إنفوغرافيك اليابان

هل تستطيع اليابان الحفاظ على ١٠٠ مليون نسمة بعد ٥٠ سنة؟

مجتمع لايف ستايل

تضمنت السياسات الأساسية للإصلاح والإدارة الاقتصادية والمالية، التي حددتها الحكومة اليابانية في شهر يونيو/حزيران 2014، ولأولِّ مَّرّة هدفاً وطنياً يتمثل في "الحفاظ على ١٠٠ مليون نسمة بعد ٥٠ سنة (ستينات القرن الواحد والعشرين)". وعلى نحوٍ تعمل فيه هذه السياسة على زيادة معدلات المواليد وذلك للحد من انخفاض عدد السكان في اليابان في الوقت الحاضر دون التدخل في شؤون الهجرة.

تراجع حاد في تعداد السكان مع زيادة شيخوخة المجتمع الياباني

إثر اجتماع الخبراء تحت رعاية المجلس الاستشاري المالي الاقتصادي للحكومة اليابانية الذي عُقد في شهر مايو/أيار الماضي نشرت لجنة ”تحديد المستقبل“ برئاسة السيد ميمورا أكيو - رئيس غرفة التجارة والصناعة في اليابان تقريراً مبدئياً أعدته تلك اللجنة ووَرد فيه عبارة ”استمرار تعداد سكان اليابان بالانخفاض على مدى الخمسين سنة المقبلة، وأنه إذا بقي معدل المواليد كما هو عليه الآن، فإن إجمالي تعداد سكان اليابان سينخفض لما يقرب من ٨٧ مليون نسمة في السنوات الخمسين القادمة وهذا الرقم يعتبر ثلثي مجموع عدد السكان حسب الإحصاءات الحالية“ ومُحذراً من ”ظهور مجتمع نِصفُه بالكاد من المٌسنيِّن وذلك كظاهرة غير عادية حيث سترتفع نسبة تعداد السكان ممن تزيد أعمارهم عن ٦٥ سنة إلى نحو ٤٠٪ وهذه هي نسبة لم تشهدها اليابان لتلك الفئة في أي وقت مضى“.

وحتى لو تعافى معدل الخصوبة الكلي ويُقصَد بذلك متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها بنسبة ٢٫٠٧ بشكل سريع حتى عام٢٠٣٠، فَسوفُ ينخفض تعداد السكان إلى نحو ١٠٠ مليون نسمة بعد نحو ٥٠ سنة. كما يٌفترض أن يتوقف الانخفاض في عدد السكان في وقت لاحق أي بعد ٨٠ سنة من الآن وما يتوافق مع منتصف تسعينات القرن الحالي وعلى وجه الخصوص، فإذا لم تتحسن مشاركة المرأة وكبار السن في العمل وهذا عبارة عن سيناريو تَسُودُه روح التشاؤم، فَسوف ينخفض تعداد سكان القوى العاملة الحالي لعام ٢٠١٣ (مجموع العاطلين عن العمل والعاملين الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ سنة وما فوق) بنسبة ٤٢٪ أي من ٦٥ مليون و٧٧٠ ألف نسمة إلى ٣٧ مليون و٩٥٠ ألف نسمة بحلول عام ٢٠٦٠. وحتى في حال حدوث سيناريو إيجابي متمثل في تعافي نسبة الولادات إلى ٢٫٠٧ بحلول عام ٢٠٣٠ ومشاركة المرأة في سوق العمل كما هو الحال في السويد ورفع سن التقاعد من ٦٠ إلى ٦٥ سنة، فإنه من المتوقع أن ينخفض تعداد سكان القوى العاملة إلى نحو ٥٥ مليون نسمة بحلول عام ٢٠٦٠.

