التصدي للحملات الإعلامية المتحيزة ضد اليابان: صراع مستمر لتصحيح المفاهيم الخاطئة والآراء المغرضة

سياسة

أصبحت قضية التصدي للمفاهيم الخاطئة والأفكار المغلوطة المتعلقة بالشأن الياباني في وسائل الإعلام الدولية مسألة شخصية تقع على عاتق أحد الباحثين والمفكرين في وسائل الإعلام. وفي هذا الصدد يتطرق تاكيشيتا سيجيرو، الذي سجل أكثر من 2500 ظهور ومداخلة مع هيئة الإذاعة البريطانية الـ (بي بي سي) ووسائل إخبارية أخرى،في هذا الموضوع إلى معركته التي خاضها منفردًا.

في إحدى الأُمسيات الهادئة التي أهنأ فيها بالمكوث بالمنزل مع عائلتي بعد نهاية يوم شاق، قطع لذة الاسترخاء رنين جرس الهاتف إيذانًا بنهاية ذلك التجمع الأسري. فالمكالمة كانت من أحد مذيعي القنوات الأجنبية الذي كان يسعى للحصول على تعليق على بعض الأخبار التي تتعلق بالشأن الياباني، والتي تكون بالكاد قد حدثت منذ بضع ساعات أو حتى دقائق. حينها أهرع للبحث والدراسة في عجالة استعدادًا للمداخلة.

مثل هذه المكالمات تحدث بشكل شبه روتيني. واضطر إلى القيام بتلك المداخلات من المنزل في جميع الأوقات. (وسائل الإعلام لا تكترث تقريبًا بفارق التوقيت)، وقد اضطرني الأمر في إحدى المرات للتخلي عن مقعدي في أحد المؤتمرات الدولية للرد على إحدى هذه المكالمات. وفي إحدى المرات، أجريت مداخلة من بهو أحد الينابيع الساخنة حيث كنت أقضي إجازتي. ومثل هذه المداخلات ليست مجزية ماليا. وفي الواقع، معظم وسائل الإعلام لا تدفع لي أي شيء على الإطلاق. إذن يبقى السؤال، لماذا أتحمل عناء كل ذلك؟ الإجابة بكل بساطة تنبع من شعوري بالواجب تجاه وطني.

تجاوز الصور النمطية

بشكل عام، الصحافة الأجنبية ليست على دراية كافية عندما يتعلق الأمر بالأحداث اليابانية. وغالبًا ما تكون التقارير الصادرة عن الوكالات الإخبارية الأجنبية غير دقيقة أو مضللة، وتغذي الصورة النمطية السلبية عن اليابان. ويحدث هذا لأن العديد من الصحفيين يتعاملون بشكل سطحي مع الأحداث ويستخدمونها كنقطة انطلاق للتحليلات السهلة، دون الرجوع للخلفية الجغرافية، التاريخية، الاجتماعية، والثقافية. ويمكن قول الشيء نفسه عن تغطية وسائل الإعلام اليابانية وتحليل الأخبار الأجنبية.

إن تفاقم المشكلة هو الدافع الأساسي لوسائل الإعلام للتركيز على كل ما هو مثير، وهو اتجاه نما بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. وبالإضافة إلى ذلك، تعمد العديد من الوكالات الإخبارية إلى تأطير الأخبار لخدمة أيديولوجية مبطنة أو أجندة معينة. وبالطبع، لا تزال هناك هيئات مثل بي بي سي لا تزال ملتزمة بتقديم تقارير محايدة وموضوعية، ولكن يبدو أن العديد من مجريات الأحداث حاليًا عازمة على التأثير على النسق العام بما يتماشى مع موقف معين أو نظرة عالمية مختلفة.

