الاقتراب من عالم ثقافة الآيدول في اليابان

ما وراء بريق حياة الآيدول في اليابان: عمل شاق بدون أجر!

ثقافة

 في اليابان، كان مصطلح ’’آيدول“ يشير إلى نجم ذو شعبية يتم تقييمه على أساس المظهر اللطيف والشخصية، أكثر من التقييم على أساس موهبة التمثيل أو الغناء. لكن المصطلح اليوم أصبح يشمل مجالات أخرى. إن حياة الآيدول أبعد من أن تكون سهلة، وهو ما تعرفه جيدٌا تسوبسا منمن إحدى نجمات فرق الشوارع أو ما يعرف ب’’الأندر غراوند آيدول“.

توفير تذكرة القطار من أجل شراء وجبة طعام

تسوباسا منمن موسيقية مستقلة ومعروفة حاليًا بمنمن هراجوكو. فلقد كانت من قبل إحدى نجمات فرق الشوارع’’أندر غراوند  آيدول“، حيث كانت تقدم عروضاً حية لجمهور حصري مكون من عشرات المعجبين في أحياء صغيرة. ولكن ما الذي دفع بها إلى دخول هذا النوع من عالم الفن؟

تقول تسوباسا ’’كطالبة في المدرسة الإعدادية كنت معجبة كبيرة بفرقة البنات AKB48، فلقد كنٌ لطيفات ورائعات. حيث أني شاركت في إختبار الأداء مرتين للفريق الشقيق لهن SKE48 والنشط بشارع سَكائي بناغويا، لكني لم أنجح. لاحقاً تمكنت من النجاح في اختبار أداء إحدى فرق الأندر غراوند بعد رؤية إعلانهم في إحدى المجلات“.

كانت الفرقة مكونة من عشرة أعضاء تتراوح أعمار الفتيات فيه ما بين إثنتا عشر سنة وثلاثة وعشرون سنة. كانت حينها تسوباسا لا تزال قاصراً، حيث كانا والداها يقومان بمرافقتها إلى الاجتماعات التوجيهية التي كانت تنظم في مكتب الفرقة.

’’لقد تم إخبارنا بأنه لا يمكن أن نحصل على مقابل مادي في البداية، في المقابل باستطاعتهم منحنا عقد وعد يقضي بالدفع لنا بعد أن نصبح مشهورات. وكذلك كانوا يدفعون لنا مبلغاً وقدره خمسة آلاف ين شهرياً لتغطية مصاريف التنقل، لكننا كنا نقدم عروضاً حية بشكل يومي تقريباً وذلك المبلغ لم يكن يغطي تكاليف تنقلنا إلى أماكن العرض في مناطق بطوكيو كمنطقة شيبويا على سبيل المثال“.

في ذلك الوقت التحقت تسوباسا بمدرسة للموسيقى، حيث كانت تحضر دروس المدرسة نهاراً وتتدرب مع الفرقة في ملهى صغير ليلاً. فقد كانت تعود إلى البيت يومياً حوالي الساعة الحادية عشر مساءً، وفي عطلات نهاية الأسبوع كان هناك ثلاثة عروض كل يوم إضافةً إلى التدريبات الصباحية من الساعة التاسعة والنصف إلى الساعة الحادية عشر الأمر الذي حرمها من أي وقت للقيام بنشاطات عادية على غرار قريناتها، كالعمل بدوام جزئي لكسب بعض المال.

تتذكر قائلة ”لقد كنت دائماً مفلسة“ ”فأحياناً كنت أبيع الأقراص المدمجة وأحياناً أخرى كنت أذهب سيرا على الأقدام من روبونغي إلى النادي بشيبويا لتوفير تذكرة القطار التي تقدر بمئتي ين لأتمكن من شراء وجبة خفيفة من الكومبيني، كان النادي يحدد ثمن الدخول بين2000 و3000 ين إضافةً إلى 600 ين لكل مشروب و1000 ين لكل صورة يأخذها معنا المعجبون. تضيف لم نكن نحصل على أي جزء من هذه المداخيل“، حيث أخبرها مديرها أن هذه المداخيل كانت مخصصة لتغطية نفقات التشغيل. لكنها علمت لاحقاً أنه في أماكن أخرى كان يحق لنظيراتها الحصول على 40% إلى 50%من رسوم الصور.

