هل أصبح من المستحيل تعويض الجيل الأكثر تضررًا من الموظفين اليابانيين

مجتمع

وضعت الحكومة خطة مدتها ثلاث سنوات لدعم الأشخاص الذين بلغوا الآن سن الثلاثين والأربعين وفاتتهم فرصة الالتحاق بوظائف منتظمة في الفترة التي قلصت فيها الشركات عدد موظفيها بعد انفجار الفقاعة الاقتصادية. والهدف من ذلك هو ضمان وظائف منتظمة بدوام كامل لحوالي 300 ألف شخص من هذه الفئة العمرية. يجادل المؤلف بأن هذا النهج واسع النطاق للغاية وأنه ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام للظروف الفردية.

هل سيسود الدفء في نهاية المطاف؟ أنا لا أتحدث هنا عن تغير المناخ، ولكن ”عصر الجمود“ الذي أشير إليه يتعلق بسوق العمل في اليابان. إن خريجي الجامعات الجدد الذين التحقوا بسوق العمل في فترة الركود التي ضربت الاقتصاد الياباني بعد فترة وجيزة من انفجار اقتصاد الفقاعة منذ عام 1993 وحتى عام 2004 واجهوا ما يطلق عليه الخبراء ”عصر الجمود الوظيفي“. وكان لذلك آثار وخيمة على الكثير من الشباب الذين فاتتهم فرصة الحصول على وظائف منتظمة، والذين اضطروا منذ ذلك الحين إلى الاكتفاء بعقود عمل غير مستقرة أو بالعمل في وظائف مؤقتة. وهكذا فقد حُرم عدد كبير من الموظفين من امتيازات الحصول على وظيفة مستقرة، مما أدى إلى ظهور مشاكل اجتماعية اعترفت الحكومة الآن بضرورة معالجتها.

الحصول على وظائف لائقة

غالبًا ما يوصف سوق العمل في اليابان بأنه مزدوج البنية، وعادة ما يتكون من الشركات الكبرى الناجحة و”بقية المجموعة“ من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الشركات. ونظرًا إلى أن الانتقال من وظيفة إلى أخرى لا يشكل المعيار المعمول به في اليابان، يعتقد العديد من خبراء العمل أن هذا الفارق بين الشركات ينتج عنه بشكل مباشر اختلاف في مستوى الموظفين يدوم مدى الحياة، ولا يؤثر ذلك على مستويات الرواتب فحسب، بل أيضًا على فرص الخبرة المطلوبة في سن مبكرة. أو بعبارة أخرى، أولئك الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على ”وظيفة لائقة“ بعد التخرج مباشرة لمجرد أنهم تخرجوا من الجامعة في فترة الركود الاقتصادي، قد يعانون من ذلك طوال حياتهم المهنية. ولا يزال الكثيرون منهم عالقين في وضع شديد الصعوبة لأسباب خارجة عن إرادتهم ولا تتعلق مطلقًا علاقة بنقص في مؤهلاتهم.

في أغسطس/آب عام 1995، ارتفع معدل البطالة إلى 3.2% ليجتاز معدل البطالة خلال فترة الركود الاقتصادي في الثمانينات، ثم بلغ 4.0% في أبريل/ نيسان عام 1998. وبعد ذلك استمر معدل البطالة في الازدياد، حيث بلغ ذروته بمعدل 5.5% في يونيو/ حزيران عام 2002 قبل أن يتراجع إلى 4.0% في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2006. ولكن بعد ذلك تعرضت البلاد للأزمة المالية العالمية في عام 2008، مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة مرة أخرى إلى 5.5%  في يوليو/ حزيران عام 2009. ولم تنخفض نسبة البطالة إلا في يوليو/ حزيران عام 2013 حيث بلغت أقل من 4%، وكانت سببًا في تأخر الانتعاش الاقتصاد إلا أن التأثيرات الناجمة عن زلزال شرق اليابان العظيم في عام 2011.

