تأملات حول ٦٠ عاماً من المساعدات الإنمائية الرسمية اليابانية

آثار التغير الاجتماعي: الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمساعدات الإنمائية الرسمية اليابانية

سياسة اقتصاد

في نفس الوقت الذي تتجه فيه مجموعاتٌ عدة وعلى نحوٍ متزايد بأنشطتها من استثمار وتمويل نحو الدول النامية عبر قطاعات متعددة في المجتمع، تُشكل المساعدة الإنمائية الرسمية جزءاً صغيراً من الموارد المتدفقة إلى المناطق الأقل نمواً. والمتطلعة نحو المستقبل، يهتم ”كيتانو ناؤهيرو“ نائب مدير معهد بحوث الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) بالدور الذي ينبغي أن تلعبه المساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية وهي تتحرك للأمام.

يصادف هذا العام حلول الذكرى الستين لإطلاق برنامج اليابان للمساعدة الإنمائية الرسمية عام ١٩٥٤. وفي السنوات الأخيرة، تم توجيه دفعة قوية ومتزايدة من الاستثمار والتمويل المتنوع نحو الدول النامية لمواجهة التحديات وتلبية الحاجات الاقتصادية التي تزداد تعقيدا وصعوبة والتي تواجه هذه الأمم لكن نرى أيضاً إلى جانب المساعدة الإنمائية الرسمية الممنوحة من دول العالم المتقدمة ارتفاعاً لقيمة التمويل المقدم من البلدان الصناعية الجديدة لا سيما رأس المال الخاص مثل الاستثمار المباشر من قبل شركات القطاع الخاص وكذلك المنح المقدمة من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات. ولذا عوضاً عن اختصار دورها في توفير التمويل والتكنولوجيا إلى الدول النامية بما يتماشى مع تجربة الماضي فإن اليابان تحتاج الآن لتجميع جهود المساعدة الإنمائية الرسمية الحكومية مع قوى القطاع الخاص، وتحديداً الشركات والمجتمع المدني بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات، بحيث يمكن للمساعدة الإنمائية الرسمية أن تلعب دورا متزايد الأهمية باعتبارها أحد حوافز التغيير الاجتماعي في الدول النامية.

وفي هذه المقالة سوف أنظر إلى أمثلة مختلفة من برامج المساعدة الإنمائية الرسمية بغية إعطاء لمحة عامة عن الإنجازات والاتجاه الحالي للمساعدة الإنمائية في اليابان. وهو ما سيؤكد على الدور الذي تلعبه المساعدات الإنمائية الرسمية اليابانية كونها حافزا لبذل جهود في مختلف أطر المساعدة الإنمائية الدولية، مثل الأهداف التنموية للألفية التي أقرت عام ٢٠٠٠، وجدول أعمال التنمية لفترة ما بعد عام ٢٠١٥، العام المستهدف لتحقيق الأهداف التنموية للألفية.

اليابان الرابعة على مستوى العالم في المساعدات الإنمائية الإنساني

يُظهر الرسم البياني مقارنة المبالغ الصافية(*١) للمساعدة الإنمائية الرسمية المقدمة من الدول الرائدة الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مع تقدير(*٢) مقارن للمساعدات الخارجية الصينية. وكما يوضح الرسم البياني، كان اليابان المتبرع الرئيسي خلال عام ٢٠٠٠ ولكنها تراجعت إلى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في الفترة من ٢٠٠١ وحتى ٢٠٠٥. ثم جاءت بعد بريطانيا في ٢٠٠٦ وبعد كل من ألمانيا وفرنسا في ٢٠٠٧، وظلت في المرتبة الخامسة خلال ٢٠١٢. في العام الماضي صعدت إلى المرتبة الرابعة متقدمة على فرنسا. في تلك الأثناء، عززت الصين من مساعداتها الخارجية بما يعادل حوالي عشرة أضعاف خلال الـ١٢ عاماً من ٢٠٠١ وحتى ٢٠١٣ وتحتل الآن المرتبة السادسة عالميا بين الدول المانحة. هذا مؤشر على الدور المتزايد الذي تلعبه الاقتصادات الناشئة في توفير التمويل للبلاد النامية.

