الطريق إلى اليابان

«الغيشا»... أحد رموز اليابان الساحرة

مجتمع ثقافة

تعرف الغيشا بأنهن فنانات تقليديات في اليابان، يتمتعن بمهارات متعددة في الفنون المسرحية اليابانية المتنوعة، مثل الموسيقى الكلاسيكية والرقص والألعاب. تتمتع عروض الغيشا بشعبية كبيرة وإقبال كبير من قبل الزوار الأجانب الذين يسعون لاكتشاف هذا الجانب الفريد والغامض من الثقافة اليابانية. ومن المهم فهم الغيشا كشخصيات تاريخية وثقافية في اليابان، حيث كانت تلعب دورًا هامًا في المجتمع الياباني قديمًا. كانت الغيشا تعمل كمضيفات في المحافل الاجتماعية والحفلات، حيث كانت يمكنهن تقديم الضيافة بشكل متميز من خلال الغناء والرقص وتقديم الضيوف بأناقة. كما كانت الغيشا تُعتبر رمزًا للأنوثة والجمال والأناقة في المجتمع الياباني التقليدي. على الرغم من أن صورة الغيشا قد تم تشويهها في بعض الأحيان من خلال الأفلام والروايات، إلا أنها لا تزال تشكل جزءًا هامًا وجذابًا من التراث الياباني. ومن خلال فهم الغيشا بشكل أعمق، يمكن للزوار الاستمتاع بفهم أفضل لهذه الثقافة والتقاليد اليابانية الفريدة.

ثقافة الغيشا

ثقافة الغيشا في اليابان تعد من العناصر الأساسية التي تشكل تراثها الثقافي الغني والمعقد. الغيشا هن فنانات محترفات مدربات على فنون الأداء التقليدية اليابانية مثل الرقص، الغناء، العزف على الآلات الموسيقية التقليدية مثل الشاميسين، وكذلك الشعر وفن الحوار. هذا الفن الذي تطور خلال عصر إيدو في اليابان، يعتبر أحد أهم الرموز الثقافية التي تعكس الجمالية والتفاصيل الدقيقة في الثقافة اليابانية.

على الرغم من الصور النمطية السائدة، الغيشا لسن مجرد مضيفات، بل هن محترفات يقدمن فنوناً ترفيهية عالية المستوى. تتطلب مهنة الغيشا سنوات من التدريب الشاق والتعلم المستمر، حيث يبدأن كـ ”مايكو“ في سن مبكرة، وهو مصطلح يشير إلى الغيشا المتدربات في كيوتو، قبل أن يصلن إلى الاحترافية الكاملة.

يتمثل دور الغيشا في تقديم جو من الأناقة والفخامة في الحفلات والمآدب، حيث يستمتع الضيوف بالفنون التقليدية والحوار الذكي في بيئة تحترم عمق التقاليد اليابانية. وتعد كيوتو، العاصمة الإمبراطورية القديمة لليابان، المركز الأكثر شهرة لثقافة الغيشا، حيث يتم الحفاظ على هذا التقليد بعناية فائقة.

في العصر الحديث، تستمر ثقافة الغيشا في جذب اهتمام السياح من جميع أنحاء العالم، الذين يسافرون إلى اليابان للتجربة الفريدة لمشاهدة أداء الغيشا والتعرف على جانب مهم من الثقافة اليابانية. وعلى الرغم من التحديات الحديثة، بما في ذلك تقلص عدد الغيشا، تظل هذه الثقافة قائمة كرمز حي للجمال والفن والتقاليد اليابانية.

شينباشي غيشا أمام مسرح ”كابوكي زا“.

فترة التدريب لتصبح غيشا والتي تمتد من 5 إلى 6 سنوات، المعروفة باسم ”مايكو“ في كيوتو و”هانغيوكو“ أو ”أوشاكو“ في منطقة كانتو بمركزها طوكيو، تعد مرحلة أساسية ومكثفة في مسيرة الشابات اللواتي يطمحن لإتقان هذا الفن التقليدي العريق. خلال هذه الفترة، يتم وضع المتدربات في بيئة تعليمية صارمة حيث يتعلمن مجموعة واسعة من الفنون والمهارات التي تعد لب مهنة الغيشا.

تشمل التدريبات دروسًا مكثفة في فنون الشاي وتنسيق الزهور، إلى جانب تعلم الرقص الياباني التقليدي وعزف الشاميسين، وهي آلة موسيقية يابانية تقليدية. كما يشمل التدريب تعلم الإتيكيت الياباني واللغة والشعر الياباني، بالإضافة إلى دروس في الثقافة والتاريخ الياباني لضمان فهم عميق للتقاليد التي تؤديها الغيشا.

خلال هذه الفترة، ترتدي المتدربات كيمونو مميز يعكس مرحلتهن التدريبية، حيث يكون ملونًا بشكل أكثر زهوًا مقارنة بالكيمونو الذي ترتديه الغيشا المحترفات. تتميز فتيات المايكو في كيوتو بحزام الكيمونو ”أوبي“ المتدلي طويلًا حتى يصل إلى الكاحل، المعروف بـ”داراري نو أوبي“، وهو سمة مميزة لمظهرهن. يشكل هذا التدريب الأساس لتطوير القدرات الفنية والشخصية اللازمة لتحقيق النجاح في عالم الغيشا، ويعد استثمارًا كبيرًا في المستقبل المهني لهؤلاء الشابات.