ونجد أن هذه التحيزات واضحة بشكل خاص في تغطية النزاعات التاريخية والسياسية بين اليابان وجيرانها، الصين وكوريا الجنوبية. ففي إحدى المرات، أنتجت إحدى الشبكات التلفزيونية الصينية عرضًا خاصًا لمدة ساعة حول الفظائع التي ارتكبها الجيش الإمبراطوري الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. وفي محاولة لإضفاء نوع من التوازن، دعا المنتجون عددًا من الضيوف الأجانب، كنت أنا من ضمنهم. لكن اختيار الضيوف كان منحازًا بشدة تجاه الصين وضد اليابان، وكان الجو العام – الذي تضخمه تعليقات مقدم البرنامج المعادية لليابان – هو تصوير اليابان على أنها أصل كل الشرور. وكنت أشعر أنني أسبح ضد التيار وسط تلك الأجواء المعادية لليابان.

ولكن قد يتساءل المرء، لماذا أتكبد عناء خوض مثل هذه الصراعات الإعلامية غير المتوازنة؟

والجواب ببساطة يكمن في أنني إن لم أقم بتفنيد ودحض ما يقال عن اليابان، فإن الطرف الآخر سيقول كلمته، وسوف تنتشر المفاهيم الخاطئة والأحكام المسبقة التي يتبناها وتتأصل في عقول المشاهدين. لذلك يتعين على شخص ما أن يجلي ذلك الضباب ويقدم شيئًا من الحقيقة في دائرة الحوار. وتذكروا أن خصومي مسلحون بشكل جيد، وهم يعرفون حتمًا أين يصوبون أسلحتهم. وبصراحة، فإن مثل هذه المناقشات تترك غصة في قلبي. ولكن يجب على شخص ما القيام بذلك وأنا أعرف قلة من الناس ممن لديهم القدرة والرغبة على القيام بذلك باللغة الإنكليزية. وخلال مسيرتي المهنية، قمت بأكثر من 2500 ظهور في وسائل الإعلام الأجنبية، من ضمنها أكثر من 1000 ظهور في بي بي سي وحدها. ولقد قال لي أحد زملائي ذات مرة بأني أبحث عن الشهرة، لرغبتي في أن يتم استضافتي تحت أي ظرف من الظروف. ولن أنسى كم التعليقات المستفزة التي دائمًا ما كانت تثير حنقي وسخطي.

الحقيقة أقوى الأسلحة

يضع بعض المنتجين الأساس الذي يبني عليه حجته بعناية، مصممون على تأطير المشكلة وفقًا لسرد مسبق. ومع ذلك، فأنا أرى أنه طالما كانت الحقيقة حليفتي فليس لدي ما أخشاه.

وعندما ظهرت في أحد برامج التلفزيون الصيني بعد أن دخلت حاملة الطائرات المروحية (جي إس إيسيه) حيز التشغيل في مارس/ آذار 2011. وأمام عدسات الكاميرات، واجهت ادعاءات تجافي الحقيقة بأن اسم السفينة – نفس اسم إحدى السفن الحربية من الحرب العالمية الثانية – يشهد على عودة العسكرية اليابانية. ورددت قائلًا بأن تسمية السفن تيمنًا بأسماء الأماكن أمر شائع في جميع أنحاء العالم، واستشهدت بأمثلة مختلفة. إلا أن الباحث الصيني الذي تمت دعوته إلى الإستوديو باعتباره خصمي تجاهل حجتي وأخذ يردد دون اكتراث نفس الكلمات مرارًا وتكرارًا "إن إعادة تسليح اليابان تهديد للسلام في آسيا".

بعد ذلك، استشهدت بأرقام صادرة من العديد من معاهد البحوث ذات السمعة الطيبة والموثوقة، وأشرت إلى أن نفقات الدفاع في الصين في ذلك الوقت بلغت 1.87٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن اليابان كانت 0.92٪ فقط، والأهم من ذلك، أن الإنفاق العسكري الصيني نما بنسبة 10 أضعاف تقريبًا منذ عام 2000، بينما ظلت اليابان ثابتة أو أقل. وقارنت أيضًا بين الوجود البحري للبلدين في المنطقة، وقارنت بين 5 غواصات صواريخ باليستية تعمل بالطاقة النووية في الصين وحوالي 60 غواصة هجومية مقابل 28 غواصة تقليدية يابانية، وسألت حينها أيًا منا يمثل تهديدًا للدول المجاورة. أعتقد أن الإجابة كانت واضحة لأي مشاهد موضوعي. ومع ذلك، استمر خصمي في العزف على نغمة المغزى المفترض لاسم السفينة.

