الطريق إلى اليابان

لقاء الخريف الساحر بألوانه التي ليس لها مثيل في اليابان

مجتمع سياحة وسفر

فصل الخريف في اليابان هو وقت للاستمتاع بأوراق الشجر الملونة والعديد من الأنشطة الترفيهية المرتبطة بهذا الموسم. فعندما يحل الخريف في اليابان، تتلون أوراق أشجار القيقب والجنكة وغيرها باللون الأحمر والأصفر في نفس الوقت، ويصبح من الممكن مشاهدة المناظر الجميلة في كل مكان في البلاد.

مع اقتراب فصل الخريف في اليابان، تأخذ حدة حرارة الصيف في الانخفاض شيئًا فشيئًا، وتهب النسائم العليلة، وتبدأ حشرة اليعسوب الحمراء في التحليق. وتُسمع أصوات صفير صراصير الحقل في الصباح والمساء لتحل محل أصوات حشرة (زير الحصاد) السيكادا، وتنقشع السحب الركامية البعيدة لتفسح الطريق أمام السماء المرقطة (سماء مغطاة بغيوم تعطي شكلًا للسماء تجعلها تبدو كما لو كانت مخططة أو مموجة).

اليعسوب الأحمر (على اليسار)، ومجموعات من السحب فيما يعرف بـ (urokogumo) (أوروغومو) من المناظر الشائع مشاهدتها في فصل الخريف

إلا أن فترة الانتقال الموسمي ليست كلها هادئة، فينشط حوالي 25 إعصارًا بالقرب من اليابان ابتداءً من فصل الربيع فصاعدًا كل عام، ولكن عدد قليل منها فقط هو الذي يصل بالفعل إلى اليابسة. وعلى الرغم من أن العواصف يكثر حدوثها في شهر أغسطس/ آب، إلا أن أكثرها ضررًا يهب في شهر سبتمبر/ أيلول.

ولكن إحدى الظواهر والمشاهدات المحببة لدى الجميع خلال فصل الخريف هي الاستمتاع بألوان أوراق الأشجار التي تتزين بها البلاد. فهناك أشجار (momiji) أو القيقب الياباني ذات الأوراق الحمراء والصفراء الرائعة، والتي ألهمت الشعراء منذ العصور القديمة. وكذلك التنزه بين أروقة الطرقات التي تصطف على جنباتها أشجار الجنكة الذهبية، والاستمتاع بأوراقها المتساقطة على وقع الأقدام، الأمر الذي يعد هو الآخر واحدًا من متع فصل الخريف. وهناك أيضًا الأشجار الملونة التي تُزين المناظر الطبيعية وأراضي القلاع والحدائق والمزارات والمعابد في جميع أنحاء البلاد.

ألوان الخريف

وقت للقراءة والرياضة و الفنون

ولقد أصبح الخريف مرتبطًا بعدد من الأنشطة الترفيهية في اليابان. ويقال إن العلاقة الحديثة التي نشأت بين الخريف والانهماك في قرأة كتاب ممتع كان نابعًا من أحد الاقتباسات للكاتب (ناتسومي سوسيكي) المأخوذ من أحد القصائد الصينية في روايته (سانشيرو) عام 1908: حيث يقول ”لقد حل الخريف، دعونا نقرأ على أضواء المصابيح“. وتقام العديد من المناسبات كل عام في أنحاء اليابان فيما يعرف بـ ”أسابيع القراءة الخريفية“ والتي تستمر من السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول إلى التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني.

أما الإثنين الثاني من شهر أكتوبر/ تشرين الأول فهو يوم الصحة والرياضة، وهو يوم وطني لإحياء ذكرى استضافة طوكيو لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في عام 1964 كأول مدينة آسيوية تستضيف الحدث. واعتبارًا من عام 2020، سيتم إعادة تسمية هذا اليوم بـ (اليوم الرياضي)، وفي تلك السنة فقط سيتم إعادة جدولة يوم العطلة ليتزامن توقيتها مع حفل افتتاح أولمبياد طوكيو الثانية.

