إعادة تشكيل مكان العمل في اليابان: هل يمكن إصلاح نمط العمل الناجح؟

العمل عن بعد: طريقة جديدة للعمل في nippon.com !

مجتمع

 ينتشر العمل عن بعد في اليابان تدريجيا. حتى nippon.com أيضا أدخلت هذا النمط من العمل وبدأت تطبيق هذا النظام الجديد بداية من أبريل/ نيسان من هذا العام، حيث تقوم بعض الموظفات ممن لديهن أطفال صغار بالاستفادة من هذا النظام المريح في العمل. فهل ساعد هذا النظام على راحتهن وقدرتهن على العمل ورعاية أطفالهن في نفس الوقت؟

في أحد أيام شهر يوليو/ تموز، كانت تاكاغي كيوكو تجلس إلى مائدة الطعام أمام حاسوبها المحمول المستعار من مكان عملها. وكان ابنها البكر والذي دخل الصف الأول من المرحلة الابتدائية يلعب في غرفة المعيشة حيث أنه في الإجازة الصيفية. تحدثت تاكاغي قائلة: ”إن هذا النظام ساعدني للغاية، فليس هناك حاجة لإيداع طفلي في مكان ما أثناء العمل، أو حتى في أثناء العطلة المدرسية“.

انضمّت تاكاغي إلى الشركة في عام ۳ ۱ ۰ ۲ قبل خمس سنوات. وهي موظفة في قسم اللغة الإنكليزية ومسؤولة عن المقالات المترجمة والتي تنشر في الموقع باللغة بالإنكليزية.

تقوم تاكاغي بتخصيص وتوزيع المقالات المكتوبة باللغة اليابانية على المترجمين. وبعد أن تتلقى النص المترجم كاملاً تتحقق من دقة الترجمة وإذا ما كان هناك كلمات أُغفلت أثناء ترجمة، كما تتأكد أيضاً من صحة المعلومات التي تتعلق بالحقائق، وينتهي دورها بعد أن تقوم بتحميل الموضوعات على الموقع ومن ثم نشرها على الموقع الرسمي. وهي تقوم عادة بتدقيق حوالي ۱۰ نصوص تقريبا بشكل متواز في ذات الوقت.

الاستفادة من ميزات العمل عن بعد

تقوم تاكاغي بالعمل عن بعد يومان في الأسبوع. وفي أيام العمل عن بعد لا حاجة لبذل الوقت صباحا ومساء للوصول والرجوع من مكان العمل، أو لاستنفاد القوة الجسدية أيضا عن طريق التنقّل في المواصلات. لذلك فمن الممكن أن تعمل حتى اللحظات الأخيرة قبل أن يحين وقت تناولها العشاء مع طفلها.

وهذا هو جدول عملها:

تقوم بتوصيل طفلها وتبدأ العمل في حوالي السابعة النصف صباحاً. ثم تأخذ راحة لحوالي ساعة ونصف عند الظهر. وأثناء ذلك تقوم أيضاً بتحضير طعام العشاء. ثم تعود للعمل بعد ذلك مرة أخرى، ومع ميعاد عودة الطفل للمنزل في حوالي الرابعة عصرا تترك العمل لما يقرب من النصف ساعة، ثم تعاود العمل حتى الساعة السابعة مساء.

وتقول تاكاغي ”إن ميزة العمل عن بعد أنه لا يوجد أعمال جانبية تضيع من الوقت مثل الرد على الهاتف في الشركة، لذلك أستطيع أن أركز في الأعمال التي تحتاج مني ذلك “.

لكن على الجانب الأخر فهي تعطي الأولوية للأعمال التي تستفيد فيها من وجودها بمقر العمل في الأيام التي تذهب فيها للشركة. مثلا كمناقشة المترجم بشكل مباشر في بعض النقاط الخاصة بالنص المترجم، واختيار الصور المناسبة التي ستستخدم في الموضوع مع زملاء العمل. وعلى الرغم من أن مثل هذه الأعمال يمكن إجراءها من خلال البريد الإلكتروني أو الاتصال عن طريق برنامج سكايب أو الهاتف إلا أن هذه الوسائل لا تُقارن بما تحققه المحادثة وجها لوجه من كفاءة. بالإضافة إلى ذلك يتم عقد الاجتماعات الخاصة بالقسم الذي تعمل فيه في أيام عملها بالتعاون والتنسيق مع مديرها زملاءها في العمل.

