عودة اليابان للمنافسة العالمية في تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة: مقابلة مع كويكي أتسويوشي رئيس شركة رابيدوس (الجزء الأول)

اقتصاد

تعتمد اليابان بشكل كبير على شركة رابيدوس الناشئة والمتقدمة في مجال تصنيع الرقائق المنطقية، باعتبارها قاطرة البلاد في عودتها كقوة عظمى في مجال أشباه الموصلات. نقدم لكم مقابلة على جزأين نلتقي فيهما كويكي أتسويوشي رئيس رابيدوس، حيث يسلط في الجزء الأول الضوء على انطلاقة الشركة وشراكتها مع IBM وانخراطه في المشروع الطموح

كويكي أتسويوشي KOIKE Atsuyoshi

رئيس شركة رابيدس. ولد عام 1952 في محافظة تشيبا. حصل على درجة الماجستير في علوم وهندسة المواد من جامعة واسيدا ودرجة الدكتوراه في الهندسة الإلكترونية من جامعة توهوكو. تولى العديد من المناصب الإدارية العليا في شركة هيتاتشي المحدودة قبل تعيينه رئيسا لشركة تريسينتي للتكنولوجيا في عام 2002. وشغل منصب رئيس شركتي سانديسك المحدودة وويسترن ديجيتال اليابان قبل تولي منصبه الحالي في أغسطس/آب عام 2022. مؤلف كتاب ’’صدمة التفرد، عندما يتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر‘‘.

تاكيناكا هاروكاتا: انطلقت شركة رابيدوس في شهر أغسطس/آب 2022، وفي نوفمبر/تشرين الثاني التالي أعلنت عن شراكة مع IBM من شأنها أن تمنحها إمكانية الوصول إلى تقنيتها الحديثة في مجال تصنيع أشباه الموصلات ذات عقدة بدقة 2 نانومتر. كما دخلت في علاقة تعاونية مع شركة Imec التي تعد مركزا أوروبيا رائدا في مجال أبحاث وتطوير أشباه الموصلات. والهدف من ذلك هو البدء في إنتاج كميات كبيرة من الرقائق المنطقية المتطورة في عام 2027. هل يمكن أن توضح لنا الخلفية وراء تدشين رابيدوس وشراكتها مع IBM؟

كويكي أتسويوشي: يعود تاريخ العلاقة مع شركة IBM إلى أكثر من 20 عاما. فبعد وقت قصير من الهجمات الإرهابية في سبتمبر/أيلول عام 2001، بدأت شركة IBM في بناء مركز أبحاث رئيسي لتطوير الرقائق المنطقية المتقدمة في ألباني بنيويورك. ودعت موردي الآلات والمواد من جميع أنحاء العالم بما في ذلك اليابان، إلى تشكيل اتحاد شركات. وكان أحد المشاركين الأكثر نشاطا هو شركة ”طوكيو إلكترون“ تحت قيادة هيغاشي تيتسورو الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة رابيدس.

في البداية كان هناك عدد لا بأس به من الشركات المشاركة بما فيها TSMC وسامسونغ وسوني وتوشيبا. ولكن تضاءل عدد المشاركين مع مرور الوقت. وهناك أيضا بعض الشركات – مثل إنتل – التي لم تنضم إلى اتحاد الشركات إلا مؤخرا.

كان محور جهود البحث والتطوير الضخمة تلك هو تطوير بنية الرقائق الإلكترونية من الجيل التالي المعروفة باسم البوابة الشاملة أو GAA. ولكن لماذا كانت شركة IBM تسعى بشدة للحصول على هذه التكنولوجيا؟ السبب في ذلك هو أن الرقائق المنطقية من نوع GAA ضرورية لأجهزة الكمبيوتر العملاقة التي تمثل شريان الحياة لأعمال IBM الخاصة. وبعد تطوير نموذج أولي، كانت الخطوة التالية هي إتقان عملية التصنيع التجاري لرقائق GAA بدقة 2 نانومتر، ولهذا الغرض لا بد وأن شركة IBM شعرت بالحاجة إلى توسيع نطاق التعاون. وقد بحثت في جميع أنحاء العالم عن شريك تصنيع مناسب، ومن الواضح أنها توصلت إلى نتيجة مفادها أنه لا بد أن تكون اليابان.

الدروس المستقاة من مشروع فاشل

تاكيناكا: متى اتصلت شركة IBM بالسيد هيغاشي بشأن عرض الأعمال هذا؟

كويكي: كان ذلك في صيف عام 2020. ثم تواصل معي هيغاشي، وتشاورنا مع أشخاص من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة.

كنت آنذاك رئيسا لشركة ويسترن ديجيتال اليابان(*١). لقد كان يمر على الشركة وقتا عصيبا في خضم جائحة كورونا.

