هل تعود المياه إلى مجاريها بين اليابان وكوريا الجنوبية؟

الأزمة الراهنة بين كوريا واليابان والآثار المترتبة على استقرار أمن المنطقة

سياسة

يتعرض الاستقرار الإقليمي في شرق آسيا لمختلف التهديدات، ليس فقط من جانب صعود الصين على الساحة العالمية والتصرفات المتهورة لكوريا الشمالية، بل وأيضًا بسبب الاحتكاكات بين اليابان وكوريا الجنوبية. يتحدث مايكل غرين في هذه المقالة وينظر في الجوانب التكتيكية والاستراتيجية لهذا المأزق.

زيادة الاحتقان في أحلك الأوقات

سوف يقع المؤرخون في حيرة من أمرهم وهم يستعرضون جوانب الاحتقان الحالي بين اليابان وكوريا الجنوبية، الأمر الذي أغرق كلًا من سيؤول وواشنطن وطوكيو في كم من النكسات الاستراتيجية التي فرضوها هم على أنفسهم في الوقت الذي تزداد فيه المخاطر في شرق آسيا. ففي صيف وخريف عام 2019، تصاعدت حدة التهديدات بين التحالفات الأمريكية اليابانية والأمريكية الكورية الجنوبية. في الوقت الذي أجرت فيه الصين وروسيا أول تدريبات مشتركة للطائرات قاذفات القنابل فوق منطقة الدفاع الجوي لليابان وكوريا الجنوبية. وبدلاً من تنسيق الجهود للرد على هذا التصرف الوقح، أعلنت كوريا أنها ستعلق العمل باتفاقية (GSOMIA) (اتفاقية الأمن العام لتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية) مع اليابان.

وفي الوقت نفسه، واصلت كوريا الشمالية توسيع نطاق قدراتها في مجال الأسلحة النووية واختبار الصواريخ البالستية المقذوفة من الغواصات بطرق كان من شأنها أن تؤدي إلى رد فعل قوي ومتسق بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية للضغط والردع، إلا أنه في واقع الأمر لم تتمكن كوريا واليابان من إجراء حتى أكثر التبادلات الدفاعية تواضعًا، في حين استمرت العراقيل أمام التدريبات الدفاعية الثنائية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بسبب الاتفاقات التي تمت مع كوريا الشمالية خلال انعقاد قمة سنغافورة في عام 2018.

ثم كان هناك موقف رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، الذي طالب كوريا الجنوبية بالموافقة على زيادة مذهلة بنسبة 500% فيما يخص الدعم المقدم من البلد المضيف — تكاليف القوات الأمريكية للدفاع عن جمهورية كوريا خلال أوقات السلم، الأزمات أو الطوارئ، أو الحرب — وذلك من خلال (”اتفاقية التدابير الخاصة“) بحلول ديسمبر المقبل. كذلك المخاوف التي أثارتها التغريدة المفاجئة والتي يعد فيها الرئيس الأمريكي بسحب القوات الأمريكية من كوريا. وبدلاً من العمل مع الحلفاء في واشنطن للحفاظ على خط الدفاع الأمامي الضروري للحفاظ على أمن اليابان، ركز المسؤولون الكوريون واليابانيون في زيارتهم لواشنطن بشكل أساسي على كسب الدعم الأمريكي لموقفهم في السجال القائم بين الجارتين سيؤول وطوكيو.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، على من يقع اللوم في تأزم الوضع الراهن؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال شقين: شق تكتيكي وآخر استراتيجي. فعلى المستوى التكتيكي، هناك إجماع واسع في واشنطن وغيرها من عواصم الحلفاء مثل كانبرا، أو لندن على أن الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن يتحمل اللوم إلى حد كبير. ولقد تعاملت مع مون في العديد من المناسبات أثناء عملي في البيت الأبيض وفي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأنا شخصياً لا أعتقد أن مون معادٍ لليابان بالفطرة، لكن البلاط الكوري (المكتب التنفيذي والمقر الرسمي لرئيس دولة كوريا الجنوبية) مليء بالشخصيات التقدمية التي تنوي إضعاف جميع هياكل الحكم المحافظ في كوريا، بما في ذلك مجلس الشيوخ، ووزارة الخارجية، والتحالف بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا، والعلاقات مع اليابان. الأمر الذي يشبه في ذلك الهجوم التقدمي الشامل على المؤسسات المحافظة بقيادة (أوزاوا إيتشيرو، الأمين العام السابق للحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني) خلال فترة إدارة رئيس الوزراء الياباني (هاتوياما يوكيو) في عام 2009-2010، حيث كانت الأهداف حينها إضعاف اتحاد العمال (كيدانرين)، ووزارة الخارجية اليابانية، والتحالف الأمريكي الياباني.

