آثار التوتر بين الولايات المتحدة والصين على النظام الدولي في آسيا

سياسة

حذر مسؤول سابق في وزارة الخارجية من أن اليابان يجب أن تضطلع بدور أكبر في تحالفها مع أمريكا لتجنب صراع قد يحدث في مضيق تايوان يمكن أن يبتلع جزر اليابانية النائية وقد يهدد الديمقراطية في المنطقة.

في 16 أبريل/ نيسان 2021، أصبح رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي أول زعيم دولة أجنبية يزور البيت الأبيض بعد تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه. ولا يبدو سبب اختيار بايدن لغزًا خفيًا. فبشكل أبسط، تعد اليابان أهم حليف لواشنطن في احتواء التهديد الصيني، المنافس الاستراتيجي الأول لأمريكا.

ومن بين الاهتمامات والمخاوف المشتركة الواردة في بيان القادة المشتركين بين اليابان والولايات المتحدة الصادر في تلك المناسبة، كان أكثر ما ظهر بشكل واضح هو الإشارات إلى ”السلام والاستقرار في مضيق تايوان“ و ”الحل السلمي للقضايا عبر المضيق“. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن التي يطرح فيها قادة البلدين موضوع تايوان في بيان مشترك.

كيف اختفت تايوان من الأجندة الأمنية الثنائية

حدثت هذه الإشارة السابقة في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 1969، عندما كان رئيس الوزراء ساتو إيساكو في واشنطن للتشاور مع الرئيس ريتشارد نيكسون. فوفقًا للبيان المشترك الصادر في تلك المناسبة، تحدث نيكسون عن التزامات أمريكا التعاهدية تجاه جمهورية الصين، ورد ساتو بأن السلام والأمن في منطقة تايوان مهمان للغاية لأمن اليابان.

وفي ذلك الوقت، اعتبرت الولايات المتحدة أن جمهورية الصين (أو ما يطلق عليه عادة الآن تايوان)، هي الحكومة الشرعية للصين وحليفها في الحرب الباردة. ومن الطبيعي أن تشارك طوكيو واشنطن مخاوفها بشأن مصير الجزيرة. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما تخلت اليابان عن مطالبتها بتايوان وكوريا، اعتمدت على الجيش الأمريكي للدفاع عن المنطقة، بما في ذلك في تايوان وكوريا الجنوبية، بمساعدة قواعدها اليابانية. وكان هذا هو إطار الأمن الإقليمي الذي تم بناؤه حول التحالف الياباني الأمريكي، الذي أسسه رئيس الوزراء يوشيدا شيغيرو، وعدله لاحقًا رئيس الوزراء كيشي نوبوسوكي. وفي عام 1969، كان من الطبيعي أن يذكر ساتو ونيكسون تايوان، إلى جانب شبه الجزيرة الكورية، عند مناقشة الاهتمامات الأمنية المشتركة. لكن تلك البيئة كانت على وشك التغيير.

وفي مارس/ آذار 1969، نصبت مجموعة من قوات جيش التحرير الشعبي كمينًا لحرس الحدود السوفيتي في جزيرة دامانسكي (يطلق عليها بالصيني: جزيرة زينباو) في نهر أوسّوري، وهي منطقة تقع على حدود مساحة شاسعة من الأراضي في الشرق الأقصى الروسي شمال نهر آمور وشرق أوسّوري الذي تنازلت عنه إمبراطورية تشينغ لروسيا في معاهدة أيغون (1858) واتفاقية بكين (1860) كنتيجة لحرب الأفيون الثانية. وكان الصراع الحدودي يشهد ذروة الانقسام الصيني السوفيتي الذي بدأ في النصف الثاني من الخمسينيات. وحتى ذلك الحين، كان ماو تسي تونغ ينظر إلى الاتحاد السوفيتي باعتباره أكبر معلم له في الشؤون السياسية والعقائدية. ولكن عندما بدأ نيكيتا خروشوف في اتباع سياسة التعايش السلمي مع الغرب بعد وفاة جوزيف ستالين، تمردت بكين علنًا، وتوترت العلاقات. ووسط تصاعد الاحتكاك، احتدمت الخلافات الحدودية طويلة الأمد، وبلغت ذروتها في الهجوم على جزيرة دامانسكي.

