الوضع الحالي للياكوزا

جاذبية الخارجين عن القانون: عالم الياكوزا من خلال السينما والكتب

ثقافة

تملك أفلام الياكوزا (المافيا اليابانية) – سواء الرومانسية أو الواقعية منها – تاريخا طويلا في اليابان. كما تساعد الكتب والقصص المصورة ’’المانغا‘‘ الناس على استكشاف سر شغفهم الدائم بالتعرف على هذه العصابات اليابانية.

عُرض فيلم ’’Outrage Coda (الفصل الأخير من الغضب)‘‘ وهو آخر جزء من ثلاثية المخرج كيتانو تاكيشي عن الياكوزا (المافيا اليابانية)، في دور السينما اليابانية في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017. وكما هو الحال في شعار الجزء الأول من سلسلة أفلام ’’الغضب‘‘ لعام 2010، ’’جميع الناس أشرار (زينئين أكوئين)‘‘ والخيانات متعاقبة في صراعات العصابات التي تصورها أجزاء هذا الفيلم. يذكر أن فيلمي ’’الغضب‘‘ و’’ما وراء الغضب (Outrage Beyond)‘‘ قد حققا معا أكثر من 2.2 مليار ين في شباك التذاكر.

عندما عرض الجزء الثاني من سلسلة هذه الأفلام ’’ما وراء الغضب‘‘ تحدث كيتانو إلى الموقع الإلكتروني للفيلم والذي يحمل عنوان خارج طوكيو قائلا: ’’بدأت أفلام الياكوزا في اليابان بالعصر الذهبي لأفلام النينكيو (الشهامة) والتي كانت من بطولة فنانين مثل تاكاكورا كين وتسوروتا كوجي. وبعد ذلك عرضت سلسلة أفلام المخرج فوكشاساكو كينجي بعنوان ’’Battles Without Honor and Humanity (معارك بلا شرف ولا إنسانية)‘‘....ولكن توقف إنتاج أفلام الياكوزا عند هذه المرحلة‘‘. وينظر كيتانو إلى سلسلة أفلامه ’’الغضب‘‘ باعتبارها تمثل حقبة جديدة في تاريخ أفلام الياكوزا.

الممثل كيتانو تاكيشي في فيلم ’’الفصل الأخير من الغضب‘‘، (حقوق الملكية للجنة إنتاج فيلم الفصل الأخير من الغضب عام 2017).

جسدت أفلام الياكوزا في ستينيات القرن العشرين التي حظيت بشعبية كبيرة الحنين إلى عالم رجال العصابات النبلاء. وفي السبعينيات أفسحت تلك الأفلام الطريق لأفلام ذات نزعة واقعية جديدة حيث كانت القصص تستند إلى أشخاص ومنظمات حقيقية. وأكثر تلك الأفلام شهرة كان ’’معارك بلا شرف ولا إنسانية‘‘ وهو الجزء الأول في سلسلة أفلام من إخراج فوكاساكو.

فيلم ياكوزا كلاسيكي

عرض الفيلم في يناير/كانون الثاني من عام 1973 وكان من بطولة سوغاوارا بونتا واستوحيت قصته من حرب عصابات اندلعت في هيروشيما ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويبدأ الفيلم بالعبارات التالية:

’’مر عام على الهزيمة، انتهت وحشية الحرب، ولكن ظهر عنف جديد في الأرض المضطربة. وللوقوف في وجه هذه الفوضى، ليس أمام الناس سوى الاعتماد على قوتهم الذاتية‘‘.

حقق فيلم المافيا ’’العراب‘‘ لمخرجه فرانسيس فورد كوبولا الذي عرض قبل نصف عام من ذلك الفيلم في يوليو/تموز عام 1972، نجاحا هائلا في العالم. وهو ما استثار استوديو تويي برئاسة أوكادا شيغيرو كما يمكن ملاحظته في هذه المقابلة التي نشرتها مجلة كينيما جونبو في سبتمبر/أيلول عام 1972.

’’أعتقد أن الناس في عام 1972 كانوا يريدون شيئا بحس قوي من الواقع. تماما مثل فيلم العراب. تتمتع هذه الأفلام بجاذبية مختلفة عن تلك المنتجة من خلال نظام النجوم. وقد رغبت في عمل فيلم ضخم وواقعي في استوديو تويي‘‘. أنتج الاستوديو فيلم ’’معارك بلا شرف ولا إنسانية‘‘ الذي تولد عنه بسرعة سلسلة من أربعة أفلام بحلول عام 1974. ولا تزال السلسلة التي تحقق أرقاما قياسية تكسب معجبين جدد حتى اليوم الحالي.

وجه الناقد السينمائي الأمريكي مارك شيلينغ حماسه لهذا النوع من الأفلام في عمله لعام 2003 والذي حمل عنوان ’’كتاب أفلام الياكوزا: دليل أفلام العصابات اليابانية‘‘. ويصف شيلينغ كيف أن المثقفين كانوا في البداية يزدرون أفلام الياكوزا ولكن مخرجيها كانوا موضع تقدير كبير.

وطبقا لشيلينغ فإن أبطال أفلام الشهامة كانوا ’’روحانيين منحدرين من مقامري الفترة الصامتة الذين أيدوا القيم التقليدية في حين أن سيوفهم السريعة القاتلة كانت تعمل تقطيعا في الخصوم. ولكن أعدائهم لم يكونوا فقط من العصابات السيئة المعتادة الذين ازدروا قوانين العصابة بل أيضا وحلفائهم الفاسدين في الأعمال والحكومة والجيش. لم يدافع هؤلاء الأبطال عن رئيس العصابة أو الأرملة التي تكون عاجزة في بعض الأحيان فحسب ولكن أيضا عن العمال المستغلين في الثورة الصناعية المتأخرة في اليابان‘‘.

ويتابع شيلينغ قائلا وبينما سعت أفلام الياكوزا في سبعينيات القرن العشرين نحو واقعية أكثر عمقا ’’فإن محور التركيز قد تحول نحو فترة ما بعد الحرب ذاتها في تجاهل لكثير من أمتعة الماضي الأسطورية. وهنا كان المنهج المتبع هو سلوك مصور الأخبار الذي يسجل المذبحة ولكنه يمتنع عن إطلاق أحكام. وظهر بطل جديد كان ولاؤه مشروطا وعاش لنفسه، ولتذهب العواقب إلى الجحيم‘‘.

أحدث النجاح الذي حققه فيلم فوكاساكو نقلة في استوديو تويي نحو عصر من الواقعية، ولكنه لم يستمر لفترة طويلة. يحكي فيلم ’’ياماغوتشي-غومي ساندايمي (جماعة ياماغوتشي-غومي: زعيمة الجيل الثالث) لعام 1973 قصة ياكوزا حقيقية بدون حتى تغيير الأسماء. ولكن استخدام السيرة الذاتية لزعيم جماعة ياماغوتشي-غومي تاؤكا كازوؤ كمصدر لإعداد الفيلم أثار غضب الشرطة، وأدى تدخل السلطات إلى تقليص ثلاثية الأفلام المخطط لها بعد الجزء الثاني ما أدى إلى نهاية مبكرة لعصر الواقعية.

اكتسبت أفلام الياكوزا شعبية جديدة بفضل سلسلة أفلام ’’الغضب‘‘ بعد سنوات طويلة من حالة ركود في شباك التذاكر. حيث تملك جاذبية معاصرة على عكس الفنتازيا الصرفة التي سادت في أفلام الشهامة أو الطبيعة التي خلت تقريبا من الخيال في الأفلام الواقعية التي تلتها.

مشهد من فيلم ’’الفصل الأخير من الغضب‘‘. (حقوق الملكية للجنة إنتاج فيلم الفصل الأخير من الغضب 2017).

ملصق إعلاني لفيلم ’’الفصل الأخير من الغضب‘‘. (حقوق الملكية للجنة إنتاج فيلم الفصل الأخير من الغضب 2017).