مواجهة تحديات العبء السكاني في المستقبل

وإذا ما تُرِكَ الوضعُ الحالي على ما هو عليه والمتمثل في النمو الإنتاجي البطيء والانخفاض في القوى العاملة بدرجة أكبر، فسيكون من الصعب مواصلة نمو الاقتصاد الياباني. ولعل تقلص حجم الاقتصاد الياباني، يزيد من احتمال تأثره بالأسواق المالية الدولية والاقتصادات في الخارج ويزيد من التقلبات قصيرة الأجل في النشاط الاقتصادي وبالإضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد الياباني ما يُسَّمى بـ ”العبء السكاني“ والمتمثل في انخفاض نسبة العاملين من جانب وارتفاع نسبة الأشخاص المحتاجة للرعاية والدعم من جانب آخر كما أدى الانخفاض السكاني السريع إلى تقلص السوق المحلية والحد من جاذبيته كمقصد استثماري، وتضاءلت فرص الابتكار من خلال التبادل بين الناس حيث أنه بمجرد أن يأخذَ حجم الاقتصاد بالتقلص ولو لمَّرةٍ واحدة فقط فإن هذا يمكن أن يؤدي لخطر الوقوع في ”دوامة الانكماش“ وبالتالي المزيد لأنواع أُخرى من الانكماش وفي نفس السياق، تواجه المناطق المحلية خطورة حقيقية أيضا. فإذا بقيت معدلات الهجرة إلى المناطق الحضرية الكبرى كما هي من المناطق المحلية، فإنّ عدد السكان الإناث سينخفض في المناطق المحلية، والتي تشكل ٤٩٫٨٪ من مجموع المناطق على اختلاقها حيث أن عدد ممن تتراوح أعمارهن  ٢٠-٣٩ سنة وممن بَقطِنَ في نحو ٨٩٦ مدينة وبلدة وقرية، سيتراجع عام ٢٠٤٠ إلى أكثر من ٥٠٪ مقابل نسبة عام ٢٠١٠، كما سيتضاءل عدد المناطق المحلية، ليصبح نحو ٥٢٣ مدينة وبلدة وقرية (٢٩٫١ ٪ من نفس المجموع)، وبحيث لا يتجاوز مجموع عدد سكان كل منطقة منها ١٠ ألاف نسمة، وبذلك يخشى من ”احتمال زوال“ تلك البلديات في المستقبل. وحينها سيكون تحول غالبية المجتمع في منطقة طوكيو إلى ”مجتمع نِصفُه بالكاد من المٌسنيِّن“ أمراً لا مفر منه لا يُمكن تَفاديه ولربما تصبح أزمة زوال البلاد هي ما ستواجه اليابان في المستقبل ولذا لا يمكن سوى العمل على منع مسار ”الانخفاض السكاني الحاد وحدوث التحول المشار إليه في المجتمع“.

التوجه لإعطاء الأولوية لتخصيص المزيد من الموارد إلى الطفل

كما أشار التقرير أيضاً إلى أن تغيير النظام والسياسات ووعي الشعب بسرعة، قد يغير من مسار انخفاض تعداد السكان وتزايد عدد المسنيّن في المجتمع و بُغية القيام بذلك فهناك ضرورةٌ لـ ”خلق بيئة تسمح للشباب وللأجيال القادمة تحقيق وفرة ماديا وتمكنهم من الزواج وإنجاب الأطفال“. سيما وأن الغاية من وضع هدف (١٠٠ مليون نسمة) تتمثل في السعي ”لبلد قادر على الاستمرار في امتلاك بنية سكانية مستقرة في المستقبل يصل حجمها لنحو ١٠٠ مليون نسمة بعد مرور ٥٠ عاما“. وقد أكد رئيس اللجنة السيد ميمورا في مؤتمر صحفي، على ”أن مخصصات موارد الضمان الاجتماعي في اليابان متحيزة لكبار السن مقارنة مع الدول الأجنبية. وإنه من الضروري تعزيز المخصصات تجاه للشباب بشكل أكبر من ذلك حيث أن رفع سن التقاعد حتى سن ال ٧٠ يرفع الكفاءة ويعزز من التدابير تجاه المسنين، ويساعد على التوجه بجرأة نحو انخفاض معدل الولادات“. ومن المتوقع تقديم التقرير النهائي بهذا الصدد في وقت لاحق من هذا العام.

مقارنات عالمية لمؤشرات متعلقة بتناقص معدل المواليد

 اليابانفرنساالسويدامريكا
متوسط عمر السيدات اللواتي يتزوجن لأول مرة ٢٩٫٢
(٢٠١٢)
٣٠٫٨
(٢٠١١)
٣٣
(٢٠١١)
٢٥٫٨
(※١)
متوسط عمر الأمهات لدى انجابهم الطفل البكر ٣٠٫٣
(٢٠١٢)
٢٨٫٦
(٢٠٠٦)
٢٩
(٢٠١١)
٢٥٫١
(٢٠٠٥)

نسبة الأطفال المولودين خارج الزواج

(عام ٢٠٠٨)

٢٫١٪ ٥٢٫٦٪ ٥٤٫٧٪ ٤٠٫٦٪

نسبة العاملين لساعات طويلة (أي أكثر من ٤٩ ساعة بالاسبوع)
(عام ٢٠١٢)

المجموع ٢٢٫٧٪
الرجال ٣١٫٦٪
النساء ١٠٫٦٪
المجموع ١١٫٦٪
الرجال ١٦٫١٪
النساء ٦٫٥٪
المجموع ٧٫٦٪
الرجال ١٠٫٧٪
النساء ٤٫٢٪
المجموع ١٦٫٤٪
الرجال ٢١٫٨
النساء ١٠٫٢
الوقت الذي يقضي فيه الأب للعناية بالطفل والأعمال المنزلية
(عام ٢٠٠٦)
١:٠٠ ٢:٣٠ ٣:٢١ ٣:١٣

(※١)إن بيانات الولايات المتحدة هي من عام ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٠
المصدر: لجنة (المستقبل الذي نختاره).

