كيف تعلمت اليابانية؟ السر كان في الممارسة الفعلية!
مجتمع ثقافة لايف ستايل- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
رحلة بالمصادفة
كانت أول مرة أذهب فيها إلى اليابان بمحض الصدفة. فقبل انتهاء دراستي الجامعية في تخصص التاريخ الغربي، بدأت أفكر فيما سأفعله بعد التخرج. وفي أحد الأيام، بينما كنت أتجول في مكتب المهن الجامعي، وقعت عيناي على كتيب بعنوان ”تعليم الإنجليزية في اليابان“. لفتت الفكرة انتباهي على الفور، إذ وجدت فيها فرصة مثالية للقيام بشيء مختلف وتأجيل اتخاذ القرارات المصيرية لفترة من الوقت. تقدمت للوظيفة، واجتزت مراحل المقابلة بنجاح، وبعد بضعة أشهر، وجدت نفسي في مدرسة ثانوية تجارية في مدينة إيواكوني بمقاطعة ياماجوتشي، أعمل كمدرس للغة الإنكليزية ضمن برنامج التدريس والتبادل الياباني.
قضيت في اليابان عامين رائعين، لكن البداية لم تكن سهلة على الإطلاق. فعندما وصلت لأول مرة، لم أكن أعرف شيئًا عن اللغة اليابانية، ولم أكن قادرًا على التحدث بها إطلاقًا. وعلى الرغم من أنني اشتريت كتابًا أو كتابين لتعليم اللغة قبل صعودي إلى الطائرة، إلا أنني لم أستطع نطق أي كلمة بشكل صحيح. ومع ذلك، لم أواجه مشاكل كبيرة داخل الفصل الدراسي، حيث كنت محاطًا بمجموعة من زملاء العمل الرائعين في إيواكوني، الذين لعبوا دورًا مهمًا كحلقة وصل بيني وبين الطلاب. كانوا دائمًا بجانبي، وساعدوني على تجنب الوقوع في أخطاء كبيرة.
لكن خارج المدرسة، كانت الأمور مختلفة تمامًا. فبمجرد مغادرتي قاعة الدراسة، كنت أجد نفسي وحيدًا، ومسؤولًا عن نفسي بشكل كامل. في تلك اللحظات، أدركت أنه لا مفر من تعلم اللغة اليابانية إذا كنت أرغب في التعايش مع المجتمع وفهم الثقافة من حولي. وهكذا بدأت رحلتي في تعلم اللغة، والتي كانت مليئة بالتحديات، ولكنها أيضًا كانت تجربة غنية ومثيرة، ساعدتني على الاندماج بشكل أعمق في الحياة اليابانية.
في الصورة على اليسار نرى ”لوكير“ وهو في مدرسة إيواكونى الثانوية التجارية عام 1988، أما فى الصورة على اليمين فنرى السيد ”لوكير“ في حديقة ”كوفنت“ بلندن عام 2007 مع مجموعة من الطلبة الزائرين من جامعة طوكيو قسم دراسات الموارد الثقافية.
يقول لوكير: ”لم أكن أبدًا تلميذًا جيدًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعلم اللغات. فتعلم اللغة يتطلب قدرًا كبيرًا من الصبر، وهو شيء لم أتمتع به أبدًا. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه المرة الأولى التي أزور فيها قارة آسيا، وكان هناك الكثير من الأشياء المثيرة التي شتتت انتباهي عن الدراسة. بدلًا من الجلوس وقراءة الدروس التي كانت تركز على مواقف مثل إعطاء توجيهات إلى صالون تجميل، كنت أفضل استكشاف العالم الجديد من حولي“.
ويضيف: ”لقد كانت هذه فرصة ذهبية لممارسة الرياضة في أندية متنوعة، وزيارة أصدقائي المقيمين في مدن أخرى، والسفر عبر الجزر اليابانية. بالإضافة إلى ذلك، كان استكشاف عجائب المطبخ الياباني والمشروبات المحلية جزءًا لا يتجزأ من تجربتي. كل هذه الأشياء جعلت من الصعب عليّ التركيز على تعلم اللغة، لكنها أيضًا جعلت تجربتي في اليابان لا تُنسى“.
ويختتم لوكير بقوله: ”بالطبع، لو كنت أكثر انضباطًا، لربما تعلمت اللغة بشكل أسرع. لكنني أعتقد أن هذه التجربة علمتني أن الحياة ليست فقط عن الدراسة والانضباط، بل أيضًا عن الاستمتاع باللحظات واستكشاف العالم من حولنا“.
تعلمت اليابانية في الحانات !
في النهاية، كانت تلك التجارب الحياتية اليومية هي التي ساعدتني على تعلم وفهم اللغة اليابانية بشكل حقيقي. إذا كنت ترغب في تعلم لغة جديدة، فإن الانغماس الكامل في البيئة المحيطة بها هو وسيلة فعالة للغاية، رغم التحديات التي قد تواجهك. بالنسبة لي، كنت محاطًا بأساتذة وطلاب يتحدثون اليابانية كل يوم من الساعة الثامنة صباحًا حتى الخامسة مساءً. سرعان ما لاحظت أنهم في مواقف معينة يستخدمون تعابير وأصواتًا محددة، ويقابل ذلك ردود فعل معينة. وهكذا، وبتأثير من والدي الذي كان بارعًا في التقليد، بدأت تدريجيًا في استخدام نفس الأصوات والتعابير، والتي بدت أنها تؤدي إلى التأثير المطلوب.
كنت حريصًا جدًا عند التحدث في قاعات الدراسة، حيث كنت أخشى الوقوع في أخطاء محرجة. لكن خارج الفصل، كانت الأمور مختلفة. مثلاً، أثناء ممارسة كرة السلة أو الجودو، كان التواصل أسهل إلى حد ما، ربما لأن اللغة في تلك المواقف تكون أقل تعقيدًا وأكثر عفوية. ولكن في المساء، عندما تختفي الحواجز التي كانت تحميني، كنت مضطرًا لمواجهة اللغة بشكل مباشر. إذا أردت طلب طعام أو شراب، أو التحدث إلى الأشخاص الموجودين في الحانات والذين كانوا يرغبون في التعرف عليّ، كان عليّ أن أتحدث اليابانية. وبالفعل كنت أفعل ذلك، وإن كان ذلك بمفردات محدودة وقواعد لغوية ضعيفة للغاية.
لكن بعد كأسين من البيرة، كانت الأمور تصبح أكثر سهولة! على الأقل، كنت أعتقد أن نطقي أصبح مقبولاً، حتى لو لم يكن لكلامي معنى واضح. كنت أجلس وأحتسي مشروب الساكي الياباني، وأقول لنفسي: ”ربما يبدو كلامي وكأنه يابانية!“ كانت هذه الطريقة المليئة بالأخطاء والضحك هي التي ساعدتني على كسر حاجز الخوف والتواصل مع الآخرين، مما جعل تعلم اللغة تجربة ممتعة ومليئة بالذكريات.
متعة الحوار والطعام الجيد وكذلك الشراب في كيوتو.
التعلم عن طريق العمل
بعد عامين من العمل في إيواكوني، غادرت المدينة ومعي كتبي المدرسية التي لم أفتحها حتى ذلك الحين. ومع ذلك، أدركت أنني أريد دراسة اليابان بشكل أعمق، ولكي أفعل ذلك، كان عليَّ تحسين مستواي في اللغة اليابانية. عندما بدأت في دراسة اللغة بشكل جدي، أولاً في طوكيو ثم في سياتل، اكتشفت أنني ما زلت طالبًا غير كفء. لقد فهمت أن مجموعة الأصوات التي تعلمتها في ياماجوتشي لم تكن دقيقة كما كنت أعتقد، وأنني كنت أستخدم لهجة محلية تشبه لهجة طالبات المدارس في ياماجوتشي. ومع ذلك، ظل حفظ المفردات والقواعد اللغوية مهمة غير ممتعة بالنسبة لي، ورغم أنني تحسنت بعض الشيء، إلا أن صبري ظل قصيرًا.
في النهاية، تمكنت من تعلم اللغة اليابانية من خلال العمل، كما كان الحال منذ البداية. في سياتل، قرأت قصصًا قصيرة لـ موراكامي هاروكي وقمت بترجمة أعمال موراكامي يا سوسوكي. وفي شمال كاليفورنيا، تعمقت في دراسة المصادر التاريخية من الصحف اليابانية التي تناولت فترة ما بعد الحرب، وصولاً إلى الفترة المبكرة من عصر ميجي (1868-1912)، وحتى وثائق سوروبون من حكومة كاماكورا (1185-1333). بعد ذلك بفترة قصيرة، عدت إلى اليابان، حيث كنت أزور المكتبات بانتظام وأتحدث إلى زملائي الذين استمروا في دعم عملي حتى يومنا هذا.
ومنذ عامين، أقام برنامج JET (برنامج التدريس والتبادل الياباني) ندوة في طوكيو للاحتفال بمرور 25 عامًا على تأسيسه. لا أعرف بالضبط السبب، لكنني تلقيت دعوة للمشاركة في هذا الاحتفال. كانت هذه فرصة رائعة لأعود إلى ياماجوتشي مرة أخرى وأشكر أصدقائي القدامى. ومع ذلك، وبصراحة، ما زلت غير واثق تمامًا من نفسي عندما أتحدث باليابانية. في الندوة، كان عليَّ أن أقرأ من نص ترجمه لي أحد الأصدقاء. عادةً ما أشعر بالراحة في الإيزاكايا (الحانة اليابانية)، حيث يمكنني التحدث بشكل طبيعي. لكنني أعتقد أنني أديت بشكل جيد في الندوة، بل ربما كان كلامي ذا معنى أيضًا.
هذه الرحلة الطويلة مع اللغة اليابانية علمتني أن التعلم الحقيقي يأتي من الممارسة والتجربة، وليس فقط من الكتب. وعلى الرغم من كل التحديات، فإن الإصرار والتفاعل مع المجتمع الياباني هما ما جعلاني أتقدم، حتى لو ببطء.
(المقالة الأصلية باللغة الإنكليزية، 10 مايو/أيار 2013، تم أخذ صورة العنوان في متحف (تار أوكاموتو) للفنون فى كاواساكي. ”لوكير“ كتب عن (أوكاموتو) فيما يتعلق بمعرض أوساكا عام 1970)