انتصار شي جينبينغ ومصير تايوان

هل تلجأ الصين إلى القوة العسكرية لضم تايوان بعد أن باءت كل تكتيكاتها الدبلوماسية والاستخباراتية بالفشل

سياسة

بعد أن تُوّج شي جين بينغ حاكماً مطلقاً للصين لمدة خمس إلى عشر سنوات أخرى، ما هي أجندته بالنسبة لتايوان؟ في هذا الموضوع يشرح كاواشيما شين، الخبير في شؤون الصين، التحديات التي تواجه تايوان وجارتها اليابان في ظل سعى ”شي“ الحثيث لتحقيق ”الحلم الصيني“ بإعادة الوحدة الوطنية مع تايوان قبل حلول عام 2049 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

كانت تصريحات الرئيس شي جينبينغ بخصوص تايوان محور اهتمام وسائل الإعلام اليابانية في تغطيتها للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني (16-20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022)، لا سيما تأكيده على أن بكين لن تتعهد أبدًا بالتخلي عن استخدام القوة لتحقيق الهدف الأعظم المتمثل في إعادة الوحدة الوطنية. من الطبيعي أن تثير هذه التصريحات قلقاً كبيراً، خاصة في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا. ولكن ما مدى أهمية تلك التصريحات فعلياً على أرض الواقع؟ للإجابة على هذا السؤال يجب تحليلها في سياق أوسع، جنبًا إلى جنب مع الدلائل الأخرى التي تعطي مؤشرات عن سياسة بكين بشأن تايوان خلال السنوات القادمة.

تهديد ووعيد في قاعة الشعب الكبرى

خلال مؤتمر الحزب، لم تقتصر الإشارة إلى تايوان وإعادة الوحدة الوطنية على تقرير الرئيس شي جين بينغ فحسب، بل إن تايوان كانت حاضرةً أيضاً في قرار مجلس الشعب الصيني بشأن تعديل دستور الحزب الشيوعي الصيني. لكن أياً من هذه التصريحات لم يختلف اختلافًا كبيرًا، من حيث الأسلوب أو المضمون، عن التصريحات السابقة التي أدلى بها الرئيس شي أو عن الوثائق الحديثة الأخرى، مثل الكتاب الأبيض المتعلق بمسألة تايوان الذي أصدره مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة في أغسطس/ آب 2022. حتى لغة الرئيس شي فيما يتعلق باستخدام القوة، والتي تسببت في حالة من الذعر في الصحافة اليابانية، هي لغة قديمة، إذ كان شي قد تطرّق إلى إمكانية إعادة توحيد الوطن باستخدام القوة العسكرية في بيان صدر في يناير/ كانون الثاني 2019. في الواقع، رأى بعض المحللين السياسيين الصينين أن مؤتمر الحزب قد سار بشكل إيجابي وأشاروا إلى أن مسألة تايوان لم تبرز كثيراً خلال المؤتمر.

أما أنا، فلن أكون مفرطاً في التفاؤل إلى هذا الحد، لكن بالتحليل العملي أعتقد أن الإشارات المتكررة لتايوان خلال المؤتمر تبرر الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام. وقد خلصت إلى هذه النتيجة لأسباب ثلاثة محددة.

أولاً، علا صوت التصفيق كثيراً عندما كان شي جين بينغ يتحدث عن تايوان أكثر من أي جزء آخر من خطابه الطويل. صحيح أن ما قاله شي لم يتجاوز التأكيد على تصريحاته السابقة حول هذا الموضوع، لكن كان له عظيم الأثر في رفع سقف التوقعات بإعادة الوحدة الوطنية بين الصينيين. إذا استمر شي جين بينغ في حكم الصين لمدة 10 سنوات أخرى (فترتين أخريين)، فمن المرجح أنه سيرغب في تحقيق قفزة كبيرة نحو هدفه الأسمى المتمثل في إعادة الوحدة الوطنية قبل حلول عام 2035، وهو العام الذي تهدف الصين إلى جعله ”عام اكتمال التحديث الاشتراكي“.

ثانيًا، يستخدم دستور الحزب المعدل لغة قوية لمهاجمة ما يسميه بالقوى التي تسعى إلى استقلال تايوان. في حين قد يجادل البعض بأن هذا لا يزيد عن كونه مجرد تدوين لتحذيرات بكين المتزايدة الحدة وتدابيرها الملموسة الموجهة ضد الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين وحزبها الديمقراطي التقدمي على مدار السنوات العديدة المنصرمة، إلا أن إدراج مثل هذه اللغة في دستور الحزب يزيد من قوة سلطة تنفيذ هذه السياسة.

