هل تعود المياه إلى مجاريها بين اليابان وكوريا الجنوبية؟

قضايا تاريخية شائكة: النزاع القائم بين اليابان وكوريا الجنوبية وآثاره على النظام العالمي

سياسة

يشرح الخبير في الشؤون الكورية أسابا يوكي سبب خوض طوكيو وسيؤول في قضية العمالة القسرية إبان الحرب العالمية الثانية، وينظر في الآثار الأوسع للنزاع على النظام الدولي بعد الحرب.

تراجعت العلاقات اليابانية مع كوريا الجنوبية إلى مستوى غير مسبوق. حيث ساد جو من الاستياء حول القضايا المطروحة عن سنوات الحكم الاستعماري لليابان، مسيطرًا على العلاقات التجارية والأمنية، بعد ما قامت به طوكيو من إزالة كوريا الجنوبية من ”القائمة البيضاء“ لشركائها التجاريين المفضلين وتهديد سيؤول بالانسحاب من اتفاقية الأمن العام ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع اليابان ”GSOMIA“. وكان للنزاع أثر عظيم على السلوك العام كذلك مما زاد من مقاطعة البضائع اليابانية في كوريا الجنوبية وزيادة ”الاستياء الكوري“ في اليابان. ولذلك قام الكاتب في المقال التالي بمحاولة إلقاء الضوء على بعض من العوامل الهيكلية والتاريخية الأساسية التي أدت للوصول للوضع الحالي.

تطورات جديدة في نزاع القديم

كان الحدث الذي أشعل الفتنة هو حكم صدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 عن المحكمة العليا في كوريا والذي يأمر شركة نيبون ستيل للصلب بتعويض أربعة رجال كوريين أجبروا على العمل في مصانعها خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت كوريا تحت الحكم الاستعماري الياباني.

وكثيرًا ما أكدت اليابان على أن جميع قضايا السخرة خلال فترة الحرب قد تمت تسويتها بإبرام معاهدة العلاقات الأساسية بين اليابان وجمهورية كوريا الجنوبية في عام 1965، والتي ترتب عليها العلاقات الدبلوماسية وكذلك الاتفاقية الملحقة بين اليابان وجمهورية كوريا الجنوبية بشأن تسوية المشكلات الخاصة بالملكية والدعاوى والتعاون الاقتصادي. وحتى وقت قريب، وافقت المحاكم الكورية الجنوبية على ذلك.  ولكن في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 رفضت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية هذا الوضع، مما مهد الطريق أمام مصادرة أصول الشركات اليابانية لتعويض الضحايا السابقين عما يسمونه بالعمل بالسخرة.

وأسرعت الحكومة اليابانية في رفض القرار، واعتبرت الأمر خرقًا للقانون الدولي وطلبت وزارة الخارجية اليابانية أن تقوم ”الجمهورية الكورية الجنوبية اتخاذ الإجراءات اللازمة فورًا للعدول عن هذا الخرق“.

ولم تقدم سيؤول أي رد حتى يونيو/ حزيران عام 2019، عندما اقترحت إنشاء صندوق لتعويض الضحايا بمساهمات من الشركات اليابانية التي قام العمال السابقين بمقاضاتها والشركات الكورية الجنوبية التي استفادت من المساعدات والقروض اليابانية حسب موجبات اتفاقية عام 1965 بين اليابان وكوريا الجنوبية. وطالما ساهمت الشركات بمبلغ يعادل التعويض الذي طلبته المحاكم، فستلتزم سيؤول بدعوة طوكيو لحل النزاع ”من خلال القنوات الدبلوماسية“ (وفقًا للفقرة 1 من المادة 3 من الاتفاق المذكور أعلاه).

