موقف اليابان تجاه الصراع الصيني الأمريكي على السيادة الفضائية!

لحظة فارقة في القرن الحادي والعشرين: القمر الصناعي الصيني موزي

علوم تكنولوجيا

مع إطلاق القمر الصناعي لعلوم الكم (Quantum Science Satellite)، الملقب بـ (موزي)، أخذت الصين زمام المبادرة في تنفيذ الاتصالات المشفرة الكم. وفي هذا المقال الأول من سلسلة مقالات حول برنامج الصين الطموح للفضاء، توضح خبيرة السياسة الفضائية (أؤكي سيتسوكو) أهمية هذا التطور.

آوكي سيتسوكو AOKI Setsuko

أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة كيئو منذ شهر أبريل/ نيسان ۲٠١٦. تخرجت من كلية الحقوق في جامعة كيئو عام ١٩٨٣ ومن كلية الدراسات العليا في الحقوق عام ١٩٨٥. درست في معهد قوانين الجو والفضاء في كلية الحقوق بجامعة مكغيل (مونتريال، كندا) وحصلت على شهادة الدكتوراه في القانون المدني من جامعة مكغيل عام ١٩٩٣. وقامت سابقا بالتدريس في كلية العلوم الاجتماعية بأكاديمية الدفاع القومي اليابانية وفي كلية إدارة السياسات بجامعة كيئو. وهي متخصصة في القانون الدولي وقانون الفضاء.

أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة كييو منذ أبريل/ نيسان 2016. وتخرجت من كلية الحقوق بجامعة كييو في عام 1983 وكلية الحقوق العليا في عام 1985. درست في معهد قانون الجو والفضاء بكلية الحقوق، جامعة ماكغيل (مونتريال بكندا) وحصلت على الدكتوراه في القانون المدني منها في عام 1993. درست سابقًا في كلية العلوم الاجتماعية بأكاديمية الدفاع الوطني في اليابان، وفي كلية إدارة السياسات بجامعة كييو. متخصصة في القانون الدولي وقانون الفضاء.

: نحن الآن في عصر المواجهة بين الولايات المتحدة والصين. والفضاء الخارجي أصبح ساحة إضافية لهذه المواجهة، أليس كذلك؟

نعم. قبل ثلاث سنوات، وقع حدث يمكن وصفه باللحظة الفارقة في القرن الحادي والعشرين أو يمكن التعبير عنه مجازًا بـ ”لحظة سبوتنيك“(*١).

المحاور: كانت لحظة إطلاق سبوتنيك الحقيقية في عام 1957، عندما تغلب الاتحاد السوفيتي على الولايات المتحدة في السباق الفضائي بإطلاق أول قمر صناعي في العالم. حيث كان إطلاق القمر الصناعي السوفيتي الذي أطلق عليه (سبوتنيك 1)، بمثابة صدمة عارمة على جميع الأصعدة للأمريكيين، الذين افترضوا بسخرية أن السوفييت لا يمكنهم الفوز بالسباق. أنتي تقولين أن شيئًا مماثلاً قد حدث قبل ثلاث سنوات؟

 

أنا أشير إلى إطلاق الصين ”قمر العلوم الكمي“، أو QSS، في أغسطس/ آب 2016. حيث كان هذا القمر هو الأول من نوعه، والولايات المتحدة لازالت لم تواكب هذا الحدث بعد.

