السياسات الاقتصادية للصين في 2023.. محاولة لتخفيف التباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا أم عودة حقيقية لاقتصاد السوق الحرة

اقتصاد

لطالما كانت السياسات الاقتصادية للصين متأرجحة بين الانفتاح الاقتصادي والسياسات التي يغلب عليها الطابع المحافظ. لكن في ديسمبر/ كانون الأول 2022، استضافت بكين مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، الذي قرر السياسة الاقتصادية للصين لعام 2023، وهي إعطاء الأولوية للنمو استجابةً للتراجع الاقتصادي المستمر من خلال تسريع عملية الانفتاح وحماية المؤسسات الخاصة، فهل يمكن اعتبار هذه السياسة الجديدة مؤشراً على عودة التركيز على الإصلاح والانفتاح واقتصاد السوق الحرة؟

الاتجاه التنظيمي الأول: السياسات التي لا تعير اهتماماً للتأثيرات الاقتصادية

لطالما كان الاتجاه التنظيمي الأساسي لإدارة شي جينبينغ هو تبني مجموعة من السياسات دون الاكتراث بما قد يكون لها من تأثيرات على الاقتصاد، وهذه يمكن تقسيمها إلى أربع فئات.

(1) الضغط على شركات المنصات

اعتبارًا من عام 2021، فرضت الحكومة غرامات متكررة وعقوبات على شركات المنصات مثل علي بابا، تينسنت، ديدي، ميتوان بسبب انتهاكها اللوائح المالية وقوانين مكافحة الاحتكار، فضلاً عن عدم كفاية ما تتخذه من تدابير أمن المعلومات. ونتيجة لذلك شهدت هذه الشركات انخفاضًا كبيرًا في الأداء وأسعار الأسهم واضطرت في النهاية إلى تسريح عدد من العمال.

(2) حظر الأعمال التعليمية الهادفة للربح

في يوليو/ تموز 2021، تذرّعت الحكومة ”بارتفاع تكاليف تربية الأطفال“ وأعلنت أنها ستحظر إنشاء أي مدارس جديدة هادفة للربح، وستجعل المدارس الحالية غير ربحية، كما ستقوم بتنظيم الرسوم الدراسية. وقد أدى هذا الإعلان المفاجئ إلى هبوط أسعار أسهم الشركات التعليمية المدرجة ووضعها على شفا الانهيار.

(3) تشديد القوانين المنظمة لصناعة الترفيه

في سبتمبر/ أيلول 2021، قام المشرّعون بتشديد القواعد المتعلقة بمحتوى البرامج وفناني الأداء لتصحيح ما سمّوه ابتذال البرامج التلفزيونية والترفيهية، ولزرع ثقافة روحية صحية تدعم مكارم الأخلاق وترسخ حب الحزب والأمة. كما وضعوا تدابير لمكافحة إدمان الشباب لألعاب الفيديو شملت تحديد زمن اللعب ومطالبة المستخدمين بتسجيل أسمائهم الحقيقية.

(4) سياسات أخرى ”غير اقتصادية“

تم أيضاً سن سياسات أخرى دون النظر إلى الآثار الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، كان لضغوط الائتمان المفروضة على الشركات العقارية ابتداءً من عام 2020 تأثير سلبي خطير على الاقتصاد الكلي وأدى إلى انخفاض كبير في دخل الحكومات المحلية. فضلاً عن سياسة ”صفر كوفيد“ التي تسببت في أضرار اقتصادية واجتماعية لا توصف على مدى العامين الماضيين.

إقرار السياسات ثم الرجوع عنها

ومع ذلك، تمت مراجعة كل من السياسات المذكورة أعلاه وسحبها في وقت لاحق، وغني عن الذكر الإلغاء المفاجئ لسياسة ”صفر كوفيد“. كما تمت مراجعة سياسة الضغط القاسي على قطاع العقارات في خريف عام 2021، في حين غيّرت الحملة الشعواء على صناعة المنصات مسارها في مارس/ آذار 2022 ”لتعزيز التنمية والتطور“، ثم بدأ مجلس الدولة مراجعة حظر الأعمال التعليمية الربحية في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي بهدف ”دعم تطوير الأعمال التعليمية الخاصة المنضبطة“.

