نظرة على مستقبل السينما اليابانية

نمر ياباني يتحول في طوكيو يعشق السينما والجميلات!

ثقافة

نمر شينجوكو هو فيلم وثائقي ياباني جديد، تمت تسميته باسم موضوعه، الشخصية النابضة بالحيوية التي أصبحت أحد أهم عناصر المشهد في شينجوكو منذ السبعينيات.

ساتو يوشينوري Satō Yoshinori

منتج أفلام ومخرج تلفزيوني مستقل. من مواليد عام 1975. كانت أولى أفلامه "Bad Child"و"Her Mother"، الذين تم عرضهما في مهرجان بوسان السينمائي الدولي لعام 2016.

إذا كنت ممن يترددون على حيّ كابوكيتشو في شينجوكو، فلعلك تكون قد رأيته. فهو يركب دراجة هوائية ويرتدي قناع نمر وزيًا غريبًا، يشغل موسيقى إنكا اليابانية على الاستيريو المتنقل الخاص له. هذا الرجل، الذي أصبح يعرف باسم ”نمر شينجوكو“، يحرص على توزيع الصحف صباحًا ومساءً بهذا الزي منذ عام 1972.

لقد كان نمر شينجوكو موضوع الساعة في مختلف وسائل الإعلام، بما في ذلك التلفزيون والمجلات، وقد ظهر على ملصق إعلاني في متجر بيع الأشرطة الموسيقية الشهير Tower Records، فرع شينجوكو. بالنسبة للبعض هو يعد الآن رمزاً للثقافة المتنوعة في المنطقة.

يقول ”لو لم يكن حيّ شينجوكو موجوداً، لما كان هناك نمر شينجوكو“. ”هذا هو مقدار حبي لهذه المدينة. لقد حققت محطة شينجوكو أعلى نسبة في أعداد الركاب. فجميع خطوط القطارات التي تجتمع هنا تجعل هذه المدينة ميناءً بريًا“.

لقد ذهب هذا الرجل الذي ينحدر من محافظة ناغانو إلى طوكيو للالتحاق بجامعة دايتو بونكا. عاش في البداية في نيريما لمدة سنتين، ولكن بعد ذلك ترك الدراسة وانحرف إلى أن انتهى به المطاف في شينجوكو، حيث عثر على عمل كعامل توصيل لجريدة أساهي شيمبون. وبعد فترة وجيزة من استلامه الوظيفة، شاءت الصدفة أن يذهب إلى مهرجان في معبد إيناري كيو خلف مكتب بيع وتسليم الصحف. ومن بين العروض لفت نظره قناع لوجه نمر في كشك لبيع أقنعة الأطفال، وهو القناع الذي كانت ترتديه شخصية المصارع المحترف التي ظهرت في سلسلة الأنيمي التي نالت شهرة في ذلك الوقت. فقال في نفسه ”هذا هو!“ ”سأقضي حياتي كنمر يعيش في غابة شينجوكو الإسفلتية“. اشترى فيما بعد منها 30 قناعًا، وأصبح يرتديها كلما غادر المنزل. وكانت تلك هي بداية ظهور نمر شيجوكو.

هذه الشخصية الغريبة هي موضوع فيلم وثائقي كامل تم إصداره مؤخرًا بواسطة ساتو يوشينوري. بالنسبة إلى ساتو، لقد كان بمثابة تغيير كبير عن أعماله السابقة، التي كانت تتناول مواضيع عن دراما تتعلق بقاتل ينتظر تنفيذ حكم الإعدام فيه وعن أسرة الضحية.

صناعة الفيلم

الصحفي: أنا أعلم أن هذا الفيلم الوثائقي كان أول تجربة لك. كيف قررت القيام بذلك؟

لقد قام المخرج ساتو يوشينوري بكل شيء بدءاً من تصوير كل مراحل الفيلم الوثائقي وصولاً إلى تنفيذ المونتاج.

ساتو يوشينوري لقد قامت وكالة توزيع فيلمي السابق بعرض المشروع عليّ. وأروني صوراً لما يسمى ”بالرجل الغريب في شينجوكو“، لقد أثار اهتمامي وأردت قبل كل شيء معرفة إلى أي نوع من الناس ينتمي.