تطوير البنية التحتية عنصر كبير لزيادة الإنتاجية بالعمل عن بعد.

وهكذا كما رأينا فإن تاكاغي تقوم بالعمل بجدارة. وما يجعلها قادرة على القيام بذلك هو استخدامها الحاسوب المحمول وجهاز الواي فاي الخاصان بالشركة في المنزل. وعلاوة على ذلك فهناك نظام يمكنها من الدخول إلى سيرفر الشركة من الخارج، ما يمكنها تسجيل بدء العمل والانتهاء منه عبر نظام الشركة المتصل بالإنترنت. وفقا لتاكاغي فإن أكثر شيء يساعدها على العمل عن بعد هو قدرتها على الدخول سيرفر الشركة من الخارج. حيث يمكنها بذلك الحصول على بيئة عمل مريحة في أي مكان كما لو كانت في الشركة تماما.

الترويج والتشجيع

في الوقت الراهن هناك ثلاث موظفات منهن تاكاغي يعملن عن بعد. وقد بدأت nippon.comهذا النظام في العمل بناء على تجربة شخصية لمدير فيها.

ففي العام الماضي من أبريل/ نيسان تولى السيد تاني سادافومي (٦۲عام) منصبه كمدير عام لموقع nippon.com. ولدى السيد ابنة في الثلاثينيات من عمرها تعمل الآن في سنغافورة إلى جانب تربيتها لحفيده الذي يبلغ من العمر أربع سنوات. لكن في كل مرة يزور فيها المدير منزل ابنته كان يرى ويلمس بنفسه مدى صعوبة الموازنة والتوفيق بين العمل ورعاية الطفل، عند ذلك فكر فيما يمكنه من عمل لدعم الجيل الذي يقوم بتربية الأطفال بطريقة أو بأخرى.

واستنادا إلى هذه التجربة أجرى السيد تاني مقابلة فردية لجميع الموظفين الثلاثين فور تولّيه المنصب. كانت المقابلة ليتبيّن فيما إذا كان لدى هؤلاء الموظفين ما يشكون منه من صعوبة ما في العمل. وبما أن هذا الموضوع خاص فقد أُجريت المقابلة بعد أن قال لهم بأنهم ليسوا مُجبرين على التحدث إذا كانوا لا يريدون ذلك، فكانت النتيجة تحدثهم عن ظروفهم الشخصية والعائلية وغير ذلك من الأمور التي تشغل بالهم.

بعد هذه المقابلة تبيّن أن هناك بعض الموظفين الذين لديهم معاناة في الموازنة بين العمل والاعتناء بأبنائهم. فعلى سبيل المثال، قامت إحدى الموظفات باستدعاء جليسة أطفال عندما كان ابنها مريضا ولم تستطيع أخذ إجازة لأجله بسبب العمل. وقد تكلفت مصاريف تعادل غالبية راتبها الشهري بسبب أن الطفل قد استغرق عدة أيام حتى استطاع الشفاء من المرض واسترداد عافيته.

البدء الفوري

وبهذا تمكن السيد تاني من معرفة مدى تأثير هذه المشكلة على حافز العمل لدى الموظفين بسهولة. واستدعى رؤساء الأقسام فورا بعد أن فكر بأنه يمكن حل هذه المشكلة بطريقة العمل عن بعد. إلا أنه في حال تم إدخال هذا النظام من العمل سيترتب على رؤساء الأقسام مهام جديدة في الإشراف على المرؤوسين. ولكن لحسن الحظ حصل السيد تاني على موافقة الجميع عندما حدثهم بذلك. حيث كان بينهم مدير يتقاسم الأعمال المنزلية مع زوجته، ومشكلة الموازنة هذه لم تعد تقتصر على بعض الموظفات فقط.