وعلى الرغم من تمتع جيش ماو بجيش التحرير الشعبي بالتفوق العددي، إلا أن الجيش السوفيتي كان ذو قوة شديدة وحديثة مجهزة بترسانة نووية متقدمة. وعلاوة على ذلك، كانت الصين في ذلك الوقت دولة فقيرة غارقة في الاضطرابات الاجتماعية والسياسية. وبعد فشل القفزة العظيمة إلى الأمام، التي قيل إنها تسببت في موت حوالي 20 مليون مواطن صيني جوعاً، كان ماو في طريقه للتخلص من خصومه السياسيين من خلال الثورة الثقافية. وكان بالكاد في موقع يمكنه من مواجهة الاتحاد السوفيتي. وخوفا من هجوم مضاد، قرر ماو أن يلقي قوته مع الكتلة الغربية وإقامة شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة واليابان.

وعلى مدى السنوات القليلة التالية، نجحت بكين في تطبيع العلاقات مع كل من واشنطن وطوكيو، وفقدت تايبيه مكانتها كحكومة شرعية للصين. وعلى الرغم من أن الصينيين استمروا في التأكيد على أن تايوان كانت مقاطعة منشقة من المقرر أن يتم ضمها إلى البر الرئيسي، إلا أنهم كانوا منشغلين جدًا بالتهديد السوفيتي بحيث لا يمكنهم التفكير في أي عمل عسكري عبر المضيق. وهكذا لم تعد تايوان مصدر قلق أمني للتحالف الياباني الأمريكي.

الرئيس ريتشارد نيكسون ورئيس الوزراء تشو إنلاي يتشاركان نخبًا في قاعة الشعب الكبرى خلال الزيارة التاريخية للزعيم الأمريكي إلى بكين، 25 فبراير/ شباط، 1972. إي أف بي/ جيجي برس.
الرئيس ريتشارد نيكسون ورئيس الوزراء تشو إنلاي يتشاركان نخبًا في قاعة الشعب الكبرى خلال الزيارة التاريخية للزعيم الأمريكي إلى بكين، 25 فبراير/ شباط، 1972. إي أف بي/ جيجي برس.

لي تنغ هوي وأزمة مضيق تايوان

عادت قضية تايوان إلى الظهور في التسعينيات، حيث كانت الأمة تنتقل من الأحكام العرفية إلى الديمقراطية الكاملة في عهد الرئيس لي تنغ هوي. ونظرًا لأن لي، أول رئيس لجمهورية الصين ولد في تايوان، وناشد هوية وطنية جديدة بإعلانه ”أنا تايواني“ في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية المباشرة الأولى في تايوان (التي كان مقرر إجراؤها في عام 1996)، ولكن أطلقت الصين سلسلة من الصواريخ في المياه المحيطة بتايوان، مما أدى إلى أزمة مضيق تايوان الثالثة.

فهم السياق التاريخي ضروري لتفهم رد فعل الصين

أنشئت الحدود الإقليمية للصين الحديثة على نطاق واسع خلال عهد أسرة تشينغ (1644-1912)، التي حكمت اتحادًا متعدد الأعراق يضم الأويغور والتبتيين والمغول، بالإضافة إلى المانشو الحاكمة ومجموعة الهان الصينية. وبدأ الشعور بالهوية الوطنية الصينية بالمعنى الحديث في الظهور فقط في أواخر القرن التاسع عشر، في خضم التدهور الطويل لسلالة تشينغ. ولم يكن تشكيل دولة قومية موحدة من المكونات المتنوعة والبعيدة لإمبراطورية تشينغ مهمة سهلة.

كافح الحزب الشيوعي الصيني بقوة لتأسيس ”الصين الشيوعية“ كهوية وطنية. لكن الشيوعية، التي ترفض الدين، وتدعو إلى ثورة عنيفة، وتؤيد نظام حكم استبدادي لحزب واحد، لا يمكن أن تكون أبدًا بمثابة الجوهر الروحي الموحد للأمة. يتضح هذا من مصير الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا، اللذين تم تجزؤهما إلى مكوناتها العرقية بمجرد انتهاء الحكم الشمولي.

وفي أوائل التسعينيات، في إطار برنامج ”الإصلاح والانفتاح“ الاقتصادي لدنغ شياو بينغ، انحرف الحزب بشدة عن الإيديولوجية الشيوعية لماركس ولينين وماو. وأصبح من الضروري بعد ذلك تعبئة المشاعر الوطنية من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية وشرعية الحزب الشيوعي الصيني. وبالنسبة لقيادة الحزب، لا بد أن سماع سكان تايوان وهم يهتفون ”أنا تايواني“ قد أثار مخاوف من انتشار الانفصالية إلى التبتيين والأويغور والمغول وتسبب في انقسام الدولة الصينية.

