المبادئ التوجيهية لاستراتيجية الدفاع اليابانية

الفضاء: ميدان قتال جديد لليابان

سياسة

إن الاستخدام العسكري للأقمار الاصطناعية الخاصة بنظام تحديد المواقع العالمي ’’ ‘‘GPS وأقمار الاستطلاع الاصطناعية يعني أن الفضاء جزء لا يتجزأ من الإستراتيجيات الدفاعية لكثير من الدول. وحتى وقت قريب، كان استخدام اليابان للفضاء مقتصرا على الأغراض المدنية بموجب القانون. ولكن ما الذي يخبئه المستقبل لاستخدام اليابان الإستراتيجي للأقمار الاصطناعية وتكنولوجيا الفضاء الأخرى؟

أهمية أنظمة الفضاء للتكنولوجيا العسكرية الحديثة

كان من المقرر الانتهاء من وضع آخر التحديثات على المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع القومي لليابان وبرنامج الدفاع في منتصف المدة بحلول نهاية عام 2018. ومن الواضح بالفعل أن إحدى الأولويات الجديدة في هذه الوثائق الإستراتيجية الحيوية ستكون الأمن الإلكتروني والمضامين الدفاعية لتكنولوجيا الفضاء. وكان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قد أشار مؤخرا إلى أن الحفاظ على التفوق في هذه المجالات الجديدة هو ’’ذو أهمية حيوية‘‘ للأمن القومي، ما يجعل قدرات اليابان في مجال الفضاء قيد البحث من جديد.

سلك برنامج تطوير الفضاء الياباني مسارا مختلفا إلى حد ما عن المسار الذي اتبعته دول أخرى. عندما أنشئت الوكالة القومية لتنمية الفضاء في اليابان في عام 1969، ألزم قرار من البرلمان أن يكون تطوير اليابان واستخدامها للفضاء الخارجي مقتصرا على أغراض السلمية والمدنية. وقد صيغ هذا القرار استنادا إلى القانون الأساسي للطاقة الذرية، الذي يشترط ألا يكون لقوات الدفاع الذاتي أي دور في الطاقة النووية. لطالما نُظر إلى قرار عام 1969 على أنه يعني ليس فقط وجوب امتناع اليابان عن تطوير نظامها الفضائي الخاص ذي استخدامات عسكرية محتملة ولكنه يمنعها أيضا من امتلاك أو تشغيل أو حتى استخدام أنظمة الفضاء تلك. ولذلك ركز برنامج اليابان الفضائي على الأهداف المدنية البحتة، باستثناء وحيد هو استخدام الأقمار الاصطناعية التجارية من أجل البيانات والاتصالات العسكرية، وهو أمر مسموح به منذ ثمانينيات القرن العشرين. ولذلك فعلى مدى عقود كان التطوير الدفاعي والفضائي في عالمين منفصلين تماما.

ولكن في الوقت الحالي يكاد يكون من المستحيل تشغيل الكثير من منظومات الأسلحة الحديثة بدون استخدام نظام فضائي. تعتبر الأقمار الاصطناعية الخاصة بنظام تحديد المواقع العالمي ’’‘‘GPS والتي تلعب دورا مألوفا في حياتنا اليومية أيضا جزءا حيويا من النظام العسكري الأمريكي، وتوفر خدمات أساسية في الإستراتيجية العسكرية من خلال التحكم بالطائرات بدون طيار ومراقبة موقع الوحدات العسكرية. إن شبكات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية ضرورية للتحكم في هذه الطائرات عن بعد. كما أن الصور التي يتم الحصول عليها من أقمار استطلاع اصطناعية ذات أهمية حيوية للتحقق من موقع الأهداف المحتملة وفهم المواقف الإستراتيجية، فضلا عن أن المنظومات الأرضية لإطلاق هذه الأقمار الاصطناعية وصيانتها تشكل أيضا عنصرا هاما في إستراتيجية الدفاع العسكري.