انخرطت في أشباه الموصلات منذ أن بدأت عملي كمهندس في شركة هيتاتشي. ودشنت في عام 2000 شركة تريسينتي للتكنولوجيا التي كانت مشروعا مشتركا بين شركة هيتاتشي وشركة United Microelectronics Corp (UMC) في تايوان. وكانت UMC آنذاك متقاربة إلى حد ما مع TSMC. كانت تريسينتي عبارة عن شركة لسباكة الرقائق المنطقية وكانت تحاول بناء مشروع تجاري لتصنيع رقائق بدقة 300 ملم في الوقت الذي كانت فيه الرقائق بدقة 200 ملم هي المقياس المعياري آنذاك. وكان هذا قبل أن تتخلف اليابان كثيرا عن الركب في قطاع أشباه الموصلات.

كان المشروع ناجحا في الأساس. لقد أثبتنا أنه بإمكاننا تصنيع منتجنا بنصف المهلة القياسية باستخدام نظام جديد لمعالجة الرقاقة المفردة. أخبرتنا إحدى الشركات الأمريكية الكبرى أنها تريد منا أن نكون المورد الوحيد لها، ولكن بشرط أن تنفصل شركة تريسينتي عن شركة هيتاتشي. كانت طبيعة عمل الشركة الرئيسية لهذا العميل هو تصميم وتطوير أشباه الموصلات، وبالتالي كانت في منافسة مع شركة هيتاتشي. لذلك كان من الطبيعي تماما أن تضع الشركة هذا الشرط. يجب أن تكون شركات سباكة الرقائق قادرة على الحفاظ على الحياد في تعاملاتها مع العملاء.

كانت حصة شركة هيتاتشي في البداية 60%، وكانت حصة UMC هي 40%. كنت أعتقد أن شركة تريسينتي سوف تنفصل وتصبح مستقلة بمجرد أن تقف الشركة على أساس راسخ، لكن شركة هيتاتشي رفضت الانفصال. وقلت لنفسي في تلك اللحظة ”لقد انتهت مهمتي هنا“، وغادرت الشركة.

كان ذلك قبل 20 عاما، ولكن كنت في أعماقي أعتقد أنني أشعر دائما ببعض المسؤولية، كما لو أن فشل تريسينتي في النجاح كشركة تجارية كان أحد أسباب تخلف اليابان في مجال أشباه الموصلات المنطقية.

بعد ذلك، ركزت على رقائق الذاكرة وتخزين البيانات لمدة 15 أو 16 عاما. ومن خلال التعاون مع Kioxia، أصبحت سانديسك أخيرا قادرة على التنافس كتفا لكتف مع سامسونغ. لقد كان ذلك إنجازا كبيرا. كنت أفكر بالفعل أن مهمتي التالية هي القيام بشيء ما للمساعدة في مجال الرقائق المنطقية. لهذا السبب لم أستطع رفض طلب هيغاشي.

(من اليسار) هيغاشي تيتسورو رئيس مجلس إدارة شركة رابيدس ورئيسها كويكي أتسويوشي يقفان إلى جانب داريو جيل النائب الأول لرئيس شركة IBM والمدير العام لها ياماغوتشي أكيو ورئيس قسم التكنولوجيا موريموتو نوريشيغي من شركة IBM Japan في مؤتمر صحفي للإعلان عن شراكة في مجال أشباه الموصلات، في طوكيو بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول عام 2022 (© جيجي برس).
(من اليسار) هيغاشي تيتسورو رئيس مجلس إدارة شركة رابيدوس ورئيسها كويكي أتسويوشي يقفان إلى جانب داريو جيل النائب الأول لرئيس شركة IBM والمدير العام لها ياماغوتشي أكيو ورئيس قسم التكنولوجيا موريموتو نوريشيغي من شركة IBM Japan في مؤتمر صحفي للإعلان عن شراكة في مجال أشباه الموصلات، في طوكيو بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول عام 2022 (© جيجي برس).

تحسين التصميم من أجل التصنيع

تاكيناكا: لا تسعى شركة رابيدوس إلى الإنتاج الضخم من الرقائق المنطقية المتطورة، حسب فهمي. بل هي تتطلع إلى إنتاج أشباه الموصلات المتخصصة بكميات أقل، بحيث تكون مصممة خصيصا لتلبية احتياجات العملاء الفردية. ماذا يعني ذلك بعبارات محددة؟

كويكي: ما يتحدث عنه الجميع الآن هو رقائق الذكاء الاصطناعي. النقطة الأساسية هي أن رقائق الذكاء الاصطناعي هذه ستحل محل وحدات معالجة الرسومات ذات الأغراض العامة، أو وحدات GPU. وستكون مطلوبة في كل شيء بدءا من الهواتف المحمولة إلى السيارات، ما سيخلق سوقا ضخمة. لكن العملاء لا يريدون أن تحتكر شركة واحدة الإنتاج. لن تقوم رابيدس بتخصيص مجموعة كاملة من الرقائق لعميل واحد، كما تفعل TSMC مع أبل. نحن نخطط لتزويد العملاء بكميات متوسطة من احتياجاتهم.