وتستضيف العديد من المدارس فعاليات يومها الرياضي في الخريف بإقامة برامج ممتعة ومتنوعة. ففي لعبة (tamaire) (لعبة إلقاء الكرات)، يتنافس الأطفال من خلال فرق مختلفة، وفي نفس الوقت يرمون الكرات الصغيرة الملونة في سلة مرتفعة، بينما في لعبة (ōdama korogashi) (دحرجة الكرات الكبيرة)، يتنافسون على دحرجة كرة كبيرة الحجم في مثل ارتفاع أطوالهم. وهناك أيضًا العديد من الأنشطة الأخرى الشائعة مثل لعبة شد الحبل والرقصات الشعبية. وتتجمع الحشود الكبيرة من أفراد الأسر وغيرهم من المتفرجين الذين يدعموهم بدورهم المشاركين.

الأطفال يلقون الكرات في لعبة (tamaire) خلال فعاليات اليوم الرياضي.

وترتبط الفنون هي الأخرى بفصل الخريف، ويرجع ذلك إلى إقامة العديد من المعارض التنافسية مثل معرض (Nikaten) (نيكاتن) ومعرض (Nitten) (نيتن)، والتي تقام خلال موسم فصل الخريف. وغالبًا ما تشجع المعارض الفنية الجمهور على تنمية حسه الفني والقيام بزيارة المعارض الخريفية، بينما تقيم الجامعات مهرجانات ثقافية وموسيقية.

(Red Pumpkin) أو (اليقطين الأحمر) أحد الأعمال الفنية للفنانة (كوساما يايوي) معروض في ميناء (ميانورا) بجزيرة ناؤشيما قبالة سواحل جزيرة شيكوكو. (الصورة بعدسة أوتشي دايسكى ومقدمة من المعرض الفني (سيتوإيتشي ترينال) الذي تقام فعالياته كل ثلاث سنوات).

وتحتفل اليابان بزهرة الأقحوان في مختلف المهرجانات التي تقام في جميع أنحاء البلاد من أكتوبر/ تشرين الأول إلى نوفمبر/ تشرين الثاني. وعلى الرغم من أنها ليست زهرة وطنية رسمية، إلا أنها تظهر على الختم الإمبراطوري، الموجود على بعض العملات المعدنية وأغلفة جوازات السفر.

أزهار الأقحوان المنسقة والمتفرعة من جذع واحد فيما يعرف بـ (senrin-zaki) والتي تعني حرفيًا (ألف زهرة على جذع واحد) (الصورة من ميوا نوريأكي).

والخريف أيضا هو فصل الاستمتاع بمختلف الأطعمة الموسمية الطيبة المذاق. فمع قرب شهر أكتوبر/ تشرين الأول يكون موسم الذروة لأسماك المحيط الهادئ، والتي يقال إن لها فوائد صحية جمة. والطريقة المثالية لطهيها هي شويها مع إضافة الملح ورشفات من العصير المعد من (sudachi) (سوداتشي)، وهي إحدى أنواع الفواكه الحمضية، إلى جانب الفجل الأبيض المبشور (دايكون) وصوص الصويا.

الطريقة التقليدية العريقة للاستمتاع بتناول (سمك الصوري).

فطر (Matsutake) (ماتسوتاكي) أو (فطر الصنوبر) وهو خير مثال على الطعام الفاخر الذي يمكن تناوله خلال فصل الخريف. وهو طعام باهظ الثمن، ثلاثة أو أربعة قطع محلية عالية الجودة بحوالي 60,000 ين ياباني (حوالي 566 دولارًا أمريكيًا)؛ ويمكن للذواقة محبي الأطعمة على حسب ميزانياتهم اختيار قطع مستوردة بتكلفة أقل. فعملية التنقيع الطويلة تبرز رائحة الفطر ونكهته الغنية. ويمكن طهي فطر ماتسوتاكي بسهولة مع الأرز أو إضافته إلى أطباق أخرى تحتوي على أصناف مختلفة، مثل (matsutake dobin mushi) (ماتسوتاكي دوبين موشي)، المحضّر مع مجموعة من مكسرات نبتة (الغنكو)، والدجاج الموضوع في إبريق فخاري.

فطر ماتسوتاكي بجانب فاكهة (سودايتشي) الحمضية.

وفي موسم الحصاد، تملأ فواكه الكستناء والإجاص الآسيوية والعنب والكاكي أرفف المتاجر والمحلات، بينما يذهب بعض الناس إلى بساتين خاصة لانتقاء الأفضل منها. وتشمل أطعمة الخريف اللذيذة الأخرى القرع أو اليقطين والبطاطا الحلوة والأرز المحصود حديثًا والمعكرونة الشعيرية الطازجة.