وعلى أي حال، ردت الولايات المتحدة على ”تجارب الصواريخ“ الصينية بإرسال مجموعات من حاملات الطائرات المقاتلة إلى المنطقة. واضطرت الصين، التي كانت لا تزال قوة من الدرجة الثالثة في ذلك الوقت، إلى ابتلاع كبريائها والتراجع.

مناخ سام من الشوفينية

واليوم، يعد اقتصاد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو في طريقه لتجاوز الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 2030. في حين أن الصين لا تزال تنفق أقل بكثير من الولايات المتحدة على الأغراض الدفاعية، فإن الفجوة تضيق، حيث تبلغ ميزانية الدفاع الصينية مجموع مثيلاتها في الدول السبع الأخرى (بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان) مجتمعة. ويتحول ميزان القوة العسكرية في منطقة شرق آسيا بشكل مطرد نحو الصين.

إن ما يجعل القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين تشكل خطورة خاصة على المنطقة هو مزاج التعصب الوطني الذي رعته الحكومة والحزب منذ تسعينيات القرن الماضي. لتحل محل الشيوعية، التي فقدت قوتها المتماسكة لإضفاء الشرعية على دكتاتورية الحزب الشيوعي الصيني، طرح دنغ شياو بينغ بدلاً منها أسطورة بناء الدولة للصين الشيوعية. الذي لعب فيه الحزب الشيوعي الصيني دور المؤسس والمدافع. ووفقًا لهذه الرواية، فقد أطاح الحزب بمفرده بالقوى الإمبريالية الغربية واليابانية، التي اجتاحت الصين لمدة 150 عامًا، وأسس جمهورية الصين الشعبية، مما أجبر شيانغ كاي شيك وحزب الكومينتانغ (الحزب القومي) على الفرار إلى تايوان. ونهضت الصين وازدهرت وانتصرت تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وأصبحت صورة نهوض الصين من عار إخضاعها الطويل على أيدي القوى الأجنبية أمر محوري للأيديولوجية القومية المغروسة في الشعب الصيني منذ الطفولة المبكرة.

والآن بعد أن أصبحت الصين عملاقًا اقتصاديًا وعسكريًا، أصبحت تلك الوطنية التي ترعاها الدولة سامة. وأصبح الناس يعتقدون أنه من حق الصين الطبيعي استعادة الأراضي التي تنازلت عنها إمبراطورية تشينغ للقوى الإمبريالية واستعادة النفوذ الذي مارسته ذات مرة على الدول التابعة لها في جميع أنحاء المنطقة. وقبل كل شيء، من حق الصين غير القابل للمصادرة استعادة تايوان، التي استولت عليها اليابان في عام 1895، بعد الحرب الصينية اليابانية الأولى، ثم من قبل الكومينتانغ بعد هزيمة وفرار العدو اللدود تشيانغ كاي شيك. كما أن الوحدة أمر حيوي لإعادة التأكيد على شرعية حكم الحزب الواحد للحزب الشيوعي الصيني.

تأمل الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين في الحفاظ على الوضع الراهن من خلال سياستها الدبلوماسية المتوازنة، لكن من غير المرجح أن يرضي ذلك الصين. فيبدو الرئيس شي جين بينغ، المصمم على بناء إرث ينافس إرث ماو تسي تونغ، ولديه الإرادة والوسائل لإخضاع تايوان. فالأمر فقط مسألة توقيت. وهذه هي الحقيقة الاستراتيجية المخيفة التي تضفي مثل هذه الأهمية على الإشارة إلى ”السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان“ في البيان المشترك بين اليابان والولايات المتحدة في 16 أبريل/ نيسان.

ماذا تعني طوارئ تايوان بالنسبة لليابان؟

أي أزمة أمنية لتايوان ستكون أزمة أمنية لليابان. ولا يمكن أن يكون هناك مجال للجدل حول ما إذا كانت مثل هذه الحالة الطارئة ستهدد وجود اليابان أو مجرد السلام والأمن في المنطقة. وفي الواقع، يعد التهديد الذي يتهدد اليابان مباشر وفوري أكثر من التهديد الذي تشكله الحرب في شبه الجزيرة الكورية. فتقع تايوان، بعد كل شيء، على بعد 100 كيلومتر من جزيرة يوناغوني، وهي جزء من محافظة أوكيناوا. وإذا اندلعت الحرب عبر مضيق تايوان، فإن الصين ستقطع على الفور جميع كابلات الاتصالات البحرية في تايوان وتفرض حصارًا بحريًا. وبعد ذلك ستنشئ منطقة حظر شاسعة حول الجزيرة وتستخدم قوتها العسكرية لمنع دخول السفن التجارية والطائرات وكذلك السفن الحربية والطائرات العسكرية. ومن المحتمل أن تقع جزر اليابان البعيدة، يوناغوني، وإريوموتي، ومياكو، وإيشيغاكي، بالإضافة إلى سينكاكو، داخل هذه المنطقة وستغرق في الصراع.