تاكيناكا: دعني أسألك عن تصميم الرقائق. بدأت شركات مثل غوغل في تصميم رقائقها الخاصة داخل الشركة. وحسب علمي، يتزايد عدد شركات التكنولوجيا التي قررت أنها تستطيع تحقيق سرعات برمجية أفضل وما إلى ذلك من خلال تصميم رقائق محسنة لأغراضها الخاصة. فشركة أبل التي عقدت شراكة مع إنتل لفترة طويلة، تستخدم الآن معالجاتها الخاصة. إذن، هل تستهدف رابيدوس الشركات الصغيرة التي ترغب أيضا في تصميم رقائقها الخاصة؟ وفي هذه الحالة، إلى أي مدى ستشارك رابيدس في عملية التصميم؟

كويكي: لن تكون رابيدوس منخرطة في صلب عملية التصميم، ولكننا نأمل في توفير دعم التصميم الموجه لتقليل التكاليف وتقصير وقت التطوير. وهذا جانب مهم جدا من التصميم. من وجهة نظري، تعاني عملية تصنيع أشباه الموصلات اليوم من حقيقة أن المهندسين المسؤولين عن تصميم الرقائق لا يعرفون الكثير عن تصنيع أشباه الموصلات. فقسما التصميم والتصنيع معزولان بشكل أساسي عن بعضهما البعض. ويجب أن يحصل المصممون بشكل منتظم على آراء المهندسين ذوي الخبرة في الجانب التصنيعي للأشياء.

يتحدث الناس كثيرا في صناعة أشباه الموصلات عن DTCO أو تحسين توافق التصميم والتكنولوجيا، لكنني أفضل التركيز على DMCO أو تحسين توافق التصميم والتصنيع. ولحسن الحظ أن هذه إحدى نقاط قوة اليابان. نعتزم في رابيدس تبسيط عملية الإنتاج من خلال التعاون مع مصممين لتحقيق أقصى استفادة من نقاط القوة اليابانية في تكنولوجيا التصنيع.

تاكيناكا: قال بعض الخبراء إنه ببساطة من غير الممكن لليابان – التي لديها حاليا تكنولوجيا تصنيع الرقائق بدقة 40 نانومتر فقط – أن تبدأ فجأة في تصنيع رقائق بدقة 2 نانومتر. ولكن في رابيدس أنت تقول إن تلك ليست مشكلة. هل يمكنك شرح سبب تفاؤلك؟

كويكي: بشكل عام، تستخدم رقائق CMOS (أشباه الموصّلات ذات الأكاسيد المعدنية المُتتامة) المنطقية اليوم بنية FinFET (ترانزستور تأثير المجال الزعنفي). عند التحول إلى تقنية FinFET كانت اليابان على الهامش. لكن أشباه الموصلات ذات عقدة 2 نانومتر ستستخدم تقنية GAA، وهي مختلفة تماما. لو كانت تقنية FinFET بمثابة نقطة انطلاق ضرورية في الطريق إلى GAA، فسيكون المشروع باهظ التكلفة ويستغرق وقتا طويلا. لكن بما أنهما تقنيتان مختلفتان تماما، فيمكننا فقط تجاوز FinFET. إن GAA هي تقنية من تطوير IBM من خلال نفس اتحاد شركات البحث والتطوير الذي تحدثت عنه آنفا، وكانت IBM تبحث عن شريك جديد لتصنيع رقائق GAA ذات دقة 2 نانومتر في اليابان. وبهذا الشكل ظهرت رابيدوس إلى الوجود.

من المرجح أن منافسينا في تصنيع الرقائق المتطورة بدقة 2 نانومتر هم إنتل وسامسونغ. ومن بين الشركات الثلاث، تعد رابيدس هي شركة سبك الرقائق الوحيدة المختصة في تصنيع أشباه الموصلات لشركات أخرى. وهذا يعني أنه يمكن للعملاء الاعتماد على رابيدوس لإجراء أعمالهم في مكان محايد.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بقلم إيشي ماساتو من إدارة التحرير في Nippon.com بناء على مقابلة أجريت بتاريخ 25 يوليو/تموز عام 2023. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: كويكي أتسويوشي رئيس رابيدوس في كوجيماتشي بطوكيو في 25 يوليو/تموز عام 2023. © هاناي توموكو)

(*١) ^ ويسترن ديجيتال اليابان (كانت تعرف سابقا باسم سانديسك المحدودة) هي شركة تابعة لشركة تصنيع أقراص الكمبيوتر وتخزين البيانات ويسترن ديجيتال ومقرها في الولايات المتحدة. تنتج الشركة أجهزة تخزين البيانات بالشراكة مع شركة تصنيع رقائق الذاكرة اليابانية Kioxia القابضة.

تكنولوجيا العلاقات اليابانية الأمريكية اقتصاد الرقمنة