تضيف قائلة إنه لم يكن يزعجها كثيرًا عدم الحصول على مقابل مادي في البداية، فهي لم تكن ترغب في شيء سوى أن تدخل فرقتها احدى المسابقات الكبرى، لذلك لم تطالب بمقابل مادي. كما أنه ولأسباب متعددة فقد كان الأمر شائعاً بين أعضاء الفرقة، ”فبعض الفتيات كن يعتبرن الأمر بمثابة نشاط مدرسي ولم يفكرن في الأمر على أنه عمل“.

عندما تحدث مدير الفرقة عن ارتياد النوادي الليلية التي تعمل بها فتيات أخريات لم يبد الأمر مقبولاً لدى تسوباسا، ”فقد وصل الأمر به أن طلب مني التغيب عن دروس الموسيقى من أجل العروض الحية، وبما أنني كنت أدفع رسوم هذه الدروس فأنني لم أشأ تركها فقد كان هناك الكثير مما أرغب في تعلمه في تلك المدرسة“.

ثقافة لا تسمح بأي احتجاج

لم يمض وقت طويل حتى مرت تسوباسا بظرف صعب، حيث كانت تعاني من سعال قوي لمدة طويلة وألم في الحلق، ورغم ذلك واصلت أداءها مع الفرقة.

تستطرد ”لقد بدأت أستوعب أنه لا يمكنني الاستمرار على هذا المنوال، لذلك توجهت إلى مكتب الإدارة وأخبرتهم بمرضي ورغبتي في الرحيل، وعلى أية حال فكل ما كنت أرغب به هو أن أصبح كاتبة كلمات أغاني“. حاولت الإدارة التأثير عليها لتغير قرارها لكنها تمكنت في نهاية المطاف من الرحيل دون أية مشاكل، فلم يمر على انضمامها إلى الفرقة سوى ستة أشهر فقط.

في عام 2018 قامت تسوباسا بسرد قصتها على تويتر ولم يستغرق الوقت طويلاً حتى تفاعل معها آخرون من خلال سرد قصص مشابهة.

”هذه الفتاة تنحدر من عائلة تعتمد على معيل واحد، وقد أخبرتني أنها كانت تشعر بالاستياء لأن والدتها كانت تتكفل بدفع مصاريف سفرها، لذلك كانت تريد معرفة رأيي بالموضوع إن كنت أعتقد أنه يجب عليها التخلي عن محاولة السعي لأن تصبح آيدول. فعندما تكون في سن المراهقة فإن مديرك ومكتب الإدارة يمتلكان سلطة مطلقة عليك، حتى لو كنت ترى أنه هناك أمر غريب، فإنك لن تجرأ على التحدث أو النطق بكلمة“.

وتضيف تسوباسا أن فتاة أخرى والداها يعارضان رغبتها في أن تصبح آيدول أهم أولوياتها، ما منعها من التحدث إليهما في الأمر. ”قد يبدو أنه من السهل الانسحاب لكن في الواقع هو أمر صعب جدًا خصوصاً عندما تكن في منتصف المشوار تمامًا؛ أعتقد أنه خطأ الكبار لأنهم يتسببون في خلق مثل هذا الظرف“.

شخص فوق العادة

على الرغم من تجربتها المريرة تقول تسوباسا إنها لم تتخلى عن حلمها في أن تصبح أيدول، فالمهمة لم تكن سهلة، إذ على النجم الملهم أن يبتسم طوال الوقت، حتى عند التقاط صور لها مع رجال لا تعرفهم.

”أقر أنه عمل شاق أن تكون آيدول“، ”أنا متأكدة من أنه هناك أشخاص لا يحبون شعور الاضطرار إلى مصافحة الغرباء والتقاط صور مع المعجبين؛ يمكنك أن تجد هؤلاء الفتيات يشتكين على حساباتهن الخاصة على مواقع التوصل الاجتماعي؛ وعليه فإن تعليقاتهن حول العروض المملة أو المعجبين المخيفين تتحول إلى تصريحات غير محبذة؛ وهذا ما يصيب معجبيهن بخيبة أمل“.

وتنفي تسوباسا أن تكون قد شعرت بذلك يوماً، تضيف قائلةً انه في الواقع أغلب المؤدين من الآيدول يستمتعون بالتجربة ويشعرون بالامتنان لمعجبيهم. لأنه إن كنت تجد صعوبة في التفاعل مع المعجبين فإنك لن تبقى آيدول لفترة طويلة؛ فالذين يصمدون منا مدفوعون برغبة جامحة في الاعتراف بهم كمشاهير.

