قيمة التصويت ونظام المجلسين

قضية التمثيل المتساوي في مجلس المستشارين

سياسة

اتخذت المحكمة العليا اليابانية مؤخرا موقفا قويا على ضرورة تصحيح التفاوتات الجغرافية في ”قيمة التصويت“ بالبرلمان الياباني بمجلسيه: مجلس النواب ومجلس المستشارين/الشيوخ على السواء. يعالج ”تادانو ماساهيتو“ الباحث في شؤون الدستور تلك المسألة ضمن الإطار الأوسع للنظام التشريعي الثنائي والصلاحيات الفريدة من نوعها التي يتمتع بها أعضاء مجلس المستشارين.

يتألف البرلمان الياباني الذي يشَكّل السلطة التشريعية في اليابان من مجلسين، الأول هو مجلس النواب (المجلس الأدنى) والثاني مجلس المستشارين أو مجلس الشيوخ (المجلس الأعلى). وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن نظاميّ المجلسين يختلفان بشكلٍ عام عن بعضهما في تركيبة القوى النسبية للهيئتين وفي الطريقة التي يتم بها اختيار أعضائهما. ولعل الأمر الأساسي في تقييم أي نموذج نظام تشريعي ثنائي يكمن فيما إذا كانت الشرعية السياسية لكل غرفة تتناسب مع مدى سلطة كل مجلس والصلاحية التي يتمتع بها.

وبموجب نظام المجلسين آنف الذكر يتم انتخاب أعضاء المجلس الأول من الشعب مباشرةً، وبالتالي فإنه من المنطقي أن تُعطى تلك الهيئة تفوقا واضحا على المجلس الثاني، حيث الانتخاب المباشر للأعضاء يعطي المجلس الأول شرعية ديمقراطية أكبر. ولعل البرلمان الفرنسي هو خير مثال على ذلك حيث أن ”المجلس الثاني الضعيف“ هذا، والذي هو مجلس الشيوخ يتم اختيار أعضاءه من قبل المسؤولين المنتخبين ويتمتع بصلاحيات أضعف بكثير من تلك التي لدى الجمعية الوطنية، المنتخبة بشكل مباشر. وعلى الرغم من أن الانتخابات غير المباشرة للأعضاء تُقلل من شرعية الديمقراطية في المجلس الثاني، إلاّ أنّها تُضفي عليه طابعاً مُميّزاً يتيح له أداء وظيفته الخاصة به داخل المجلس التشريعي ومع ذلك، فعندما يؤدّي الطابع المميز للمجلس الثاني إلى صراع لا يمكن التوفيق بينه مع المجلس الأول، فإن قرار المجلس الأول الأكثر قوة يسود.

وبالنسبة إلى الدول ذلت الحكومات الاتحادية كالولايات المتحدة الأمريكيّة مثلاً فإن للمجلس الثاني وظيفة تمثيل الولايات أو الوحدات المستقلة الأخرى التي تشكل الاتحاد أو الجمهورية. في مجلس الشيوخ الأمريكي القوي حيث يتم تمثيل كل ولاية من قبل اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ بغض النظر عن حجم سكانها وفي هذه الحالة، فإنّ مبدأ الفدرالية المنصوص عليها في الدستور الأمريكي هو الذي يبرر هيكل وقوة المجلس ويعطيه شرعية.

أما في حالة اليابان، فيتم اختيار أعضاء كل من المجلسين التشريعين عن طريق الانتخاب المباشر، بينما يُعتبر مجلس النواب الهيئة المتفوقة في التوازن، تبدو صلاحيات مجلس المستشارين أيضاً تقريبا بنفس القوة وبما أن أعضاء المجلسين يتم اختيارهم وفقا لنفس المبادئ الأساسية، فإن الكثير من الناس يُشكك في سبب وجود مجلس المستشارين منذ أن قدمت سلطات الاحتلال الأمريكي مشروع الدستور ما بعد الحرب عام ١٩٤٦. سيما ما وَرَد فيه عن حقيقة أن المجلس الثاني يتعادل تقريبا بالقوى مع الأول والذي هو أمر يصعب شرحه أيضا نظرا للحكومة الوحدوية في اليابان.

وفيما يلي سيتم التطرق لمعالجة هذه القضايا عن كثب من خلال تحليل آثارها على كل من النظام الانتخابي لمجلس المستشارين ومبدأ التمثيل المتساوي كما يلي.