الصين أطلقت أول قمر صناعي تشفيري الكم في السادس عشر من أغسطس/ آب 2016. (الصورة مقدمة من شينوا/أفلو)

اهل لقمر العلوم الكمي هذا اسم؟

أُطلق عليه اسم (Mozi) (موزي)، أو (Micius) (ميسيوس)، تيمنًا باسم الفيلسوف الصيني القديم الذي كان من أنصار عدم التناحر والسعي إلى العمل الخيري في عصر (مدارس الفكر المائة - مجموعة من الفلسفات والمدارس التي ازدهرت في الصين القديمة أثناء الفترة الممتدة من القرن السادس حتى عام 221 ق م - ). وإذا وضعنا جانباً مسألة ما فكرت به السلطات في بكين عندما اختارت هذا الاسم، يمكننا تحديد هدفهم من وراء إطلاق مثل هذا القمر الصناعي الذي ينجلي في تجريتهم للتقنية التي ستكون بمثابة الأساس الأكثر أهمية للاتصالات في المستقبل. ويعني نجاح الصين في هذا المسعى أنها تفوقت على الولايات المتحدة في أحد المجالات الرائدة.

وبشكل أكثر تحديداً، يعمل القمر (موزي) كأداة لاختبار وتطوير التكنولوجيا الأساسية لجعل الاتصالات الكمومية ممكنة. فهو القمر الصناعي الوحيد الموجود حاليًا في الفضاء القادر على تبادل الرسائل المشفرة الكمومية مع محطات قاعدية على الأرض. وبهذا الإنجاز، تركت الصين أمريكا تقبع في المؤخرة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، يمكن مقارنة ذلك بشكل جدي مع النجاح السوفيتي في السباق لإطلاق أول قمر صناعي. ولذا يبدو من المناسب أن نطلق على هذا الحدث لحظة سبوتنيك القرن الحادي والعشرين.

هل كانت هناك ردة فعل من قبل الولايات المتحدة تجاه هذا الأمر؟

لا، لقد التزمت الصمت. وبما أن إدراك أهمية وضع القمر (موزي) في المدار الفضائي يتطلب فهمًا للمفاهيم العلمية الصعبة، فلم يكن هناك شيء مثل الصدمة العارمة التي تلت إطلاق القمر سبوتنيك.

وفي حقيقة الأمر، اتخذت الصين زمام المبادرة في تطوير التكنولوجيا الأنسب لنقل المعلومات العسكرية والدبلوماسية السرية. وبالنسبة لي يبدو أن صمت واشنطن كان بليغًا.

هل هذه التكنولوجيا حقًا يمكنها حماية سرية الاتصالات؟

لو تم توصيل جميع أجهزة الكمبيوتر في العالم معًا لا يمكنها كسر الشفرة. فلا يوجد أي نوع من التنصت البدني يستطيع اختراقها. وفي حالة الاتصالات الكمومية، لا يلزم تشفير الرسالة بتطبيق تقنية التشفير؛ فوفقا لنظرية الكم، فإن استحالة اختراق الشفرة أمر متأصل في طبيعة وسيلة الاتصال.

ويقال إن المسافة تشكل عقبة أمام تبادل الإشارات. حيث كانت بعض الدول بما فيها اليابان تجرى محاولات لتبادل الرسائل الكمومية بين نقطتين متباعدتين قدر الإمكان. ولكن بعد ذلك أدهش الصينيون العالم بنجاحهم المفاجئ في الإرسال بين أحد الأقمار الصناعية والأرض. وعن طريق الدوران حول أقمار صناعية إضافية، يمكنهم الاقتراب من هدف إنشاء شبكة حوسبة كمية لا يمكن لأي طرف خارجي اختراقها.

القمر الصناعي المشفر الكم: هو قمر صناعي مجهز بتقنية الاتصال الكمي المشفر. وتستخدم هذه التقنية طبيعة جزيئات الضوء لإنشاء نظام اتصالات متطور ينقل الرسائل التي لا يمكن لأي حاسوب فك تشفيرها ومن المستحيل نظريًا اختراقها. ويزعم الصينيون أن هذه التكنولوجيا يمكنها نظريًا توفير حل دائم لقضية أمن المعلومات. ومن المتوقع أن تُستخدم للأغراض العسكرية وغيرها في المستقبل.

برنامج فضائي رائد من حيث الجودة والكمية.