لكن لماذا تتم كل هذه المراجعات وإلغاء السياسات؟ هل هذا لأن الرئيس شي، الذي يُعتقد بأنه يُحكم قبضته على السلطة في البلاد، يميل عادةً إلى تغيير رأيه؟ بالطبع لا، بل لأنه من المستحيل على شي وحده أن يقرر مثل هذه السياسات.

إحدى الفرضيات هي وجود فريقين داخل الحكومة والحزب الشيوعي الصيني، فريق من أصحاب التفكير المحافظ وفريق آخر يهتم أكثر بالاقتصاد، وتتغير السياسات تباعاً وفقاً للتحولات في توازن القوى بين هذين الفريقين. عندما نجحت الصين في القضاء على الوباء في أيامه الأولى واستعادة النشاط الاقتصادي بسرعة نسبية في عامي 2020 و2021، عززت فكرة أن ”طريقة الصين هي الطريقة المثلى“، مما أعطى مزيداً من القوة للأصوات المحافظة وأدى إلى اتباع السياسات المذكورة أعلاه، لكن عندما بدأ الاقتصاد يعاني أدى ذلك من وجهة نظري إلى انتقال تلك القوة إلى كفة أصحاب العقلية الاقتصادية والإصلاحية، مما سمح لهم بمراجعة السياسات الخاطئة والرجوع عنها.

في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، صدرت عن مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي تصريحات من نوعية ”سنزيد الجهود لجذب رأس المال الأجنبي والانتفاع به وتوسيع الوصول إلى الأسواق، وسنسعى بنشاط للانضمام إلى الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية عالية المستوى مثل اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، كما سنعمل على تحقيق المساواة في المعاملة بين المؤسسات المملوكة للدولة والشركات الخاصة، وسندعم شركات المنصات في قيادة قاطرة التنمية الاقتصادية، وخلق فرص عمل، والمنافسة بقوة على الساحة الدولية“.

قد يشير ذلك إلى استئناف الإصلاح والانفتاح، ويأمل بعض المراقبين في أن يكون عام 2023 بمثابة إعادة تأكيد على ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية مثل تلك التي تم الإعلان عنها في الجلسة العامة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني.

هل سيكون هذا هو الحال؟ حتى لو كان الأمر كذلك، فإن حجم تأثير ”إعادة التشغيل“ هذه سيعتمد على الوضع الاقتصادي في المستقبل، رغم أن الاعتماد على رأس المال الأجنبي في الأوقات الصعبة هو خطوة أساسية من قواعد اللعبة التي يتبعها الحزب الشيوعي الصيني. ومنذ ذلك الحين، تم إفراغ إجراءات الإصلاح التي أقرّتها الجمعية العامة الثالثة ذات التوجهات الإصلاحية القوية في عام 2013 من محتواها. بالنظر إلى كل ما سبق، يصعب إنكار احتمال أن تكتسب الأصوات المحافظة القوة من جديد مع تحسن الوضع الاقتصادي، مما سيؤدي قطعاً إلى فرض المزيد من السياسات المناهضة للاقتصاد.

الاتجاه التنظيمي الثاني: السيطرة على رؤوس أموال الشركات الخاصة

روّجت الجمعية العامة الثالثة لعام 2013 لنظام الملكية المختلطة، الذي يشمل تواجد كل من الشركات المملوكة للدولة والشركات الخاصة معًا. يمكن أن يكون هناك نموذجين لتطبيق هذا النظام: الأول حيث تشارك المؤسسة الخاصة في إدارة الشركات المملوكة للدولة، والثاني حيث تشارك الحكومة والشركات المملوكة للدولة في إدارة الشركات الخاصة. وفي الصين، يعتبر النموذج الأخير هو الأكثر شيوعًا.

الاتجاه الثاني من الاتجاهات التنظيمية لإدارة شي هو تعزيز سيطرة رأس المال على الشركات الخاصة تحت ستار ”تعزيز الملكية المختلطة“.

