لماذا يجب أن تكون محافظة فوكوي على قائمتك السياحية في اليابان؟

ثقافة

مع تمديد خدمة قطارات الطلقة ”هوكوريكو شينكانسن“ من كانازاوا إلى تسوروغا، لا تقتصر جاذبية محافظة فوكوي على سرعة الوصول إليها فقط، بل تكمن في سحرها العريق الذي يمزج بين التراث والتقاليد والحرف اليدوية الفريدة. وبين طيات هذه المحافظة الهادئة، يروي معبدأوكاموتو وأوتاكي قصة حرفة ورق ”الواشي“ التقليدي لإيتشيزين، تلك التحفة اليدوية التي عبرت الزمن لتصبح رمزًا للإبداع الياباني. انضموا إلينا في رحلة استكشاف مدهشة نتعمق فيها في أسرار هذا التراث الثقافي المميز، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في لوحة ساحرة من الجمال والأصالة.

المعابد الشنتوية المرتبطة بأصول الورق الياباني التقليدي

أصبحت المعابد الشنتوية المرتبطة بأصول الورق الياباني التقليدي واحدة من أبرز معالم الجذب السياحي في محافظة فوكوي بعد تمديد خدمة قطارات الطلقة ”هوكوريكو شينكانسن“ من مدينة كانازاوا إلى مدينة تسوروغا، الذي بدأ في 16 مارس/آذار 2024. أسهم هذا الامتداد في ازدهار سياحي ملحوظ في فوكوي، حيث ارتفع عدد الزوار بنسبة 20% مقارنة بعام 2023.

من بين هذه الوجهات المميزة معبد أوكاموتو ومعبد أوتاكي، الواقعين في مدينة إيتشيزين بمحافظة فوكوي، على بعد 15 دقيقة بالسيارة من محطة ”إيتشيزين تاكيفو“. يُشار إلى أن المنطقة مشهورة بكونها مسقط رأس الورق الياباني التقليدي (واشي)، حيث يعتقد أن هذه المعابد تحتضن أرواح الأسلاف الذين ساهموا في تطوير هذه الحرفة العريقة.

ازدادت شهرة هذه المعابد بعد ظهور مشاهد للممثلة اليابانية الشهيرة ”يوشيناغا سايوري“ وهي تصلي فيهما، ضمن مقاطع فيديو ترويجية لشركة السكك الحديدية ”جي آر“، مما أضاف جاذبية خاصة لهما وسلط الضوء على مكانتهما الثقافية والتاريخية.

”توري“ بوابة تقليدية أحادية للمزار، وهو أمر غير اعتيادي بالنسبة لمدخل مزارات متعددة، حيث أنها المدخل إلى مزاراي أوكاموتو وأوتاكي. (© Nippon.com)
”توري“ بوابة تقليدية أحادية للمزار، وهو أمر غير اعتيادي بالنسبة لمدخل مزارات متعددة، حيث أنها المدخل إلى مزاراي أوكاموتو وأوتاكي. (© Nippon.com)

خلال حقبة إيدو (1603-1868)، كانت محافظة فوكوي الحالية مقسمة بين مقاطعتي ”إيتشيزين“ في الشمال الشرقي و”واكاسا“ في الجنوب الغربي. تُشتهر مدينة إيتشيزين الحالية، الواقعة في وسط فوكوي، بإنتاج ورق الواشي التقليدي، الذي يتميز بجودته وتنوعه وإنتاجه الكبير. يُعد ورق إيتشيزين ”هوشو“ وورق ”تورينوكو“، المستخدمان في المناسبات الخاصة، من أبرز الأمثلة على ذلك، وقد تم تصنيفهما كممتلكات ثقافية مهمة من قبل الدولة.

وتضم المنطقة مركز ”إيتشيزين واشي نو ساتو“ (قرية إيتشيزين واشي)، التي تقع على بعد 10 دقائق سيرًا على الأقدام من مزاري أوكاموتو وأوتاكي. يُعد هذا المركز وجهة رئيسية لإنتاج ورق الواشي التقليدي وجذب السياح المهتمين بالتعرف على هذه الحرفة العريقة. في قلب المساحات الخضراء المحيطة بالمنطقة، يوجد مزار آخر مخصص لتكريم ”كاواكامي غوزين“، الشخصية الأسطورية التي تُنسب إليها ابتكارات ورق الواشي.

