أوغاتا ساداكو.. أول امرأة في تاريخ الأمم المتحدة تشغل منصب المفوض الأعلى لشئون اللاجئين

ثقافة

بصفتها أول يابانية وأول امرأة على الإطلاق تتولى منصب المفوض الأعلى لشئون اللاجئين، تعاملت أوغاتا ساداكو بنجاح منقطع النظير مع حالات الطوارئ الإنسانية في جميع أنحاء العالم. هذا المقال يلقي الضوء على وجهات النظر التي تبنتها أوغاتا حول التاريخ والدبلوماسية وقضايا الأمن القومي.

في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، انهالت من جميع أنحاء العالم رسائل التعزية في وفاة أوغاتا ساداكو التي شغلت منصب المفوض الأعلى لشئون اللاجئين. بالنسبة لي، لست في وضع يسمح لي بإضافة نعي آخر أو إطراء على عملها وحياتها، لكن بدلاً من ذلك أهدف من وراء نشر هذا المقال إلى استقراء أفكار أوغاتا ودورها كباحثة متميزة وممارسة في العديد من جوانب السياسة الخارجية والأمنية لليابان، أو بعبارة أخرى، يهمني التعرف على الأسئلة والمخاوف والتحديات التي أثارتها لنا أوغاتا من خلال عملها على مدار عقود طويلة.

إن أهم ما تميزت به أوغاتا هو توازنها الذي لا مثيل له بين الإنسانية والواقعية. وبالنظر إلى ما تركته لنا من إرث، لا يمكن إنكار أن ما كانت أوغاتا تهدف إليه لم يُكتب له التأصّل والانتشار في اليابان. نتيجة لذلك، وللمفارقة، لم تنل خبرتها ودراساتها الاهتمام الكافي في المجتمع الياباني إلا في المرحلة الأخيرة من حياتها مما أثار مخاوف حقيقية لدى أوغاتا حول اليابان ومستقبلها.

منظور تاريخي متوازن

كانت أوغاتا مستودعًا حيًا للمعرفة حول اليابان في فترة ما قبل الحرب وكذلك السياسات والدبلوماسية المعاصرة. فعندما كانت طالبة حضرت محكمة جرائم الحرب في طوكيو حيث كانت شاهدةً على "فرض عدالة المنتصرين على اليابان المهزومة". في مذكراتها عام 2015 بعنوان Kikisho: Ogata Sadako kaikoroku (بكلماتها الخاصة: مذكرات أوغاتا ساداكو) تقول أوغاتا إنها "لا تستطيع قبول فكرة أن توسع اليابان كان نابعاً من مؤامرة كبيرة الغرض منها غزو القارة الآسيوية". قد يفاجأ الناس لسماع مثل هذا المنظور المتشكك في محكمة طوكيو، إنه مشهد يبدو تماماً كما لو كان جدلاً بين جناح اليمين التقليدي وجناح المحافظين.

لكنها تواصل التأكيد على أن "إخفاقات اليابان الدبلوماسية واضحة بدءاً من حادثة موكدين إلى الحرب الصينية اليابانية وحرب المحيط الهادئ" وأن "صناع السياسة في ذلك الوقت يتحملون المسؤولية بشكل واضح". بدافع من هذه التجربة، كتبت أوغاتا أطروحة الدكتوراه بجامعة كاليفورنيا في بيركيلي حول عملية صنع السياسات التي أدت إلى حادثة موكدين. ولا شك أن حقيقة أن جدها الأكبر إينوكاي تسويوشي (1855-1932) كان رئيسًا للوزراء في الفترة من ديسمبر/ كانون الأول 1931 حتى اغتياله في حادثة 15 مايو/ أيار، وهي محاولة انقلاب قام بها أفراد من الجيش والجماعات القومية المتطرفة، قد لعبت أيضًا دورًا في التزامها باستقراء تاريخ اليابان في فترة ما قبل الحرب.

بالإضافة إلى ما تمتعت به أوغاتا من إحساس رائع بالتوازن منذ صغرها، كانت لديها سمة أخرى مميزة وهي قدرتها على الربط بين البحث الأكاديمي وقضايا العالم الحقيقية، وفي هذا السياق تؤكد على أن "البحث كان مفيدًا للسياسة" وأن من "الهراء" "الفصل بين ممارسة السياسة والبحث الأكاديمي".

من السهل اعتبار أوغاتا ليبرالية بالمعنى الكلاسيكي، ولكن كما هو واضح من منظورها التاريخي السالف ذكره، لم تكن شخصية يسارية تقليدية بالمعنى المتعارف عليه في المجتمع الياباني. لقد حررت أوغاتا نفسها من أية قيود أيديولوجية وكانت تبحث عن الحقيقة كعالمة وعن الإنجازات الملموسة كممارسة، ونتيجة لذلك فقد أصبحت شخصية رائدة في كل من حقوق الإنسان وقضايا اللاجئين، على الرغم من أنها لم تعتبر نفسها أبداً خبيرة في أي من المجالين.

