حياة المسلمين في اليابان

كيف يمكن أن تكون الحياة بين أب مسلم وابنته غير المسلمة في اليابان؟

مجتمع

يقال إن الأطفال يسيرون على خطى آبائهم، إلا أن الأمر ليس كذلك دائما بالنسبة للعائلات مختلطة الثقافات في اليابان عندما يتعلق الأمر بمسألة العقيدة والدين. نلقي الضوء هنا في هذه المقالة على أوضاع أحد الآباء وابنته ونستكشف معا المشاكل التي تواجه الآباء المسلمين في تربية أطفالهم في دولة اليابان التي لا تدين بالإسلام.

أواصر المحبة

لا تتذكر سارة يوسف خلال سنوات نشأتها ارتدائها لملابس السباحة كالفتيات الأخريات اللاتي تقطن معها في الحي. وحتى في أوج فصل الصيف، حيث تقول صاحبة الإثنين وعشرين ربيعا والمقيمة بمحافظة تشيبا، إنها ظلت طيلة الوقت بلباس مستتر، ولم ترتدي شيئا كاشفا أكثر من تنورة ذات بطانة مُحكمة تصل لأسفل مستوى الركبة. وحتى عندما بلغت سن الرشد كانت تفضل الملابس الفضفاضة الغير فاضحة. وتوضح قائلة بأنه على الرغم من كونها ليست مسلمة، إلا أن إحساسها المحافظ تجاه الأزياء ما زال يعكس تأثير تفكير والدها يوسف علي المولود في باكستان.

لقد جاء يوسف علي إلى اليابان من مدينة حيدر أباد مسقط رأسه عام 1986 بهدف العمل، ونأى بنفسه عن الأوضاع المتردية التي شاهدها في وطنه الأم. وبعد وقت قصير من وصوله وقع في حب زوجته التي تزوجها في عام 1991، إلا أن الطريق إلى الزواج على حد قوله مر ببعض التحديات الغير متوقعة.

عادة ما يفرض الآباء المسلمون في باكستان سيطرتهم عندما يتعلق الأمر بشريك حياة أبنائهم، الأمر الذي جعل من فكرة زواج على بعروس أجنبية من خارج العقيدة أمرا لم يرق لوالديه. حيث تفطن لمحاولات والديه عرقلة الزواج بعد معاناته في استخراج وإعداد الوثائق اللازمة لإرسالها من باكستان. إلا أن أخيه الأصغر ظهر لنجدته في نهاية المطاف، وبتمكنه من تجهيز الوثائق الأساسية المستوفاة للشروط استطاع إتمام الزفاف. إلا أن الأمر لم يمر مرور الكرام على والديه ولم يصفحا بسهولة عما اقترفه ابنهما، ولكن بمرور الأيام وفي خلال خمس سنوات فقط تقبلا الأمر في النهاية.

الآمال والدعوات

وبخلاف ساره فعلي وزوجته لديهما أيضا ابناً أكبر. وهما مُصران على محبة كلا أبنائهم على حد سواء، إلا أنه لا يمكن إنكار العلاقة الخاصة التي تربط الأب بإبنته. فقد كاد يطير فرحاً حين علم بخبر تخرج سارة من الجامعة في الربيع الماضي وحصولها على الوظيفة التي كانت تحلم بها. ولكن على الرغم من حماسته تجاه ابنته، فقد اعترف بأن مسألة كونها لا تدين بدين أبيها المسلم أمر يجعله يشعر بالانزعاج.

ويقول علي إنه لم يجبر أبناءه على اعتناق الإسلام، حيث كان يثق في أنهم سيقبلون على الإسلام كمسألة طبيعية. فمنذ الوهلة الأولى لاحظت العائلة مبادئ دينية مختلفة، بما في ذلك القيود المفروضة على الملابس والطعام وشرب الخمر، حتى أن علي منع أولاده من الصلاة بالطريقة اليابانية عند زيارة معابد الشنتو أو قبور أقارب زوجته. وحاول أن يضع مثالاً يُحتذى به من خلال تصرفاته الخاصة، لكنه يعترف الآن بوجود عوامل أخرى لعبت دورها في تكوين معتقاداتهم

ويوضح علي قائلاً ”نحن نعيش في اليابان، لذلك أردت بالطبع أن يترعرع الأطفال في مناخ حر يمكنهم من تجربة عادات وممارسات موطن والداتهم، وأنا شخصياً استمتع بزيارة المعابد والمزارات، وغالبا ما كنت اصطحب الأطفال معي في زياراتي. وقد فعلت ذلك على يقين مني بأن ما قمت بتعليمهم إياه عن الإسلام سوف يؤتي أُكله عندما يصلوا إلى سن الرشد، ولكن عند التفكير في الأمر اتضح أني كنت ساذجا بعض الشيء في توقعاتي".

