئيس الشركة. فقد تراوحت المبيعات السنوية للشركة بين ٣٠٠-٤٠٠ مليون ين في السنوات الأخيرة وهي تعادل سدس ما كانت عليه في وقت الذروة. وفي حقبة كان فيها النمو الاقتصادي والديموغرافي أكثر قوة، تمكنت الشركة من زيادة المبيعات بنجاح عن طريق إعلانات مكثفة في التلفزيون. ولكن تلك الأيام قد ولت، وقد بثت الشركة آخر إعلان تجاري تلفزيوني لها قبل ٥ سنوات.

ويقول يوشيهيرو محذرا إن: ”استدامة شركتنا تتوقف على تتكيف أعمالنا مع تغير الوقت“. وبالتالي طورت أوزوكيومييغان أعمالا تتجاوز دواء معالجة بكاء الأطفال في الليل. قبل ٣٠ عاما، كانت جميع مبيعات الشركة تقريبا من دوائها الرئيسي. ومنذ ذلك الوقت، وسعت قائمة مبيعاتها بدواء لمعالجة الزكام عند الأطفال أطلقته في منتصف ثمانينيات القرن العشرين ومحلول للعناية ببشرة الأطفال يمكن استخدامه للبالغين أيضا وذلك في منتصف تسعينيات القرن العشرين. وفي الوقت الحالي تشكل مبيعات المنتجين الجديدين نحو ٧٠٪ من المبيعات السنوية للشركة.

الجولة الأخيرة من عملية التنويع تختلف بشكل كبير عن التجربة السابقة للشركة بعمليات الاستثمار المتنوعة قبل ١٠٠ عام. فبينما شملت عملية التنويع السابقة مجالات تتجاوز مكمن اختصاص أوزوكيومييغان، فإن المنتجات الجديدة للشركة تقعان ضمن مجال المعالجة بأدوية كامبو المألوف للشركة. ولكن يوشيهيرو مُصرّ على أن شركته بحاجة إلى توسيع آفاقها.

فقد أعلن رئيس الشركة أن ”هذا الوقت مناسب لبدء مسارات جديدة. يجب علينا بالطبع أن نستمر بصدقنا مع التزامنا التقليدي بخدمة الآخرين. ولكننا أيضا بحاجة إلى تحويل شركتنا لتبقى في السوق“.

ومن المفترض أن تقع مسؤولية عملية التحول التي يتبناها يوشيهيرو على عاتق وريثه يوشييوكي البالغ من العمر ٣٧ عاما. والذي سيقوم بتجسيد إحساس والده بالحاجة الملحة إلى توسيع آفاق الشركة. وهو يشير إلى عملية تدشين دواء جديد في عام ٢٠١٥ لمعالجة ضربة الشمس باعتبارها خطوة في هذا الاتجاه.

ويقول يوشييوكي ”إن الدواء الجديد يدمج خبراتنا المتراكمة من صناعة دواء أوزوكيومييغان. وهو دواء كامبو يستخدم لجميع الأعمار اعتبارا من ٣ أشهر. وقد اشترى الناس عشرات الآلاف منه بعد طرحه في السوق مباشرة. فالاحتباس الحراري يؤثر علينا، وحرارة الصيف لا تطاق. وسنكون مستعدين بمنتجات أكثر في وقت مبكر من الصيف القادم“.

كما توسع شركة أوزوكيومييغان آفاقها في التوزيع، وخاصة من خلال التسويق عن طريق شبكة الإنترنت. فقد ارتفعت مبيعات الشركة عن طريق الإنترنت في آخر عام مالي بنحو ٥٠٪ عن العام السابق. ويكشف يوشييوكي عن هدف الشركة المؤقت قائلا: ”إن الهدف هو زيادة المبيعات السنوية لتعود إلى مليار ين“.

تستخدم شركة أوزوكيومييغان أحدث المعدات لتصنيع منتجات كامبو في معمل تاكانيزاوا (الصورة مقدمة من أوزوكيومييغان).

إن تعزيز روابط المجتمع هو جزء من استراتيجية الإدارة لإنعاش شركة أوزوكيومييغان. يقع معمل الشركة بالقرب من المنطقة التي كانت الأكثر تضررا في زلزال شرق اليابان الكبير في مارس/آذار ٢٠١١. وفي أعقاب الكارثة، استأنفت الشركة استضافة مهرجان فوانيس في المعمل. وكان يقام المهرجان سنويا حتى منتصف القرن العشرين. وتشكل عملية الاستئناف رمزا لعملية التجديد الجارية في شركة أوزوكيومييغان.

(المقالة الأصلية مكتوبة باللغة اليابانية بقلم كيكوتشي ماسانوري من nippon.com ومنشورة بتاريخ ١٢ يناير/كانون الثاني ٢٠١٥. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: أوتسو يوشيهيرو رئيس شركة أوزوكيومييغان (يسار)، وابنه الأكبر المدير العام للشركة أوتسو يوشييوكي، وهما يعبران عن إحساس مشترك بالحاجة إلى توسيع آفاق الشركة).

الطب أدوية