ثالثًا، في بيانه الذي رفض فيه استبعاد اللجوء للقوة، أوضح شي أن تحذيره كان موجهًا فقط إلى تدخل القوى الخارجية والانفصاليين التايوانيين. يجب فهم هذا الكلام على أنه تحذير صريح يهدف إلى ردع الولايات المتحدة واليابان عن المبادرة إلى الدفاع عن تايوان.

كما ذكرت أعلاه، تبرر هذه النقاط الثلاث اهتمام وسائل الإعلام بمسألة تايوان خلال المؤتمر الوطني الذي عقد شهر أكتوبر/ تشرين الأول. من المؤكد أنه لا يوجد مؤشر على حدوث تغير جوهري في السياسة الصينية تجاه تايوان لا من لغة خطاب شي جين بينغ ولا حتى من القرار المتعلق بتعديل دستور الحزب، لكن هذا لا يعني أن الصين تعتزم التراخي في حملتها طويلة الأمد لإعادة الوحدة الوطنية، بل على العكس أتوقع أن تكثف الصين نشاطها، بما في ذلك ممارسة الضغط العسكري والحرب النفسية للمضي قدماً نحو إعادة الوحدة الوطنية وفق الجدول الزمني للحزب من أجل تحقيق الحلم الصيني.

الجدول الزمني لإعادة الوحدة الوطنية

إن آخر موعد محدد لتحقيق الحلم الصيني، أو ”التجديد العظيم للأمة الصينية“ هو عام 2049، الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. بحلول ذلك العام، وفقًا لقيادة الحزب، يجب أن تصبح الصين قوة اشتراكية حديثة ومتطورة من جميع النواحي، وأن تتفوق على الولايات المتحدة وتعيد تشكيل العلاقات الدولية وفقًا لرؤيتها الخاصة. يمكننا أن نفترض أن عام 2049 هو أيضًا الموعد النهائي لإعادة ضم تايوان. وبينما أشار بعض المحللين، نقلاً عن تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى أنه تم تسريع هذا الجدول الزمني، إلا أنه لم تصدر أي تصريحات رسمية من الحكومة الأمريكية أو القادة العسكريين لتأكيد هذا الرأي.

يعد عام 2035 المرحلة الوسطى في هذه الخطة الطموحة، وفي ظل هذه الظروف يبدو من المرجح أن شي جين بينغ سيحتفظ بمنصبه كرئيس وأمين عام للحزب الشيوعي الصيني لمدة 10 سنوات أخرى، ولذلك فهو يعتزم الاقتراب بشكل أكبر من هدفه المتمثل في إعادة الوحدة الوطنية بحلول نهاية فترة ولايته في عام 2032. سياسياً، من المرجح أن يُترجم هذا إلى عمل دؤوب يشمل ثلاثة محاور.

الخطوة الأولى والأهم بالنسبة للصين هي بناء قدراتها العسكرية الإقليمية مع وضع إعادة الوحدة الوطنية نصب أعينها. ولقد أصبح جيش التحرير الشعبي بالفعل قادراً تمامًا على شن ضربات صاروخية على أهداف في الجزء الغربي من الجزيرة. لكن يبدو أنه لا يزال يتعين عليه بذل المزيد من الجهد للحصول على سفن الإنزال من أجل الهجوم على الساحل الشرقي وتعزيز قدرته على التحكم في المجالين الجوي والبحري. لكن مسؤولي الدفاع التايوانيين يعتقدون أن الصين ستمتلك هذه القدرات أيضًا بحلول عام 2025.

بغض النظر عن قدرات الصين، فإن وجهة نظري هي أن هجومًا عسكريًا فعليًا على تايوان ليس أمراً وشيكًا على الإطلاق. في الوقت الحالي، تنوي بكين فقط إظهار قوتها الساحقة للشعب التايواني من خلال التدريبات والمناورات وهذه هي جبهتها الاستراتيجية الأولى.

ثانيًا، سوف تصعّد الصين حربها النفسية بما في ذلك إغراق المجتمع التايواني بمعلومات مضللة لبث الفوضى بين جنباته، وتقويض الديمقراطية في تايوان، وإلحاق أكبر ضرر ممكن بمكانة إدارة تساي. هذا فضلاً عن الهجمات الإلكترونية التي ازدادت وتيرتها مؤخراً وسوف تصبح واقعاً مستمراً.