وقد شهدت المعدلات للأعوام من ٢٠١٠-٢٠١٢ أرقاما للمساعدة الإنمائية الرسمية تقدر بحوالي ٢٦٪ من الموارد لمتدفقة من قبل الدول المانحة الرئيسية (DAC) إلى العالم النامي، هذا إلى جانب نسبة ٦٦٪ قادمة من التدفقات الخاصة و٦٪ من المنح الخاصة. ولعل القضايا الرئيسية بالنسبة لليابان وغيرها من الدول المتقدمة في هذه المرحلة هي كيفية تعزيز القدرات التحفيزية للمساعدة الإنمائية الرسمية، وكيفية التأكد من أن آثار كل من المساعدة الإنمائية الرسمية والتدفقات الخاصة متوافقة ومستدامة في إطار تعزيز التنمية.

المساعدة الإنمائية الرسمية في آسيا وغيرها

لقد قامت اليابان بتوفير قروض المساعدة الإنمائية الرسمية لما يقرب من نصف قرن، وشكلت هذه القروض جزءاً كبيراً من المساعدات التي قدمتها. وكان المتوسط من عام ٢٠١٠ حتى عام ٢٠١٢ تظهر تشكيل القروض نسبة ٥١٪ من جميع المساعدات الإنمائية الرسمية الثنائية متفوقةً بذلك على كل من المنح التي تشمل التعاون التقني. وخلال نفس هذه السنوات الثلاث، ذهبت نسبة ٦٥٪ من المساعدات اليابانية إلى دول في آسيا، و٢٠٪ إلى أفريقيا، و٦٪ إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، و٤٪ إلى الشرق الأوسط. وحصلت الدول ذات الدخل المتوسط على نسبة ٧٣٪، وذهبت النسبة المتبقية ٢٧٪ إلى الدول ذات الدخل المنخفض والدول الأقل نمواً. كما تم تخصيص جزء كبير نسبيا من الإقراض، ٤٥٪ لدعم البنية التحتية الاقتصادية مثل المواصلات وبرامج الطاقة، مع توجيه نسبة ٢٦٪ نحو البنية التحتية الاجتماعية مثل بناء المدارس والمستشفيات، وشبكات المياه والصرف الصحي(*٣). أما قروض المساعدة الإنمائية الرسمية الموجهة لدعم البنية التحتية الاقتصادية فهي تُمنح على نحو خاص إلى الدول الآسيوية ذات الدخل المتوسط، بينما تذهب المساعدة الإنمائية الرسمية الموجهة إلى البنية التحتية الاجتماعية في البلدان الأقل نمواً كالبلاد الواقعة جنوب شرق آسيا وأفريقيا.

وعند الحديث عن مشاريع محددة، فقد أسهمت المساعدة الإنمائية الرسمية في آسيا على تمويل بناء الموانئ ومشاريع البنية التحتية الأخرى على امتداد الساحل في شرق تايلاند وشمال فيتنام. حيث لعبت تلك المشاريع دوراً كعامل محفز للتنمية في هذه المناطق عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من القطاع الخاص، مما أدى إلى تشكيل التجمعات الصناعية الإقليمية، تحسين التجارة، وخلق فرص العمل. كما أسهمت المساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية أيضاً في بناء مطارات في عواصم كل من منغوليا، كازاخستان، فيتنام، تايلاند، ماليزيا، سريلانكا. سيما وأن التطرق إلى المساعدة التقنية بالاعتماد على تجربة اليابان ساعد أيضا فيتنام على تحسين نظمها القانونية، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة والقطاع المصرفي وساعد كذلك البنك المركزي في ميانمار في إنشاء نظام دفع وتسوية حديث.

أما في أفريقيا، فقد تم اعتماد مشروع التعاون التقني الياباني لتحسين تعليم الرياضيات والعلوم في كينيا كنموذج لمشاريع مماثلة في ١٤ دولة أخرى في القارة. وهناك أيضاً مشروعات جارية في أثيوبيا، أحدها يعمل على تحقيق محادثات رفيعة المستوى بين الحكومة الأثيوبية واليابان بهدف وضع السياسات الصناعية، بينما يهدف الآخر إلى زيادة الجودة والإنتاجية في التصنيع من خلال إدخال ”كايزن“، وهي تقنية إدارة يابانية لتحقيق تحسينات تدريجية مستمرة.