ولكن طوكيو رفضت على الفور الاقتراح، واستمرت عملية مصادرة أصول الشركات اليابانية. وبدأ بيع هذه الأصول مع بدايات ديسمبر/ كانون الأول 2019، مما تعتبره طوكيو خطًا أحمر. ونظرًا لأن كثرة الناخبين في كلا البلدين يفضلون اتخاذ موقف متشدد، فإن كسر الجمود قبل عبور هذا الخط سيكون تحديًا كبيرًا، ليصبح أصعب فيما بعد.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يقع فيها التصادم بين اليابان وكوريا الجنوبية حول قضايا تاريخية. ولكن حتى وقت قريب، تفوقت مزايا التعاون في المجالين الاقتصادي والأمني على الاستياء المتأصل جذوره في الماضي. ومع ذلك فقد أصاب الخلاف تقريبًا كل جانب من جوانب العلاقة الثنائية، ويبدو أن أي من الجانبين لا يرغب في التقدم خطوة واحد. وفيما يلي سأستعرض العوامل الهيكلية الكامنة وراء هذا التدهور الكبير في العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية.

الدبلوماسية والمحاكم

العامل الأول الذي يجب مراعاته هو الاستقلالية والفعالية المتزايدة للجهاز القضائي في كوريا الجنوبية.  وبدت المحكمة الدستورية على وجه الخصوص على استعداد للدخول في المعركة السياسية للحفاظ على مراقبة كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والأحزاب السياسية، كما يتضح من حل الحزب التقدمي الموحد على أساس أنه ينتهك ” النظام الديمقراطي الأساسي“ للأمة (ديسمبر/ كانون الأول 2014). وعزل الرئيسة السابقة بارك غيون هاي وإدانتها (مارس/ آذار عام 2017)، مع قرار المحكمة الدستورية الصادر في أغسطس/ آب عام 2011 بشأن قضية ”نساء المتعة“ الذي يشجب فشل الرئيسة في التصرف في شؤون السياسة الخارجية، والأحكام الأخيرة الصادرة عن المحكمة العليا بشأن تعويض العمالة القسرية إبان الحرب العالمية، بل وامتد نطاق القضاء في كوريا الجنوبية إلى الساحة الدبلوماسية، مؤثرًا على العلاقات بينها وبين اليابان.

كان كل من قرار أغسطس/ آب عام 2011 بشأن نساء المتعة وقرار أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 بشأن العمالة في فترة الحرب يعبر بوضوح عن وجهة نظر كوريا الجنوبية بأن ”احتلال الإمبراطورية اليابانية لكوريا لمدة 36 عامًا“ - منذ المعاهدة اليابانية الكورية في عام 1910 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية - كان غير قانوني وغير شرعي.

تنص ديباجة دستور كوريا الجنوبية على أن الشعب ”يدعم قضية حكومة جمهورية كوريا المؤقتة والتي ولدت من حركة الاستقلال الأولى في مارس/ آذار عام 1919“ وفي ذلك الحين لم تكن هناك دولة كورية مستقلة، بل كانت شبه الجزيرة جزءًا من الإمبراطورية اليابانية، ولم يعترف بالحكومة المؤقتة من قبل أي دولة أخرى. ولم يتحقق الاعتراف الرسمي لكوريا دولة مستقلة حتى معاهدة سان فرانسيسكو للسلام لعام 1951.  فأعلنت كوريا الجنوبية رسمياً تشكيل حكومتها في 15 أغسطس/ آب عام 1948، لكن لم تتم دعوتها للمشاركة في محادثات معاهدة سان فرانسيسكو كعضو من الدول المنتصرة.

كانت مسألة الوضع القانوني لكوريا في ظل الحكم الاستعماري الياباني من أهم القضايا الخلافية خلال المفاوضات المطولة للمعاهدة الأساسية لعام 1965. في مواجهة ما يثبت أنه عقبة لا يمكن التغلب عليها، وتخلص الجانبان في النهاية من القضية من خلال صياغة غامضة، ودون اتخاذ موقف واضح بشأن مشروعية الحكم الاستعماري الياباني، لتنص المعاهدة فقط على أنه "تم التأكيد على أن جميع المعاهدات أو الاتفاقيات المبرمة بين إمبراطورية اليابان وإمبراطورية كوريا فيما سبق تاريخ 22 أغسطس/ آب عام 1910 أصبحت لاغية وباطلة بالفعل (التأكيد مضاف من قبل الكاتب).