المحور الثالث هو المضايقات الاقتصادية والعدوان. منذ بعض الوقت، كانت الصين تنفذ عقوبات اقتصادية ضد تايوان (دون الإشارة إليها صراحةً على هذا النحو) في شكل غرامات تُفرض على الشركات التايوانية وحظر متتالي على سلع معينة، وحتى الآن اقتصر الحظر على الواردات الزراعية غير الضرورية، لكن لم تصل بكين أبداً إلى حد تقييد واردات الرقائق ومنتجات أشباه الموصلات التي تعتمد عليها الصناعة الصينية بشدة.

إن الغرض من كل هذه الإجراءات هو إقناع الشعب التايواني بأن الوضع الراهن، بعيداً عن مسألة الاستقلال من عدمه، هو طريق غير مستدام وأن السبيل العملي الوحيد للمضي قدمًا نحو المستقبل بالنسبة لهم هو الوحدة مع البر الرئيسي للصين. لطالما كانت سياسة نظام شي جين بينغ هي مضاعفة الجهود على هذه الجبهات الثلاث وتشديد الخناق بشكل مطرد. وهنا يأتي السؤال الأهم، ما الذي ستفعله بكين عندما تدرك أن استراتيجيتها لا تجدي نفعاً، لا شك أنها سترد بتكثيف الضغط العسكري. ولسوء الحظ فإن ذلك سيزيد من مخاطر وقوع حوادث واشتباكات عشوائية قد تؤدي إلى تصعيد سريع.

المواطن الصالح من وجهة نظر الحكومة الصينية

ولكن هناك جانب آخر مهم لرؤية شي جين بينغ بالنسبة لإعادة الوحدة الوطنية، وأود مناقشته في السطور التالية.

في تقريره أمام مؤتمر الحزب، ذكر شي أن ” إعادة توحيد الوطن بالكامل هو طموح مشترك لجميع أبناء وبنات الأمة الصينية ومطلب طبيعي لتجديد شباب الأمة الصينية“. كما أكد الموقف الصيني الرسمي مراراً وتكراراً على أن شعب تايوان بالكامل هو جزء من الأمة الصينية، وأن الصينيين والتايوانيين هم أعضاء في ”أسرة واحدة ملزمة بالدم“. هذه المعتقدات مجتمعة تعطي صورة مزيفة بأن شعب تايوان يشترك أيضاً في ”التطلع“ لإعادة الوحدة الوطنية.

في الواقع، في تقريره أمام مؤتمر الحزب، قدم شي إعادة الوحدة الوطنية على أنها ”مشروع مشترك“ للصين وتايوان، قائلاً: ”سنجري مشاورات مكثفة ومتعمقة حول العلاقات عبر مضيق تايوان وإعادة الوحدة الوطنية مع الناس من جميع الأحزاب السياسية والقطاعات والطبقات الاجتماعية في تايوان، وسنعمل معهم لتعزيز التنمية السلمية للعلاقات عبر المضيق ودفع عملية إعادة التوحيد السلمي إلى الأمام“. وبشكل أكثر تحديدًا، تعهد بأن بكين ”ستقف إلى جانب مواطنيها في تايوان، وستقدم دعمًا قويًا للوطنيين في تايوان الذين يرغبون في إعادة الوحدة الوطنية، كما ستستمر الصين في تعزيز التبادلات الاقتصادية والثقافية والتعاون عبر المضيق، وتعزيز التنمية المتكاملة في جميع المجالات، وتشجيع الناس على جانبي المضيق على العمل معًا لتعزيز الثقافة الصينية.

من المهم هنا أن نلاحظ أن القوى الانفصالية الساعية لاستقلال تايوان مستبعدة من هذه العائلة السعيدة، بل ويتم تصويرهم على أنهم شرذمة من العناصر التخريبية التي تتعارض مخططاتها مع آمال الغالبية العظمى من ”مواطني تايوان الشرفاء“. من خلال العمل من هذا المنطلق، يوضح شي أن التهديد باستخدام القوة ”موجه فقط إلى تدخل القوى الخارجية والقلة من الانفصاليين الساعين إلى استقلال تايوان وأنشطتهم الانفصالية، ولا يستهدف مطلقاً مواطنينا الشرفاء في تايوان الذين يتوقون إلى إعادة الوحدة الوطنية“.

وطالما استمر هذا الادعاء، فلن يكون أمام بكين خيار سوى السير في طريق إعادة التوحيد السلمي مع التايوانيين المؤيدين للوحدة. ولكن أين يوجد ”مواطنو تايوان“ المتعطشون لإعادة التوحيد؟ في الواقع، أصبح من الصعب العثور على أي شخص في تايوان يتظاهر حتى بتأييد سياسة إعادة الوحدة الوطنية. ومن الصعب تخيل أي وضع قد يؤدي إلى ظهور تيار مؤيد للوحدة في تايوان، ربما باستثناء سيناريو تصبح فيه الصين شريان الحياة الوحيد لاقتصاد تايواني مدمر.