تشكيل جدول أعمال التنمية بعد عام ٢٠١٥

ويجدر القول إن الأهداف الإنمائية للألفية تُعتبر رمزا للجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لتعزيز التنمية العالمية، مما أدى إلى صياغة مجموعة واسعة من البرامج التي تعالج هذه الأهداف التنموية مثل خفض معدلات الفقر المدقع بمقدار النصف بحلول عام ٢٠١٥ وخفض وفيات الأمهات والرضع. وظلت اليابان تشارك عن قرب في التعاون العالمي، على سبيل المثال، تعهدت في قمة الأمم المتحدة للأهداف الإنمائية للألفية عام ٢٠١٠ بالمساهمة بمبلغ ٥ مليار دولار لصالح مشاريع للصحة العالمية و٣.٥ مليار دولار لصالح التعليم على مدى خمس سنوات اعتبارا من عام ٢٠١١. وقد تم رفع المساعدات التنموية اليابانية التي تقاس كحصة من الدخل القومي الإجمالي بزيادة تصل إلى ٠.٢٣٪ عام ٢٠١٣ بعد أن كانت ٠.١٧٪ في العام الماضي. إلا أن هذا الرقم لا يزال أقل من المستوى المستهدف والمشترك لدول DAC الذي يمثل ٠.٧٪، وبهذا القياس تأتي اليابان في المرتبة الثامنة عشر بين دول الـ DAC وعددها ٢٨ دولة.

وبينما يقترب الموعد النهائي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، انتقلت المناقشة في الأمم المتحدة وكذلك بين أعضاء المجتمع الدولي الأوسع نحو وضع أهداف جديدة لجدول أعمال التنمية لما بعد عام ٢٠١٥. وقد تبنت اليابان، كجزء من النقاش الذي يهدف إلى وضع إطار لهذه الأجندة، وجهة نظر ضمان الأمن الإنساني(*٤)، مؤكدةً على عدة مفاهيم أخرى مثل أهمية التأمين الصحي الشامل، تعميم الحد من مخاطر الكوارث الريئسية، وإنشاء المدن المستدامة(*٥).

وفيما يلي أقدم بعض الأمثلة عن كيفية اتحاد المساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية مع الجهود التي يبذلها القطاع الخاص والمجتمع المدني للعمل معا كمحفز على القضايا المتعلقة بالأهداف الإنمائية للألفية وجدول أعمال التنمية بعد عام ٢٠١٥.

تجنيد الصناديق الخاصة للحملة ضد شلل الأطفال

ويوجد جانب هام من جوانب خفض وفيات الأطفال هو القضاء على شلل الأطفال، وهو مرض يمكن أن يصيب في أي سن ولكن بالأساس يؤثر على الأطفال دون سن الخامسة من العمر. ومنذ إطلاق المبادرة العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال من منظمة الصحة العالمية عام ١٩٨٨، ساعدت الجهود اليابانية في القضاء على المرض في الصين، وتم القضاء عليه هناك تماماً عام ٢٠٠٠(*٦)، ولَعِبَت دوراً هاماً في حملة إبعاد المرض عن منطقة غرب المحيط الهادئ. واليوم لا يزال شلل الأطفال متوطنا في ثلاث دول فقط هي: باكستان وأفغانستان ونيجيريا. وكجزء من المبادرة العالمية، عام ٢٠١١ قدمت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا، هيئة تنفيذ المساعدة الإنمائية الرسمية من الحكومة اليابانية) قروض المساعدة الإنمائية الرسمية لمشروع يهدف إلى القضاء على المرض في باكستان.

وكان هذا البرنامج مبتكرا في تجنيد المانحين من القطاع الخاص لتعزيز فعالية قرض المساعدة الإنمائية الرسمية المقدم من قبل جايكا. باستخدام ما يشار إليه بوصفه آلية ”تحويل القرض“، وقد وافقت مؤسسة ”بيل وميليندا غيتس“ على سداد الأموال لجايكا نيابة عن الحكومة الباكستانية إذا تم تنفيذ المشروع بنجاح. وبالإضافة إلى القرض، قدمت اليابان المنح والمساعدات الفنية من خبراء جايكا، ومن خلال العمل جنباً إلى جنب مع البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة في تنفيذ حملة تطعيم وطنية على مدار أكثر من عامين اعتبارا من عام ٢٠١١. وكانت الحملة ناجحة في زيادة معدلات التطعيم في البلاد وتلبية أهداف أخرى، في أبريل/نيسان ٢٠١٤، واعترافاً منها بإنجازات البرنامج، أعلنت مؤسسة ”غيتس“ رسميا عن خطط لتسديد القرض. اعتماداً على نجاح البرنامج في باكستان تم اتخاذه كنموذج، وأعلنت جايكا في مايو/ أيار ٢٠١٤ عن التوصل لاتفاق حول قرض مشابه مع مؤسسة غيتس وحكومة نيجيريا.