لقد كان حلا ذكيا من جانب الزعماء السياسيين في البلدين، لكنه أخفى في جوفه فجوة عميقة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. وتفسر اليابان المقطع على أنه يعني أن مثل هذه الاتفاقيات، بما فيها المعاهدة اليابانية الكورية نفسها لعام 1910، كانت سارية على الأقل حتى وقت استسلام اليابان أمام الحلفاء في أغسطس/ آب عام 1945. بينما تتخذ كوريا الجنوبية موقفًا يقضي بكون الاتفاقيات لاغية وباطلة. وهذا يعني أن ضم اليابان وحكم كوريا لم يكونا شرعيين في المقام الأول.

على مدار أكثر من نصف قرن، استطاع البلدان الحفاظ على علاقات تعاونية وودية بشكل أساسي على الرغم من هذا التباين في وجهات النظر. ولكن المحاكم الكورية الجنوبية تختبر الآن العلاقات الثنائية المحدودة جدًا.

الاتفاقية بين الدولتين والإرادة الشعبية

العامل الأساسي الثاني الذي يقود الأزمة الحالية هو الإرادة الشعبية.

 حتى وقت قريب، كان المحور الرئيسي للتوترات بين اليابان وجمهورية كوريا هو قضية تعويضات ”نساء المتعة“ الكوريات اللائي أجبرن على تقديم خدمات جنسية لأفراد من الجيش الإمبراطوري الياباني قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. وتوصل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ورئيس كوريا الجنوبية السابقة بارك غيون هاي إلى اتفاق تاريخي تم اعتباره حلاً ”نهائيًا لا رجعة فيه“ للنزاع بين البلدين في ديسمبر/ كانون الأول 2015. وكجزء من الاتفاقية، قدمت الحكومة اليابانية اعتذارًا علنيًا قائلة: ”كانت قضية نساء المتعة، بمشاركة السلطات العسكرية اليابانية في ذلك الوقت، إهانة خطيرة لشرف وكرامة أعداد كبيرة من النساء. وأعرب رئيس الوزراء آبي مجددًا عن خالص اعتذاره وندمه. كما تعهدت اليابان بتمويل عام لمؤسسة أنشأتها حكومة كوريا الجنوبية لإدارة البرامج لاستعادة الشرف والكرامة وتضميد الجراح النفسية لجميع نساء المتعة السابقات بالتعاون مع الحكومتين. وتم تحويل الأموال كما وعدت في مبلغ مقطوع.

وفي وقت عقد الاتفاقية كانت هناك 47 امرأة من نساء المتعة المعروفات لازلن على قيد الحياة، وأيد 34 منهن التسوية. ومع ذلك فقد حلت إدارة الرئيس مون جيه إن، الأساس ورفضت الاتفاقية فعليًا على أساس أنها فشلت في تلبية متطلبات التسوية ”المتمحورة حول الضحية“.

واحدة من المبادئ الأساسية للقانون المدني والدولي هي أن العقد شريعة المتعاقدين، ويجب الحفاظ على الاتفاقيات، وبالنظر إلى أن سيؤول قد تخلت عن اتفاقية نساء المتعة بشكل فعال، فليس من المنطقي أن تدخل الحكومة اليابانية في اتفاق مماثل فيما يتعلق بعمال السخرة، خاصة وأن التعويض عن العمل في أثناء الحرب مدرج صراحة ضمن مطالب كوريا الجنوبية، وأدرجت في معاهدة التطبيع لعام 1965 وكانت هدفًا لمبلغ التسوية المحدد. وعندما أعادت حكومة كوريا الجنوبية في عام 2005، النظر في مسألة ما إذا كان للعمال وقت الحرب حق قانوني في مقاضاة الشركات للحصول على تعويض، اتخذت موقفًا مفاده أن هذه المطالبات قد تم تسويتها بالفعل.