التحركات الكورية السلبية وتأثيرها على تدهور العلاقات مع اليابان

لقد سمح مون أو قام بتسهيل 4 ضربات أثرت على العلاقات بين اليابان وجمهورية كوريا. الأول كان قرار المحكمة العليا الكورية الذي ينص على أن المدعين يمكنهم مقاضاة الشركات اليابانية مثل ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة على الرغم من تنازل الحكومة الكورية عن جميع التعويضات والمطالبات في معاهدة التطبيع لعام 1965 مع اليابان. إلا أن المسؤولين الكوريين يزعمون بأن الاتفاقية تنتهك حقوق المواطنين الكوريين، وقد تعقدت القضية من خلال التحقيق مع رئيس المحكمة العليا السابق وحقيقة أن الكوريين اليساريين يعتبرون حكومة بارك تشونغ هي التي حكمت البلاد من عام 1963 إلى عام 1979 هي التي جعلت المعاهدة غير شرعية وغير ديمقراطية.

وعلى الرغم من أن العديد من الحكومات والمواطنين حول العالم قد يشعرون ببعض التعاطف مع كوريا الجنوبية كضحية للاستعمار الياباني، فلن تدعم أي حكومة الزعم القائل بأن الاتفاقيات الدبلوماسية يمكن نقضها بهذه السهولة. وفي الواقع، تم رفض جميع القضايا في الولايات المتحدة وهولندا ودول أخرى ضد الشركات اليابانية بسبب الأضرار التي وقعت خلال حقبة الحرب العاليمة الثانية في مذكرات صداقة — تُقدم من قبل طرف ثالث غير مشترك في النزاع ولكنه تطوع لتقديم شهادة في القضية محل الخلاف — من الحكومات توضح أن جميع هذه التعويضات تم التنازل عنها بموجب معاهدات السلام مع اليابان. ولم تقم حكومة مون بإعداد مذكرة مماثلة تخدم موقفها، مستندة على قرار المحكمة العليا التي قد حكمت بالفعل على معاهدة 1965 باعتبارها انتهاكًا لحقوق المواطنين، ولكن مع ذلك كان من الممكن أن تتخذ الحكومة موقفا أوضح مما فعلت.

والضربة الثانية للعلاقات بين اليابان وجمهورية كوريا كانت حادثة (the radar lock-on) (توجيه الرادار لتحديد الهدف استعدادًا لإطلاق النار) في أواخر عام 2018 حيث وجهت مدمرة كورية أسلحتها تجاه طائرة تابعة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية. وكانت الحادثة بين طائرة البحرية اليابانية (بي-1) ومدمرة تابعة للبحرية الكورية الجنوبية. وادعت كلتا الحكومتين بأن الطرف الآخر قد أساء تفسير الموقف. وقد كان موقف الحكومة الأمريكية بهذا الشأن متحفظًا بعض الشيء بدلاً من محاولة التحكيم أو التحقيق في هذه الحادثة. الأمر الذي زاد من حدة المواجهة واللوم المتبادل بين سيؤول وطوكيو وأضاف مزيدًا من التدهور والاحتقان في العلاقات.

الضربة الثالثة من حكومة مون كانت في قرار تعليق اتفاقية (GSOMIA) (اتفاقية الأمن العام لتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية) بين اليابان وكوريا. وقد أثارت هذه الخطوة أول رد فعل قوي من قبل إدارة ترامب، حيث دعا مساعد وزير الدفاع لشؤون الدفاع والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ راندال شريفر ومسؤولون كبار آخرون سيؤول إلى التراجع عن قرارها. وقد كان هذا الرد الأمريكي لأن تعليق الاتفاقية الأمنية يؤثر بشكل مباشر على المصالح الأمنية الأمريكية، ولأن وزير الدفاع الأمريكي قد أبلغ عن طريق نظيره الكوري من قبل بأن الاتفاقية لن تتأثر بالمشاكل السياسية بين البدين، قبل أن يُجبر وزير الدفاع على تعليق الاتفاقية. وقد كان المسؤولون الأمريكيون واضحين بشأن الاتفاقية بأنها سيكون لها تأثير سلبي على سير العمليات لأن الضباط الأميركيين سيضطرون الآن إلى تبادل المعلومات العسكرية بين اليابان وكوريا من خلال اتفاقية استخبارتية ثلاثية المستوى، وهي آلية خطيرة ومرهقة ستثبت أنها بطيئة للغاية عند الاستجابة لعملية إطلاق الصواريخ وستكون تقريبا عديمة الفائدة في الحالات التي يتم فيها اكتشاف طوربيدات أو صواريخ قادمة من كوريا الشمالية ومتجهة نحو السفن الكورية الجنوبية من قبل القوات اليابانية عندما لا تكون القوات الأمريكية موجودة للعب دور الوسيط.