تُمثل هذه المواقع مجتمعةً مزيجًا من التاريخ والثقافة والحرف اليدوية التي جعلت من فوكوي وجهة فريدة لمحبي التراث الياباني التقليدي.

المزار الأمامي والقاعة الرئيسية للقسم السفلي من المزار، مخصصان لـ كاواكامي غوزين، المُبدعة الأسطورية لورق الواشي. (© Nippon.com)
المزار الأمامي والقاعة الرئيسية للقسم السفلي من المزار، مخصصان لـ كاواكامي غوزين، المُبدعة الأسطورية لورق الواشي. (© Nippon.com)

يمتد شارع ”واشي نو ساتو-دوري“ باتجاه الشمال الغربي من المزار لمسافة كيلومتر تقريبًا. (© Nippon.com)
يمتد شارع ”واشي نو ساتو-دوري“ باتجاه الشمال الغربي من المزار لمسافة كيلومتر تقريبًا. (© Nippon.com)

موقعان مقدسان

يعود تاريخ مزار أوكاموتو إلى 1500 عام، ويحمل في طياته أسطورة تحكي عن امرأة جميلة ظهرت عند الروافد العليا لنهر أوكاموتو. ووفقًا للأسطورة، قالت المرأة للسكان المحليين: ”تقع هذه القرية في وادٍ صغير، ولا توجد بها سوى أراضٍ زراعية محدودة. لكنها مباركة بالمياه النقية والبيئة الطبيعية. إذا استخدمتم أيديكم لإنتاج الورق، فستزدهر هذه القرية“.

بعد ذلك، شرعت هذه المرأة الغامضة في تعليم أهل القرية فن صناعة الورق. لم تكشف المرأة عن اسمها أبدًا، واكتفت بالقول إنها جاءت من المنبع (كاواكامي). وقد بدأ السكان المحليون يعتمدون على صناعة الورق كمصدر رزق، وأطلقوا على تلك المرأة اسم ”كاواكامي غوزين“ أو ”سيدة المنبع“. تكريمًا لدورها في تحسين حياة أهل القرية، قاموا ببناء مزار أوكاموتو ليعبروا عن احترامهم وامتنانهم لها باعتبارها مبتكرة صناعتهم.

تُعد هذه القصة أساسًا للتراث الثقافي الذي تحتفي به مدينة إيتشيزين اليوم، حيث يُعتبر ورق الواشي التقليدي إرثًا فريدًا يمتزج فيه الإبداع الإنساني مع طبيعة المنطقة.

لوحة شارحة لأسطورة سيدة المنبع. (© Nippon.com)
لوحة شارحة لأسطورة سيدة المنبع. (© Nippon.com)

يمر نهر أوكاموتو عبر ”قرية واشي“. (© Nippon.com)
يمر نهر أوكاموتو عبر ”قرية واشي“. (© Nippon.com)

وفي غضون ذلك، كانت بداية مزار أوتاكي بمراسم نقل احتفالية لأحد الآلهة إلى موقعه الجديد بواسطة القائد ”أوتومو نو موراجي أوتاكي“ في عهد الإمبراطورة سويكو (592-638).

وفي وقت لاحق، زار ”تايتشو“، وهو راهب زاهد جبلي من طائفة شوغيندو، موقع المزار وأسس معبد ”أوتاكي تشيغو غونغين“. والإلهة الحارسة لمزار ”أوتاكي“ هي ”كاواكامي غوزين“، وآلهته المقدسة الرئيسية هي ”كونيتوكوتاتشي نو ميكوتو“ و ”إيزاناغي نو ميكوتو“. كما تأسس معبد أوتاكي في الأراضي كمنشأة بوذية للإشراف على منطقة المزار“، مما يسلط الضوء على مكانته كموقع مقدس يجمع بين الشنتوية والبوذية.