الياكوزا في عالم الكتب

وفي عالم الكتب، أصبحت رواية المؤلف آبي جوجي – الذي كان أحد أفراد الياكوزا – وهي بعنوان ’’هيي نو ناكا نو كوريناي مينمين‘‘ الأكثر مبيعا في عام 1986. واستلهم المؤلف الرواية من تجاربه الشخصية في السجن وتحولت إلى فيلم بعنوان ’’Guys who never learn (الرجال الذين لا يتعلمون أبدا)‘‘ وإلى عمل تلفزيوني. كما حقق كتاب إيدا شوكو المنشور بنفس العام بعنوان ’’غوكودو نو أونّا تاتشي (زوجات الياكوزا)‘‘ نجاحا كبيرا. كما تم عمل فيلم وعمل تلفزيوني بشكل منمق إلى حد كبير من ذلك العمل الصحفي الذي يدور حول النساء في عالم الياكوزا. وفي السنوات التالية، ظهرت سلسلة المانغا (قصص مصورة) بعنوان ’’إيتشي القاتل‘‘ والتي تصور عصابات الياكوزا المتحاربة، وقد استمرت بين عامي 1998 و2001 وتم تحويلها إلى فيلم عنف سيء الصيت في عام 2001 من قبل المخرج ميئيكي تاكاشي.

وربما من المفاجئ وجود قصص مانغا تمزج بين الياكوزا و”الغرام بين الأولاد (Boys’ love)‘‘ وهي قصص مصورة ترصد علاقات بين الذكور وغالبا ما يتم تسويق هذه القصص للنساء. أحد الأمثلة الأكثر نجاحا على تلك القصص هو ’’سايزورو توري وا هاباتاكاناي (الطيور المغردة لا ترفرف بأجنحتها)‘‘. وتحكي قصة مساعد رئيس عصابة ياكوزا يعاني من السادية وحارسه الشخصي والذي هو شرطي سابق. وبنفس الوقت ترسم تفاصيل كثيرة عن مجتمع الياكوزا.

كتب أجزاء سلسلة المانغا ’’سايزورو توري وا هاباتاكاناي (الطيور المغردة لا ترفرف بأجنحتها)‘‘.

فيلم وثائقي عن الياكوزا

ناقش كل من ماتسوكاتا هيروكي وأوميمييا تاتسوؤ اللذين مثلا في فيلم ’’معارك بلا شرف ولا إنسانية‘‘ حالة أفلام الياكوزا في مجلة شوكان غينداي الأسبوعية عام 2015. وقال ماتسوكاتا ’’كان المجتمع آنذاك متفهما أكثر للخير أو الشر. ولسوء الحظ فقد أصبح من الصعب صنع فيلم ياكوزا هذه الأيام‘‘. وقد رد أوميمييا قائلا ’’ولكن أعتقد أن تصوير فيلم ياكوزا جديد سيحقق نجاحا كبيرا. لا تزال العصابات اليابانية تعمل بنفس الطريقة كما تلك الفترة وعالم الياكوزا مثالي لإنتاج عمل يتشارك البطولة فيه مجموعة من الممثلين.

وظف فيلم ’’الغضب‘‘ بنجاح طاقم التمثيل في قصة خيال واقعي تقع بين رومانسية أفلام الشهامة والأفلام المستوحاة من قصص حقيقية التي جاءت بعدها.

يعرض فيلم وثائقي صدر مؤخرا وجهة نظر أخرى عن عصابات الجريمة في اليابان. حيث يطرح فيلم ’’ياكوزا تو كينبو (ياكوزا والدستور)‘‘ أسئلة بشأن أفراد العصابات وحقوق الإنسان. أنتج الفيلم من قبل تلفزيون توكاي وبث لأول مرة في عام 2015. وبعد أن أثار الفيلم رد فعل هائل، عرض في دور سينما صغيرة في أرجاء البلاد عام 2016.

يصف الياكوزا في الفيلم الصعوبات التي تواجههم في حياتهم بعد موجة من التشريعات التي تستهدف العصابات. فقد اضطروا إلى إغلاق الكثير من الحسابات البنكية الخاصة بهم ولا يستطيعون الحصول على تأمين أو إدخال أطفالهم إلى دور حضانة.

مشهد من فيلم ’’ياكوزا والدستور‘‘، (حقوق الملكية لتلفزيون توكاي).

تقدم الأفلام الوثائقية مثل ’’ياكوزا والدستور‘‘ وجهة نظر مختلفة عن الخيال، ولكنها واقعية وتقدم مزيدا من الإمكانيات لفهم العصابات اليابانية.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2017 بقلم كوواهارا ريكا من ’’باور نيوز‘‘. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مشهد من فيلم الفصل الأخير من الغضب. حقوق الملكية للجنة إنتاج فيلم الفصل الأخير من الغضب).

كوبي جريمة ياكوزا