وفقًا لوكالة فيتش الرائدة في مجال التحليل، ارتفع عدد العمليات التي قامت بها الشركات الصينية المملوكة للدولة للاستحواذ على شركات خاصة من الفئة A (الشركات الصينية المدرجة في بورصة شنغهاي أو بورصة شينزين ويتم تداولها باليوان) من 6 عمليات في 2017 و18 عملية في 2018 إلى 50 عملية في كل من 2019 و2020. يبدو أن العديد من عمليات الاستحواذ التي تمت بعد الزيادة الملحوظة منذ عام 2018 هي لشركات خاصة واجهت صعوبات مالية ثم استحوذت عليها صناديق الاستثمار التابعة للحكومة المحلية.

كانت هناك أيضًا زيادة حديثة في الاستثمارات في المؤسسات الخاصة في مناطق مختلفة لتعزيز قدرات البحث والتطوير وتعزيز الصناعات الاستراتيجية، بما في ذلك البعض الذي يتخذ شكل رأس المال المُخاطر. ووفقًا لتصريح صادر عن لجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة وإدارتها، في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى أغسطس/ آب 2020، فقد استثمرت الشركات المملوكة للدولة الخاضعة للسيطرة المركزية المباشرة في أكثر من 6000 شركة خاصة على مستوى البلاد، بإجمالي استثمارات وصل إلى 400 مليار يوان.

لا شك أن الصين ليست المكان الوحيد الذي تستخدم فيه الحكومة الاستثمار لإنقاذ الشركات الخاصة المهمة التي تتعرض لصعوبات مالية أو حتى من أجل تعزيز الصناعة، لكن ما يجعل الصين حالة فريدة من نوعها هو القوة الكبيرة التي تتمتع بها الشركات المملوكة للدولة داخل المنظومة الاقتصادية بشكل عام بالإضافة إلى العدد الكبير من الحالات التي تستحوذ فيها الشركات المملوكة للدولة على الشركات الخاصة بشكل كامل.

في الصين، تمثل الشركات المملوكة للدولة واحدة من كل أربع شركات مدرجة في البورصة A، وحوالي 50% من القيمة السوقية، وثلثي المبيعات، وثلاثة أرباع الأرباح. عندما يفكر المرء في أن العديد من الشركات الخاصة الواعدة تقبل الاستثمار الحكومي لأنه يحمل مزايا عند جمع الأموال والحصول على الدعم والحصول على التصاريح والتراخيص، تصبح القضية ذات تأثير على الاقتصاد الكلي لا سيما من ناحية سيطرة الدولة على الاقتصاد.

تشمل أحدث الأمثلة على سيطرة الدولة على الشركات الخاصة استحواذ الحكومة على أسهم إدارة خاصة في شركات منصات مثل علي بابا وتيك توك وقيامها بإرسال مسؤولين إلى الإدارة. ”أسهم الإدارة الخاصة“ والمعروفة أيضًا باسم ”الأسهم الذهبية“، هي أسهم ممتازة تتمتع بنسبة 1% في الشركة فضلاً عن تمتع أصحابها بحقوق خاصة تخوّل لهم نقض قرارات تجارية مهمة.

وقد كان الدافع وراء الحملة الحكومية المذكورة سابقًا على شركات المنصات بذريعة خرق اللوائح المالية، وانتهاكات قوانين مكافحة الاحتكار، وعدم كفاية تدابير أمن المعلومات، هو قلق الحزب الشيوعي الصيني من أن شركات المنصات الخاصة هذه المدرجة في الأسواق الخارجية والتي يسيطر عليها مؤسسوها بالكامل قد أصبح لها تأثير اجتماعي هائل.

وحقق الحزب الشيوعي الصيني CCP مبتغاه من وراء هذه الحملة القمعية، حيث أصبحت له الكلمة العليا على هذه الشركات، ومع امتلاك أسهم الإدارة الخاصة، أصبح الآن يسيطر على هذه الشركات ظاهرياً وفعلياً. قد يكون السبب الحقيقي وراء تحول الحكومة مؤخرًا إلى دعم شركات المنصات باعتبارها رائدة في التنمية الاقتصادية والمنافسة الدولية، هو أنها أصبحت تمتلكها بالفعل بشكل مباشر.

الاتجاه التنظيمي الثالث: تعزيز سيطرة الحزب على الشركات

يستخدم ثالث الاتجاهات التنظيمية لإدارة شي الأجهزة التابعة للحزب الشيوعي الصيني لإحكام السيطرة على الشركات الخاصة.