نظام سيء للتغلب على الانقسامات

على الرغم من أن الدستور الياباني لا يفرض صراحة إجراء انتخابات مباشرة لكافةِ أعضاء البرلمان، فإن اختيار أعضاء المجلسين يتم في الواقع بهذه الطريقة. حيث يسود هناك منطق داخلي مؤكد في النظام القائم حالياً فإذا كان المجلسان متساويين في لسلطة تقريباً يتوجب عليهما أيضا أن يكونا على قدم المساواة في الأسس الديمقراطية؛ وعلى العكس، إذا كانت عضويتهم تمثل الجماهير على السواء، يترتب أن تكون سلطاتهم عندئذٍ تُحاكي ذلك التمثيل تقريبا.

ويبدو أن المشكلة الرئيسية في وجود مجلسين تشريعيّن متساويين تقريبا في السلطة تعود إلى أنه في حال وجود انقسام حزبي، فسوف يصبح من الصعب جدا تحقيق أي إنجاز تشريعي، وهو الوضع الذي ابُتليت به حكومة الولايات المتحدة كما هو معروف في السنوات الأخيرة. منذ فترة التسعينات، كما شهدت اليابان أيضاً جموداً تشريعياً مماثلاً وذلك نتيجة ما يُعرف بـ”nejire kokkai“، أو ”البرلمان الملتوي“، والذي ينتج عندما لا يوجد لدى أي حزب واحد أغلبية مُريحة في كلا المجلسين أي النواب والمستشارين.

وبموجب الدستور الياباني، فإنّ لمجلس النواب التفوق بشكل واضح عندما يتعلق الأمر بتعيين رئيس مجلس الوزراء وبالتالي فإن الحزب الذي يسيطر على مجلس النواب يضمن وضعية الحزب الحاكم في مجلس النواب أيضا وكذلك مواضع التفوق لتمرير مشاريع قوانين الميزانية والموافقة على المعاهدات. إلاّ أنّ هنالك تشريعات غير واردة في الميزانية تتطلب موافقة المجلسين، ولكن في حال رفض مجلس المستشارين مشروع قانون أقره مجلس النواب، فإن مجلس النواب يتجاوز فيتو مجلس المستشارين بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين. وحتى خلال اضطرابات فترة التسعينات، كانت تلك القوى كافية للحفاظ على تحريك عجلات التشريعات. ونتيجة لذلك، كان ينظر للبرلمان الياباني عادة كمثال ودليل على ضعف النظام التشريعي الثنائي، سيما وأن للمجلس الثاني تأثير ضئيل نسبيا على العملية التشريعية.

مجلس مستشارين متغطرس

لكن ذلك تغير في التسعينات، مع ضعف القبضة الحديدية للحزب الليبرالي الديمقراطي على السلطة. فقد طرأ تحول تجاه بسط السيطرة على المجلسين معا مما كان يؤدي غالباً إلى تصارع مجلسي النواب والمستشارين أكثر فأكثر، حيث كان تأمين أغلبية ساحقة في مجلس النواب مستحيلا تقريبا تحولت فجأة بعدها قوة مجلس المستشارين لتصبح موضع جدل كبير

ويمنح الدستور مجلس النواب صلاحية تعيين رئيس الوزراء الذي بدوره يشكل مجلس الوزراء بكل وُضوح، كما يعطي مجلس النواب السلطة لفرض استقالة الحكومة من خلال التصويت بحجب الثقة عنها. بعبارة أخرى، لا يمكن للحكومة أن توجد إلا مع توفر الثقة والدعم من مجلس النواب فمجلس المستشارين لا يملك سلطة تعيين رئيس الوزراء أو إجبار الحكومة على الاستقالة من خلال تصويت بحجب الثقة عنها. ومع ذلك ففي وسعه أن يضع الحكومة في موقف لا تُحسد عليه من خلال عدم تمرير مشاريع القوانين التي يقدمها مجلس الوزراء إلى البرلمان. وعلى الرغم من أن البرلمان يمنح الأسبقية لمجلس النواب عندما يتعلق الأمر بالميزانية، يمكن لمجلس المستشارين أن يمنع صرف الميزانية ويوقف الإجراءات والأداء الوظيفي لها بعد أن سبق إقرارها في المجلس الأدنى وذلك من خلال عرقلة التشريعات اللازمة للمضي قُدُمَاً في تنفيذ برامج ومشاريع جديدة.