لكن تظل الحقيقة أن الوضع السياسي والاجتماعي في تايوان يختلف تمامًا عن الوضع في هونغ كونغ التي تخضع للسيادة الصينية منذ عام 1997. باختصار، سياسة بكين بشأن تايوان منفصلة عن الواقع كما ظهر واضحاً في تقرير شي، واتساع الفجوة بين الصين والعالم يؤكد على استحالة استمرار هذه السياسة وحتمية فشلها في النهاية، لكن لا يسعنا التكهن بوقت حدوث هذا. كل ما يمكننا فعله هو مراقبة لغة وسلوك المسؤولين في تايبيه وبكين وواشنطن عن كثب.

صدام مرتقب في 2024

الواقع هو أن قضية تايوان لن تنتهي وستظل ساحة للمناوشات بين الولايات المتحدة والصين ومصدرا هائلا للتوتر في منطقة شرق آسيا. وذلك نظراً لعدة تحديات منها التعامل مع حملة الصين ثلاثية المحاور التي تشمل التخويف العسكري والحرب الإلكترونية والنفسية والعدوان الاقتصادي، فضلاً عن الاستهانة بحالة عدم الاستقرار وعدم الوضوح الإقليمية التي تسببها التوترات عبر مضيق تايوان.

وتايوان ليست وحدها المعنية بهذه المشكلات بل تشترك معها اليابان وأصحاب المصلحة الآخرون في المنطقة. من جانبها، تحتاج اليابان إلى بناء علاقات تعاونية ملموسة مع تايوان مع التركيز على مواجهة الحرب النفسية والاقتصادية التي تشنها بكين، كما يجب على طوكيو أيضًا استكشاف خيارات التعاون العسكري. في نفس الوقت يجب أن يظل تعامل اليابان وردود أفعالها في إطار شروط ”اتفاق عام 1972“ الذي حدد علاقة اليابان مع بر الصين الرئيسي على مدار الخمسين عامًا الماضية، وعلى الولايات المتحدة أيضاً مراعاة ما سبق ذكره.

مع تصاعد الحرب الاقتصادية التي تشنها بكين على تايوان، سيتم فرض عقوبات على الشركات متعددة الجنسيات التي لها مصانع في الصين ولديها علاقات وثيقة مع تايوان، وقد تتعرض الشركات اليابانية لنفس العقوبات التي فرضتها بكين على مجموعة الشرق الأقصى التايوانية في عام 2021.

فيما يتعلق بعدم الاستقرار وعدم الوضوح، فإن أحد القضايا التي تلوح في الأفق هي المشكلة المرتقبة في عام 2024، حيث ستجري كل من تايوان والولايات المتحدة انتخابات رئاسية في عام 2024 (يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني على التوالي). في تايوان، حيث لا يزال الحزب الديمقراطي التقدمي يحظى بشعبية، يبدو لاي تشينغ-تي نائب الرئيسة الحالية المرشح الأقوى لخلافة الرئيسة تساي إنغ وين. وبينما أشار لاي إلى أنه ينوي انتهاج نفس سياسات تساي المتعلقة بمضيق تايوان، لكن من المتوقع أن يتخذ موقفًا أكثر تشددًا في تعاملاته مع بكين. وغني عن الذكر أن العلاقات عبر مضيق تايوان هي قضية وثيقة الصلة بالانتخابات، وسيخضع جميع المرشحين المحتملين للتدقيق في هذا الصدد.

يجب علينا أيضًا النظر في إمكانية فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وإذا حدث هذا فليس هناك ما يضمن أنه سيحافظ على السياسة الحالية للرئيس جو بايدن بشأن تايوان. إذن، ما الذي يمكن فعله - إن كان هناك أصلاً ما يمكن فعله - للسيطرة على التداعيات المتوقعة لانتخابات 2024 المزمع عقدها في كل من تايوان والولايات المتحدة الأمريكية؟ إنه تحد سيحتاج قادتنا السياسيون والمحللون إلى مواجهته من خلال تحليل كل ما يطرأ على الساحة بشكل دقيق.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الصيني شي جين بينغ يلوّح للصحفيين عقب اختتام المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في قاعة الشعب الكبرى في بكين، 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وكالة أخبار كيودو)

العلاقات الخارجية العلاقات اليابانية الأمريكية تايوان العلاقات اليابانية الصينية