لكن هذا الجدل لا يحظى باهتمام كبير في كوريا الجنوبية اليوم. وتُعتبر أزمة نساء المتعة والعمالة بالسخرة، قضية عالمية لحقوق الإنسان تطالب ”بالعدالة الانتقالية“ للتصدي للأخطاء التي ارتكبت في ظل أنظمة الماضي غير الديمقراطية. وعلى نفس المنوال يرفض العديد من الكوريين الجنوبيين خاصةً من اليساريين، معاهدة عام 1965 على أساس أنها أبرمت بشكل غير ديمقراطي، وفي أجواء شهدت معارضة واسعة النطاق، من قبل النظام الاستبدادي لـ بارك تشونغ هي، الذي استجاب للاحتجاجات الشعبية عن طريق سن الأحكام العرفية. ويصفوا الاتفاقية بأنها ”تسوية غير صحيحة للحسابات الماضية“ التي اكتسبت جانباً من قضايا العدالة التاريخية والحقوق الفردية في مقابل ضخ المساعدات الاقتصادية. ويصرون على أن التسوية الصحيحة للحسابات يجب أن تنطوي على اعتراف صريح بأن ”احتلال اليابان لمدة 36 عامًا لكوريا“ كان غير قانوني من البداية.

الإطار العام لاتفاقية 1965 وما بعد الاستعمار

العامل الأساسي الثالث الذي يقف وراء الأزمة الحالية هو التوتر المتأصل والمتنامي بين النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أسهمت في وجوده بشكل جزئي، معاهدة سان فرانسيسكو للسلام، ومُثُل فترة ما بعد الاستعمار.

لم تكن كوريا في حالة حرب مع اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، ولكنها كانت بالأحرى سواء شئنا أم أبينا، جزءًا من الإمبراطورية اليابانية. وهذا هو السبب في أن كوريا لم تكن من بين الدول المنتصرة التي تفاوضت ووقّعت معاهدة السلام مع اليابان، والمعروفة أيضًا باسم معاهدة سان فرانسيسكو للسلام، والتي حددت شروط التسوية السلمية الشاملة بين اليابان ومعظم المجتمع الدولي.

ومع ذلك، فإن معاهدة سان فرانسيسكو للسلام دعت إلى ”تسويات خاصة“ لتسوية مطالبات المستعمرات السابقة مثل كوريا وتايوان ضد اليابان (المادة 4 أ). وهذا هو السياق القانوني الذي تم فيه إبرام المعاهدة الأساسية بين اليابان وجمهورية كوريا لعام 1965. لتعد المعاهدة الأساسية لعام 1965 تابعة للإطار الأوسع الذي وضعته معاهدة سان فرانسيسكو للسلام. وبناءً على ذلك، لا يمكن بشكل معقول ذكر المعاهدة الثنائية لعام 1965 باعتبارها الأساس الوحيد للحكم على شرعية الحكم الاستعماري الياباني لكوريا.

في السنوات الأولى من القرن العشرين، كان الحكم الاستعماري لا يزال ممارسة مقبولة بين القوى الكبرى، ولم يكن القانون الوضعي الدولي يحظر ذلك بشكل صريح. لقد تم تبني حق تقرير المصير، كما أقره الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، كمبدأ توجيهي لإعادة رسم الحدود الوطنية في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لكن الأمر استغرق بعض الوقت قبل تبني هذا المبدأ عالميا. في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كانت ممارسات الحكم الاستعماري في مناطق مثل قائمة وتسير بشكل جيد في بورما البريطانية، الهند الصينية الفرنسية، وجزر الهند الشرقية الهولندية، ناهيك عن الفلبين التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. خلال هذه الفترة نفسها من التاريخ، سيطرت اليابان على كوريا وتايوان وجزر ولاية جنوب المحيط الهادئ.

لم يكن لنزع الشرعية عن الاستعمار أولوية بين دول الحلفاء المنتصرة عند صياغة تسوية سلمية بعد الحرب العالمية الثانية. ففي نهاية الأمر، لايزال العديد من هذه الدول لديه ممتلكات خاصة ستكون مهددة بفعل سلسلة من ردود الفعل لإنهاء الاستعمار. وفيما بعد تحولت القواعد والقوانين الدولية، بدءًا من إعلان الأمم المتحدة لعام 1960 حول شأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، بشكل حاسم ضد الاستعمار. لكن الأطر الأساسية التي أنشأتها معاهدة سان فرانسيسكو للسلام وغيرها من الاتفاقات الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية لا تزال سارية حتى الآن، وليس من الواضح ما الذي يجب القيام به لحل مثل هذه التناقضات.