علي وابنته ساره يعدان طعاماً حلالاً سوياً.

كاري بالدجاج والخضروات مُعد بالمنزل.

آمال الأب

يعتبر علي أن قرار اعتناق الإسلام هو شأنا شخصيا، فهو لا يؤنب أو يبوخ أبنائه على قراراتهم، إلا أنه يأمل في أن تشاركه عائلته معتقداته الدينية. ويقول إنه تقبل بحكمة ورجاحة عقل حقيقة أن زوجته وابنه لن يكونا مسلمين، وأنه يعلق آماله الأخيرة على ابنته سارة.

وقد كان يصطحبها معه منذ أن كانت فتاة صغيرة إلى التجمعات الدينية، حيث كانوا يأكلون ويقيمون الشعائر سوياً مع عائلات أخرى مسلمة من جميع أنحاء العالم. وكونت سارة العديد من الصداقات، ومع تقدمها في العمر بدأت في الإعتناء بالأطفال الأصغر سناً الذين كانوا يرتادوا هذه التجمعات.

وتوضح سارة بأنه في هذه الأثناء كانت متحمسة لحضور مثل هذه التجمعات من منطلق احترامها لوالدها أكثر من كونها تطلعات دينية. وتقول ”لم تكن أمي وأخي يذهبان إلى هذه التجمعات“، ولم تكن لدي أي رغبة في أن أصبح مسلمة، ولكنني شعرت أنه من واجبي الاستمرار في مرافقة والدي، فالأشخاص الآخرون يحضرون مع عائلاتهم ولم أكن أريده أن يحضر منفردا. واعتدت أيضا على التواجد معه أثناء صلاة الفجر في المنزل. ومع ذلك لم يطلب مني ابدا أن أعتنق الإسلام.

اللوائح المدرسية

عندما التحقت سارة بالمدرسة الابتدائية، نسق والدها مع الإداريين والمعلمين لتوفير بيئة متوافقة مع احتياجات ابنته. وشمل ذلك السماح لها بإحضار واجباتها الخاصة من المنزل عندما تحتوي وجبات الغداء المدرسية على لحم الخنزير، وعدم حضور دروس السباحة في الأيام المخصصة لذلك لتجنب الظهور بملابس السباحة. كذلك الأمور المتعلقة بحصص الفنون كانت تتطلب هي الأخرى تفهم من نوع خاص. فلتجنب انتهاك النواهي الإسلامية فيما يتعلق بالمنحوتات والتماثيل، تم إعفاء سارة من مثل هذه النشاطات الفنية كالرسم ونحت الحيوانات والأشخاص. (الرسمة الوحيدة التي رسمتها خلال ست سنوات من المدرسة الابتدائية كانت واحدة لأبيها بمناسبة عيد الأب).

وقد تعاون موظفو المدرسة واتخذوا موقفاً إيجابياً إزاء مناشدات علي، بل وأدخلوا قواعد جديدة سمحت لسارة بالتفاعل مع زملائها بحرية أكبر، بما في ذلك السماح للطلاب بالمشاركة في دروس السباحة بملابس طويلة.

بدأت سارة عندما بلغت مرحلة المراهقة تشعر بعدم انتمائها للتجمعات التي كانت تحضرها مع والدها. فمعظم المشاركين بما في ذلك العديد من الصداقات التي كونتها لفترة طويلة كانوا مسلمين ورعين، ووجدت صعوبات متلاحقة في مضاهاة شفغهم لدراسة الإسلام. الأمر الذي لفت نظر إحدى صديقاتها من الهند حيث لاحظت عدم تحمسها. ومن منطلق مراعاة الأجواء بينها وبين الآخرين في التجمعات، اقترحت عليها أن تتوقف عن الحضور عوضا عن الشعور بأنها مضطرة للذهاب ومجاراتهم عاطفيا.