وعندما يتعلق الأمر بندرة الوظائف الجيدة، تميل التقارير الحكومية وغيرها من المصادر إلى التركيز على جيل الموظفين الذين تخرجوا بين عامي 1993 و 2004. لكن في الواقع كانت فرص الحصول على وظيفة أولى جيدة ضئيلة جدًا بالنسبة للخريجين الذين اضطروا لدخول سوق العمل في فترة تدهور الاقتصاد التي دامت حوالي 15عامًا تقريبًا منذ بداية منتصف التسعينات. واليوم بلغ أفراد هذا الجيل عامهم الثلاثين والأربعين.

دعم جيل عصر الجمود الوظيفي

في مايو/ أيار عام 2019، كشفت الحكومة عن برنامج لدعم جيل عصر الجمود يهدف إلى توظيف 300 ألف شخص في وظائف بدوام كامل على مدى السنوات الثلاث القادمة. يتكون البرنامج من ثلاثة مناهج رئيسية: استشارات التوظيف في مكاتب التوظيف الحكومية  Hello Work(مركز خدمات التوظيف التابع للحكومة اليابانية)؛ التعليم الدوري لإعادة التدريب على أحدث التقنيات والحصول على شهادة في مختلف المجالات؛ وتقديم منح لأرباب العمل الذين يبادرون بتوظيف المشاركين في البرنامج. ولكن هذه الخطوات تشبه إلى حد كبير التدابير التقليدية التي يتم اتخاذها لدعم العاطلين عن العمل.

لطالما كانت المناهج الثلاثة للبرنامج جزءًا من الدعم المقدم للعاطلين عن العمل في إطار التأمين على العمالة الذي يهدف إلى مساعدة الأشخاص الذين كانوا يعملون ولكنهم فقدوا وظائفهم لسبب أو لآخر. في اليابان، يتم تمويل نظام التأمين على العمالة من خلال مساهمات الموظفين وأصحاب العمل. وتعتبر المساهمات المجمعة مصدرًا لتمويل الإعانات المؤقتة التي تُمنح للعاطلين عن العمل لإعالة أنفسهم، ومن المفترض أن يقضي المستفيدون من تلك الإعانات معظم أوقاتهم في البحث عن عمل وخاصة من خلال Hello Work.

وبعبارة أخرى، لم يتم تصميم المخطط لأولئك الذين تركوا سوق العمل لفترة طويلة من أجل إنشاء عائلة أو لأولئك الذين لم يشغلوا أي وظيفة منذ البداية. نظرًا لأن هؤلاء الأفراد لم يقدموا سوى القليل من المساهمة في نظام التأمين على العمالة أو لم يقدموا شيئًا يُذكر، فليس من الممكن أن يتم دعمهم مؤقتًا من أموال المساهامات المجمعة. وعلاوة على ذلك، يعمل العديد من هؤلاء الأشخاص في وظائف نهارية منخفضة الأجر وليس لديهم الوقت الكافي للذهاب إلى مكاتبHello Work ، التي عادة ما تفتح أبوابها خلال ساعات العمل الرسمية فقط. وتشترط حضور المعني بالأمر شخصيًا للحصول على الدعم ولا توفر خدماتها عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.

ارتباط سياسات التوظيف بالرعاية الاجتماعية

ومع ذلك، فإن البرنامج الجديد يختلف عن سياسات التوظيف السابقة ويتخذ مسارًا جديدًا بمعنى أنه يرتبط بالوكالات التي تدعم أولئك الذين يواجهون مشاكل في تلبية احتياجاتهم. هذه الوكالات هي جزء من إطار برنامج المساعدة على كسب الرزق وغير ذلك من سياسات الرعاية الاجتماعية، وبالتالي فهي لا تعتمد في تمويلها على النظام القائم على التأمين.