في عام 2020، أوضح الحزب الشيوعي الصيني ”عمل الجبهة الموحدة“ الذي كان يقوم به فيما يتعلق باقتصاد القطاع الخاص، وأشار إلى أنه يواجه مواقف ومهام جديدة نظراً لأن حجم القطاع الخاص آخذ في الاتساع، ولازدياد المخاطر والتحديات بشكل ملحوظ، ولأن قيم ومصالح موظفي الاقتصاد الخاص أصبحت أكثر تنوعًا.

وبناءً على هذا الاعتراف، صدرت تعليمات بإنشاء فروع للحزب الشيوعي الصيني في الشركات الخاصة والأجنبية من أجل مشاركة أعمق في الإدارة. الوضع الفعلي ليس واضحًا تمامًا، ولكن في عام 2017 كشف الحزب الشيوعي الصيني عن أن 70% من الشركات غير المملوكة للدولة قد أنشأت فروعًا للحزب، وأن حوالي 74 ألف مؤسسة برأس مال أجنبي، أو 70%من الإجمالي، لديها فروع في مشاريع مشتركة بشكل رئيسي. في الآونة الأخيرة، طُلب أيضًا من المؤسسات المالية الأجنبية التي حصلت على إذن لبدء العمليات المحلية إنشاء فروع للحزب الشيوعي الصيني.

الطريقة الصينية هي الأفضل عالمياً!

منذ عام 2020 ولفترة وجيزة، غلب على صناع القرار في الصين الاعتقاد بأن ”الطريقة الصينية هي الطريقة المثلى“ فانتهجوا مجموعة من السياسات غير المدروسة التي ما أن ساء الوضع الاقتصادي بسببها وتلاشت المكاسب اللحظية، حتى تم إلغاؤها أو مراجعتها بسرعة.

في الوقت نفسه، يبدو الرئيس شي عازمًا على مواصلة سعيه لتعزيز قيادة الحزب وسيطرته، وطالما بقي على رأس السلطة، فمن غير المرجح أن يتغير هذا الاتجاه السياسي. ورغم الإشارات الصادرة عن مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي على مدى العامين الماضيين بضرورة استئناف ”الإصلاح والانفتاح“، إلا أن هذا لا يمكن أن يزيد عن كونه مجرد تصريحات يصعب تنفيذها ما لم يتغير فعلياً الاتجاه السياسي للسلطة، ذلك لأن أساس الإصلاح والانفتاح هي الرغبة في تسليم الاقتصاد إلى السوق الحرة.

ومع ذلك، من المهم أيضًا النظر في التدخلات الاقتصادية المتزايدة للحكومة الصينية في سياق الحركات العالمية.

فالسنوات الأربعون التي تلت توجه ”السوق الصغيرة“ الذي بدأ في الثمانينيات قد شهدت انتكاسة، ويُقال إن الرئيس شي يركز بشدة على ”الرخاء المشترك“ أو شعار الحزب الذي يشير إلى أن الثروة مشتركة للجميع، ولكن قلقه الحقيقي نابع من خطر الاتجاه العالمي لزيادة الفروق الطبقية، ولا سيما التفاوت الاقتصادي.

إن ما يجعل الصين حالة خاصة هو أن ”حكومتها الكبيرة“، التي هي في هذه الحالة الحزب الشيوعي، تتجاوز مجرد التدخل الاقتصادي بإعلانها أن الحزب يقود كل شيء ”الحكومة والجيش والمدنيين والأكاديميين، الشرق والغرب والجنوب والشمال والوسط“، فهل هذه طريقة فعالة لإدارة بلد؟ إن أكثر ما يبعث على القلق هو عدد الموظفين الذين يتم تعيينهم في حكومة الولاية الثالثة بسبب إخلاصهم وولائهم للزعيم شي لا بسبب كفاءتهم. لا يسع المرء إلا أن يأمل ألا تكون الفوضى المحيطة بسياسة صفر كوفيد وانتكاستها المفاجئة علامات على مرحلة سيئة قادمة بالنسبة للصين.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الصيني شي جينبينغ يبتسم ويصافح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة رسمية إلى الرياض، المملكة العربية السعودية في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022. كانت زيارة شي تهدف على الأرجح إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي. حقوق الصورة أفلو، جيجي برس)

الصين العلاقات الخارجية العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية