طبيب نفسي ياباني يغوص في تجارب الحياة

لماذا لم نعد نستمع لقلوبنا؟

مجتمع

هل ينبغي علينا النفور من ”الغضب“ يا ترى؟ هناك شعور يتحرر لأول مرة من خلال الإصغاء إلى ”الغضب“ و”الحزن“ الموجود في أعماق قلوبنا. وهذه ثالث رسالة من طبيب نفسي.

لماذا أُغلقت حواجز ”قلوبنا“؟

في كثير من الأحيان نسمع أصواتا تقول ”مهما فعلت، ومهما رأيت وسمعت فلا يمكنني التأثر به بعمق“، و”لا يمكنني الحصول على شعور حقيقي بأنني أقوم بفعل شيء“. وشعورنا بكل شيء وكأنه أمر يخص الأشخاص الآخرين هو لشيء بلا طعم. ولكي نستعيد المشاعر العميقة والأحاسيس التي نكون نحن أنفسنا مركزها، لابد أن نبدأ من الإصغاء إلى أصوات ”قلوبنا“.

ولكن، حتى لو تم تقديم النصيحة بهذه الطريقة، فإن الأشخاص الذين تصيبهم الحيرة ويقولون ”لا أعرف ما أفعل“، و”لا أعرف أي من الأصوات هي صوت قلبي“ هم ليسوا قليلين. والأشخاص الذين كان الباب بين ”العقل“ و”القلب“ لديهم مغلقا بإحكام ولسنوات طويلة لم يستمعوا إلى أصوات ”قلوبهم“ لفترة طويلة، لذلك يقعون في حيرة.

في البداية، لماذا أُغلقت حواجز ”قلوبنا“ يا ترى؟

”القلب“ هو مكان المشاعر والأحاسيس. ويعتقد أن هناك خطبا ما في عند قيام القلب بإظهار الأشياء التي يشعر بها ويتفاعل معها كما هي. أي أن ”العقل“ قام بإغلاق باب ”القلب“. وهذه هي البنية الأساسية لتوضيح الباب المغلق. إذن، فماذا كان ذلك الخطب يا ترى؟

هناك نوعان من المشاعر

من الضروري الانتباه إلى أن ما ندعوها المشاعر لا تصدر بالضرورة من ”القلب“. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما يدعو للحيرة هو أن معظم الأشياء التي توصف بأنها ”شعورية“ يعود مصدرها إلى ”العقل“.

فالعقل هو الحاسوب، وهو المكان الذي يتم فيه محاولة التحكم بالأشياء، والقيام بحساب الربح والخسارة، والمقارنة والمحاكاة. لذلك فإن جميع المشاعر التي تصدر بالاستناد إلى هذه الوظيفة يعود مصدرها إلى ”العقل“.

و”القلق“ و”الندم“ اللذان ينتجان من التفكير في المستقبل والماضي هما شعوران رئيسيان من تلك المشاعر، والمشاعر التي تستند إلى الرغبات كشعور ”السعادة“ عند سير الأمور كما هو متوقع، وشعور ”الغضب“ عند عدم سيرها كما هو متوقع، تصدر بسبب اتجاه ”العقل“ إلى التحكم بالأشياء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المشاعر التي تصدر من خلال مقارنة النفس بالآخرين مثل ”الدونية“، ”التفوق“، ”الغيرة“، ”الازدراء“ وغيرها يعود مصدرها إلى ”العقل“.

دعونا هنا ندعو المشاعر المتولدة من ”العقل“ ”المشاعر الضحلة“ وذلك من أجل التمييز بينها. وهذه المشاعر تختلف تماما عن ”المشاعر العميقة“ التي يعود مصدرها إلى ”القلب“.

والمشاعر التي يعود مصدرها إلى ”القلب“ هي أربعة مشاعر بشكل مبسط تتمثل بالفرح والغضب والحزن والمتعة. وبما أن ”القلب“ هو مكان الحب، فهذه المشاعر كلها هي أشكال متنوعة من الحب.

وفي حالة مصادفة أشياء شريرة مثل الرغبة في السيطرة على الآخرين ودافع الأنا، أو مواجهتها، يطلق ”القلب“ ما يشبه الصواريخ الاعتراضية. وهذه الصواريخ هي ”الغضب“ الذي يعبر عن السخط على الظلم. وتجاه الحالات المزرية والمؤسفة يولد ”القلب“ ”حزن“ التعاطف. وتجاه الأشياء المفعمة بالحيوية يعمل القلب بديناميكية فتصدر مشاعر ”الفرح“ و”المتعة“. وهذه هي ”المشاعر العميقة“.