حدود التصالح

أصدر رئيس الوزراء الياباني موراياما توميئيتشي بيانًا تاريخيًا في الخامس عشر من أغسطس/ آب عام 1995 بمناسبة الذكرى الخمسين لنهاية الحرب العالمية الثانية، أعترف فيه بأنه ”خلال فترة معينة في الماضي غير البعيد تتبعت اليابان سياسة وطنية خاطئة، ومضت قدمًا على طريق الحرب، لمجرد إيقاع الشعب الياباني في أزمة مصيرية، ومن خلال الحكم الاستعماري والعدوان، مما تسبب في أضرار هائلة ومعاناة لشعوب العديد من البلدان، ولا سيما شعوب الدول الآسيوية“.

وحظت التصريحات في البداية بآراء ساطعة في كوريا الجنوبية. ولكن بعد شهرين وفي إطار استجواب في البرلمان أعرب موراياما عن رأي مفاده أن ”إبرام وتنفيذ المعاهدة اليابانية الكورية عام 1910 كانت قانونية وصالحة في سياق العلاقات الدولية في ذلك الوقت والظروف التاريخية الأخرى وهذا ما دفع الكوريين الجنوبيين إلى استنتاج مفاده أن اليابانيين، حتى السياسيين اليابانيين اليساريين مثل موراياما، ظلوا غير مستنيرين تاريخيًا، على الأقل فيما يتعلق بشرعية الحكم الاستعماري“. 

أصدر رئيس الوزراء  ناوتو كان بيانًا مشابهًا لبيان موراياما في عام 2010، كما فعل رئيس الوزراء آبي في عام 2015. وكما كان بيان موراياما، تعاملت تصريحات كان وآبي مع ضم اليابان إلى كوريا على أنه أمر غير عادل ومؤسف، ولكنه ليس غير قانوني أو غير شرعي. ففي وجهة النظر اليابانية السائدة، كان جزءًا لا يتجزأ من العملية التاريخية، التي أبرزتها الانتصارات المجيدة في الحرب الصينية اليابانية (1895-1894) والحروب الروسية اليابانية (1905-1904)، حيث تحررت اليابان في عصر ميجي من المعاهدات غير المتكافئة التي فرضت عليها في السنوات الأخيرة من حكم إقطاع توكوغاوا وتحقيق التكافؤ مع القوى العظمى الغربية. ليبدأ الانتهاك الصريح للمعايير الدولية فقط مع غزو شمال شرق الصين في عام 1931.

أما من المنظور الكوري، وعلى النقيض من ذلك، بدأت المشكلة بالأحرى مع اندلاع الحرب الروسية اليابانية، بينما كانت كوريا محرومة من حقوقها الدبلوماسية في فبراير/ شباط عام 1905 وفي خضم الحرب ادعى الكوريون أن اليابان استولت على الجزر المعروفة باسم دوكدو (تاكيشيما باللغة اليابانية، وليانكورت روكس باللغة الإنكليزية) وأدمجتها لمحافظة شيماني. ويعتبر الكوريون دوكدو أول ضحايا للعدوان الإمبريالي الياباني على كوريا. ومن شبه المستحيل التوفيق بين النظرتين المختلفتين على الماضي من قبل الدولتين.

تحدي التغيير السلمي

”إن مشكلة ”التغيير السلمي“، تعني في السياسة الوطنية كيفية إحداث تغييرات ضرورية ومرغوبة دون ثورة، وفي السياسة الدولية تعني كيفية إحداث مثل هذه التغييرات دون حرب“.

هكذا كتب المؤرخ الذي تحول إلى دبلوماسي فيما بعد، إدوارد هالت كارّ في كتابه عام 1939 ”أزمة العشرين سنة، 1939-1919“. كما أشار إلى أن الحاجة إلى التغيير السياسي هي اعتقاد ثابت، لكن تغيير الوضع الراهن أمر يجب اتباعه بالوسائل السلمية كلما أمكن ذلك.