تاكاغي تعمل مع موظفين أجانب وتشارك في اجتماعات العمل (في الوسط)

وقرر السيد تاني اتخاذ تدابير سريعة ووضع استراتيجية لتحسين ظروف الموظفين الذين يعانون أو لديهم مشاكل. وقام بتغيير القواعد التي تتطلب عددا من الإجراءات ومراجعة المحتويات بعناية، ومن أجل الاستجابة أولا لظروف موظفتين في النطاق التقديري لمكان العمل، قرر قبول العمل عن بُعد لهاتين الموظفتين اللتين لديهما أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة كبداية مؤقتة في مايو/ أيار، وهذا بعد أن أُجريت المقابلة بشهر واحد.

ثم بعد نصف عام فقط تم إضفاء الطابع المؤسسي في العمل عن بعد في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي. أما عن حالة تاكاغي بعد حصولها على إذن العمل عن بعد، حيث كانت تترقب وقت دخول ابنها البكر إلى المدرسة، فقد تم توسيع نطاق شروط العمل عن بعد من طفل ما قبل المدرسة إلى طفل في المرحلة الابتدائية.

قضاء الطفل الوقت مع الأم

قالت تاكاغي ”لولا هذا النظام لما استطعت ربّما الاستمرار في العمل“. وقالت إنه لم يكن هناك مشكلة عندما كان طفلها في الحضانة، ولكنها كانت دائما تتساءل قلقة عن ماذا ستفعل عندما يصبح ابنها في الابتدائية ويرجع في وقت مبكر من المدرسة.

لم تكن تشعر بالقلق لأجل تأمين ساعات عملها فقط، بل لأمر ابنها أيضا وكل ما يتعلق به. فعندما كانت تذهب لإحضار ابنها من الحضانة بعد العمل في السابعة مساء، كان أصدقاؤه الأخرين قد غادروا منذ زمن وابنها فقط ينتظر وحيدا قدوم أمه. وكانت تقول لنفسها أمام طفلها الذي يبكي عائلتي لا تستطيع أن تكون سعيدة بسبب عملي، واستمر لومها لنفسها، حتى أنها فكرت بالتخلي عن عملها الحالي الذي هو بالأصل اختصاصها والحصول على عمل جزئي بجوار بيتها.

تاكاغي تتحدث قائلة ”لقد ازداد وقت تواصلي مع ابني“ (في اليسار)

يتيح نظام العمل عن بعد لتاكاغي رعاية ابنها والتعاون لدعم الاسرة، وبذلك يتحقق التوازن بين الأمومة ورعاية الطفل والعمل.

فقد ازداد الوقت الذي تقضيه مع ابنها البكر أكثر وهذا هو أهم شيء. وفي أيام العمل عن بعد لا تستطيع ملاعبة ابنها أثناء العمل ولكنها أوجدت للطفل بيئة وحياة أسرية يشعر فيها الطفل أن ”أمي موجودة عندما أعود إلى البيت“، وعندما تدق عقارب الساعة لتعلن عن نهاية يوم العمل في السابعة مساء أصبح بإمكان الطفل تناول العشاء مع أمه.

كما قالت تاكاغي ”أخبرتني الشركة أنه بإمكاني استخدام النظام أكثر وأكثر، شعرت وكأنني قد وجدت المكان الذي أنتمي إليه، لقد تولّد شعور لدي بأني أريد أن أردّ هذا الجميل للشركة“. وقد يكون للعمل عن بعد بعض الجوانب السلبية كتأجيل بعد الإجراءات كان بالإمكان حلها وجها لوجه إلى اليوم التالي، ولكن تاكاغي تحرص دائماً على عدم التسبب في المتاعب لزملائها من خلال إيلاء الاهتمام لأولوية العمل وإدارة الجدول الزمني بأقصى جهدها.

العمل والتواصل من الأبناء

تعمل إينوبوشي يوكو أيضاً عن بعد. فهي تقوم بتربية طفلتها الصغيرة التي تذهب للحضانة. أما عملها فهو في قسم اللغات حيث تشرف على تدقيق الترجمة وتقدم الأمور الإدارية وما إلى ذلك. تقوم إينوبوشي بعملها عن بعد حوالي نصف أيام الأسبوع تقريبا.