(*١) ^ تقاس المساعدة الإنمائية الرسمية إما بالقيمة الصافية أو الإجمالية، بشكل عام يستخدم الـ DACأرقاماً صافية.
(يتم احتسابها عن طريق طرح أقساط تسديد القرض من قبل البلدان المستفيدة من أصل المبلغ الإجمالي للمساعدات المقدمة). عند مقارنة المبالغ الصافية لكل البلدان، فسنجد أن تصنيف اليابان منخفض بسبب ارتفاع قيمة المبالغ الخاصة بسداد القرض التي تحصل عليها. كما تقاس بالأرقام الإجمالية، إلا أن اليابان صنفت الأولى خلال ٢٠٠١ واحتلت المرتبة الثانية خلال معظم الأعوام منذ ذلك الحين.

(*٢) ^ كيتانو ناؤهيرو وهارادا يوكينوري، ”تقدير المساعدات الخارجية الصينية من ٢٠٠١ إلى ٢٠١٣“ (ورقة عمل رقم . ٧٨، ٢٠١٤ الصادرة عن معهد أبحاث الوكالة اليابانية للتعاون الدولي)
http://jica-ri.jica.go.jp/ja/publication/workingpaper/estimating_chinas_foreign_aid_2001-2013.html.

(*٣) ^ تستند الحسابات على الأرقام الواردة في مراجعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD اليابان ٢٠١٤ (باريس: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD للنشر، ٢٠١٤)،
http://www.oecd.org/dac/peer-reviews/japan.htm، http://dx.doi.org/10.1787/9789264218161-en.

(*٤) ^ ”الأمن البشري“ يعني التركيز على الأفراد وبناء مجتمعات حيث يمكن للجميع العيش بكرامة من خلال حماية وتمكين الأفراد والمجتمعات التي تتعرض لتهديدات فعلية أو محتملة. (حكومة اليابان، ”السياسة المتوسطة الأجل بشأن المساعدة الإنمائية الرسمية في اليابان“، عام ٢٠٠٥.
(http://www.mofa.go.jp/policy/oda/mid-term/index.htmlhttp://www.oecd.org/dac/peer-reviews/Japan-peer-review-2014.pdfhttp://www.oecd-ilibrary.org/development/oecd-development-co-operation-peer-reviews-japan-2014_9789264218161-en

(*٥) ^ هدف التغطية الصحية الشاملة هو ضمان حصول جميع أفراد المجتمع على مجموعة واسعة من الخدمات الصحية المتلحة بأسعار معقولة. ”تعميم“ الحد من مخاطر الكوارث يعني وجود حكومات تعطي الأولوية لذلك، واعتبارها عنصراً من عناصر سياستها التنموية والتخطيط وزيادة الاستثمار فيها. http://www.mofa.go.jp/policy/oda/mid-term/index.html

(*٦) ^ شاهد أوكادا مينورو، ”تخليص قريتنا من مرض شلل الأطفال : التعاون الدولي والعمل العلمي على أرض الواقع في مقاطعة شاندونغ في الصين“ (أويتا وطوكيو: طباعة سايكي، ٢٠١٤).

تشجيع المشاريع الخاصة على المستوى المحلي

الأعمال اليدوية والحجر الأملس من غرب كينيا التي بيعت في متاجر موجي عام ٢٠١٣ (الصورة العليا). مجموعة المنتجين المشاركين في هذا المشروع ”قرية واحدة، منتج واحد“ قاموا برد الجميل إلى المجتمع من خلال استخدام جزء من أرباحهم لبناء مركز للرعاية النهارية ومكتبة. (الصور من إهداء ريووهين كيئيكاكو)

وكجزءٍ من المناقشة الدائرة في المجتمع الدولي حول جدول أعمال التنمية بعد عام ٢٠١٥ يجري التأكيد أيضاً على تدبير جهود التنمية مع المجتمع المدني والقطاع الخاص. ولعل أحد الأمثلة على الشركات الخاصة التي تعمل مع المساعدة الإنمائية الرسمية لأحداث تغير اجتماعي على المستوى المحلي في الدول النامية هو المشروع الممول من قبل جايكا في قرغيزستان والمسمى بـحركة ”قرية واحدة، منتج واحد (OVOP)“. حيث بدأت هذه الحركة في محافظة أويتا باليابان وتهدف إلى إحياء المجتمعات المحلية عن طريق مساعدة السكان في خلق منتجات للأسواق المحلية والدولية باستخدام مواد متوفرة محليا. وانتشر هذا النهج بالفعل إلى الصين وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا.