على عكس Hello Work، الذي ينتظر المستخدمين حتى يأتوا إلى المكتب، فإن تلك الوكالات تبني علاقات مع العملاء بطرق مختلفة، بدءًا من الاستشارات المتنقلة والزيارات المنزلية إلى خدمات التواصل عبر الهاتف. في حالة الأفراد الذين يعيشون عزلة اجتماعية لعدم تمكنهم من الحصول على وظيفة كخريجين جدد، يجب على السلطات أن تدرك أن عليها أن تقوم بالتواصل مع العملاء بدلاً من انتظارهم حتى يقوموا بطلب المساعدة. لقد أصبحت الحاجة ملحة إلى اتباع أساليب جديدة تتجاوز سياسات التوظيف التقليدية من أجل دعم جيل عصر الجمود الوظيفي.

يعد البرنامج الجديد خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن من المهم أن ندرك أن هناك أشخاصاً آخرين يعيشون أوضاعاً أصعب من أولئك الذين يُعتقد بشكل تقليدي أنهم ينتمون إلى جيل عصر الجمود الوظيفي.

منذ ما يقرب من 20 عامًا، كانت غيندا يوجي وباحثون آخرون في مجال العمل يتحدثون عن ”التأثير المستمر“، وهي الظاهرة التي يتعرض فيها العمال للحرمان الدائم إذا تخرجوا وبدأوا البحث عن عمل في سوق عمل لا يتمتع بظروف مواتية. مؤخراً قامت غيندا، بالاشتراك مع كوندو أياكو وأوتا سويتشي، بنشر بحث(*١) يثبت بشكل قاطع أن هذا التأثير حقيقي. عند مناقشة معدل الاستيعاب الوظيفي، يُقال في اليابان أن معدل البطالة السائد عندما يتخرج الذكور من المدرسة الثانوية له آثار سلبية طويلة الأجل، وتحديداً، بالنسبة لكل زيادة في النقطة المئوية لمعدل البطالة عند تخرجهم، يظل معدل الاستيعاب الوظيفي بين هذا الجيل أقل بنسبة 3 إلى 4 نقاط مئوية لمدة تزيد عن 12 عامًا.

هذا التأثير المستمر قوي حتى بالمقارنة مع الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، بافتراض زيادة 3 في النقطة المئوية لمعدل البطالة بعد انفجار عصر الفقاعة الاقتصادية اليابانية، كان معدل الاستيعاب الوظيفي بين خريجي المدارس الثانوية من الذكور في تلك السنوات أقل بـ 9-12 نقطة مئوية مما كان يمكن أن يكون عليه في بيئة عمل أكثر ملاءمة. أيضاً، بالنظر إلى أن معدل المشاركة في القوى العاملة بين النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 30 و 34 عامًا يحتاج إلى عقد كامل من الزمن حتى ينتعش (ما يطلق عليه تأثير المنحنى M، مع نقطتي ذروة لـ M مقابلتين لعملهن قبل الولادة ثم عودتهن إلى القوة العاملة بعد تربية صغارهن)، فإن انخفاضاً بما يزيد عن 10 نقاط يعد كبيراً جداً. وقد كشف الباحثون عن آثار سلبية مماثلة على ساعات العمل والدخل السنوي، وهذا يعني أن خريجي المدارس الثانوية من الذكور الذين انضموا إلى سوق العمل خلال عصر الجمود الوظيفي هم على الأرجح لا يزالوا عالقين في وضع غير مؤات حتى بعد 10 سنوات من تخرجهم، فبالنسبة لهم لا توجد أية مؤشرات على قرب انتهاء عصر الجمود الوظيفي.

سوق العمل لخريجي الجامعة

عادة ما يتم تصوير الباحثين عن عمل من خريجي الجامعات المنتمين إلى عصر الجمود الوظيفي كما لو كانوا منكبّين على ملأ طلبات التوظيف التي لا نهاية لها وحضور اجتماعات المعلومات أو يقومون بإجراء المقابلات مع عشرات الشركات، فقط لينتهي بهم الحال مع خطابات تفيد برفض طلباتهم المقدمة وتتمنى لهم حظًا سعيدًا في أماكن أخرى.