حسنًا، وبنفس المنطلق، أجبت قائلًا "أعتقد أن هذا يعني أنه إذا قررت الصين تسمية سفينة (تيانينمن)، فإنها ستشير إلى العودة إلى عهد الإرهاب، عندما استخدمت الحكومة البنادق والدبابات لإسكات مواطنيها. حينها تفجر الوضع داخل الإستوديو ودبت حالة من الفوضى. (لا تعترف الحكومة الصينية بحدوث حادثة ساحة تيانينمن، وبالإشارة إلى ذلك، كنت أتحدى إحدى أكبر المحرمات الإعلامية في الصين).

وحتى لو فاق عدد مجابهي وأصبح 100 إلى واحد، فلن أخشى شيئًا طالما كنت مسلحًا بالحقيقة. ومع ذلك، كانت هناك مناسبات قليلة "فقدت فيها هدوئي".

وواحدة من تلك المداخلات التي لا تنسى كانت في ديسمبر/ كانون الأول 2016، عندما طلب مني مذيع أخبار لشبكة شرق أوسطية التعليق على رد فعل الحكومة الصينية على زيارة رئيس الوزراء شينزو آبي إلى ميناء بيرل هاربور.

وكان قد حدث في مايو/ أيار من نفس العام أن سافر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى هيروشيما، حيث ألقى خطابا ووضع إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري للضحايا في حديقة السلام التذكارية. ولقد كانت لفتة غير مسبوقة وشجاعة لرئيس أمريكي في سدة الحكم. ولقد تأثرت بالدموع من صورة تظهر الرئيس وهو يعانق أحد الناجين من القنبلة الذرية الذي كان يجهش بالبكاء.

وبالطبع رغبة في الرد بالمثل، زار آبي ميناء بيرل هاربور مع الرئيس أوباما في ديسمبر/ كانون الأول التالي. ووضع الزهور على الماء تأبينًا لضحايا الهجوم، وبدا أن آبي وأوباما يجسّدان شراكة دولتين. وقد عبر آبي واصفًا الزيارة بقوله "قضت على الكراهية وقوت من أواصر الصداقة والثقة على أساس القيم المشتركة، مناشدين العالم حول أهمية التسامح وقوة المصالحة".

وقد طُلب مني التعليق على البيان الصادر عن وزارة الخارجية الصينية، والذي رفض زيارة آبي باعتبارها محاولة ساخرة "لمسح تاريخ الحرب العالمية الثانية". في تلك اللحظة، استشطُّ غضبًا، وأجبت منفعلًا، ما هي علاقة الصين بالأمر في الوقت الذي كانت فيه قوتان عظيمتان، اليابان والولايات المتحدة، تكافحان من أجل وضع الماضي وراءهما والمضي قدمًا جنبًا إلى جنب؟ وقلت إن الصين كانت مثل شاب غيور يتمتم بالشتائم وهو يراقب المرأة التي يحبها ترقص مع شخص أكثر جاذبية. (وفي حقيقة الأمر يجب أن أعترف، لقد شعرت بالارتياح).

التصدي لإشاعات سقوط اليابان

في كل مرة تغرق فيها أسهم إحدى الشركات اليابانية الكبرى بسبب فضيحة ما، يسألني الناس ما إذا كان "انتهى الأمر بالنسبة لليابان" كقوة اقتصادية. ودائمًا إجابتي، بالطبع لا. لقد انتهت مراحل النمو في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، واليابان الآن قوة اقتصادية ناضجة. وأي مقارنات بين تلك العصور واليوم لا معنى لها. حيث لا تزال المنتجات ذات القيمة المضافة العالية المصنوعة في اليابان تتمتع بسمعة دولية من حيث الجودة، وهي أبعد ما تكون عن السلع الرخيصة، والإنتاج الكمي للبضائع كما كان في الستينيات. وقد يكون صحيحًا أن الصناعة اليابانية قد تتباطئ في ابتكار المنتجات مثل اختراع تقنيات استهلاكية جديدة، لكنها لا تزال تتفوق في الابتكار التصنيعي الذي يبني القيمة من خلال التحسينات المستمرة.