تمثال ”كانّون“ ذو الـ الإحدى عشر وجهًا الموجود في قاعة ”كانّون دو“، والذي يعود تاريخه إلى فترة هييآن (794-1185)، هو أحد الآثار التاريخية للموقع التي تجمع بين الشنتوية والبوذية. (© Nippon.com)
تمثال ”كانّون“ ذو الـ الإحدى عشر وجهًا الموجود في قاعة ”كانّون دو“، والذي يعود تاريخه إلى فترة هييآن (794-1185)، هو أحد الآثار التاريخية للموقع التي تجمع بين الشنتوية والبوذية. (© Nippon.com)

أجواء مصحوبة بالهدوء والسكينة في الأماكن المقدسة. (© Nippon.com)
أجواء مصحوبة بالهدوء والسكينة في الأماكن المقدسة. (© Nippon.com)

التبجيل كآلهة في عالم صناعة الورق الياباني

تُعرف مدينة تايتشو بالطقوس والمراسم التعبدية المرتبطة بجبل ”هاكوسان“، أحد الجبال المقدسة في اليابان، والذي يقع على الحدود بين المقاطعات القديمة كاغا (محافظة إيشيكاوا حاليًا) ومينو (محافظة غيفو حاليًا).

ازدهرت مدينة أوتاكي، الواقعة في سفوح الجبل، كمركز للعبادة خلال حقبة هييآن (794-1185)، حينما كانت المعتقدات الدينية المرتبطة بجبل هاكوسان شائعة على نطاق واسع. بحلول العصور الوسطى، أصبحت أوتاكي مركزًا دينيًا رئيسيًا، حيث ضمت 48 مبنًى دينيًا وأكثر من 700 راهب.

ومع ذلك، تعرض الموقع للتدمير خلال حملة القمع التي شنها القائد العسكري أودا نوبوناغا (1534-1582) ضد حركة إيكّو-إيكّي، وهي انتفاضة بقيادة طائفة جودو شينشو البوذية. وعلى الرغم من ذلك، أُعيد بناء الموقع وتجديده لاحقًا.

في حقبة إيدو (1603-1868)، حظي معبد المدينة بحماية القادة الإقطاعيين المتعاقبين، وأصبح مكانًا مخصصًا لعبادة الإلهة المرتبطة بصناعة ورق الواشي المحلي، الذي يُعتبر أحد رموز إيتشيزين واشي التقليدي الشهير.

يشير شعار عائلة توكوغاوا المكون من ثلاث أوراق، والذي يزين المبنى الرئيسي للمزار وتمثال الحصان المقدس، إلى درجة إيمان عائلة ماتسودايرا، القادة الإقطاعيين المحليين في حقبة إيدو. (© Nippon.com)
يشير شعار عائلة توكوغاوا المكون من ثلاث أوراق، والذي يزين المبنى الرئيسي للمزار وتمثال الحصان المقدس، إلى درجة إيمان عائلة ماتسودايرا، القادة الإقطاعيين المحليين في حقبة إيدو. (© Nippon.com)

مع إصدار اليابان لقانون فصل البوذية عن الشنتوية في عام 1868، تم إغلاق معبد أوتاكي، ولم يتبق سوى مزار أوتاكي. وفي نفس العام، أصدرت حكومة ميجي الجديدة أول أوراق نقدية وطنية يابانية، التي تم تصنيعها من ورق إيتشيزين واشي، مما عزز مكانة هذه الصناعة التقليدية.

في عام 1923، قامت إدارة الطباعة التابعة لوزارة الخزانة بتكريم روح ”كاواكامي غوزن“، التي كانت تُعتبر جزءًا من الإلهة الرئيسية لمزار أوكاموتو. وأصبحت تُعد رمزًا مقدسًا مرتبطًا بازدهار صناعة الورق في اليابان، مما جعلها محط تقدير واسع في هذا المجال.

في الوقت الحالي، تقع القاعات الرئيسية الصغيرة لمزاراي أوكاموتو وأوتاكي جنبًا إلى جنب في منطقة ”أوكو نو إن“ (قدس الأقداس) أعلى قمة جبل ”دايتوكو“ (المعروف أيضًا بجبل غونجين)، وهي القمة التي تشكل الجزء الخلفي من المزار. أما عند قاعدة الجبل، فتوجد قاعة مشتركة بُنيت كنقطة وصول مريحة لتيسير العبادة الموجهة نحو المعبدين، ما يجعلها محطة تجمع للزوار الراغبين في تقدير إرث الورق الياباني التقليدي وروح الإبداع التي زرعتها كاواكامي غوزن.