هل من يمكن قراءة مساعي وخطط بكين طويلة الأجل؟

آمل أن أوضح الصورة بشكل متفحص بخصوص توجهات الصين الخططية في مرحلة لاحقة من سلسلة المقالات هذه. وفي الوقت نفسه، يمكن القول أنه من حيث الجودة والكمية، فإن برنامج الفضاء الصيني لم يتفوق على اليابان فحسب، بل امتلك زمام الأمور وتخطى أمريكا في بعض المجالات، كما يتضح في حالة القمر موزي.

تم تجهيز القمر الصناعي موزي لإطلاقه في مركز (جيوغوان) لإطلاق الأقمار الصناعية في مدينة (جيوغوان) التابعة لإقليم (قانسو)، في أغسطس/ آب 2016. (الصورة مقدمة من شينخوا/ أفلو)

ماذا يعني الأمر للصين بأن تصبح رائدة من حيث الكمية؟

أحد المؤشرات الكمية التي يسهل فهمها هو عدد الأقمار الصناعية التي تم إطلاقها. فعلى أساس نصف سنوي، احتل الصينيون الصدارة لأول مرة في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يونيو/ حزيران 2012. وبصورة سنوية تجاوزوا الولايات المتحدة ليحتلوا المركز الأول بثمانية وثلاثين عملية إطلاق في عام 2018، بينما حققت اليابان ست عمليات إطلاق فقط. وهذه فجوة كبيرة لا يمكن رأب صدعها.

ومن الناحية النوعية كذلك، يتفوق الصينيون في تحقيق أهدافهم الخاصة بل والتغلب عليها. حيث نشرت الصين تواريخ مستهدفة لتحقيق أهداف مختلفة في ورقاتها البيضاء حول الأنشطة الفضائية. وكما يمكننا أن نرى من خلال النتائج اللاحقة، لم يكن هناك أي تأخير في برنامجها، بل وفي حقيقة الأمر كان الصينيون يصلون إلى أبعد من مبتاغاهم. فالصين هي الدولة الوحيدة القادرة على القيام بذلك في برنامجها الفضائي. وبالنظر إلى متطلبات أنشطة تطوير الفضاء وما تحتاجه من تصميمات معقدة و متعددة التخصصات، فمن الطبيعي حدوث حالات قصور وتأخير. لكن الصين والصين وحدها هي الاستثناء. فعلى سبيل المثال، في ورقتها البيضاء الأولى حول الأنشطة الفضائية، والتي نُشرت في عام 2000، حدد الصينيون هدفهم بإرسال إنسان إلى الفضاء بحلول نهاية عام 2010؛ إلا أنهم أنجزوا المهمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2003.

بناء محطات قاعدية حول العالم

لقد ذكرت التبادلات المشفرة الكمومية بين القمر الصناعي موزي والمحطات القاعدية على الأرض. هل هذه المحطات في الصين؟

في الواقع، أجرى العلماء في النمسا وإيطاليا تجارب اتصال ناجحة تمكنوا من خلالها الوصول إلى القمر موزي من بلدانهم. ومن أجل نقل الإشارات بين الأرض والقمر الصناعي في مدار عالي السرعة، من الضروري تشغيل قنوات متعددة تعمل في زوايا مختلفة ومن مواقع مختلفة على الأرض. ولتحقيق ذلك، كان على الصينيين إنشاء محطات قاعدية في أماكن مثل إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

كيف تمكنت الصين من إنشاء هذه المحطات القاعدية المتعددة في قارات مختلفة؟

لقد حصلت على إذن للقيام بذلك في مقابل بناء وإطلاق وإدارة الأقمار الصناعية المتزامنة مع الأرض (geostationary satellites)، مثل أقمار الاستشعار عن بعد، لصالح بلدان أخرى. حيث أطلقت قمر صناعي لنيجيريا في عام 2011، ولبوليفيا في عام 2013، وللاوس في عام 2015، وللجزائر في عام 2017، وتتولى إدارتهم جميعًا. ومن المتوقع إضافة الكونغو إلى القائمة هذا العام.