هنا تحدد تسوباسا قائمة شروط لأي فتاة تفكر في أن تصبح آيدول ’’فعلى الآيدول الغناء والرقص، ومصافحة المعجبين والتقاط الصور. فنحن حريصون جداً بشكل خاص على عدم تحطيم أحلام معجبينا، كما أنه من المحرمات نشر صور الآيدول مع حبيبها على مواقع التواصل الإجتماعي، إضافةً إلى وجوب توخي الحذر وعدم تفضيل معجبين على حساب معجبين آخرين“.

وتؤكد أيضا أنه يتوجب عليهم تجنب الانحياز كالتواصل بشكل شخصي مع أحد المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي أو قبول دعواتهم لتناول الطعام. فعلى الآيدول الترفع عن كل هذا؛ فمعجبينا يروننا كشخص منزه وأي تفاعل خاص من هذا النوع من شأنه أن يشوه تلك الصورة؛ وهذا ممنوع. حيث مزال هناك الكثير من الفتيات يتعرضن للفصل أو يضطررن إلى الانسحاب بعد اكتشاف أنهن كن على اتصال شخصي بمعجبيهم.

الطريقة المثلى للانسحاب

رغم أن تسوباسا عملت لفترة معينة كمغنية وكاتبة كلمات أغاني بعد تخليها عن حلم أن تصبح نجمة أندر غراوند  لكنها مازالت تؤدي عروضها، تؤلف كلماتها الخاصة وتؤلف كلمات أغاني لغيرها، فقد لاحظت أنها ما زالت تتصرف مثل أيدول بطرق مختلفة، مثل ارتداءها ملابس لطيفة عندما تغني، امتلاك مدونة على النت ونشر صور لها على الإنستغرام ووضع تعليقات إعجاب كآيدول، كما أنها مازالت تلتقط صورًا مع معجبيها أيضاً. يلومها بعض الناس لظهورها بشخصية مخالفة لحقيقتها، لكن تسوباسا غير منزعجة من ذلك، ”إذا كان المعجبين يرون أنني آيدول فأنا سعيدة بذلك“.

ولتعطي تسوباسا حياتها المهنية دفعاً أقوى فقد حاولت المشاركة في مسابقة ميس أيدي  والتي تعني ملكة الفتيات غير المعروفات سابقاً ويستحقن الشهرة التي تدار برعاية كودانشا، ونجحت في التأهل إلى المرحلة النهائية لعامي 2018 و2019، وتقر تسوباسا بأن ”الفوز في هذه المسابقة لم يكن يعني الحصول على جائزة مالية ولا فرصة للانطلاق، ولا يمنحك أي نوع من العمل. فهذا النوع من الفعاليات وجد لإلقاء الضوء على الشخصيات المميزة من بين العديد من الفتيات، وعليه فهناك مجموعة متنوعة من الجوائز، فالمشاركة في هذه المسابقات يضعك على اتصال بشخصيات من عالم الفن ومع فتيات يتشاركن في نفس الأحلام“.

إن الاستمرار في تأدية العروض بالنسبة لامرأة شابة لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى، فما هو طموح تسوباسا اليوم وما هو مآل مسيرتها المهنية المتوقع؟

ترد تسوباسا ”أريد الإبقاء على الموسيقى كمحور نشاطاتي سواءً توقعوا مني تحقيق نجاح أكبر أو استمرار الوضع على ما هو عليه، فذلك يعود إلي. فأنا أود فقط أن أرى إلى أي مدى يمكنني أن أصل، فرؤيتي لنهاية الآيدول المثالية متعلقة باللحظة التي أقرر فيها أنني قدمت كل ما في جعبتي وأن أشكر المعجبين، ثم أعلن عن انسحابي، وببساطة أختفي مثلما فعلت ياماغوتشي موموئي“. تضيف ”رغم أنني لم أكن حينها في الوسط عندما انسحبت ياماغوتشي لكنني أعلم أنها كانت مغنية ذات شعبية استثنائية وأنا معجبة بطريقة انسحابها دون أن تخيب آمال معجبيها أو أن تشوه سمعتها؛ فذلك يبدو كوسيلة رائعة لإنهاء المشوار الفني“.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 20 مارس/آذار 2019، الترجمة من الإنكليزية، التقرير والكتابة: كُواهارا ريكا لموقع باور نيوز.، تصوير إمامورا تاكوما. صور العنوان لتسوباسا منمن)

الشباب الفن الموضة الشبابية