بعد إكمال فترة التدريب الشاقة والمكثفة، تتقدم الشابات إلى مرتبة الاحتراف حيث يتم التعريف بهن بمسميات مختلفة تبعًا للمنطقة. في إقليم كانتو، يُطلق على الغيشا المحترفة ببساطة لقب ”غيشا“، في حين في كيوتو، المدينة المعروفة بتقاليدها العميقة وثقافتها الغنية، يُطلق عليهن لقب ”غيكو“. هذا الانتقال من متدربة إلى محترفة يُمثل نقطة تحول كبيرة في حياة هؤلاء النساء، حيث يتغير ليس فقط مسماهن ولكن أيضًا مظهرهن.

عند بلوغ مرحلة الاحتراف، يُلاحظ تغيير في طريقة ارتداء الكيمونو. يصبح حزام الكيمونو (الأوبي) مربوطًا بطريقة أبسط، مما يعكس نضجهن ومكانتهن المتقدمة في هذه المهنة. كما يتم ضبط طول الكيمونو ليكون مساويًا لطول الكيمونو العادي، مما يسهل عليهن الحركة ويعكس تحولهن إلى غيشا محترفة.

الثقافة الغنية للغيشا لم تسحر فقط أولئك في اليابان ولكن أيضًا لفتت انتباه العالم الغربي. في عام 2005، جذب فيلم ”مذكرات فتاة غيشا“ (Memoirs of a Geisha) اهتمامًا دوليًا كبيرًا، حيث يروي الفيلم قصة حياة فتاة غيشا من كيوتو في فترة ما قبل الحرب. الفيلم، الذي يستند إلى رواية بنفس الاسم، نجح في تصوير الحياة الداخلية لهذه الثقافة المعقدة والغامضة بطريقة تجذب المشاهدين حول العالم. ”مذكرات فتاة غيشا“ حصد إعجاب النقاد والجماهير على حد سواء، مما أسفر عن فوزه بثلاث جوائز أوسكار، تقديرًا لإنجازاته في التصميم الفني والتصوير السينمائي وتصميم الأزياء، مما يبرهن على القوة الساحرة لهذه القصة وعمق تأثير الثقافة اليابانية على السينما العالمية.

كورس تجريبي مخصص للسائحين

عند الرغبة في تجربة الثقافة اليابانية الأصيلة من خلال استدعاء فتاة غيشا، من المهم الانتباه إلى أن هذه الخدمة تقتصر على أماكن معينة تتوافق مع التقاليد اليابانية العريقة. يتطلب الأمر التنسيق مع فنادق الريوكان التقليدية، المطاعم اليابانية الأصيلة، أو محلات الشاي الخاصة التي تمتلك التراخيص والتجهيزات اللازمة لاستضافة هذه الفعاليات الثقافية.

الفعاليات التي تشارك فيها الغيشا تُعرف باسم ”أوزاشيكي“، وهي تجمع بين الطعام الفاخر والعروض الفنية التقليدية في تجربة ترفيهية شاملة تستمر عادة لمدة ساعتين. تبدأ هذه الحفلات بتقديم الأطباق اليابانية الشهية يليها استعراض للفنون التقليدية مثل الرقص والموسيقى، وتخلق جوًا من الألفة والتفاعل الحميم بين الضيوف والغيشا. كما يمكن أن تشمل الأمسية لعب الألعاب اليابانية القديمة التي تتناغم مع ألحان الموسيقى التقليدية، ما يوفر تجربة ثقافية غنية وتفاعلية.

عادةً ما يتم تنظيم ”الأوزاشيكي“ بمشاركة مجموعة من 2 إلى 3 فتيات غيشا، بما في ذلك الغيشا المتخصصة في الرقص (تاتشيكاتا) والغيشا المتخصصة في الموسيقى (جيكاتا). هذه التقاليد العريقة توفر نافذة نادرة إلى عالم الجمال والفن الياباني التقليدي، وتعد فرصة للغوص في عمق الثقافة اليابانية واستكشاف أحد أكثر جوانبها إثارة للإعجاب.

أجر فتاة الغيشا 

نظرًا لتكاليف استدعاء فتاة غيشا التي قد تتراوح بين 20,000 و40,000 ين ياباني، بالإضافة إلى مصاريف الطعام، يُعد الاستمتاع بفنون الغيشا تجربة باهظة الثمن. هذا الأمر دفع العديد من السائحين إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة للتعرف على ثقافة الغيشا، مثل زيارة استوديوهات خاصة حيث يمكنهم ارتداء أزياء تقليدية شبيهة بتلك التي ترتديها الغيشا والتقاط صور تذكارية، أو التجول في شوارع كيوتو علهم يصادفون غيشا بالصدفة.

استجابة لرغبات الزائرين، شهدت السنوات الأخيرة ظهور مبادرات من قبل الفنادق ومحلات الشاي وغيرها من المؤسسات لتقديم دورات تجريبية مخفضة السعر ومبسطة من ”الأوزاشيكي“ وغيرها من الفعاليات الثقافية في الفترات المتاحة قبل بدء الأمسيات التقليدية. هذه الدورات توفر فرصة للسائحين للاطلاع على عالم الغيشا بتكلفة أقل وفي جلسات أقصر. بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض الأماكن بالتنسيق مع غيشا يتحدثن لغات أجنبية أو يُرافقهن مترجمون لتسهيل التواصل مع السائحين الذين لا يتحدثون اليابانية، مما يجعل هذه التجربة الثقافية أكثر إغراء للزوار من خارج اليابان.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية)

كيوتو