كما يصبح في وسع مجلس المستشارين ضمن نظام قوي برلماني بمجلسين في اليابان وضعَ عوائق وعراقيل يصعب التغلب عليها عبر الأساليب الحاكمة اذا كان الموضوع معنياً بالأصول والممتلكات وذي طابع مميز ومما يعني أنه من الضروري لمن هم في السلطة يذل المزيد من الجهود للحفاظ على السيطرة على أغلبية المقاعد في كلا مجلسي البرلمان. فإذا ما كان الحزب الواحد غيرَ قادرٍ في الحصول على أغلبية في مجلسين من تلقاء نفسه، فسوف يحاول أن يفعل ذلك عن طريق تشكيل ائتلاف مع حزب آخر أو أحزاب أصغر. لقد كانت الحكومات الائتلافية القاعدة في اليابان منذ التسعينات عندما بدأ المشهد السياسي يتحول بسرعة، وهذا ما أدى إلى مواجهات متكررة بين مجلسي البرلمان.

بالنظر إلى النتائج، فقد يشك أحدنا في أن الدور الصحيح لمجلس المستشارين الياباني هو هيئة تداولية رصينة تشجع السياسة المعتمدة على الإجماع، وليس من المجلس الثاني الأكثر حزما والخاص.

مثال للتمثيل الإقليمي؟

وقد لعبت قوى كبيرة في مجلس المستشارين أدواراً لا يستهان بها في التأثير على اتخاذ القرارات المتعلقة بالنظام الانتخابي. وكما ذكر أعلاه، يجب أن يكون مجلس قوي يتمتع بالشرعية الديمقراطية والتي تتوقف أولا وقبل كل شيء على الانتخاب المباشر من الشعب. ومع ذلك، يوجد هناك أيضاً عاملٌ آخرٌ مهم وهو التمثيل المتساوي.

فما يتعلق بالمجالس التي تُصَنّف بالمرتبة الأولى، أصبحت الحكومات في جميع أنحاء العالم تحت ضغوط مكثفة لاحترام مبدأ ”شخص واحد، صوت واحد“، واليابان ليست استثناءً. لكن السؤال هو ما إذا كان، أو إلى أي درجة، يُمكن لهذا المبدأ أن ينطبق على دوائر المجالس الثانية؟ وما هي الفائدة المرجوة من وجود مجلسين إذا كان انتخاب أعضاء كلاهما يتم بصورة مباشرة وفقا لنفس المبادئ التمثيلية؟

وفي بعض البلدان، يُقدَّم المجلس الثاني خدمات فريدة من خلال توفير التمثيل لمناطق جغرافية أو جهات إدارية محلية، ويعرف هذا التمثيل حسب المساحة. مما يجعل مبدأ تمثيل منطقة يتعارض دائما مع مبدأ ”شخص واحد، صوت واحد“، أو مساو في وزن التصويت. فيتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مباشرة من ولاياتهم، ولكن نظراً لأن كل ولاية لديها اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ، وسكان الولايات ذات الكثافة السكانية المنخفضة يتم تمثّيلهم بشكل غير متناسب حيث أنّ نظام مجلس الشيوخ لتمثيل منطقة ما ينبثق مباشرة عن مبدأ الفدرالية الموجودة في صلب الدستور الأمريكي.

وخلافا للولايات المتحدة لا يوجد في اليابان نظام اتحادي وبالتالي ليس فيها أي مزيج من وحدات جغرافية منفصلة، تتمتع كل منها بدرجة عالية من الاستقلالية التي يكفلها الدستور والحكم الذاتي. ولهذا السبب، فسوف يكون من الصعب تبرير تطبيق مبدأ التمثيل حسب المنطقة بالنسبة إلى المجلس المستشارين الياباني.

ومع ذلك فلربما يكون من غير الممكن تطبيق معايير بشأن المساواة في وزن التصويت تكون أكثر مرونة نوعاً ما على مجلس المستشارين وبنحوٍ أكبر من مجلس النواب؟ وهل سيكون إعطاء المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة عدداً أكبر من الممثلين النسبيين لسكانها وسيلة صالحة لتخويل مجلس المستشارين بصلاحيات ذات طابع مميز ودور مؤثر في السلطة التشريعية؟