نمر شينجوكو: تلقيت العرض في عام 2017. التقيت برئيس الوكالة وساتو ثلاث مرات في مقهى في شينجوكو. وفي كل مرة تقابلنا فيها تحدثنا لمدة ثلاث ساعات، فكان إجمالي الوقت الذي تحدثنا فيه تسع ساعات. بدأ التصوير في العام التالي واستمر لمدة عام (إجمالي عدد الجلسات ستة وثلاثون جلسة). في بعض الأحيان كانت الكاميرا تعمل لمدة خمس أو ست ساعات متواصلة. ولقد استطاع أن يختزل هذا الكم الهائل من الفيديوهات في ثلاثة وثمانين دقيقة. أليس شخصاً مدهشاً؟

الصحفي: لاحظنا أنك في معظم لقطات الفيلم تتحدث مع النساء.

النمر: هذا صحيح. كما ترى، تتلخص حياتي في ثلاثة مواضيع: الأفلام والنساء الجميلات والأحلام. فإذا كان الفيلم لا يشمل هذه المواضيع، لا أشارك فيه. ولقد عرضت على ممثلات كنت قد كوّنت صداقات معهن في Golden Gai (شارع ضيق في شينجوكو به عدة أزقة تصطف فيها حانات صغيرة) أن يظهرن معي في الفيلم. وبعد أن وافقن، قام  ساتو بتصويرنا بينما كنا نشرب ونتحدث.

ساتو: صورت النمر في المواقف التي كان يستمتع فيها بوقته. كان يتصل بي ليخبرني أنه على وشك الخروج لشرب الخمر، فكنت أسرع لأنضم إليه مع الكاميرا. كنت أبذل قصارى جهدي للاختباء في الخلفية، فقط لكي أحصل على فيديوهات للنمر وهو يقضي وقتًا ممتعًا.

الصحفي: هل كانت هذه هي الطريقة التي قررت اتباعها منذ البداية؟

ساتو: لقد ظننت أن يكون النمر مرتبطاً بتاريخ الثقافة المضادة لشينجوكو. واعتقدت أنه بإمكاني استكشاف شينجوكو من خلاله، باعتبار أنه عاش وعمل هناك لأكثر من خمسة وأربعين عامًا. ولكن بعد أن تعرفت عليه، تأثرت كثيرأ بشخصيته المشرقة والمرحة، فقررت في النهاية التركيز على هذا الجانب.

النمر: لقد أخبرته أن هذه هي حياتي اليومية، وشجعته على تصويرها كما هي. فكانت النتيجة رائعة، وجاء أداء جميع النساء الجميلات اللائي ظهرن معي في الفيلم طبيعياً. أخبرتهن بأنهن نجمات من الطراز الأول ولا بد أنهن كنّ يحملن نجوماً في أيديهن حين ولدن. لم تكن تلك مجرد مجاملة، بل رأي حقيقي كونته استناداً إلى مشاهدتي لهن على المسرح وفي الأفلام.

ساتو: اخترت المشاهد التي تُظهر النمر والممثلات على طبيعتهم. وبعد الانتهاء من التصوير، وضعت في اعتباري التركيبة الكلية للفيلم وقمت من ثم باختيار المقاطع التي تتناسب معها. في البداية، كانت لدي فكرة عامة عن طريقة تأليف الفيلم، ولكن هذه الفكرة أخذت شكلها النهائي أثناء التصوير. وذلك نظراً لحدوث أشياء كثيرة في موقع التصوير كانت مثيرة للاهتمام بشكل أكبر مما كنت أتخيل.

النمر: إن التركيبة التي أبدعها ساتو عبقرية. فقد قام بتقسيم المحتوى وفقًا للمواضيع الثلاثة التي تمثل محور اهتمامي (الأفلام والجميلات والأحلام)، واستطاع من خلال الفيلم أن يفسر المدلول العميق لكل موضوع من هذه المواضيع.

نمر عاشق للسينما

الصحفي: سمعت أن ”النمر مهووس بالأفلام“ وأن عدد الأفلام التي يشاهدها في اليوم الواحد يصل إلى ستة أفلام. وكم كان شيئاً مؤثراً رؤيته يشاهد فيلم "عطلة رومانية.

ساتو: كنت أرغب في تصوير وجهه حينما كان ينظر إلى شاشة السينما. لقد رأيت ذلك بنفسي، مما أثار إعجابي به على الفور. فقلت لنفسي: ”هذا شخص يمكنني الوثوق به“. حين يتابع النمر فيلماً فإنه يفعل ذلك بكل كيانه وجوارحه. إنه الوجه الحقيقي لرجل مُغرم.

النمر: أودري [هيبورن] هي فنانتي المفضلة. ولذلك فأن يتم تصويري بينما أشاهدها في السينما كان بالنسبة لي كالحلم. لقد شاهدت هذا الفيلم عشرات المرات، لكنه هذه المرة كان مميزًا بالفعل لأني شعرت كما لو كانت الأميرة والنمر معًا على شاشة السينما.

شينجوكو، النساء الجميلات، ولعب الحيوانات المحشوة

النمر يمر بدراجته بجوار الفرع السابق لمتجر ميتسوكوشي (المبنى الأبيض الكبير في الخلفية) في شارع شينجوكو دوري.

الصحفي: لقد عشت في شينجوكو منذ سبعينيات القرن الماضي، في ذلك الوقت الذي شهدت فيه المنطقة تغيرات كبيرة.

النمر: لقد أصبحت شينجوكو نظيفة وجميلة، عليك فقط مسايرة الأزمنة المتغيرة. يذكرني هذا بما مضى حينما كانوا يصورون مسلسلاً تلفزيونياً أمام متجر ميتسوكوشي القديم. اقتربت لرؤية ما يحدث، فرأتني إحدى الممثلات ودعتني باسمي. لم نكن نعرف بعضنا البعض جيدًا في ذلك الحين. فقد كان ذلك قبل أن تصبح ممثلة كبيرة، ولكنني أذكر أنني أعطيتها جريدة فأنا دائمًا أعطي نسخًا من الجرائد للنساء الجميلات.

الصحفي: سمعت أنك تصنع ملابسك بنفسك بمواد تجلبها من متجر محلي للأقمشة مستخدماً دبابيس الأمان لكي تجعلها متماسكة.

النمر: إن الناس يعطونني لعب الحيوانات المحشوة هذه، وبالتالي تستمر حديقة حيواناتي في النمو، فهم بمثابة عائلتي. هل تعلم من أعطاني هذا الدب؟ واكا ميهو (راقصة التعري وممثلة الأفلام الإباحية الشهيرة واكاباياشي ميهو). ذهبت لرؤية العرض الأول لفيلم قامت ببطولته، فلما رأتني بينما كانت تلقي التحية، قالت: ” أيها النمر شكرا لحضورك!“ لقد احتضنتني وناولتني هذا الدب من على منصة المسرح، كان مربوطاً فيما يطلق عليه ”صدفة السلحفاة“ أو حزام العبودية ثم قالت ”يجب ألا تفك وثاقه مطلقًا“. ومنذ ذلك الحين أحتفظ به معي دومًا. وبعبارة أخرى، أنا أحمل حلمها معي.

نمر شينجوكو مرتدياً زيه المصنوع يدويًا، برفقة "عائلته" من الحيوانات المحشوة.

الصحفي: لقد سمعت أنك تعرضت للمضايقات والاستهزاء عندما بدأت في ارتداء زيك الخاص.

النمر: نعم بالفعل، ولكنني لا أنزعج مما يفعله الناس بي. وبالنسبة للعنف، فتبًا له! إذا أطلقت العنان لغضبك، فقد انتهى الأمر. ولكنني أبقيه في الداخل وأحوله إلى حماسة، وهذا ما يعطيني مزيدًا من الطاقة. ليس للنمر أي من أحاسيس البشر المعتادة من حب وكراهية. ولكن هناك استثناء واحد فقط، فهو يعشق الجميلات، مثل مارلين مونرو وأودري هيبورن وإليزابيث تايلور وإنغريد بيرغمان اللاتي تعشن في قلبه. إن محرك حياته هي النساء الجميلات والأفلام، وبدون ذلك لن يستطع الحفاظ على طاقته.

أحلام نمر شينجوكو

الصحفي: ماهي الرسالة التي يمكن أن تصل للمشاهدين من خلال أسلوب معيشة النمر؟

ساتو: إن حقيقة استمراره في توزيع الصحف بهذا الزي طوال هذه السنوات يعد شيئًا مذهلاً، لقد نجح في تحقيق شيئ صعب. لا يمكنك القيام بذلك إلا إذا كانت لديك إرادة قوية. لقد سخّر نفسه لهذه المهمة طوال الوقت، ليس من أجل المال ولكن لتحقيق حلمه. أعتقد أن هذا يعتبر شيئاً مثالياً. قد يرغب الناس في تحقيق أحلامهم، ولكن ضعفهم يمنعهم من القيام بذلك في أغلب الأحيان. أريد أن يرى المشاهدون أن ذلك ممكن، وأن شخصًا مثل النمر موجود ويعيش بيننا بالفعل.

