النفايات البلاستيكية تهدد البشر

هل تنجح اليابان في التخلص من النفايات البلاستيكية المتنامية عن طريق إعادة التدوير؟

اقتصاد

يتم إعادة تدوير 10% فقط من عبوات المشروبات البلاستيكية في اليابان. وحاليًا ومع رفض المزيد من الدول قبول النفايات البلاستيكية، تعيد السلطات اليابانية والشركات التفكير في كيفية التعامل مع الجبال المتنامية من النفايات.

لا مكان للتخلص من النفايات البلاستيكية

تواجه اليابان، شأنها شأن العديد من الدول الصناعية، أزمة نفايات. وقد صدرت اليابان لسنوات النفايات أطنانًا من النفايات البلاستيكية المستعملة إلى الصين، والتي تعد الوجهة العالمية الرئيسية للمواد القابلة لإعادة التدوير. وقد شملت هذه الصادرات كمية كبيرة من البلاستيك الملوث بالغذاء والنفايات الأخرى التي أثرت بشدة على البيئة المحلية وصحة العمال المكلفين بفرز القمامة.

نظرًا للحد من التلوث داخل البلاد قررت الصين في عام 2017 وقف جميع واردات نفايات البلاستيك من دول العالم المختلفة. وقد فاجأت هذه الخطوة اليابان وجعلتها تعمل جاهدة لإيجاد وجهات بديلة لنفاياتها في مناطق مثل جنوب شرق آسيا.  لكن بلدانًا مثل ماليزيا والفلبين، حذرة من أن تصبح أرضًا جديدة للتخلص من نفايات العالم الأول وهو ما دعاها لاتباع خطى الصين وتعهدت بعدم استقبال شحنات النفايات البلاستيكية.

وقبل الحظر، أرسلت اليابان حوالي 1.5 مليون طن من البلاستيك، أي حوالي سدس الكمية التي تنتجها سنويًا إلى الصين وجنوب شرق آسيا والتي تبلغ حوالي 9 ملايين طن. في عام 2018 تقلص هذا إلى مليون طن، تاركًا السلطات اليابانية تواجه مشكلة العثور على مواقع محلية لمعالجة وتخزين النفايات البلاستيكية.

وبدون تخفيف التدابير، ستزداد أزمة اليابان سوءًا. في مايو/ أيار من هذا العام، انضمت الحكومة إلى أطراف أخرى في اتفاقية بازل، وهي معاهدة دولية بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، لتشديد القيود على صادرات النفايات البلاستيكية المختلطة، أي التي لم يتم فرزها وتطهيرها ليصبح من سهلة إعادة تدويرها. ومن المقرر أن تدخل القواعد الجديدة حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني 2021.

من عبوة إلى عبوة

يتعرض القادة اليابانيون لضغوط متزايدة للتعامل مع الكم الهائل المتزايد من النفايات. إحدى الأفكار التي يتم النظر فيها هي تعزيز قدرات المحارق لحرق النفايات البلاستيكية كوقود لتوليد الطاقة. ومع ذلك، يجادل النقاد بأن هذا النهج سيزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويدعون إلى حلول أكثر استدامة من الناحية البيئية.

يدعو العديد من الخبراء إلى تعزيز إعادة تدوير زجاجات المشروبات الغازية المصنوعة من البولي إيثيلين تيريفثاليت (PET) كحل أسلم للتعامل مع مشكلة النفايات البلاستيكية. تجمع اليابان بالفعل كمية هائلة من حاويات العبوات البلاستيكية التي تستهلكها عبر شبكة من صناديق إعادة التدوير في أماكن مثل محطات القطارات، المتاجر، ومواقع جمع القمامة في الأحياء. يتم تحويل نسبة كبيرة من العبوات إلى منتجات مثل صواني الطعام والألياف الصناعية للملابس. ومع ذلك، فإن 10% فقط تولد من جديد كعبوات بلاستيكية جديدة. وتدرك العديد من مجموعات الصناعة الحاجة إلى استخدام الموارد بشكل أفضل وتعمل الآن على زيادة نسبة "من عبوة إلى عبوة" في اليابان كوسيلة لتقليل استهلاك القمامة البلاستيكية والنفط.