إذن، ما الذي يفسر هذا التصور القائل بأن الصناعة اليابانية لم تعد قادرة على المنافسة؟ أعتقد أن المشكلة تكمن إلى حد كبير في ضعف مهارات التواصل الدولية لدى الشركات والمؤسسات.

ويظهر هذا الضعف جليًا بشكل خاص كلما ظهرت فضيحة ما. ويمكن القول إن الشركات اليابانية تبرع في إدارة المخاطر. بمعنى تحديد وتقليل والاستعداد لمخاطر محددة قبل وقوعها. وكان ذلك نتاج طبيعي إيجابي للاتجاه الياباني للعب في المضمون. لكن شركاتنا أقل مهارة في إدارة الأزمات، أي التفاعل السريع مع الفضائح والنكسات الأخرى غير المتوقعة من أجل السيطرة على الضرر وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.

إن طمأنة الشركاء الأجانب في أعقاب الحوادث والفضائح هو أمر منوط به مديري الشركات، لا سيما الرئيس التنفيذي للشركة وكبار التنفيذيين الآخرين. ولكن لسوء الحظ، يميل المسؤولون التنفيذيون اليابانيون إلى اتباع آراء المستشارين القانونيين للشركة، الذين يركزون على المسؤولية القانونية وغير قادرين على رؤية الصورة الكاملة للمشهد العام. وفي حالة عدم وجود خطة عمل ممنهجة، يلتزمون الصمت حتى لا يصبح لديهم خيار سوى مواجهة المشكلة علانية أمام الرأي العام. وبحلول ذلك الوقت، يُنظر دائمًا إلى رد الفعل على أنه "ضعيف جدًا ومتأخرٌ للغاية".

إن صورة اليابان كقوة اقتصادية تعاني إلى حد كبير من ضعف مُسيري الأعمال التنفيذيين. ففي التقرير العالمي للمواهب لعام 2016 الذي نشره مركز القدرات التنافسية الدولي (أي إم دي)، احتلت اليابان المرتبة الستين من أصل 61 دولة في اختصاص كبار المديرين، والحادية والستين في الخبرة الدولية لكبار مديريها، والسابعة والخمسين في التعليم الإداري. ونجد أن صميم المشكلة يكمن في المؤسسات التي تُرقي موظفيها بغض النظر عن الموهبة والكفاءة، وتركز بشكل مفرط على القدرة على الانسجام، وتثبط من قيمة الحوار والتدفق الحر للمعلومات. وهناك مشكلة أخرى هي تقديس فكرة (monozukuri) أو (الحرفية)، التي تكرس لمفهوم الصناعات التحويلية في اليابان وترتكب المغالطة القائلة بأن أي شركة تصنع منتجات عالية الجودة لا بد لها أن تنجح، الأمر الذي يبرر الافتقار إلى الإدارة الاستراتيجية. وإلى أن تعترف الشركات بمواطن الضعف هذه وتعالجها، سيواصل العالم بلا شك تقويض القدرة التنافسية لليابان.

وعلى كلٍ، سأواصل حملتي منفردًا ضد المفاهيم الخاطئة والأحكام المسبقة التي تستمر في الانتشار في ظل غياب تواصل خارجي قوي. وسواء كنت في العمل أو في المنزل، ليلاً أو نهارًا، فسأكون على أهبة الاستعداد أنا وهاتفي للرد بلا هوادة على كل ما يتعلق باليابان، وكشف الحقيقة وعرضها على الناس بشكل محايد ومجرد.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، في لحظة صمت بعد وضع إكليل من الزهور في المياه على متن النصب التذكاري الوطني للبارجة الحربية (يو إس إس أريزونا) في ميناء بيرل هاربور في مدينة هونولولو بولاية هاواي، في السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2016. جيجي برس)

شينزو آبى السياسة الدولية الحكومة اليابانية