حكومة آبي الثانية : نظرة معمقة على الساحة السياسية الجديدة

اليـابان وإيطـاليا : لا يعـيش لهمـا رئيـس وزراء !

أدخلت كل من إيطاليا واليابان في فترة التسعينات الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد لأنظمتها الانتخابية في محاولة لتشجيع سياسة الحزبي. ومنذ ذلك الحي حصلت تغييرات متكررة لرؤساء الوزراء في كلا البلدين. يعالج اختصاصي العلوم السياسية ايكيا تومواكي أوجه الشبه والاختلاف في طريقة عمل النظم السياسية في البلدين.

كثيرا ما لوحظ أنه لدى السياسة اليابانية والإيطالية أوجه تشابه يرجع تاريخها إلى عدة عقود. ففي عام ١٩٥٥ اندمج حزبين اثنين من الأحزاب المحافظة في اليابان لتشكيل الحزب الليبرالي الديمقراطي، وتم توحيد الاشتراكيين اليساريين واليمينيين في الحزب الاشتراكي الياباني. وكانت هناك آمال من أن تؤدي هذه التكتلات إلى نظام سياسي يتألف من حزبين بحيث يتم التناوب على السلطة بين الطرفين وبتواتر معقول. ولكن في الواقع، كان الوضع مختلفا حيث أنه في السنوات التي تلت اكتسب المحافظون حوالي ضعف عدد المقاعد البرلمانية التي حاز عليها الاشتراكيون، وتم تشكيل ما أطلق عليه لاحقا ”نظام الحزب والنصف“، حيث لم يخسر الحزب الليبرالي الديمقراطي السلطة أبدا أمام الحزب الاشتراكي الياباني.

وقد ظهرت حالة مماثلة في نفس الوقت تقريبا في إيطاليا. حيث لم تنتقل السلطة أبدا من أيدي الحزب الديمقراطي المسيحي إلى الحزب الشيوعي الإيطالي، ولا يبدو وجود أي احتمال من حدوث العكس في المستقبل. فقد جاء رؤساء الوزراء وذهبوا، وتمت التعديلات الوزارية، لكن الحزب الديمقراطي المسيحي ظل دائما في السلطة بعد الانتخابات الوطنية. وأدى هذا إلى إيحاءات مفادها أن نظام الحزبين في ايطاليا منقسم وبدت المخاوف، كما هي الحال في اليابان، من ظهور فساد ناجمٍ عن بقاء السلطة في طرف واحد لفترة طويلة من الزمن.

ارتفاع سرعة وتيرة تغيير رؤساء الوزراء بعد الإصلاحات الانتخابية في التسعينات

جلبت المطالبات المتزايدة للإصلاح السياسي تغييرات في النظم الانتخابية في كلا البلدين وكان ذلك تقريبا في نفس الوقت عام ١٩٩٣ في إيطاليا و١٩٩٤ في اليابان. وعلى الرغم من الاختلاف في بعض التفاصيل، فقد اعتمدت كل من إيطاليا واليابان نظماً تقوم أساساً على مبدأ الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد ”الفوز للأكثر أصواتا“، مع مجموعات صغيرة من المقاعد المخصصة على أساس التمثيل النسبي. لذا فقد كان من المتوقع إدخال الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد لتعزيز سياسات الحزبين، وبالتالي تحقيق الهدف من انتقال السلطة دوريا بين الطرفين.

وأصبح تغير رؤساء الوزراء الإيطاليين واليابانيين كثيرا في السنوات الأخيرة، وهذا أيضا ما يستشهد به على أنه أحد أوجه التشابه بين الأنظمة السياسية في البلدين. فمنذ حكومة كارلو شيامبي في إبريل/ نيسان ١٩٩٣ حتى حكومة انريكو ليتا الحالية التي شكلت في ابريل/نيسان عام ٢٠١٣، تناوب على السلطة ١٣ حكومة و ٨ رؤساء وزراء في إيطاليا. أما في اليابان، فمن حكومة رئيس الوزراء موريهيرو هوسوكاوا الذي تولى منصبه في اغسطس/آب ١٩٩٣ إلى حكومة رئيس الوزراء الحالي آبي التي شكلت في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٢، تناوب على السلطة ١٨ حكومة و ١٣ رئيس وزراء.