أصبحت سانتوري أول شركة مشروبات يابانية رئيسية تتجه نحو إعادة التدوير في حلقة مغلقة عندما أعلنت في مايو/ أيار عن مبادرة لاستخدام عبوات المشروبات البلاستيكية المصنوعة بالكامل من العبوات القديمة. تشارك في المشروع مع كيؤ للصناعات الموجودة في مدينة أومييا بمحافظة توتشيغي، وهي شركة رائدة في إعادة تدوير البلاستيك.

طورت كيؤ طريقة لتصنيع راتنج عالي الجودة من العبوات البلاستيكية المعاد تدويرها. تبدأ العملية في المجموعة المترامية الأطراف من Japan Tech، وهي شركة تابعة في كونما المجاورة، حيث توجد حزم كمية لها من العبوات البلاستيكية المضغوطة في صفوف مكدسة بعناية.

أكوام من نفايات العبوات البلاستيكية في انتظار عملية إعادة التدوير

 تستلم الشركة حوالي 2.5 مليون حاوية يوميًا من جميع أنحاء البلاد تحتوي على تلك الحزم من العبوات البلاستيكية والتي ينتهي بها الحال إلى المصنع حيث تتم عملية المعالجة وإعادة التدوير. الداخل عبارة عن نشاط هائل حيث تتدفق مجموعة من العبوات المضغوطة على طول حزام ناقل حيث يقوم المستشعر بتحديد المواد غير المرغوب فيها وفصلها بسرعة، بما في ذلك العبوات الملونة وقطع المعادن. ينضم العاملون في المجال إلى العملية، مما يمنح النفايات البلاستيكية فحصًا نهائيًا قبل الخطوة التالية.

بمجرد الفرز، تنتقل العبوات الشفافة من خلال سلسلة من الآلات حيث يتم سحقها، وتقطيعها إلى شرائح، وإزالة أجزاء الملصقات، ثم يتم غسلها. يؤكد رئيس كيؤ قوروساوا إيتشي على أهمية فرز وتنظيف البلاستيك بشكل صحيح لأن أي أوساخ أو شوائب متبقية سوف تقلل من جودة المنتج النهائي، حيث قال ”كونها مخلوطة مع بعضها البعض فهي نفيات لا قيمة لها، لكن عن طريق القيام بالفرز الصحيح تصبح مورداً“. في الواقع لا يوجد أي نوع من أنواع الرائحة المرتبطة عادةً بالنفايات داخل المصنع.

كيس كبير من البلاستيك بداخله الملصقات التي تكون على العبوات البلاستيكية بعد عملية إزالتها.

ثم تنتقل رقائقالبولي إيثيلين تيرفثالات إلى منشأة للمعالجة النهائية على شكل كريات، وهي المكون الخام للعبوات الجديدة. يتم تسخين الراتينج البلاستيكي في غرفة مفرغة إلى ما دون حد الانصهار مباشرةً - في مكان ما بين 245 و260 درجة مئوية – للتخلص من أي رطوبة أو شوائب عالقة ويستعيد اللزوجة الجوهرية. كريات البولي إيثيلين الناتجة هي بنفس جودة تلك الجديدة المصنوعة مباشرة من البترول.

التعقبات والتحديات

يشدد فوروساوا على أن أعمال إعادة تدوير العبوات البلاستيكية توفر إمكانية للنمو للشركات التي تستغرق وقتًا طويلاً لفهم خصائص البوليمر. يقول إن الشركة يمكن أن تبدأ باستثمار متواضع قدره 5 مليارات ين في مصنع للمعالجة، لكن القليل من الشركات تتجه إلى هذه الصناعة. ”إنه الكثير من العمل من أجل تحقيق عوائد صغيرة“، يوضح الأمر الواقع، مضيفًا أن الأمر يتطلب من شركته 25 خطوة لإنشاء نفس نوعية راتنجات العبوات البلاستيكية كما في صناعة النفط.

فوروساوا إييتشي رئيس شركة كيؤ.

تمتد خبرة فوروساوا في إعادة تدوير العبوات البلاستيكية إلى حوالي 30 عامًا منذ بداية هذه الصناعة. في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، بدأت شركات المشروبات في استبدال العبوات الزجاجية والمعدنية بعبوات بلاستيكية خفيفة الوزن وسهلة الصنع، وعلى مدى العقد التالي ارتفع حجم الحاويات. وقد رأى فوروساوا فرصة لإقامة صناعة جديدة حيث كان يدير شركة لإعادة التدوير بالفعل، في عام 1994 تقريبًا بدأ في البحث عن طرق لإعادة استخدام العبوات البلاستيكية.