بئر المشاعر

ولكن، إذا كان باب ”القلب“ مغلقا، تفقد المشاعر التي تولدت في ”القلب“ مخرجها، وسيتم احتجازها في داخل ”القلب“ وفق ترتيب معين.

رسم بئر المشاعر

والرسم هنا يوضح تلك الحالة.

ففي ”القلب“ يوجد بئر، وتتكدس المشاعر في ذلك البئر من الأقرب إلى غطائه بترتيب ”الغضب“، ”الحزن“، ”الفرح“، ”المتعة“. وهذا الترتيب هو اكتشاف مهم تم توضيحه في ظل تراكم الخبرة السريرية لدي.

ما يجب الانتباه له هو أنه بالقرب من غطاء البئر توجد مشاعر ”الغضب“ و”الحزن“ وهي ما تعتبر بشكل عام المشاعر السلبية، وأنه في عمق البئر توجد مشاعر ”الفرح“ و”المتعة“ وهي ما تدعى المشاعر الإيجابية.

فإذا بقيت مشاعر ”الغضب“ و”الحزن“ الموجودة في الأعلى قابعة في مكانها، فلن تستطيع مشاعر ”الفرح“ و”المتعة“ الموجودة تحتها الخروج. بعبارة أخرى، سنعرف أن مقولة ”لنهتم بمشاعرنا الإيجابية من دون أن نتأثر  بمشاعرنا السلبية“ التي يتم اقتراحها في كتب التنوير الذاتي وغيرها ما هي إلا مجرد نظرية مثالية غير قابلة للتطبيق. وفي السنوات الأخيرة، تتم الدعوة إلى مثل هذه الأفكار الخاطئة هنا وهناك، ويعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى عدم التمييز جيدا بين ”الغضب الضحل“ الذي يولده العقل وبين ”الغضب العميق“ الذي يعود مصدره إلى القلب.

في الأصل إن مشاعر ”الغضب“ و”الحزن“ أيضا هي شكل من أشكال التعبير عن الحب، لذلك إنه لخطأ كبير اعتبارها مشاعرا سلبية ببساطة.

شكل المشاعر ”العميقة“

إن ما يشير بوضوح إلى أن ”المشاعر العميقة“ التي يعود مصدرها إلى القلب على أنها شكل من أشكال الحب هي التماثيل البوذية والهندوسية.

فالغضب تجاه الرغبة ودافع الأنا في الديانة البوذية يتم التعبير عنه من خلال شكل ميوأو (ملك الحكمة) في الصورة أدناه.

فودوميوأو على صخرة كانمان في معبد هانياجي

قلب الرحمة تجاه الشخص الضعيف والحزين في الديانة البوذية يتم التعبير عنه بشكل تمثال الإله بوداسف.

بوداسف

يتم التعبير بشكل رمزي عن ”الفرح“ و”المتعة“ من خلال تمثال الإله شيفا الهندوسي الذي يرقص على أنغام الموسيقى.

الإله شيفا

وهكذا فإنه إذا نظرنا إلى الأشياء التي تم التعبير عنها بأشكال تماثيل الآلهة منذ القدم، سنعرف أنه يجب الاهتمام بمشاعر ”الغضب“، و”الحزن“، و”الفرح“، و”المتعة“ التي يعود مصدرها إلى الحب من دون أي تمييز بينها.

ولكن، إذا لم يكن من الممكن التمييز بين ”المشاعر الضحلة“ و”المشاعر العميقة“ فإننا سنفهم بشكل خاطئ أنه حتى أشكال التعبير عن الحب مثل ”الغضب العميق“ و”الحزن“ هي مشاعر سلبية، وسنعتقد أنه يجب كتمها.

وإن معظم أسباب قيام الناس بإغلاق باب ”القلب“ تعود إلى هذا الفهم الخاطئ.

مفهوم ”الغضب“

وفقا لخبرتي السريرية فإن الكثير من الحالات التي قام بها المراجعون (المرضى) بإغلاق باب ”القلب“ كانت بسبب تربيتهم في بيئة غالبا ما يتناثر فيها ”الغضب الضحل“ للوالدين.

ووفقا للمراجعين، فلأن ”الغضب“ كان شيئا بغيضا، فإن لديهم اعتقاد قوي بأن ”غضبهم“ أيضا هو شيء سيئ. ونتيجة لذلك، لا يتوقفون عند كتم ”الغضب الضحل“ بل يقومون بمنع أنفسهم حتى من ”الغضب العميق“. ويعتقد أن هذا هو سبب القيام بإغلاق غطاء بئر المشاعر بإحكام.

وكما هو موضح في الرسم السابق، فإن ما يتم كتمه من خلال هذا لن يتوقف عند ”الغضب“ فقط. حيث سيتم كتم جميع المشاعر الأكثر أهمية للإنسان والتي يعود مصدرها إلى ”القلب“ سوية.

فإذا كانت ”المشاعر العميقة“ التي تتدفق من ”القلب“ لا تتحرك، فلن يكون هناك إثارة مهما فعلنا ومهما شاهدنا وسمعنا، وسيصبح من غير الممكن الحصول على سعادة العيش. ووفقا لهذه الآلية تحدث حالة تبدد الشخصية التي تقول ”لا يوجد شعور حقيقي مهما فعلت“، و”أشعر أن كل شيء وكأنه يتم القيام به وراء حجاب رقيق“، و”كأنني أشاهد العالم الخارجي من خلال عرض الصور“.

عند ذلك، من الضروري العمل على فتح باب ”القلب“ هذا، ولكن المهم هو الإمساك بالمفتاح الذي يتمثل كما ذكرت أعلاه بإزالة سوء الفهم حول ”الغضب“ المتوقف في أعلى البئر. بعبارة أخرى، فإن ما جعلهم يعانون في الماضي هو ”الغضب الضحل“ الذي كان يصدره الوالدان، ولكن يجب عليهم أن يعرفوا أن ”الغضب العميق“ -والذي هو نوع من أنواع الحب- هو شيء رائع.

ومع ذلك، فإن الشيء الذي يجب ألا نسيء فهمه هنا هو أن فتح غطاء البئر وإطلاق ”الغضب العميق“ لا يعني بالضرورة تفريغه في الأشخاص الآخرين والمحيطين بِنَا. ففي النهاية فإنه من المهم أن يقوم ”العقل“ باستقبال المشاعر التي تدفقت من ”القلب“ كما هي، ولكن قيامه بتحويل تلك المشاعر إلى تصرفات من عدمه هي مشكلة يجب الحكم عليها بشكل مناسب من قبل ”العقل“ الذي يتحكم بالتصرفات الاجتماعية.

ولكن المشاعر العميقة التي لا تخرج إلى خارج أنفسنا لا يوجد مكان تذهب إليه، وبالتالي ربما يتراكم الإحباط في داخلنا. وفي تلك الحالة، ربما من الجيد أن نحاول كتابة تلك المشاعر بالكلمات. فمن خلال إخراج تلك المشاعر عن طريق كتابتها بدلا من كتمها في داخلنا، من المفترض أن نشعر بالارتياح إلى درجة كبيرة. وبالطبع يجب ألا نُري ذلك لأي شخص. وأنا أدعو ذلك ”دفتر ملاحظات تفريغ القلب“ وأنصح به.

وفي ظل التاريخ الطويل للبشرية فإن ”الغضب العميق“ تجاه الأشياء الشريرة كان بالتأكيد موجودا في أصل القيام بمكافحة التمييز بمختلف أشكاله والاضطهاد، وإصلاح العادات والنظام الاجتماعي غير السليم. ولكن الفكرة الضحلة التي تقول ”إن عدم الغضب هو شيء جيد“ انتشرت كالنار في الهشيم من حولنا وبين عشية وضحاها.

وعند القيام بكتم ”الغضب العميق“ يصبح الناس في حالة من الإخصاء النفسي، ويبتعدون عن سعادة العيش. وليس فقط ذلك بل سيفقدون القدرة على السيطرة على الأشياء غير السليمة والأخطاء، وسيقومون بالتواطؤ في العالم الذي تتفشى فيه الأشياء الشريرة.

لذلك يجب على جميع الناس القيام الآن وفورا بتصحيح نظرتهم إلى مفهوم ”الغضب العميق“.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. صورة العنوان الرئيسي والصور التوضيحية من أوكادا ميكا. تقديم الرسوم التوضيحية في داخل النص من إزوميا كانجي)

المجتمع الياباني هيكيكوموري العزلة