تحقيق التوازن بين ثقافتين

بدت كلمات صديقتها كوقع الصاعقة على مسامعها، إلا أنها ساعدتها على إدراك سبب شعورها بالقلق الذي صاحبها على نحو متزايد كلما حضرت التجمعات. وبدون ذكر ما حدث، اعترفت لوالدها بأن الإسلام لم يمس قلبها وأنها ستتوقف عن مرافقته إلى التجمعات التي كانوا يحضرونها سوياً. حينها احترم علي قرار ابنته ولم يثير الأمر بعد ذلك.

وتوضح سارة بأنها لربما اعتنقت الإسلام لو كانت الظروف مختلفة. وتقول ”أنا أحب والدي، ولكني نشأت في اليابان والعديد من المعتقدات وحقائق الثقافة الإسلامية تظل غريبة بالنسبة لي. نعم تعودت على الحمية الغذائية، ولكن كشخص ياباني من الصعب التكيف مع العديد من الجوانب الأخرى المتعلقة بالدين. ولربما إذا كنت تعلمت قراءة القرآن أو زرت مكة عندما كنت أصغر سناً لشعرت حينها برغبتي بأن أكون مسلمة، لكني كبرت الآن على أن يجتاحني مثل هذا الشعور“.

علي وابنته ساره يستمتعان سويا بطعام الغداء بالمنزل.

ترعرت ساره في كنف أبيها في ظل عين يقظة ولكنها مُحبة، وهي تفهم بأن الرجال المسلمين يشعرون بالتزام قوي لحماية عفة زوجاتهم وبناتهم. إلا أنها تشعر أيضا أن الحد من حرية المرأة في تعاملاتها مع المجتمع أمر لا يتناسب مع الثقافة اليابانية.

وتوضح سارة قائلة ”أنا أقدر مخاوف أبي وأنه يريد أن يحفظ كرامتي، ولكني لا أستطيع أن أحيا كذلك. وفي النهاية هذا هو الوضع في اليابان. ولقد بدأت للتو مسيرتي المهنية وليس من المنطقي بالنسبة لي أن أتوارى عن الأعين في المنزل أو ارتدي الحجاب كأنني أعيش في بلد مسلم“.

الزواج ولحظات القلق

وعلى الرغم من أن كلمات سارة لاذعة بعض الشيء، إلا أن علي يستمع إليها بهدوء، ويبدو أنه اذعن لقرارها بعدم اعتناق الإسلام. إلا أنه يدرك أن هناك تحدياً عاطفياً أكبر يلوح في الأفق، ألا وهو الزواج. وهو يعلم أنه إذا قررت ساره الزواج، فإنها غالباً ستختار شريك حياتها من غير المسلمين. وهناك احتمال آخر يدعو للقلق متمثل في مراسم الزفاف اليابانية والتي غالبا ما تأخذ طابعاً مسيحيأ أو على الطريقة الشنتوية.

اكفهر وجه علي وهو يعترف بأنه غير مستعد لإلقاء اللوم على أمر زواجه. ويقول ”لقد تزوجت ضد رغبة والديَّ، لذلك يجب أن احترم قرارها. إلا أنني أفضل تجنب التفكير في هذا الأمر “

علي وهو يصلي ويتضرع إلى الله بالمنزل.

تأمُل سارة بألا يساور القلق والدها إزاء خطط الزواج المحتملة، لكنها تدرك في النهاية أن هناك قيوداً لا يمكن تجاوزها. وتقول ”إن حفلات الزفاف يغلب عليها الطابع الديني، وأنا على كل حال أفضل ألا أقيم أيا منها إكراما لوالدي، إلا أنه قد يكون من الصعب القول بذلك إذا ما أصر زوجي وأقاربه في المستقبل على إقامة حفل زفاف“.

وعلى الرغم من أنه لم يتهادى قلب الأب وابنته على عقيدة واحدة، إلا أنهم على يقين تام من أن علاقتهما قوية بالشكل الكافي الذي يسمح معه بالصمود أمام أية عقبة قد تقبع أمامهم في المستقبل.

 (النص الأصلي نشر باللغة اليابانية في 26 مارس/ آذار 2018 وفقا للمادة الحوارية المعدة من قبل ياماغوتشي كازوأومي من مؤسسة باور نيوز الإخبارية. الترجمة من الإنكليزية. الصور المرفقة مع الموضوع بعدسة إمامورا تاكوما. صورة الموضوع: إحدى الصور التذكارية التي تجمع الأب بإبنته في مراسم الاحتفال ببلوغ ساره لسن الرشد. مقدمة من عائلة السيد علي يوسف)

الإسلام