الحكم الطبيعي على الحاجة إلى ضمان تساوي الأصوات الانتخابية

يضمن الدستور لأعضاء مجلس المستشارين عضوية مدتها ست سنوات مقابل أربع سنوات لأعضاء مجلس النواب، وينص على أن الانتخابات لنصف الأعضاء تجرى كل ثلاث سنوات. من أصل ١٢١ مقعدا منتخبا بكل ثلاث سنوات، يتم ملء ٤٨ مقعداً من لائحة وطنية على أساس التمثيل النسبي. كما يتم انتخاب شخصاً لشَغلِ الـ ٧٣ معقد المتبقية وبشكل يُغطي جميع محافظات البلاد الـ ٤٧، حيث يتم تعيين مقعد إلى خمس مقاعد. لكل منها ويجدر القول إلى أن عدم المساواة الحالية تنبع من حقيقة أن سكان أكبر وأصغر المحافظات في اليابان تختلف بعامل أكثر من ٢٠. وبأنّ النتيجة أظهرت وجود نسبة تفاوت إقليمي في هذا الصدد تصل إلى ١:٥ من تعداد السكان وبحيث يمثلها أي تلك النسبة عضوٌ واحدٌ فقط في مجلس المستشارين.

وفي ٢٧ أبريل/نيسان ١٩٨٣، أصدرت المحكمة العليا في اليابان حكمها حول دستورية انتخابات مجلس المستشارين عام ١٩٧٧، أظهرت فيه تبريراً عن وجود تفاوت في وزن تصويت بنسبة أكثر من ١:٥ وأرجعت ذلك إلى الأسس القانونية والقائلة بأنه يجوز، تحت نظام المجلسين، للبرلمان إعطاء مجلس المستشارين وظيفة متميزة لتمثيل المحافظات ويبدو أن هذا الحكم قد استند إلى النظرة المتمثلة بأن مجلس المستشارين ضعيف، ومجلس تابع تكميلي لمجلس النواب.

لكن على النقيض من ذلك، فقد جاء في قرار في ١٧ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٢، أنّ المحكمة العليا اتخذت موقفا قويا لصالح التمثيل المتساوي من حيث عدد السكان في مجلس المستشارين، داعية إلى اتخاذ خطوات حاسمة لتصحيح التفاوت في قيمة التصويت. وإذا كان التفسير في حكم ذلك، فقد لاحظت المحكمة أن الدستور يجعل صلاحيات مجلس مستشارين متساوية تقريبا لتلك التي هي أقل في مثل تلك المسائل الهامة كإقرار القوانين. بعبارة أخرى اذا كانت صلاحيات مجلس المستشارين هي تقريبا نفس مجلس النواب، فمن الطبيعي أن نطالب بنفس الدرجة للشرعية الديمقراطية، وهذا هو ما يعني التمثيل المتساوي فإذا كان مجلس المستشارين يمثل مناطق معينة من البلاد بشكل غير متناسب، كيف يمكن للمرء إذاً أن يبرر قدرة المجلس على منع تمرير التشريعات التي يقرها مجلس النواب المنتخب بشكل أكثر ديمقراطية؟

وقد عارض البعض تلك الآراء بحجة أن التمثيل من حيث عدد السكان وحده سيترك المناطق الأقل سكانا في اليابان لا تلعب أدوارا مناسبة في الشؤون الوطنية. ولكن مجموعة من الآراء والمصالح لا بأس بها موجودة في المحافظات الريفية إلاّ أنّ نظام مجلس المستشارين الحالي في الوقت الذي يوفر فيه للمحافظات الريفية تمثيلاً متباينا مع عدد سكانها، ينفي بوضوح أنه يقوم بتمثيل آراء ومصالح تلك الأقلية في المناطق.

كما دعا حكم المحكمة العليا في عام ٢٠١٢ إلى اتخاذ إجراءات لتصحيح التفاوت في قيمة التصويت من خلال إعادة النظر في نظام مجلس المستشارين بأكمله في الدوائر الانتخابية في المحافظات. ويتمثل أحد الخيارات في الدوائر الإقليمية الكبيرة التي تتكون من عدة محافظات إضافةً إلى تسهيل توزيع أكثر إنصافا، ثم إنشاء دوائر أكبر مع مزيد من المقاعد مما يجعلها جعلها أكثر سهولة لمرشحي الأحزاب الصغيرة للحصول على مقاعد برلمانية، وبالتالي ضمان تمثيل مجموعات أكبر تتصف بِسِعَة النظر ووفرة المصالح.

(المقال الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ١١ يونيو/حزيران ٢٠١٥. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مبنى البرلمان الوطني. يقع مجلس المستشارين إلى اليمين في الجناح الشمالي من المبنى. الصورة من جيجي برس)

مجلس المستشارين البرلمان الياباني نظام مجلسين