القاعة المشتركة للمزاراين عند قاعدة الجبل. المبنى الخلفي (على اليسار) هو القاعة الرئيسية، والمزار الأمامي، أو قاعة العبادة، تظهر على اليمين. (© Nippon.com)
القاعة المشتركة للمزاراين عند قاعدة الجبل. المبنى الخلفي (على اليسار) هو القاعة الرئيسية، والمزار الأمامي، أو قاعة العبادة، تظهر على اليمين. (© Nippon.com)

السقف الأكثر تعقيدًا في اليابان

تم الانتهاء من بناء القاعة الرئيسية للمعبد السفلي، بالشكل الذي نراه اليوم، في عام 1843 على يد النجار الشهير أوكوبو كانزايمون، الذي يُنسب إليه أيضًا بناء بوابة المبعوث الإمبراطوري لمعبد إيهيدجي، المعبد الرئيسي لطائفة سوتو زين البوذية في محافظة فوكوي.

وعلى الرغم من شيوع رؤية تصميم يجمع بين معبد أمامي وقاعة رئيسية، فإن ما يميز هذا المزار هو السقف المتقن الذي يُعد عنصرًا معماريًا استثنائيًا. القاعة الرئيسية بُنيت على طراز ”الفتحة الواحدة“، حيث تتصل مباشرة بالسقف المائل لمدخل المزار الأمامي. ويُكمل هذا التصميم الجملون المدبب المتصل بلوح خشبي مثلث، مزين بنقوش زخرفية دقيقة، ما منح المزار شهرة بامتلاكه أكثر الأسقف تعقيدًا في اليابان.

النقوش المزخرفة تحت حواف السقف تُعيد إلى الأذهان أسلوب البناء المميز للمزارات المختلطة في حقبة إيدو، حينما كانت الشنتوية والبوذية تُمارسان معًا. كما أن النقوش الموجودة داخل القاعة الرئيسية، المستوحاة من الأساطير الصينية القديمة، تلفت الانتباه وتستحق الدراسة بعمق.

إن الدمج بين المزار الأمامي والقاعة الرئيسية، إلى جانب بقايا الهندسة المعمارية التي تجمع بين المعتقدات الشنتوية والبوذية، بالإضافة إلى التصميم المتقن، جعلت هذا المزار مقصدًا بارزًا يستقطب الزوار الباحثين عن العمق التاريخي والإبداع الفني في آنٍ واحد.

السقف عبارة عن هيكل جميل فريد من نوعه. (© Nippon.com)
السقف عبارة عن هيكل جميل فريد من نوعه. (© Nippon.com)

إذا نظرنا عن كثب، سنلاحظ أن حافة الجدار الخلفية ليست في المنتصف تمامًا. ويعتقد البعض أن الهيكل بدأ في الانهيار عند اكتماله، بينما يعتقد آخرون أن ذلك كان نتيجة تصميم متعمد. (© Nippon.com)
إذا نظرنا عن كثب، سنلاحظ أن حافة الجدار الخلفية ليست في المنتصف تمامًا. ويعتقد البعض أن الهيكل بدأ في الانهيار عند اكتماله، بينما يعتقد آخرون أن ذلك كان نتيجة تصميم متعمد. (© Nippon.com)

تعتبر المنحوتات الموجودة في القاعة الرئيسية معقدة للغاية، الأمر الذي يجعل الزوار منبهرين بها لساعات طويلة. (© Nippon.com)
تعتبر المنحوتات الموجودة في القاعة الرئيسية معقدة للغاية، الأمر الذي يجعل الزوار منبهرين بها لساعات طويلة. (© Nippon.com)

مزاراي أوكاموتو وأوتاكي

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. البحث والمادة النصية والصور من إعداد Nippon.com)

اليابان ثقافة سياحة طباعة