فالتقرير – بحدِّ ذاته -، كمحور زمني لتغيير المستقبل، يؤكد على أهمية الخروج من الركود الاقتصادي على المدى الطويل من خلال تشجيع حزمة الإصلاحات الاقتصادية المعروفة بـ ”آبينوميكس“، وركوب عملية تطوير طويلة الأجل في وقت مبكر. سيما وأنه عندما يتعلق الأمر بالنصف الثاني من العقد القادم، ستصل أعمار الأطفال من فترة طفرة المواليد حوالي ٧٥ سنة أو أكثر وستتجاوز معدلات الشيخوخة نسبة أكثر من ٣٠٪ وسيسرع ذلك من انخفاض عدد السكان. ومن هنا يعترف التقرير بالحاجة الماسة لتغيير مسار انخفاض تعداد السكان والنسب المرتفعة للشيخوخة في المجتمع وذلك قبيل انعقاد أولمبياد طوكيو عام ٢٠٢٠.

خَمسُ وصفات لتركيز الإصلاح و التغيير

وفيما يلي  أتقدم بـ ٥ وصفاتٍ - كما هو مبين في التقرير-  تهدف للتركيز على الإصلاح و التغيير. 

١ - خلق بيئة مناسبة لإنجاب الأطفال ورعايتهم

عدد الأطفال المثالي للمتزوجين (وفقاً لإحصاءات كل من المعهد الوطني للسكان و بحوث الامن الاجتماعي لعام ٢٠١٠) حوالي ٢٫٤ طفل وسطيا، ولكن النسبة الحقيقية هي ١٫٧. تعزيز التدابير مثل تقديم الدعم في مسائل الولادة و رعاية الأطفال، والتعليم بعد الطفل الثالث. تحسين البيئة لتشجيع الآباء على إنجاب الأطفال. إحياء معدل المواليد إلى نحو اثنين كذلك مُضاعَفة الدعم المقدم لرعاية الأطفال والولادة وتحمل جميع نفقات الجيل الحالي دون تدويرها من أجل نفقات جيل المستقبل. استعراض التدابير المتعلقة بتراجع معدلات المواليد من وجهة نظر ”سياسة للأطفال“ ودعم رعاية الطفل ووضعه في خانة ”الاستثمار في المستقبل“. والتخطيط للتوسع بشكل إيجابي.

٢ - فتح الاقتصاد على العالم، والاستمرار في النمو في ”خلق قيم جديدة من خلال الإبداع“

خلق الابتكار بالاعتماد على نظام مفتوح ومرن وتنفيذ الإصلاحات من أجل هيكل صناعي ديناميكي وتعزيز الصناعة والأعمال من خلال ”عملية التمثيل الغذائي، واستعادة الشباب“. يؤدي فتح البلاد إلى استقطاب الموارد البشرية والمالية والمعلومات من جميع أنحاء العالم والمساهمة بالتالي في النمو العالمي والتنمية. وكذلك استيعاب الأجانب الموهوبين استراتيجيا من خلال تشجيع الحوارات الوطنية.

٣  - بناء مجتمع قادر بعيداً عن اعتبارات للعمر أو للجنس

تحسين طريقة أداء عمل الرجل والمرأة وخلق بيئة يسهل فيها تحقيق التوازن بين العمل ورعاية الأطفال. إلغاء منحنى M الذي يٌقلّل من قدرات النساء العاملات في أواخر العشرينات والثلاثينات من العمر. واعتبار الأشخاص العاملين حتى سن السبعين ”سكان إنتاجيون جدد“ وخلق مجتمع حيث يمكن لكبار السن القيام بدور فعال.

٤ - تعزيز الاستراتيجيات الإقليمية التي تستفيد من الأشخاص

الخروج بالأفكار الجديدة واستخدام الموارد (الزراعية والسياحية) في المنطقة لإقامة أماكن للعمل. تركيز المناطق الحضرية في الوسط وتفعيل الأنشطة الاقتصادية وتركيز الخدمات الإدارية. تشكيل قواعد استراتيجية في المدن المحلية تعزز القدرة التنافسية مع المكاتب الرئيسية للشركات والحد من تدفق السكان إلى طوكيو.

٥ - ضمان أسس السلامة و الأَمان

حفظ وتنمية القيم والإحساس بالجمال والتقاليد والثقافة الفريدة من نوعها التي يعززها التاريخ والمناخ وإنشاء العلامة التجارية اليابانية. المساهمة الدولية ووضع القواعد الدولية، والحفاظ على المكانة العالمية وإبقاء تواصل اليابان مع العالم.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ١٠ يونيو/حزيران ٢٠١٤، الصورة مقدمة من جيجي برس)

المجتمع المسن