وقد ساعدت جايكا على إطلاق حركة ”قرية واحدة، منتج واحد“ في إقليم إيسيك كول في قرغيزستان عام ٢٠٠٧، وفي عام ٢٠١٠ شكَّل المنتجون المحليون تعاونية في إطار البرنامج. وقع اختيار برنامج تعاوني بين جايكا و”ريووهين كيئيكاكو“ الشركة اليابانية التي تدير سلسلة متاجر موجي الشهيرة على البرنامج في قرغيزستان وآخر في كينيا من أجل توفير المنتجات لحملة هدايا عيد الميلاد لعام ٢٠١١ الخاصة بسلسلة متاجر موجي. ومنذ ذلك الحين، عملت ريووهين كيئيكاكو كل عام مع التعاونية في قرغيزستان لإنتاج أجربة الهاتف المحمول الأصلية ومنتجات شعر أخرى للبيع في اليابان وأماكن أخرى وأخذت النسوة يُشكِلنَ أعدادا كبيرة من العاملين في التعاونية وذلك إضافة إلى المهارات والدخل المكتسب من خلال المبادرة التي تعمل على تحسين وضعهن داخل أسرهن والمجتمع الأوسع.

وبتشجيع من نتائج شراكتها مع جايكا، عملت ريووهين كيئيكاكو بشكل مستقل لتوسيع جهود تطوير المنتجات وخلق فرص العمل للبلدان الأخرى، مثل كمبوديا. وفي عام ٢٠١٣، أصبحت الشركة أول متجر تجزئة آسيوي ينضم إلى دعوة العمل التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والتي تسعى جاهدة لتعزيز نجاح الأعمال التجارية والتنمية المستدامة، وقدمت أيضا مع جائزة قادة الأعمال الشاملة من قبل مؤسسة التمويل الدولي التابعة لمجموعة البنك الدولي في نفس العام.

التعاون المحلي لإنشاء بنية تحتية خالية من العوائق

المجموعة الثالثة والأخيرة من الأمثلة التي أود أن أتعرض لها هي في مجال البنية التحتية. فإنشاء المدن المستدامة هو مفهوم واحد يتم أخذه في الاعتبار في جدول أعمال التنمية في مرحلة ما بعد ٢٠١٥. ولعل جانب هام من جوانب هذه الفكرة هو إنشاء أنظمة النقل العام التي تأخذ في الاعتبار تنوع احتياجات المجتمع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة، مع مفاهيم التصميم العالمية والخالية من العوائق التي تخدم للمساعدة في جعل مثل هذه الأنظمة حقيقة واقعة. حيث أن المساعدة الإنمائية الرسمية غالبا ما تعمل كحافز نحو تحقيق البرامج التي تهدف إلى مساعدة الأفراد المحرومين في المجتمع.

وكمثال على ذلك، هناك القرض الذي تم تقديمه إلى تايلاند لبناء أول خط لمترو الأنفاق في بانكوك، ويسمى الخط الأزرق. حيث قامت هيئة النقل السريع الكبرى في تايلاند بالتشاور وتبادل الأفكار مع المجموعات التي تمثل الأشخاص المعوقين في كل مرحلة من مراحل المشروع، بدءاً من التخطيط وحتى التنفيذ. وكان لدى هيئة النقل السريع الكبرى في تايلاند (MRTA) أيضا فنيون تلقوا دورات تدريبية في التصميم الخالي من العوائق والتي قدمها مركز تنمية آسيا والمحيط الهادئ المعني بالإعاقة (APCD)(*٧)) ومقره بانكوك. وقد وثقت المنظمتان علاقتهما مع نفس الهيئة في تايلاند، ومركز تنمية آسيا والمحيط الهادئ المعني بالإعاقة، لتشتمل على جولات من مواقع البناء الخاصة بالخط الأزرق من بين أشياء أخرى، كجزء من الدورات التدريبية هذه وغيرها من الجهود حيث مَكنت هيئة النقل السريع الكبرى في تايلاند من إقامة خطوط استرشاديه أصلية خالية من العوائق تحتوي على نقاط لم يتطرق لها القانون التايلاندي، مما أدى إلى تركيب معدات مثل السلالم المتحركة وحواجز الباب على أرصفة المحطة.