وعلاوة على ذلك، في حالة وقوع هجوم عبر المضيق، فإن الصين ستتحرك بلا شك للاستيلاء على جزر سينكاكو، التي تدعي أنها جزء من تايوان. ويمكن أن تكون جزر ساكيشيما الواقعة في أقصى جنوب اليابان أهدافًا لهجوم برمائي من قبل جيش التحرير الشعبي وقد ينتهي بها الأمر تحت الاحتلال من قبل القوات الصينية، إذا نجحت الصين في تحقيق تفوق جوي وبحري في جوارها. إن قوات الدفاع اليابانية مصممة على التعامل مع أي تهديد لأوكيناوا، كما يتضح من افتتاح قواعد جديدة في جزر يوناغوني ومياكو وإيشيغاكي وأمامي في السنوات القليلة الماضية.

دور اليابان الذي لا غنى عنه

هذا هو الواقع الاستراتيجي المخيف وراء التحركات الأخيرة لتعزيز التعاون الأمني ​​الإقليمي. ولقد وقعت واشنطن على مبادرة اليابان من أجل ”حرية وانفتاح المحيطين الهندي والهادئ“، وانتقل النشاط الدبلوماسي إلى مستوى عالٍ، كما رأينا في الاجتماعات المتتالية للحوار الأمني ​​الرباعي واللجنة الاستشارية الأمنية اليابانية الأمريكية ( 2 + 2)، وكذلك القمة اليابانية الأمريكية في 16 أبريل/ نيسان. وهذه بداية جيدة من حيث تعزيز التحالف بين اليابان والولايات المتحدة. ويتمثل التحدي الآن في ترجمة الأفكار إلى استراتيجية ملموسة.

وعلى الرغم من كل قوتها العسكرية، تعثرت الولايات المتحدة داخليًا بسبب الانقسامات الس ياسية العميقة. ولا يوجد ما يعادل منظمة حلف شمال الأطلسي لشن دفاع منسق ضد التوسع الصيني في شمال شرق آسيا، ومن غير المرجح أن تسرع الحكومة اليسارية لرئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن لمساعدة تايوان، على الرغم من أنه قال مؤخرًا للرئيس بايدن أن السلام والاستقرار في مضيق تايوان أمر مهم. كما تعد أستراليا بعيدة في نصف الكرة الجنوبي. ويقع جيش الولايات المتحدة الأول والقوة الاستكشافية البحرية الأولى على الجانب الآخر من المحيط الهادئ. وعلاوة على ذلك، لا تزال الصين عازمة على تنفيذ نظام منع الوصول إلى المنطقة (A2/AD) الذي من شأنه أن يبقي جميع القوات الأمريكية خارج ”سلسلة الجزر الأولى“ (بما في ذلك تايوان وأوكيناوا والفلبين). وهناك تقارير تفيد بنشرها صواريخ مضادة للسفن فائقة السرعة ومتوسطة المدى كجزء من هذه الإستراتيجية. ويمكن أن تندلع حالة طوارئ في مضيق تايوان إذا أصبح الجيش الصيني واثقًا من قدرته على إخضاع تايوان بسرعة، قبل أن تتمكن القوات الأمريكية من مساعدتها.

وتعد اليابان هي الشريك الأمني ​​الوحيد الموثوق به لأمريكا في شمال شرق آسيا. ويجب أن يضطلع هذان الحليفان معًا بالدور القيادي في إنشاء رادع كافٍ لحماية المنطقة من صراع عبر المضيق. ويضع هذا مسؤولية ثقيلة على عاتق اليابان، ولكن يجب علينا تحملها، ليس فقط للدفاع عن تايوان، ولكن أيضًا للدفاع عن أراضينا.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي، إلى اليسار، والرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض في 16 أبريل / نيسان 2021. إي أف بي/ جيجي برس)

العلاقات الخارجية العلاقات الدولية العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات الصينية اليابانية