في اتجاه عقارب الساعة من اليسار: العنب، أنواع مختلفة من الفطر، البطاطا الحلوة، والإجاص (الكمثرى) الآسيوية، اليقطين، سمك الصوري من مياه المحيط الهادئ، الكستناء ، فاكهة سوداتشي الحمضية، والكاكي.

المهرجانات والاحتفالات

لطالما كان الخريف هو أفضل وقت لمشاهدة (tsukimi) (تسوكي مي) أو الاستمتاع بمشاهدة القمر. ويقال إن الليلة الخامسة عشرة من الشهر الثامن على التقويم القديم مثالية للمشاهدة، ويوافق ذلك يوم الثالث عشر من شهر سبتمبر/ أيلول لعام 2019. وتقام المناسبات والاحتفالات المرتبطة بالقمر في جميع أنحاء اليابان في ذلك التاريخ ومع اقتراب حلوله.

القمر يسطع فوق قلعة ماتسوموتو في محافظة ناغانو.

مرتين في السنة، خلال الأسابيع التي تتوسط الاعتدال الربيعي والخريفي، يتذكر اليابانيون أسلافهم ويزورون القبور تبعا للتقاليد والأعراف البوذية المتمثلة فيما يعرف بـ (higan) (هيغان). وفي الخريف، يزدهر نبات (higanbana)، التي تعرف بالإنكليزية باسم (red spider lily) وبالعربية (زنبق العنكبوت الأحمر). حيث تتفتح أكثر من خمسة ملايين زهرة في مدينة (هيداكا) بمحافظة سايتاما، والتي تجذب إليها السياح كل عام.

زهرة زنبق العنكبوت الأحمر التي تشتهر بها مدينة هيداكا.

أخذ كذلك الهالوين بالانتشار في اليابان وأصبح له شعبية كبيرة. ففي سبعينيات القرن الماضي، بدأ متجر الألعاب (كيدي لاند) بحي هاراجوكو في عرض سلع الهالوين، وفي عام 1983، أقيم العرض الأول للاحتفال بالهالوين في منطقة (أوموتيساندو). وفي الآونة الأخيرة، تألق عشاق الشخصيات الكرتونية وبدأوا في ارتداء أزيائهم والتزين بزينتهم فيما يعرف بـ (الكوسبلاي)، وأصبح تقاطع شيبويا الشهير معروفًا بحشوده الهائلة من المحتفلين بالهالوين.

في الهالوين تكون الأزياء غير مستغربة على الإطلاق خاصة في محطة شيبويا. الصورة ملتقطة في الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول لعام 2018. الصورة من جيجي برس.

وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، يقام مهرجان (Shichi-Go-San) (شيتشي غو سان) والذي يعني حرفيا (سبعة خمسة ثلاثة، وهو عبارة عن طقوس تقليدية ومهرجان في اليابان للأطفال الذين تعدى أعمارهم الثلاث والسبع سنوات للفتيات والثلاث والخمس سنوات للفتيان)، والذي يحتفي فيه بالنمو السليم للأطفال الصغار، وتكثر مشاهدة الأسر في المعابد والمزارات قرب منتصف الشهر.

طفلة في الثالثة من عمرها تشارك في احتفالات مهرجان (شيتشي غو سان).

وقد ذكر الشاعر الياباني (يامانوأويه نو أوكورا) (حوالي 660 – 733) سبعة أزهار خريفية في إحدى القصائد المدرجة في مجموعة الكتابات الشعرية (Man’yōshū) (مان يوشو – أقدم وأهم كتابات الشعر في الأدب الياباني ومعناها ”كتاب العشرة آلاف ورقة“ وهو عشرون مجلداً –). وهذه النباتات الخريفية هي (hagi) (ليسبيديزا، جنس نباتي يتبع الفصيلة البقولية)، زهرة الجرس، (nadeshiko) زهرة القرنفل، أوباتوريوم أو (نبته ”الغافثية“ جنس نباتي من الفصيلة المركبة)، باترينيا (جنس من النباتات العشبية)، نبات الكودزو أو (الكشت الياباني)، وأخيرًا (susuki) عشب السهوب أو العشب السهلي.

الزهور الخريفية من أعلى اليسار: ليسبيديزا، زهرة الجرس، زهرة القرنفل، أوباتوريوم، باترينيا، نبات الكودزو، وعشب السهوب.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، صورة الموضوع: أوراق الخريف الزاهية الألوان تتدلى وفي خلفيتها تظهر قمة جبل فوجي تكسوها الثلوج المبكرة)

السياحة الربيع الخريف طبيعة الصيف