وبعبارة أخرى، فإن قدرة أي بلد على بناء وتشغيل أنظمة فضائية أصبحت الآن عاملا حاسما في الحفاظ على التفوق العسكري. وعلى الرغم من هذه الأهمية الحيوية، لا تزال أنظمة الفضاء غير محصنة. حيث يتعين عليها العمل في بيئة ينتشر فيها الكثير من المراحل العليا للصواريخ والأقمار الاصطناعية المنسقة وغيرها من الركام الفضائي، وكلها تدور حول الأرض بسرعة 28 ألف كيلومتر في الساعة. وأي قمر اصطناعي يتصادم مع هذا الحطام من المرجح أن يتحطم ويصبح عديم الفائدة.

’’قوة فضائية‘‘ للدفاع عن بنية تحتية حيوية

لكي يتمكن أي قمر اصطناعي من التغلب على جاذبية الأرض، يجب أن يكون خفيفا قدر الإمكان. وهذا بالطبع يجعل تصفيحه بطلاء واق سميك وثقيل أمرا غير عملي. في الواقع لا توجد وسيلة حقيقية لحماية الأقمار الاصطناعية من الحطام الفضائي، فأفضل ما يمكن القيام به هو محاولة تجنب الاصطدام بالأشياء في المقام الأول. ولذلك تقوم سلطات الدفاع في الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التي لديها برامج فضائية بتشغيل نظام التعريف بالأوضاع الفضائية ’’ ‘‘SSAوالذي يرصد الحطام في المدار ويشارك المعلومات للمساعدة في منع الاصطدامات. لكن برنامج SSA يمكنه فقط اكتشاف قطع الحطام التي لا يقل قطرها عن 10 سنتيمترات. وحتى الآن لا توجد أي وسيلة لتجنب قطع الحطام الأصغر حجما. وهذا يعني أن هناك خطرا من أن يتصادم قمر اصطناعي للاستخدام للأغراض العسكرية مع الحطام ويفقد وظيفته.

وهناك خطر أكبر يتمثل في أن العدو قد يتعمد استهداف الأقمار الاصطناعية المتصلة بالاستخدامات الدفاعية. ففي عام 2007 أجرت الصين تجربة لاستهداف أقمار اصطناعية (ASAT)، مما يدل على أن لديها القدرة على تدمير قمر اصطناعي باستخدام صاروخ مطلق من الأرض. كما أجرى الاتحاد السوفييتي تجارب مماثلة خلال الحرب الباردة. واليوم وبعد أن أصبحت الأنظمة الفضائية من الأصول الهامة للغاية، فإن امتلاك قدرة ASAT أمر أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وهذا يعني أنه من المرجح أن تكون الأنظمة الفضائية أولى الأهداف إذا زادت التوترات بين الولايات المتحدة والصين إلى حد أصبح فيه الصراع العسكري وشيكا. ومن شأن شل نظام الفضاء في بلد ما أن يحد بشكل كبير من قدرات العدو العسكرية. وفي الوقت نفسه، بما أن الأقمار الاصطناعية العسكرية غير مأهولة بالبشر، فلن يكون هناك خطر وقوع ضحايا. وثمة عامل آخر يجعل هذه الأقمار الاصطناعية مغرية كهدف لضربة أولى يتمثل في حقيقة أنها تقع على بعد مئات الكيلومترات من سطح الأرض، ما يجعل من المستحيل تقريبا تحديد المسؤولية عن أي هجوم بيقين مطلق.

وعلى الرغم من السهولة النسبية في تحديد هوية المسؤول في حالة هجوم ضد أقمار اصطناعية أو هجوم مادي مماثل، إذا قررت دولة محاربة أو فاعل آخر شن هجوم إلكتروني أو عطب قمر اصطناعي عن طريق إرسال إشارات تشويش، فإن تحديد هوية المعتدي سيكون أمرا شديد الصعوبة. والدفاع عن نظام فضائي عن طريق طرد وحدات العدو سيكون أصعب بكثير من الحرب التقليدية التي تشتمل على استخدام القوات البرية والبحرية والجوية. تدور الأنظمة الفضائية باستمرار حول الأرض. وهذا يعني في كثير من الأحيان أنها تمر حتما عبر المجال الجوي للعدو. وحتى وإن تمكنت من تجنب ذلك، يستطيع العدو أن يهاجم دائما عن طريق إطلاق قمر اصطناعي خاص به. ولهذه الأسباب فإن مهاجمة أنظمة فضائية للعدو في مرحلة مبكرة من أي نزاع مسلح يبدو أنه فهم استراتيجي سليم.