أما الضربة الرابعة فكانت تهديد الرئيس مون بالانسحاب من اتفاق عام 2015 بين رئيس الوزراء شينزو آبي والرئيسة بارك غون هي فيما يتعلق بقضية نساء المتعة. إلا أنه يمكن القول إن من بين الحركات الأربعة كان قرار المحكمة العليا هو الأكثر ضرراً والأكثر إثارة للحيرة.

وفي الوقت نفسه، كانت تحركات اليابان، وخاصة إزالة كوريا من "القائمة البيضاء" الخاصة بمراقبة الصادرات على بعض التقنيات، مستندة ومتسقة مع القواعد الدولية، على الرغم من أنه لا يوجد مسؤول واحد في واشنطن يصدق بأن الجدل حول هذه المسألة من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية ليس له علاقة على الإطلاق بتوقيت الخطوات التي اتخذتها الحكومة الكورية.

ومن خلال ما سبق، فإن هناك إجماع على أن حكومة مون تتحمل اللوم التكتيكي الأساسي لهذا التدهور الحالي في العلاقات اليابانية الكورية. وفي الواقع، تفقد حكومة مون مواجهتها مع اليابان على المستوى التكتيكي وتجد نفسها في وضع سياسي واقتصادي ودبلوماسي أضعف مع استمرار النزاع.

رؤية مختلفة مطلوبة على الصعيد الاستراتيجي

ولكن ماذا عن الشق الاستراتيجي؟ قد تخرج اليابان منتصرة من خضم هذه الأحداث مع كوريا على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي والسياسي، ولكن المنافسة الأكثر أهمية في آسيا هي المنافسة الاستراتيجية مع الصين. والمنتصر النهائي في هذه المواجهة بين اليابان وكوريا هو بكل وضوح سيكون بكين التي تسعى إلى إضعاف التحالفات الثنائية مع الولايات المتحدة كون ذلك الشرط الأساسي للهيمنة الصينية في آسيا كما اتضح في رؤية الرئيس الصيني شي جينبينغ التي تم كشف النقاب عنها في أبريل/ نيسان 2014 من أجل تواجد آسيوي تتم إدارته الأمنية من قبل الآسيويين، ويعني بذلك الصين، من دون الولايات المتحدة.

وبعبارة أخرى، فإن الطريقة الأكثر فاعلية التي يمكن أن تفرضها الولايات المتحدة واليابان على الصين بسبب سياسة الإكراه التي تتبعها في المنطقة الرمادية في بحر الصين الجنوبي تتمثل في إثبات أن سياسة بكين هي التي تتسبب في تحول التحالفات الأمريكية الثنائية في آسيا إلى منظومة أمنية مشتركة من شأنها أن تحتوي طموحات الهيمنة الصينية. مثل هذه الإشارات التحذيرية يتم إرسالها إلى حد ما بشكل رباعي من جانب الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، ولكن بالنسبة لبكين، فإن شبه الجزيرة الكورية هي المنطقة الأكثر حساسية استراتيجياً كما كانت بالنسبة لليابان تاريخياً وكما يجب أن تكون في المستقبل. وفي هذا الشأن تعتقد بكين أنها تحقق النصر. وينطبق الشيء نفسه على التهديد النووي لكوريا الشمالية، حيث تتمثل الآلية الأكثر فاعلية للضغط على الصين لاحتواء التحركات الكورية الشمالية في إحكام التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وهذا ليس شيئًا تخشاه بكين في الوقت الحالي، وليس من المفاجئ أن نرى تنفيذ الصين للعقوبات الموقعة على كوريا الشمالية يتراجع نتيجة لذلك.