إذا نظرنا فقط إلى فترة تنفيذ النظام الانتخابي الحالي في اليابان (في انتخابات مجلس النواب لعام ١٩٩٦)، نكون قد بدأنا بحكومة رئيس الوزراء ريوزتارو هاشيموتو التي شكلت في نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩٩٦، لنجد أن ما مجموعه ١٤ حكومة و ١٠ رؤساء وزراء قد تناوبوا على السلطة حتى اليوم، وفي المقابل ١٠ حكومات و٦ رؤساء وزراء خلال الفترة نفسها في إيطاليا.

وهكذا فانّ معدل تغير قادة الحكومة في اليابان وإيطاليا هي أعلى بكثير مما كانت عليه الحال في الديمقراطيات البرلمانية الأخرى مثل ألمانيا أو بريطانيا. حيث انّه من عام ١٩٩٣ حتى وقتنا الحاضر، استلم منصب الحكم في ألمانيا ثلاثة مستشارين فقط (هيلموت كول، جيرهارد شرودر، وأنجيلا ميركل)، في حين شهدت بريطانيا تولي أربعة رؤساء وزراء (جون ميجور، توني بلير، غوردون براون، وديفيد كاميرون) . لماذا شهدت اليابان وإيطاليا العديد من التغييرات القيادية؟ 

ولعل هنالك فارق واحد مهم يستشهد به العديد وهو دور مجلس المستشارين/ الشيوخ في هذه البلدان ذات المجلسين التشريعيين. حيث يمثل المجلس الاتحادي الألماني (بوندس رات) ١٦ ولاية في البلاد (الولايات الاتحادية) على المستوى الوطني، أما صلاحيات مجلس اللوردات البريطاني فهي محدودة جدا. وبالتالي لا يتمتع مجلس الشيوخ في كلا البلدين بالقدرة على إخراج رئيس الحكومة من منصبه.

أمّا في اليابان، فإذا تم رفض مشروع  قانون أو تنقيحه من خلال إضفاء تعديلات عليه وسبق وان أقره مجلس النواب أو لم يتصرف به في غضون ٦٠ يوماً من قبل مجلس المستشارين، فإن مجلس النواب قادر على تمرير القانون مرة أخرى فقط بموافقة ثلثي أعضاءه. وعلى الرغم من امتلاك مجلس النواب أفضلية محددة في الدستور، فإن اشتراط أغلبية الثلثين هو عقبة يصعب تخطيها، وهذا يعني أن مجلس الشيوخ يتمتع في الواقع بقوة كبيرة. اما في إيطاليا، فيتساوى المجلسان في القدرة على التشريع، وبحيث لا يمكن تشكيل الحكومة دون الحصول على موافقة الأغلبية من كليهما. وبالتالي فإن مجلس الشيوخ قوي نسبيا في كل من اليابان وإيطاليا. ومع ذلك، فهل هذا وحده هو السبب في التغييرات المتكررة لرؤساء الوزراء في البلدين؟

تغييرات متكررة في الحكومة الإيطالية

بعد إدخال النظام الانتخابي الجديد في إيطاليا، تم التصويت على تشكيل حكومة ائتلاف يمين وسط في انتخابات عام ١٩٩٤، بعد ذلك بعامين حقق ائتلاف يسار الوسط النصر في انتخابات عام ١٩٩٦، وعاد ائتلاف يمين الوسط إلى السلطة في عام ٢٠٠١. لكنه في عام ٢٠٠٥ حيث تم تغيير نظام التصويت مرة أخرى، وإدخال التمثيل النسبي مع قسط الأغلبية.

عاد يسار الوسط الى السلطة في الانتخابات التي جرت في عام ٢٠٠٦، ثٌّم عاد يمين الوسط مرة أخرى عام ٢٠٠٨. وهكذا جلبت كل انتخابات جرت تغييرا في الائتلاف الحاكم، وبالتالي فإن رئيس الوزراء تغير بشكل طبيعي في كل مرة. كما طرأت تغييرات على تشكيل الحكومة عقب الانتخابات ولعل هذه هي النتيجة المرجوة من إصلاح النظام الانتخابي. ولكن المشكلة تكمن في أن الانتخابات جرت ضمن فترات أقصر من مدة الخمس سنوات وهي الفترة المحددة لانتخاب المشرعين. وقد جلبت المساواة بين المجلسين البرلمانيين في ايطاليا عدم الاستقرار إلى منصب رئيس الوزراء، وأصبحت هذه المشكلة أكثر وضوحا في أعقاب تغيير النظام الانتخابي في عام ٢٠٠٥.