وتحاول قضاء وقت التنقل والمواصلات الذي توفر لديها بالعمل عن بعد مع عائلتها. فعندما كانت تعمل بدوام كامل لمرة واحدة بعد الولادة كانت تودع طفلتها في الحضانة في الصباح الباكر قبل الذهاب إلى العمل، وتذهب لتأخذها من هناك في المساء، وبهذا كانت تقضي مع ابنتها من ساعة إلى ساعتين يومياً. لذلك كانت تشعر في قرارة نفسها بالتساؤل حول عدم قدرتها على قضاء الوقت مع ابنتها بسبب العمل، أما مع العمل عن بعد الآن فهي تشعر بنعمة كبيرة حيال ذلك.

إينوبوشي بصحبة ابنتها في العمل (في الوسط)

تستغل إينوبوشي الوقت بشكل أساسي في أيام العمل عن بعد في الصباح الباكر قبل أن تستيقظ ابنتها وأثناء ذهاب ابنتها إلى الحضانة. وغير ذلك تستخدم الوقت حصريا مع الأسرة. أما مع غروب الشمس فإنها فتذهب للتسوق بجوار المنزل، وتذهب للتنزه، وتقوم بأعمال الحديقة في منزلها. كما تزور الجيران وتستمتع بالاسترخاء في البانيو. كل هذا تقوم به مع ابنتها، وتقول ”لا أصدق حياتي الآن كما لو أنني أعيش في حلم“.

وأيضا مع مرونة وتفهم المدير في الشركة فقد اصطحبت ابنتها ثلاث مرات حتى الآن إلى الشركة. وفي أول تجربة لذلك في مارس/ آذار بعد أن أصرت الطفلة بقوة على الذهاب مع والدتها إلى الشركة قامت باصطحابها بتردد، ولكن البنت من جانبها أخذت تقرأ هناك بهدوء لمدة ساعتين تقريبا. وفي ذلك اليوم تفاجأت إينوبوشي عندما استقلت قطار العودة بتعابير وجه ابنتها، وقالت ”كان وجهها مليئا بالحيوية ومشاعر الرضا لم يسبق لي أن رأيتها من قبل“.

ولكن لم تتمكن إينوبوشي من التركيز على العمل أثناء البقاء في المكتب عندما كان من الصعب على طفلتها الصغيرة أن تحدث ضجيجاً في مكان عمل هادئ، في حين اكتشفت من ناحية أخرى أن زيارة مكان عمل البالغين كان تجربة كبيرة بالنسبة لطفلتها الصغيرة.

إيجابي بالنسبة للمؤسسات أيضا

تدرك إينوبوشي تماما دعم الشركة لها كأم، فقد قالت ”سأزيد من الإنتاجية وأحقق أقصى قدر من الاستخدام الفعال للوقت بالحكمة والتصرف الصحيح، وأود أيضا أن أكون قادرة على رد الجميل للشركة بإعطاء نتائج في عملي“.

وبعد انقضاء عدة أشهر على ادخال نظام العمل عن بعد على نطاق واسع يشعر السيد تاني الذي روج له بالنتائج بسبب تعبير سماع الموظفين الذين استفادوا من هذا النظام عن رضاهم. فبتطبيق هذا النظام قد يصبح بالإمكان توسيع النطاق في أهداف الرعاية التمريضية مستقبلا، فضلا عن ذلك فهو يفكر في إعداد نظام يمكّن من العمل عن بعد في حالة الكوارث الطبيعية أو ما شابهها قائلا ”هناك العديد من الإيجابيات التي تعود على المؤسسة أيضا من خلال تطبيق هذا النظام“. وعبر عن عزمه على مواصلة السعي لإيجاد بيئة عمل مريحة وفقا للوضع الراهن والظروف المرتبطة بذلك.

التصوير: أوتاني كيوهيدي، هاشينو يوكينوري (قسم التحرير في nippn.com)

الشركات اليابانية المرأة اليابانية التوظيف