وقعت القوى العظمى في عام 1928على ميثاق كيلوغ - برييان، الذي يتضمن تعهد بعدم استخدام الحرب لحل ”النزاعات أو الصراعات من أي نوع كان أو أي كان أصله“. وفشل الميثاق في تجنب الحرب العالمية الثانية، ولكن حاولت الدول المنتصرة مرة أخرى، عن طريق تأسيس الأمم المتحدة ”لضمان عدم استخدام القوة المسلحة، وبقبول المبادئ وتمهيد الوسائل والمصلحة المشتركة“ (تمهيد، ميثاق الأمم المتحدة).

أرسى ميثاق الأمم المتحدة في ذلك الحين من بين أطر العمل الأخرى لما بعد الحرب، توازن القوى الدولية التي كانت قائمة عند نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذه هي القاعدة مع الأطر القانونية والمعيارية. وحتى اليوم وبعد مرور 70 عامًا على الحرب، يحتفظ ميثاق الأمم المتحدة ببنود ”الدولة المعادية“ التي تحدد صلاحيات دول المحور السابقة، ولا تزال العضوية الكاملة في مجلس الأمن مقتصرة على خمس قوى من دول الحلفاء. فمن وجهة نظر اليابان، التي حولت نفسها من دولة معادية إلى أمة محبة للسلام وحامية مخلصة له في المنظومة العالمية لما بعد الحرب، فإن هذا الجانب من الوضع الراهن يترك بطبيعة الحال رغبة ما.

لم ترحب كوريا الجنوبية من جانبها بالإطار الذي وضعته المعاهدة الأساسية بين اليابان وجمهورية كوريا عام 1965. فلقد أبرمت المعاهدة قبل أكثر من نصف قرن في الوقت الذي كانت فيه كوريا الجنوبية في وضع اقتصادي متأزم في مواجهة اليابان. كما وجدت نفسها على الخطوط الأمامية للحرب الباردة. ففي هذا السياق التاريخي لم يكن لدى سيؤول خيار سوى وضع التعاون الأمني والاقتصادي قبل ”تسوية صحيحة لحسابات الماضي“. ومع ذلك حققت كوريا الجنوبية التكافؤ مع اليابان على النحو الذي يقاس به نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بل وتجاوزت ذلك في عدة مجالات مثل الحكومة الإلكترونية والمجتمع غير النقدي. ونتيجة لذلك فإن الكوريين الجنوبيين غير مرحبين بالتغيير.

وليسوا وحدهم من واجه هذا الوضع. إننا نعيش في زمن يزداد فيه عدم الرضا الصريح والواسع الانتشار عن الوضع الدولي الراهن، مما يجبرنا على التصدي للأسئلة الصعبة، مثل: ما الذي يشكل القواعد العامة وأحكام هذا النظام العالمي؟ وأي منها يجب تغييره وما هي أفضل طريقة للقيام بذلك؟

ويعد موقف اليابان الأساسي هو أنه من الضروري العمل من خلال النظام العالمي. وحسبما ترى طوكيو، فإن توجه كوريا الجنوبية حول قضية تعويض عمالة فترة الحرب هو عبارة عن محاولة لتغيير الوضع الدولي الراهن من خلال عمل أحادي الجانب. ومثل هذه الانفرادية لا يهدد فقط إطار عام 1965 الذي تقوم عليه العلاقة بين اليابان وجمهورية كوريا، بل أيضًا معاهدة سان فرانسيسكو للسلام وغيرها من أسس النظام الدولي لما بعد الحرب.

وتشكك هذه الملاحظات في الاعتقاد السائد على نطاق واسع بأن التوتر الحالي بين اليابان وكوريا الجنوبية هو أمر فريد وغير عمومي، يعكس الظروف الفريدة لهذه العلاقة الثنائية، فعلى العكس من ذلك أود أن أقترح أن الخلاف هو مجرد مظهر من مظاهر إعادة تشكيل أكثر جوهرية والقوى والقواعد والقوانين الدولية.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: لقاء رئيس الوزراء الكوري لي ناك يون على اليسار مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو خلال الاجتماع الثنائي الذي جمعهما منذ أكثر من عام، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019. جيجي برس)

السياسة الحرب العالمية الثانية شينزو آبى