النمر: إن المال والنفوذ لا يعنيان لي شيئًا. لقد أعطيت حصتي من ميراث والدي كاملة لأطفال شقيقي المتوفي الثلاثة. لم يشغل المال تفكيري مطلقاً، ومن الأفضل ألا تجعله أغلالاً تكبّلك. هذا هو معنى أن تكون نمرًا.

النمر محاولاً الدخول عبر باب ضيق في مسرح شينجوكو. يزن زيه الضخم أكثر من 10 كيلوغرامات.

الصحفي: هل تقرأ الصحف التي توزعها؟

النمر: أنا ألقي نظرة على الصفحة الأولى فقط ولكن هذا لا يعني أني لست مهتماً بالسياسة أو القضايا الاجتماعية، ولكن إذا كانت على الصفحة الأولى فلا يسعني إلا أن ألقي نظرة عليها. لا يوجد أبدًا أخبار جيدة على الصفحات المخصصة للسياسة. ولكنني أشاهد أحيانًا أفلام اجتماعية واقعية وحتى لو وجدت الفيلم مملاً، إلا أنني أكون سعيداً بتجربة الحياة المستخلصة من الفيلم، هناك دائمًا شيء يمكنك الاستفادة منه، لكنني لست منخرطاً في أية أنشطة سياسية أو دينية. الحياة بالنسبة لي هي الأفلام والنساء الجميلات. هذا ما أؤمن به، ولست بحاجة إلى أي شيء آخر.

الصحفي: يقال إن العديد من الشباب يعيشون ظروفاً صعبة اليوم.

النمر: الكثير من الناس يتحدثون بتشاؤم عن الأشياء، ولكن من الأفضل التفكير في الأشياء التي تجلب السعادة. إنه عالم صعب، إذا سمحت للظلام أن يتسلل إلى عالمك، فسيصبح كل شيء أسوداً من حولك. تحتاج إلى العثور على بعض النور في وسط الظلام، حتى ولو كان باهتًا. إذا كان بإمكانك إحكام سيطرتك على الضوء والظلام في حياتك على حد سواء، فالاحتمالات لا نهائية. وإذا كنت قد شاهدت Star Wars وStar Trek، فستدرك مدى صغر البشر عندما يقومون بمغامرة السفر إلى الفضاء.

الصحفي: هل استفدت بأي شيء بعد إنتاجك لفيلم يختلف أسلوبه عن باقي الأعمال التي قمت بها من قبل؟

ساتو: لم يخطر على بالي حتى الآن أن تكون الأحلام محوراً أساسيًا في أفلامي. ولكن بالنسبة لي، كان النمر بمثابة حلم قد تحقق، وأردت أن يرى الناس ذلك. كان ذلك شيئاً مثيراً للدّهشة عندما ترى شخصًا يستطيع التعبير عن نفسه بالطريقة التي قام بها النمر. في عملي المقبل، أنوي العودة إلى موضوع فيلمي السابق الذي يتناول عقوبة الإعدام.

النمر: لقد نجح في تقديم النمر بشكل جذاب كما نجح في النفاذ إلى أعماق قلبه وتقديم صورة شديدة الوضوح إلى المشاهد، لا أبالغ إذا قلت إن عمله فاق درجة الكمال، لقد نجح في تصويري على حقيقتي، لكن ما نراه على الشاشة له قوة ساحرة تجعله يبدو كالحلم، لقد سحرني ما شاهدته، إنه عبقري بمعنى الكلمة.

ساتو: أترى! إنه متحدث لبق ليس فقط مع النساء الجميلات بل مع الرجال أيضاً. ويسعدني سماع هذا الإطراء.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صور المقابلة بواسطة هاناي توموكو. المقابلة والنص بواسطة ماتسوموتو تاكويا من .Nippon.com جميع الصور مهداة من جمعية “Shinjuku Taigā” للإنتاج) 

الإعلان الدعائي للفيلم (باللغة اليابانية)

الأفلام الفن الفن المعاصر