ويوزع النظام الجديد المقاعد على أساس النسبة المئوية من الأصوات الفائزة، ولكن من أجل ضمان قدر أكبر من الاستقرار، يحصل الحزب (أو الائتلاف) الحائز على أكبر عدد من الأصوات على مقاعد إضافية استثنائية. ويوجد في مجلس النواب الإيطالي ٦٣٠ مقعداً، يعطى منها ٣٤٠ مقعد للحزب (أو الائتلاف) الذي يفوز بأكثرية الأصوات. ولكن من الصعب الفوز بأغلبية مستقرة في مجلس الشيوخ، حيث يتم تخصيص مقاعد الدرجة الأولى على أساس إقليمي. فعندما شكل رئيس الوزراء رومانو برودي الحكومة بعد انتخابات عام ٢٠٠٦، تفوق ائتلافه على المعارضة باثنين فقط من المقاعد في مجلس الشيوخ، لذلك كان باستطاعة حزب صغير إسقاط الحكومة في عام ٢٠٠٨ بواسطة ثلاثة مقاعد فقط عندما خرج من الائتلاف. كما فاز ائتلاف يسار الوسط في عام ٢٠١٣، لكنه لم يتمكن من الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ، واستغرق تشكيل حكومة ائتلافية مدة شهرين.

 تنصيب حكومة تكنوقراط لتجنب الأزمات

غيّرت إصلاحات النظام الانتخابي لعام ١٩٩٣ قواعد اللعبة في السياسة الإيطالية، وأعقب ذلك تغييراً في اللاعبين أيضا، مع فض الحزب الديمقراطي المسيحي في عام ١٩٩٤ وزوال الأحزاب التقليدية الأخرى، التي حلت محلها حركة فورزا ايطاليا والأحزاب الجديدة الأخرى. واعتبر هذان التغييران بمثابة انتقال من ”الجمهورية الأولى“ إلى ”الجمهورية الثانية“. لكّن الإصلاحات، مع ذلك لم تضع حدا لتعدد الأحزاب السياسية. وقد شجعت القوانين الانتخابية لعاميّ ١٩٩٣ و ٢٠٠٥ أحزاباً مختلفة على تشكيل تحالفات، مما أدى إلى تشكيل تجمعات يسار الوسط ويمين الوسط. وربما يعتبر هذا تحسنا في بعض النواحي، ولكنها نتيجة لا تزال بعيدة عن نظام الحزبين.

حيث يمكن فض ائتلافات الأحزاب السياسية بسهولة، وهذا بالضبط ما حدث في عام ٢٠٠٨ وبمناسبات أٌخرى فعندما لا يكون هناك انتخابات بعد استقالة الحكومة، يصبح اختيار رئيس وزراء جديد أمراً مزعجاً للغاية. ولعل الرئاسة عادة تلعب دوراً هاماً في هذه الحالة، فهم بمثابة المحكمين حيث تُسَّمي رئيس وزراء جديد بعد التشاور مع قادة الأحزاب للتوصل إلى اتفاق. سيما وانّه لا يتعين على رئيس الوزراء والوزراء أن يكونوا أعضاءً في البرلمان، وقد كانت هناك حالات حيث تم تسمية غير الأعضاء لتشكيل حكومة بغية تجنب أزمة سياسية. فمنذ حكومة تشامبي كارلو في عام ١٩٩٣، شهدت إيطاليا أربعة رؤساء وزراء لم يكونوا أعضاء في البرلمان.

وفي الحقيقة، حكومات لامبرتو ديني (١٩٩٥-٩٦) وماريو مونتي (نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١١- ابريل/نيسان ٢٠١٣) مشكلة بالكامل من وزراء ليس لهم مقاعداً في البرلمان. حيث تهدف حكومات التكنوقراط هذه لتنفيذ أهداف سياسية محددة، وتكون بمثابة حكومات مؤقتة.

وبالطبع، فإنها لا تبقى في السلطة لفترة طويلة. ولاستنباط الحكم من النقاط التي أشرت لها أعلاه، تبدو أن التغييرات المتكررة لرؤساء الوزراء في إيطاليا هي نتيجة لمجموعة عوامل: أدت الى المساواة في قدرة مجلسي البرلمان على التشريع، والنمو في عدد الأحزاب والى عدم الاستقرار الناتج عن الحكومات الائتلافية المتباينة، وتعيين رؤساء وزراء تكنوقراط وإلى انتخابات أكثر تواترا، سيما وانها النتيجة المرجوة من إصلاح النظام الانتخاب، وهكذا فقد أدت كل جولة انتخابية إلى تغيير الأحزاب في السلطة، وهذا يعني رئيس وزراء جديد.

 الباب الدوار في مكتب رئيس الوزراء الياباني

في اليابان، أطاح ائتلاف أحزاب المعارضة بالحزب الليبرالي الحاكم لمدة طويلة وذلك بعد الانتخابات العامة لعام ١٩٩٣. ومع هذا، فقد عاد الليبراليين إلى السلطة في العام التالي من خلال تشكيلهم تحالفاً مع الاشتراكيين، خصومهم التقليديين. في ذلك الوقت، حيث وافق الحزبان على تولي الزعيم الاشتراكي تومتشي موراياما السلطة ليصبح رئيساً للوزراء، ولكن في عام ١٩٩٦ استعاد الحزب الليبرالي منصب رئيس الوزراء الذي تولاه رئيس الحزب آنذاك ريوتارو هاشيموتو حيث حافظ الحزب الليبرالي على السلطة في حكومات ائتلافية متعاقبة في ظل النظام الانتخابي الجديد وذلك حتى الانتخابات العامة التي جرت عام ٢٠٠٩، حين جاء الحزب الديمقراطي الذي أبعده عن السلطة. هذا وتندر تغييرات الأحزاب الحاكمة في اليابان بالمقارنة مع إيطاليا. فعلى الرغم من تشكل الحكومات اليابانية من قبل الائتلافات، فانّ عدد الأحزاب في كل ائتلاف هو أصغر بكثير وأقل تقلباً من إيطاليا. وعلاوة على ذلك، لم يكن هناك أي أمثلة على حكومات شكلها التكنوقراط الغير المنتخبين. ومع ذلك، فانه كثيرا ما تغير رؤساء الوزراء بشكل دوري أكثرمن إيطاليا.

 لماذا حدث هذا الأمر؟ وهل تسببت السلطة التي يتمتع بها مجلس المستشارين / الشيوخ في كثرة تغيير رؤساء الوزراء؟ تجرى انتخابات مجلس المستشارين بانتظام كل ثلاث سنوات، والتي تحدث عادة في الفترات الفاصلة بين الانتخابات العامة لمجلس النواب ( الذين يتم انتخاب أعضاءه لمدة أربع سنوات)، ومن المؤكد أن يكون لنتائج هذه الانتخابات تأثير على ادارة المشهد السياسي. فعلى سبيل المثال، وفي أعقاب هزيمة الحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ عام ١٩٩٨، اضطر رئيس الوزراء هاشيموتو إلى الاستقالة في منتصف طريق ولايته الانتخابية. حتى عندما لا يستقيل رئيس الوزراء، يمكن لهزيمة في انتخابات مجلس المستشارين إضعاف القاعدة السياسية للإدارة. لا سيما اذا كانت ”الحكومة منقسمة“، ايّ يفتقر الحزب الحاكم أو الائتلاف إلى الأغلبية في مجلس الشيوخ، وقد يسبب هذا الانقسام عدم استقرار في الإدارة الحكومية ويضعف سلطة رئيس الوزراء.

كما ظهر في السنوات الأخيرة، مما دفع بكلٍّ من آبي (الذي خدم فترة ولايته الأولى كرئيس للوزراء ٢٠٠٦-٢٠٠٧) ، وياسو فوكودا (الحكومة التي خلفت آبي ، ٢٠٠٧-٢٠٠٨) ، ورئيس وزراء ورئيس الحزب الديمقراطي الياباني آنذاك ناوتو كان ( ٢٠١٠-٢٠١١) للتخلي عن مناصبهم عندما كانت الحكومة منقسمة. ولعل تواجد حكومات منقسمة ومجلس شيوخ قوي، مع ذلك، لا يفسر تماما سبب تغيير رؤساء الوزراء بهذا الشكل المتكرر في اليابان والأكثر مما هو عليه الأمر في إيطاليا. فقد ترك ايضاً كل من رئيس الوزراء موري يوشيرو (٢٠٠٠-٢٠٠١)، وكويزومي جونئيتشيرو (٢٠٠١-٢٠٠٦)، ورئيس الوزراء عن الحزب الديمقراطي يوكيو هاتوياما ( ٢٠٠٩-٢٠١٠) مكتب رئاسة الوزراء في وقت لم تكن فيه الحكومة منقسمة.

الأثر السلبي لتغيير رؤساء الوزراء داخل الحزب الحاكم

ربما تكون الحلقة المفقودة في هذا التحليل تأثير اللوائح الداخلية في الحزب الليبرالي في تقصير مدة ولاية رؤساء الوزراء. حيث حُدِّدت مدة ثلاث سنوات لرئاسة الحزب الليبرالي (كانت عامين فقط حتى عام ٢٠٠٣). في نهاية الولاية، يتوجب عندها على الرئيس أن يسعى لإعادة انتخابه أو التنحي حتى لو كان يشغل منصب رئيس الوزراء خلال دورته الانتخابية، وهذه هي الحال عموماً. وقد جادل البعض حول وجوب فصل وظيفتي رئيس الحزب ورئيس الوزراء ولكن حتى الآن لم يتحقق هذا. والوضع كما هو في الوقت الحاضر، فاذا ما فشل رئيس الوزراء بالفوز في إعادة انتخابه كرئيس للحزب فان ذلك سيؤدي إلى فقدانه منصب رئاسة الوزراء أيضاً.

وبالتالي فإن الحزب الذي يخرج معظم رؤساء وزراء اليابان لديه آلية خاصة لاستبدالهم بانتظام. مثال على ذلك هو تاكيو فوكودا، الذي خسر الانتخابات الرئاسية في الحزب الليبرالي في عام ١٩٧٨ واضطر إلى الاستقالة من منصب رئيس الوزراء. وإن كانت هناك أي حالات مماثلة في السنوات الأخيرة، فمن الغريب جداً للحزب الحاكم سحب البساط من تحت زعيمه بهذا الشكل، وهذا يظهر عدم احترام إرادة الأحزاب الأخرى في الائتلاف الحاكم والشعب عموماً.

ولجعل الأمور أسوأ، تنص قواعد الحزب أنه إذا استقال رئيس الحزب الليبرالي في منتصف فترة ولايته، فإن ولاية الرئيس الجديد هو فقط ما تبقى من فترة سلفه. وهناك أيضا قاعدة تنص على أنه لا يمكن للرؤساء الاستمرار أكثر من ولايتين على التوالي. وبالتالي فإن القيود المفروضة على قادة الحزب الليبرالي من قبل حزبهم قاسية للغاية. لذا لم يكن لدى كويزومي، الذي كان لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة جداً عندما تنحى كرئيس للوزراء في نهاية ولايته الثانية كرئيس للحزب في عام ٢٠٠٦، الخيار للسعي وراء ولاية أخرى في تلك المرحلة (لنترك جانبا مسألة فيما إذا كان يريد البقاء).

اما في بريطانيا، على سبيل المقارنة، فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء مارغريت تاتشر اضطرت إلى ترك منصبها عندما صوت المحافظين لها للخروج كزعيم للحزب في عام ١٩٩٠، فقد كان هذا بعد أن قادت البلاد لأكثر من ١٠ أعوام. حيث يجري حزبا المحافظين والعمل انتخابات القيادة، بشكلٍ طبيعي، ولكن لا يوجد ولايات محددة للقادة. وفي ألمانيا، فانه لدى قادة الحزب فترات ولايات ثابتة، وأحيانا يتم التصويت ضدهم، ولكن منصب رئيس الحزب لا يرتبط بالضرورة مع منصب المستشار. على سبيل المثال، خدم جيرهارد شرويدر كمستشار (١٩٩٨-٢٠٠٥) دون أن يكون رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

لكن في اليابان، غالبا ما تكون هناك حساسية داخل الأحزاب الحاكمة، والتي تؤدي إلى مطالب من الأعضاء البرلمانيين في الحزب الحاكم تسعى لتنحي رئيس الوزراء (وهذا لا يقتصر على الحزب الليبرالي ولكن كان ينظر أيضا في الحزب الديمقراطي الياباني عندما كان في السلطة). ومن المفترض أن يدعم هؤلاء الأعضاء زعيم حزبهم الحاكم. وبدلا من ذلك، يعمل هؤلاء على التحريض لإسقاط الحكومة، لذلك فليس من المستغرب أن تفتقر الحكومات الى الاستقرار. لذا يمكن القول أن عمر أي رئيس وزراء متوقف على دعم أعضاء حزبه.