كما تضيف الصين منشآت جديدة للتوعية بأحوال الفضاء في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ويتم استخدام معدات (SSA) (بنية التخزين التسلسلى — بروتوكول نقل تسلسلي يستخدم لإرفاق محركات الأقراص بأجهزة الكمبيوتر الخادم —) لرصد موقع ومدارات الأجسام في الفضاء. وهذا مؤشر على أن الصينيين يعتزمون تحدي (شبكة SSA) التي وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

(ألفريد ثاير ماهان)، أحد المؤرخين الأمريكيين الذين كان لهم أكبر الأثر في أواخر القرن التاسع عشر حول الدور التاريخي للقوة البحرية، ذكر أن الدولة التي تسعى إلى السيطرة على القوة البحرية يجب أن تؤمّن إمكانية الوصول إلى الموانئ. (*٢) فعندما امتدت الإمبراطورية البريطانية إلى آسيا، سيطرت على الموانئ الرئيسية مثل كولومبو وسنغافورة وشنغهاي. أفلا يبدو ما تفعله الصين الآن بمثابة تكرار لما فعلته الإمبراطورية البريطانية في الماضي؟ فبكين تدرك تمامًا أنها لا تستطيع تحقيق التفوق الفضائي دون الوصول إلى المحطات القاعدية في جميع أنحاء العالم.

دعنا نفكر في نوع المنافسة التي ستحدث عندما تستكشف الدول ”الفضاء السحيق“، المريخ مثلًا وغيره من الأماكن الأخرى بخلاف القمر. ولنوضح الأمر ببساطة، سوف يريدون أن يكون لهم مطلق الحرية في استخدام الفضاء الشاسع ووضع معداتهم وأجهزتهم هناك. وإذا كانوا يسعون إلى إقامة مستوطنات بشرية دائمة، فسيتنافسون على اختيار أماكن تواجدهم والأنشطة التي سوف يقومون بتنفيذها.

قليل من الدول هي التي لديها رؤية بعيدة المدى لما ستؤول إليه هذه المنافسة. ويتعلق الأمر بالتنافس القائم بين الولايات المتحدة والصين، مع إمكانية دخول أوروبا إلى الساحة في صورة عمل جماعي على الرغم من أن قدراتها باهتة بالمقارنة مع سابقاتها. وبالنسبة لليابان فليس لديها نية البحث عن المركز الأول في عالم الفضاء، كما أنها ليست لديها القدرة على القيام بذلك. وإن أفضل ما يمكن لبلدنا فعله هو توفير القدرات التي نمتلكها للولايات المتحدة لتحقيق أفضل عائد ممكن واستخدام التعاون الفضائي كوسيلة لتعزيز التحالف بين اليابان والولايات المتحدة.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية في الثاني عشر من يوليو/ تموز 2019، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: .رسم تصويري لأحد الأقمار الصناعية في المدار الفضائي. الصورة من ماليابي-كي/بيكستا)

(*١) ^  حدثت لحظة سبوتنيك في أكتوبر/ تشرين الأول 1957، أثناء حقبة الحرب الباردة الأمريكية السوفيتية، عندما نجح الاتحاد السوفيتي في إطلاق أول قمر صناعي في العالم، الذي أطلق عليه سبوتنيك 1. وردًا على ذلك، كثفت الولايات المتحدة من جهودها حيال برنامجها الفضائي الخاص، وكان نتاج ذلك تأسيس الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) التي أخذت على عاتقها فيما بعد تنفيذ مشروع أبوللو.

(*٢) ^ كان ماهان (1840-1914) ضابطًا ومخططًا استراتيجيًا بالبحرية الأمريكية ومؤلف كتاب ”تأثير القوة البحرية عبر التاريخ“، 1660-1783، الذي نُشر في عام 1890. وقد أثر مفهومه عن القوة البحرية على تفكير قادة العديد من الدول.

الصين الولايات المتحدة قوات الدفاع الذاتي الفضاء