ولكن هذا لا يعني أن موقف اليابان خاطئ فيما يتعلق بقرار المحكمة العليا الكورية لأسباب قانونية دولية أو خطأ فني فيما يتعلق بقواعد مراقبة الصادرات. ولكن لا ينبغي أن تكون هذه هي السياسة الكلية للجارتين كوريا واليابان، الأمر الذي يعزز من طموحات الهيمنة طويلة الأجل للصين على شبه الجزيرة الكورية. وينبغي أن تكون الحكومة اليابانية سلسة في تعاملها بشكل يجعلها تحتفظ بموقف مبدئي بشأن القضايا المطروحة مع البحث عن طرق مبتكرة للإشارة إلى حسن النية تجاه الشعب الكوري، والتحدث بصراحة عن أهمية التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا لليابان، أو التركيز بشكل أقل على المجالات السياسية في مقابل تعزيز التعاون في مجالات كالتنمية، ومشاريع تمكين المرأة، أو البحث في تقنيات الـ 5G، حيث سيكون أي نظام آخر غيرالأنظمة التقنية لشركة (هواوي) أقوى إذا واصلت كلًا من شركتي (إن إي سي) و (سامسونج) العمل المتطور سويًا. ومن المهم أن نتذكر أن العديد من الكوريين يشعرون بالآسي بسبب تدهور الوضع الحالي، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، والتشايبول (تكتل شركات عالمية متعددة الجنسيات في كوريا الجنوبية)، والعديد من السياسيين المحافظين. وينبغي أن يهدف موقف اليابان إلى تمكين هذه الجهات والمؤسسات.

إن الشعور العام لدى القادة البارزين للحزب الليبرالي الديمقراطي هو أن أفضل ما يمكن فعله هو مجرد تجميد العلاقات والانتظار حتى تنتهي ولاية مون. ومن الصعب أن نفهم هذا الموقف بالنظر إلى أن اليابان تقترح وببراعة إجراء حوار غير مشروط مع إيران وروسيا وحتى كوريا الشمالية، وهي دول تشكل جميعها تحديات أكبر للمجتمع الدولي ولأمن اليابان أكثر من موقفها مع كوريا الجنوبية الديمقراطية. ومثل هذا النهج الحكيم في استثمار العلاقات على الرغم من صعوبته يمكن تطبيقة مع كوريا.

الحاجة إلى التمسك بكوريا الجنوبية

يشعر الخبراء في واشنطن بالاندهاش عمومًا من موقف إدارة ترامب التي أبدت القليل من الاهتمام باتخاذ خطوات من شأنها أن تمنع المزيد من التدهور في العلاقات اليابانية الكورية، ناهيك عن قول سيؤول مؤخرًا بعدم تعليق الاتفاقية الأمنية. ولم يتمكن الموظفون في وزارتي الخارجية والدفاع من إقناع رؤسائهم بالتدخل. وربما يعكس عدم اهتمام الرئيس ترامب بتشكيل فريق من الحلفاء لتعزيز المصالح الأمريكية في الخارج رغبته في تقسيم الدول والضغط عليهم بشكل مستقل بشأن المسائل المتعلقة بالمعاملات التجارية.

هناك أيضًا امتعاض أيديولوجي إذا صح التعبير تجاه حكومة مون التقدمية من جانب إدارة ترامب ومحاباة مصاحبة للحكومة المحافظة في اليابان. وأنا أعلم أن هذا الشعور جيدًا، حيث إن مديري الرئيس السابق للولايات المتحدة جورج دبليو بوش كان على علاقة وطيدة وثقة متبادلة مع رئيس الوزراء (كويزومي جونيئتشيرو) وعلاقة إيديولوجية مضطربة مع رئيس كوريا الجنوبية روه مو هيون. لكن الرئيس بوش بذل قصارى جهده لتحمل نهج الرئيس روه المتذبذب تجاه بيونغ يانغ والانتقاد المتكرر للولايات المتحدة واليابان لأنه كان يعي جيدًا أن المصالح الجيوسياسية الأمريكية تعني أننا بحاجة إلى إبقاء كوريا إلى جانبنا.

ويمكن القول بأن كوريا تقف في صفنا. فالرأي العام الكوري تجاه الصين قد تدهور نتيجة مقاطعة بكين للشركات الكورية بسبب نشر أنظمة الدفاع الجوي عالية الارتفاع في كوريا الجنوبية للدفاع ضد التهديدات المتزايدة للصواريخ الكورية الشمالية. وتدعم العامة في كوريا التحالف مع الولايات المتحدة بأغلبية كبيرة. ويشارك الكوريون الولايات المتحدة واليابان في الالتزام بالمعايير الديمقراطية.