ونظرا للدور المتزايد للأنظمة الفضائية وأهمية جعلها أقل عرضة للخطر، تعيد الكثير من البلدان تنظيم جيوشها لتعزيز قدراتها الإستراتيجية في الفضاء. وهذا ينطبق بشكل خاص على دول مثل الولايات المتحدة والصين، اللتين لديهما مصالح إستراتيجية في أرجاء العالم وتبقيان على قدرة لعرض قوتهما من مسافات بعيدة. دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا إلى تشكيل قوة فضائية. والفكرة هي زيادة الأبحاث والتطوير في مجال الأنظمة الفضائية بهدف التغلب على بعض مواطن الضعف الحالية لهذه الأنظمة من خلال إطلاق أعداد كبيرة من الأقمار الاصطناعية الأصغر واستخدام تكنولوجيا الكوكبة لمزامنتها معا. تتطلع الولايات المتحدة حاليا لمراجعة نموذج تمويلها العسكري لجعل هذا الأمر ممكنا. وعلى الرغم من ترديد أفلام الخيال العلمي لمصطلح ’’القوة الفضائية‘‘، وهو ما يستحضر صورة المعارك الفضائية كحرب النجوم أو سفينة الفضاء ياماتو، إلا أن الهدف الأساسي لأي قوة فضائية في المستقبل المنظور – في واقع الأمر – هو أن تلعب دورا دفاعيا مهما عن طريق تطوير وصيانة البنية التحتية الفضائية.

حالة قدرات الدفاع اليابانية في الفضاء حتى الآن

وفي هذا السياق يشير إعلان رئيس الوزراء إلى أن الفضاء ’’ذو أهمية حيوية‘‘ في الفترة التي تسبق صياغة المبادئ التوجيهية الدفاعية الجديدة، إلى وجود وعي بأن أنظمة الدفاع اليابانية بحاجة إلى اكتساب قدرات فضائية جديدة لتمكينها من التعامل مع نمط الحروب الحديثة. ولكن بسبب وجود شرط بأن يركز برنامج تطوير الفضاء للبلاد على الاستخدامات السلمية على وجه الحصر، لم تفعل اليابان سوى القليل لتطوير أو استخدام الفضاء لأغراض الدفاع حتى الآن.

بموجب القانون الأساسي لصناعة الفضاء الصادر عام 2008، سُمح بتطوير واستخدام الفضاء الجوي لأغراض الدفاع على أساس مقيد للمرة الأولى. ولكن بالمقارنة مع دول مثل الولايات المتحدة والصين، لا يزال النطاق محدودا للغاية. وفي الوقت الحالي لا تمتلك وزارة الدفاع وقوات الدفاع الذاتي أي أقمار اصطناعية خاصة بها، ولها فقط استخدام حصري لكيراميكي وهو نظام أقمار اصطناعية للاتصالات من خلال نطاق التردد إكس.

إطلاق صاروخ H-2A – من تطوير وزارة الدفاع – يحمل القمر الاصطناعي كيراميكي-2 للاتصالات من خلال نطاق التردد إكس، من مركز تطوير الفضاء تانيغاشيما بمحافظة كاغوشيما في 24 يناير/كانون الثاني عام 2017. (حقوق الصورة لجيجي برس).

ينص القانون الأساسي لصناعة الفضاء على أن أي تطوير واستخدام للفضاء الخارجي يجب أن يكون ’’وفقاً لمبدأ دستور اليابان السلمي‘‘ (المادة 2) ويُنفّذ ’’لضمان السلم والأمن الدوليين، وزيادة الأمن القومي لليابان‘‘ (المادة 3). وعندما تم إقرار القانون الجديد، كان من المتوقع على نطاق واسع أن تبدأ كل من وزارة الدفاع وقوات الدفاع الذاتي باستخدام أنظمة الفضاء على نحو أكثر نشاطا. ولكن في الواقع، فإن معظم المعدات الدفاعية اليابانية تعمل بدون دعم استراتيجي من الفضاء، وعلى عكس الولايات المتحدة أو الصين، لا تحتاج اليابان إلى إمكانيات نشر القوى عبر مسافات طويلة. وهذا كان يعني أن بناء نظام فضائي لطالما كان أولوية متدنية حتى الآن.