وقد استخدم أسلوب مماثل في السنوات الأخيرة في بناء الخط البنفسجي والخط الأحمر في بانكوك، وكذلك في مشاريع السكك الحديدية التي تهدف إلى تلبية الطلب العاجل للنقل العام في مدن في فيتنام، إندونيسيا، الهند، وبنغلاديش، ودول أخرى. وتلك مشاريع أظهرت خبرة اليابان، إلى جانب حرصها الشديد على الامتثال للوائح والقوانين الخاصة بكل بلد، وقد شملت مشاورات مع المنظمات التي تمثل الأشخاص المعوقين عند دمج جوانب من التصميم العالمي الخالي من العوائق.

وتوضح هذه الأمثلة الثلاث كيف يمكن للمساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية أن تلعب دور العامل المحفز للتغيير داخل المجتمع والمجتمعات المحلية عن طريق الاستعانة بمساعدة المانحين من القطاع الخاص وتسهيل مشاريع القطاع الخاص والمجتمع المدني. وتجدر الإشارة إلى أن الخبرات التي تنتج عن مشاريع المساعدة الإنمائية الرسمية في اليابان لا تظل حبيسة حدود كل بلد على حدة، وإنما يتم تقاسمها عبر الحدود.

نَحو مستقبل المساعدة الإنمائية الرسمية

وختاماً، أود أن أتطرق إلى القضايا المستقبلية للمساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية. أولا، باعتبارها تدفقات مالية للبلدان النامية واستمراراً في التنويع، وسوف يكون من الضروري تعزيز دور المساعدة الإنمائية الرسمية كمحفز. ثانياً، ينبغي أن تشارك اليابان استراتيجيا في جهود المساعدات الإنمائية الرسمية الثنائية وجهود المساعدات المتعددة الجنسيات مع المنظمات الدولية، مع التركيز على قيادة جهود التنمية في المجالات التي تحظى فيها بميزة نسبية، مثل الرعاية الصحية الشاملة وتعميم الحد من مخاطر الكوارث. وثالثاً وأخيرا لا بد من قياس آثار برامج المساعدة الإنمائية الرسمية بدقة من خلال استخدام أحدث الطرق في مجالات مثل التحليل الإحصائي، والاقتصاد، والعلوم السياسية، ونشر هذه النتائج في شكل يسهل فهمها. حيث أن الاستيعاب الكامل لمدى تأثير المساعدة الإنمائية الرسمية سيساعد على تعزيز جهود الرصد المقررة عالميا نحو وضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال التنمية في مرحلة ما بعد ٢٠١٥ من جانب، وسيزيد من قدرة اليابان على القيام بدور القائد للاتجاه الذي يهدف إلى بذل المزيد من الجهود للتنمية العالمية من جانب آخر.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ أغسطس/آب ٢٠١٤. صور العنوان: أعضاء تعاونية ”قرية واحدة، منتج واحد“ في قرغيزستان يصنعون منتجات من اللباد لمتاجر موجي (على اليسار)، أجربة الهاتف المحمول المصنوعة من اللباد وغيرها من المنتجات بيعت على مستوى العالم من خلال متاجر موجي في ٢٠١٣. الصور مُهداة من ريووهين كيئيكاكو)

(*٧) ^ أنشأ مركز تنمية آسيا والمحيط الهادئ المعني بالإعاقة (APCD) بمساعدة من جايكا في عام ٢٠٠٢ كمركز تابع للحكومة التايلاندية مع التركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يهدف إلى زيادة تمكين المعوقين وخلق مجتمع خال من العوائق. انظر نينوميا أكي، (Wheelchairs Move Around Asia’s Cities: The Challenge by the Asia-Pacific Development Center on Disability) (كراسي متحركة تتجول حول المدن في آسيا: التحدي من قبل مركز تنمية آسيا والمحيط الهادئ المعني بالإعاقة) (طوكيو: شركة الماس، ٢٠١٠

المساعدة الإنمائية الرسمية