 وحدة الحزب وكفاءة اداء رئاسة الوزارة

بما أن تغير رؤساء الوزراء يحدث على وتيرة متسارعة في اليابان وإيطاليا، هناك دعوات في كلا البلدين لإضعاف سلطة مجلس الشيوخ. وقد شكلت ايطاليا بالفعل لجنة للنظر في تعديل الدستور وبدأت المداولات. ولكن حتى لو ألغت إيطاليا السلطة التشريعية في المجلسين، وحولتها إلى نظام مجلس واحد، فانّه لن يتوقف التغير المتكرر لرؤساء الوزراء طالما بقيَ عدد الأحزاب السياسية مرتفعاً جدا. وبالمثل في اليابان، فإن الوضع لن يتغير طالما تجري انتخابات قيادة الحزب الحاكم بشكل دائم ويستمر أعضاء الحزب في المطالبة بتنحي رؤساء الوزراء. لذا فمن أجل بقاء رؤساء وزراء اليابان في منصبهم لفترة أطول، فقد يكون من المهم إصلاح مؤسسة مجلس الشيوخ، ولكن ما هو أكثر أهمية هو تحقيق الوحدة داخل الحزب من جانب والذي يشغل زعيمه منصب رئيس الوزراء وبين هذا الحزب والأحزاب الأخرى في الائتلاف من جانب آخر وبطبيعة الحال، فمن الحيوي أيضا أن يتمتع رئيس الوزراء بدرجة عالية من الكفاءة في إدارة حزبه والائتلاف الحاكم من أجل المضي قدما في جدول الأعمال السياسي .

رؤساء الوزراء في اليابان وإيطاليا منذ عام ١٩٩٣
(تاريخ تولي المنصب بالشهر ايضاً)

اليابانإيطاليا
١٩٩٣ هوسوكاوا موريهيرو ( أغسطس/آب) كارلو شيامبي * (أبريل/نيسان)
١٩٩٤ هاتا تسوتومو (أبريل/نيسان) موراياما توميتشى (يونيو/حزيران) سيلفيو برلسكوني (مايو/أيار)
١٩٩٥   لامبرتو ديني * (يناير/ كانون الثاني)
١٩٩٦ هاشيموتو ريوتارو (يناير/كانون الثاني) رومانو برودي (مايو/أيار)
١٩٩٨ أوبوشي كيزو (يوليو/تموز) ماسيمو داليما (أكتوبر/تشرين الأول)
٢٠٠٠ موري يوشيرو (أبريل/نيسان) جوليانو أماتو * (أبريل/نيسان)
٢٠٠١ كويزومي جونتشيرو (أبريل/نيسان) سيلفيو برلسكوني (يونيو/حزيران)
٢٠٠٦ آبي شينزو (سبتمبر/أيلول)

رومانو برودي (مايو/أيار)

٢٠٠٧ فوكودا ياسو (سبتمبر/أيلول)
٢٠٠٨ آسو تارو (سبتمبر/أيلول)

سيلفيو برلسكوني (مايو/أيار)

٢٠٠٩ هاتوياما يوكيو (سبتمبر/أيلول)
٢٠١٠ كان ناوتو (يونيو/حزيران)
٢٠١١ نودا يوشيهيكو (سبتمبر/أيلول) ماريو مونتي * (نوفمبر/تشرين الثاني)
٢٠١٢ ابي شينزو (ديسمبر/كانون الأول)  
٢٠١٣   انريكو ليتا (أبريل/نيسان)

* ليس عضوا في البرلمان.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، في ١٩ يوليو/تموز ٢٠١٣، عنوان الصورة: رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي [الثاني من اليسار] وانريكو ليتا إيطاليا [الثاني من اليمين] في قمة G8 في ايرلندا الشمالية في ١٨ يونيو/حزيران ٢٠١٣، [الصورة مقدمة من AP / AFLO])

 

السياسة الدستور مجلس النواب مجلس المستشارين إيطاليا الحزب الليبرالي الديمقراطي