لم يمض وقت طويل بعد ذلك، في عام 1997، أضافت اليابان العبوات البلاستيكية إلى قانون إعادة تدوير الحاويات والتعبئة والتغليف، مما يجعل من الإلزامي على السلطات المحلية جمع الحاويات والعبوات البلاستيكية ومطالبة الشركات بوضع خطط لإعادة التدوير. وقد استثمرت شركات المشروبات في مصانع إعادة تدوير العبوات البلاستيكية، لكن معظمها كافح للحفاظ على تحقيق ربح من هذه الصناعة. وفي عام 2001، تحولت مجموعة صناعية إلى فوروساوا طلبًا للمساعدة، مما ساعد على دخوله بشكل كامل سوق العبوات البلاستيكية.

منجم ذهب من البوليمر

أكد الخبراء منذ فترة طويلة أن اليابان بحاجة إلى تقليل اعتمادها على النفط والغاز الطبيعي المستورد لحماية الاقتصاد من الآثار الضارة للتقلبات في تكلفة النفط الخام. ومع ذلك، لم تفكر شركات المشروبات حتى الآن بجدية في التحول من البترول إلى المواد المعاد تدويرها كمصدر رئيسي للعبوات البلاستيكية، حيث أن استخدام النفط كان أكثر كفاءة والطلب على البلاستيك في البلدان النامية يعني أنه كان هناك أموال تُدرَج في تصدير العبوات الفارغة. كما أن جهود فوروساوا لإقناع الحكومة اليابانية بالضغط من أجل الاستخدام الأوسع للبلاستيك المعاد تدويره لم تجد آذانًا صاغية.

ومع ذلك، تمسك فوروساوا بإيمانه بأن نموذج من عبوة إلى عبوة يجعل الشعور الاقتصادي والبيئي أفضل من شحن المواد البلاستيكية للخارج. وبعد قضائه سنوات في اختبار التقنيات المختلفة، في عام 2006 قام بتجهيز مصنع كيؤ لتصنيع كريات البولي إيثيلين عالية الجودة.

اكتسبت حركة من عبوة إلى عبوة إلى زخماً بعد دراسة أجريت عام 2009 أظهرت أن تصنيع العبوات من البلاستيك المستخدم ينبعث منها 63% أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة باستخدام البترول. كما تلقت دفعة إضافية من تقرير عام 2010 حول التصنيع من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة الذي روج لفوائد خفض الكربون من خلال إعادة تدوير العبوات البلاستيكية وإمكانات الموارد التي تتمتع بها اليابان بفضل الكم الهائل من عبوات المشروبات البلاستيكية المستخدمة في اليابان.

في هذا الوقت تقريبًا، قررت سانتوري استخدام العبوات البلاستيكية المعاد تدويره في كيؤ لمنتجاتها. على الرغم من أن مقاومة المستهلك لشرب عبوات مصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره لا تزال مرتفعة، إلا أن شركة سانتوري استمرت في طريقها، بناءً على إصرار رئيس قسم التعبئة والتغليف.

تعمل شركة سانتوري مع كيؤ وغيرها من الشركات لتطوير طرق وتقنيات جديدة لإعادة التدوير وحصلت على تقدير لجهودها من هيئات الصناعة مثل المنظمة العالمية للتغليف. في عام 2018، افتتحت الشركة مصنعًا جديدًا لإعادة التدوير في مدينة كاساما، بمحافظة إيباراكي، وتهدف إلى إنتاج 100% من عبواتها البلاستيكية من مزيج من العبوات البلاستيكية المعاد تدويرها - مع عدم وجود أنواع وقود أحفوري جديدة - بحلول عام 2030 .

تعيد أوروبا حاليًا استخدام 40% من العبوات البلاستيكية والولايات المتحدة بنسبة 20٪ فقط. وتأمل أن تلهم جهودها دولًا أخرى لتقليل النفايات البلاستيكية من خلال إعادة التدوير من عبوة إلى أخرى.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان لعامل يقوم بفرز النفايات البلاستيكية من أجل عملية إعادة التدوير، الصور من مياكي ريكو)

إزالة التلوث البيئة التلوث القمامة