قد لا تكون اليابان قادرة على إحراز تقدم مع كوريا الجنوبية طالما كان مون رئيسًا أو على الأقل قبل انتخابات الجمعية الوطنية في سيؤول في أبريل/ نسيان 2020، لكن هذا التصرف السلبي أذهلني في حقيقة الأمر، في الوقت الذي كانت فيه الصين وكوريا الشمالية تسعيان إلى تحييد كوريا الجنوبية ومن ثم تركيز كل قواهم على التحالف الأمريكي الياباني. فكوريا الشمالية والصين لن ينتظروا حتى رحيل مون، وكذلك ينبغي أن يكون الحال بالنسبة لليابان والولايات المتحدة. العامل الآخر الذي يتطلب النظر إليه على وجه السرعة هو اهتمام الرئيس ترامب الواضح بسحب القوات من شبه الجزيرة الكورية، إلى جانب خطر استمرار مفاوضات اتفاقية التدابير الخاصة على نحو سيئ وإعلان الرئيس في قمة ثالثة مع زعيم كوريا الشمالية أنه حقق السلام وسوف يقوم بسحب القوات من المنطقة. كل هذه الأِشياء سيكون مردودها كارثيًا على اليابان. وستعارض الغالبية العظمى من أعضاء الكونجرس الأمريكي الرئيس في هذا السيناريو، لكنهم سيكونون في وضع أفضل للقيام بذلك إذا كانت اليابان وكوريا تتحدثان بصوت واحد.

التوصل إلى حل توافقي

وخلال حديثي مع قادة الأعمال والعسكريين والدبلوماسيين اليابانيين والكوريين الساعين بشدة لاستعادة العلاقات الثنائية على نحو أفضل، أسمع باستمرار القول الذي ينادي بـ (otoshidokoro) أي نقطة تسوية مقبولة ومشتركة للجانبين اللذين كانا على طرفي نقيض حتى الآن، على الرغم من أن القليل منهم مستعدون للتصريح بذلك علانية. وسيكون لهذه التسوية ثلاثة عناصر، اثنان منها سيتطلب تدخل الولايات المتحدة. العنصر الأول: ستنظم الولايات المتحدة واليابان وكوريا اجتماعًا ثلاثيًا لمراقبة الصادرات لمساعدة الحكومة الكورية على اتخاذ تدابير تسمح بالعودة الكاملة إلى القائمة البيضاء. في حين أنه يمكن القيام بذلك نظريًا على أساس ثنائي الأطراف، وسيكون دور الولايات المتحدة مفيدًا من الناحية السياسية. العنصر الثاني: ستقوم الولايات المتحدة واليابان وكوريا بعقد اجتماع ثلاثي رفيع المستوى لمناقشة سياسة تبادل المعلومات الاستخباراتية لتحسين وضع الاتفاقية الأمنية ومنح كوريا الجنوبية طريقة لحفظ ماء الوجه للحفاظ على الاتفاق قبل الموعد النهائي لتحديد مصير الاتفاقية في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني. العنصر الثالث: ستشكل كوريا لجنة حكماء لعمل دراسة شاملة لقضية (العمل القسري) خلال حقبة الحرب العالمية الثانية، وهو اقتراح مقدم من الدبلوماسي الكوري السابق البارز وي سونغ-لاك من شأنه أن يكسب وقتًا لتهدئة الأوضاع وإعطاء المحاكم في كوريا سببًا للتريث حول مسألة توزيع الأصول اليابانية على المدعين مقدمي الشكوى. وفي نهاية المطاف، من الأفضل لهذه المجموعة أن تقترح خطة تمويل للمدعين من الحكومة ومن قطاع الصناعة الكورية، وهو أمر تدعمه كثير من القطاعات الخاصة الكورية، بالتوازي مع صندوق تطوعي يمكن للأفراد أو المؤسسات أو الشركات اليابانية اختياره للمساهمة فيه إذا أرادوا من أجل تعزيز التفاهم الثنائي.

وفي الواقع لا أرى أي زعيم سياسي في سيؤول أو طوكيو يخاطر باقتراح يأخذ به مسار الأمور لتمضي قدمًا على المدى القريب. وقد يكون أفضل ما يمكن القيام به في الوقت الحالي هو تأجيل إتخاذ أي إجراء على الأقل لتفادي الخطوة التالية البالغة الخطورة المتمثلة في توزيع الأصول اليابانية، وهو تصعيد قد يؤدي بدوره إلى حمل الجانب الياباني على الرد بالمثل وتأجيج فتيل الأزمة أكثر فأكثر، لكن السلبية وترك الأمور برمتها على حالها لا ينبغي أن يكون أحد الخيارات.

(النص الأصلي نُشر باللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه-إن على اليمين، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال انعقاد محادثات ثنائية في أحد فنادق نيويورك في الخامس والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2018، ولم يعقد الزعيمان أية اجتماعات قمة منذ ذلك الحين. صور العنوان وكالة أنباء يونهاب/ أفلو)

شينزو آبي سياسة خارجية الحزب الليبرالي الديمقراطي