من ناحية أخرى، فإن سوق العمل لطلاب المدارس الثانوية أكثر تنظيماً، حيث أن المدارس تشارك مباشرة في إيجاد وظائف لخريجيها الذين لا يقضون آخر عامين دراسيين لهم في البحث عن وظيفة. لا يربط الناس في كثير من الأحيان بين عصر الجمود الوظيفي وخريجي المدارس الثانوية، رغم أن هذه المجموعة هي التي عانت بشكل كبير، بينما لم يكشف البحث الذي قام به غيندا وزملاؤه عن أية تداعيات سلبية مشابهة عانى منها خريجو الجامعات، ولم يثبت وجود أي من جوانب ”التأثير المستمر“ على هذه المجموعة.

بمعنى آخر، فإن طلاب الجامعات الذكور الذين اضطروا للانضمام إلى سوق العمل في عصر الجمود الوظيفي لم يعانوا من أضرار دائمة. حتى من خلال تقديرات متحفظة، بعد مرور عدد معين من السنوات، فإن دخلهم المادي وتقدمهم الوظيفي وما شابه ذلك، يمكن مقارنته في المتوسط، بالدخل الذي حصلت عليها الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة لهم، وبعبارة أخرى، فإن حالة الجمود قد تحطمت بالنسبة لهم.

مراعاة الظروف الفردية

إذا تم أخذ نتائج هذه الدراسة التجريبية على محمل الجد، فليس من المنطقي التفكير في أن خريجي الجامعات يمثلون جيل التوظيف في عصر الجمود الوظيفي. ولكن في الحقيقية إن الأشخاص الذين يحتاجون حقًا المساعدة هم الذين يبلغون سن الثلاثين والأربعين ولا يزالون عاطلين عن العمل أو كانوا خارج سوق العمل لفترة طويلة بسبب ظروفهم الشخصية، لكي لا يكونوا جزءًا من مجموعة متجانسة تتأثر بظروف خارجة عن إرادتهم.

ولكن نظرًا لأن Hello Work جزء لا يتجزأ من نظام التأمين على العمالة، فإنه لا يُخصص خدماته (الموجهة إلى الباحثين عن فرص العمل ذوي الخبرة المهنية) للاستجابة إلى الأشخاص ذوي الظروف الفردية. ولذلك فإنه يفتقر إلى المرونة اللازمة للتعامل مع أقلية الأشخاص الذين عانوا من حلو الحياة ومرها.

وإذا كان الأمر كذلك، فيجب على Hello Work أن تسعى للحصول على المساعدة من مختلف المنشأت في نظام الرعاية الاجتماعية التي سبق لها المشاركة في خدمات دعم العاطلين عن العمل. يحتاج الأشخاص الذين وقعوا ضحية نظام التوظيف إلى اهتمام ودعم خاص، ولا يجب التركيز فقط على الجيل الذي تأثر بعصر الجمود الوظيفي، بل يجب أن يركز برنامج الحكومة على تنفيذ تدابير لدعم الأشخاص الذين تم استبعادهم ويواجهون صعوبة في العثور على وظائف أياً كان الجيل الذي ينتمون إليه، لأنه لا توجد بعد علامات تشير على ذوبان الجليد.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الانكليزية. صورة العنوان من بيكستا)

(*١) ^ غيندا يوجي، كوندو أياكو، وأوتا سيتشي. 2010. الآثار الطويلة الأجل للركود عند دخول سوق العمل في اليابان والولايات المتحدة. مجلة الموارد البشرية. المجلد. 45 (1)، ص. 157-196.

الشباب الاقتصاد الشركات اليابانية