وهناك عامل آخر هو وضع الإنفاق الحكومي الذي يستخدم في مصارف أخرى. فعلى الرغم من أن هناك زيادة نسبية في ميزانية الدفاع، إلا أن الجزء الأكبر من هذا الإنفاق الجديد لا يزال يستخدم في تعزيز الدفاعات الصاروخية والحصول على مقاتلات من طراز F-35 للتعامل مع الحضور العسكري المتزايد للصين في المنطقة والتهديد الذي يشكله البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وقد تحولت الأموال التي كان من الممكن أن تنفق على بناء برنامج فضائي إلى هذه الأغراض الأخرى.

تشير حقيقة تأكيد رئيس الوزراء على الأهمية الجوهرية للفضاء إلى قلق متزايد داخل الحكومة بأن اليابان يجب ألا تتخلف في بناء القدرة الإستراتيجية في الفضاء الخارجي في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة والصين بتطوير برامجهما الخاصة بنشاط. خلال الحرب الباردة، تسببت أزمة سبوتنك في اندلاع تنافس فضائي مكثف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وهو ما رفع القوتين العظميين إلى مستوى من القدرات التكنولوجية لا يمكن لبلد آخر أن يصل إليه. وإحدى ثمار ذلك، تحقيق صناعات التقنيات العالية في كلا البلدين قفزات هائلة نحو الأمام في مجال التكنولوجيا. ومن المحتمل إلى حد كبير أن يكون للجهود الحالية التي تقوم بها الولايات المتحدة والصين لتطوير قدراتها الفضائية الإستراتيجية تأثير مماثل تماما. وبالتالي فإن تخلف اليابان عن ركب تلك الدول يمكن أن يكون له تداعيات مدمرة على قدرة اليابان التكنولوجية الأوسع برمتها.

الحاجة للعمل مع حلفاء

ومع ذلك، تبقى حقيقة أن إستراتيجية الدفاع اليابانية لا تتطلب قدرة على نشر القوى عبر مسافات طويلة. كما أن البلاد لا تحتاج لحماية المصالح الإستراتيجية العالمية أو إرسال قوات الدفاع الذاتي إلى أماكن أخرى من العالم. بالنظر إلى هذا الواقع، هناك خطر من أن اليابان قد تستثمر مبالغ ضخمة في بناء نظام فضائي قد ينتهي به المطاف إلى كونه موردا غير مستغل.

يجب أن تنطلق أولوية اليابان من حقيقة أن قدرة الدفاع الخاصة بها يمكن أن تتأثر بأي هجوم على الأنظمة الفضائية لحليفها الأمريكي. تتعاون اليابان بالفعل في SSA مع الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا. وحتى لو قررت الدولة تطوير نظام فضائي خاص بها، فلا ينبغي أن يكون الهدف مجرد خدمة احتياجات اليابان الدفاعية وحدها. يجب أن تسعى اليابان لأن تكون في وضع يمكنها من عرض أنظمتها الخاصة لحلفائها، وضمان عدم انخفاض القدرة الإستراتيجية للتحالف برمته حتى ولو تأثرت بعض أنظمة الفضاء بهجوم معاد.

يجب على اليابان أن تنظر أولا إلى دمج أقمارها الاصطناعية المخصصة للأغراض الاستخباراتية مع نظامها البديل لتحديد المواقع’’‘‘GPS (نظام ميتشيبيكي الذي تدور فيه الأقمار الاصطناعية بشكل شبه متعامد مع خط الاستواء لترسم ما يشبه رقم ’’8‘‘) ضمن تفكيرها الدفاعي، وتأخذ في الحسبان الاستخدام المشترك مع الدول الحليفة لها. وفيما يتعلق بتطوير أي أنظمة فضائية في المستقبل، يجب أن يكون لدى اليابان وجهة نظر بشأن الاحتياجات الإستراتيجية لحلفائها، وأن تسعى إلى الحفاظ على تفوقها الدفاعي ليس من خلال العمل بمفردها ولكن بالشراكة مع الدول الأخرى.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 1 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018. الترجمة من الإنكليزية. حقوق صورة العنوان بيكستا/ بيرمنغ)

قوات الدفاع الذاتي