أحداث في حياة أوغاتا ساداكو

1927 ولدت في طوكيو
1951 تخرجت من جامعة القلب المقدس
1963 حصلت على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كاليفورنيا في بيركيلي
1974 تم تعيينها كأستاذة مشاركة في الجامعة المسيحية الدولية
1976 تم إيفادها ضمن بعثة اليابان لدى الأمم المتحدة
1980 تم تعيينها أستاذةً في السياسات الدولية بجامعة صوفيا
1991-2000 شغلت منصب المفوض الأعلى لشئون اللاجئين
2003-2012 شغلت منصب رئيس وكالة اليابان للتعاون الدولي

عالمية أوغاتا وإنسانيتها

تعتقد أوغاتا أن دول العالم مترابطة بشكل لا رجعة فيه. وتعد اليابان مثالاً حياً على هذا الارتباط، حيث أن اليابان كدولة لا تستطيع ضمان سلامها وازدهارها منفردةً ولذلك يجب عليها متابعة المشاركة على الساحة العالمية، وقد شكّل هذا الأساس الراسخ لمعتقداتها والجوهر لعالميتها. لقد التزمت بهذه الفكرة طوال حياتها وجعلتها ركيزة أساسية لعملها مع اللاجئين والمساعدات الإنمائية. ولهذا السبب استهجنت بشكل خاص الميول الانعزالية للعديد من الدول بما في ذلك اليابان.

عندما سُئلت أوغاتا عما إذا كانت الإنسانية هي الدافع وراء عملها، جادلت متواضعة أنه "بعيدًا عن كونها مدفوعة بالمثل النبيلة، فإن ما تقوم به هو مجرد تعبير عن الغريزة الطبيعية لأي إنسان" نظراً لكونها شاهدت ويلات الأزمات الإنسانية وعايشت ما يعانيه اللاجئون من ظروف لا تطاق، تقول أوغاتا "إذا رأيت شيئًا فظيعًا، ألا يتحتم عليك حينها فعل شيء ما؟ تريد فعل شيء، أليس كذلك؟ إنها ليست مسألة منطق".

 أوغاتا ساداكو تجري مقابلة في يناير/ كانون الثاني 2008. جيجي برس.
أوغاتا ساداكو تجري مقابلة في يناير/ كانون الثاني 2008. جيجي برس.

إن ما تتمتع به أوغاتا من مزيج من التعاطف العميق والإنسانية القوية هو أمر لافت للنظر، مما يثير الشكوك حول مدى قبول مثل هذا السلوك أو تطبيقه في المجتمع الياباني.

يتحدث الناس عن "تأثير سي إن إن" في مجالات العلاقات الدولية والدراسات الإعلامية، مشيرين إلى مدى تأثر الرأي العام بقناة سي إن إن ووسائل الإعلام الأخرى التي تعد تقاريرها على الخطوط الأمامية للصراعات والأزمات الجارية حول العالم. من المفترض أن صور الدمار والمعاناة التي تبثها شاشات التلفاز في غرف المعيشة تدفع الناس إلى مطالبة بلادهم بالتحرك. يتماشى هذا مع حجة أوغاتا التي تقول "إذا رأيت شيئًا فظيعًا، ألا يتحتم عليك حينها فعل شيء ما؟" ومع ذلك، إذا كان الناس لا يهتمون بالصراعات أو الأزمات فلن يكون لقناة سي إن إن أي تأثير. مما يثير شكوكاً حول وجود ما قد يطلق عليه "تأثير هيئة الإذاعة اليابانية NHK" في اليابان.

غالبًا ما يتظاهر نشطاء حقوق الإنسان والليبراليون أمام السفارات الصينية في الولايات المتحدة وفي دول أوروبية هذه الأيام، منتقدين أوضاع حقوق الإنسان في الصين والطريقة التي تتعامل بها بكين مع الأقليات العرقية. كما يتم أيضًا تنظيم احتجاجات أمام السفارة الصينية في طوكيو، لكن الشيء الفريد هو أن المشهد يهيمن عليه إلى حد ما النشطاء المنتمون لجناح اليمين والنشطاء القوميون.

خطاب طوكيو أحادي الجانب بشأن المشاركة الدولية

عندما يتعلق الأمر بالأبعاد السياسية والأمنية، فقد تطور اهتمام اليابان بالشؤون الدولية والمشاركة الدولية حصريًا في سياق التعاون مع الولايات المتحدة. وقد وصفت أوغاتا هذا الأمر بأنه "عادة" واستمر الاعتماد على الولايات المتحدة.

ومع ذلك، لا يستطيع أحد إنكار أن التحالف بين الولايات المتحدة واليابان كان لفترة طويلة نافذة على العالم، واستخدمته الحكومات المتعاقبة بقيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي كوسيلة لتوسيع دور اليابان في العالم. أما بالنسبة لمجموعة المحافظين الموالين للولايات المتحدة، فقد كانوا ينظرون إلى توسيع مشاركة اليابان دولياً على أنه وسيلة لإدارة التحالف مع الولايات المتحدة في ضوء توقعات واشنطن ومطالبها المتزايدة.

في غضون ذلك، عارضت المعسكرات اليسارية والليبرالية أي تعزيز للتحالف بين اليابان والولايات المتحدة والعمل على توسيع دور اليابان في العالم، بما في ذلك إرسال قوات الدفاع الذاتي إلى الخارج. لم تنبع معارضتهم من الخلافات السياسية بشأن كيفية تعزيز دور اليابان في العالم، ولكنها كانت تستند إلى اعتقاد أيديولوجي ضد دور اليابان في عملية الأمن الدولي في العالم. وبهذا المعنى، يمكن أن يطلق عليهم الانعزاليون.

ما لم يتطرق إليه هذا النقاش الثنائي هو فكرة توسيع دور طوكيو على الساحة الدولية إلى ما وراء حدود تعاونها مع الولايات المتحدة استناداً على العالمية والإنسانية. بدلاً من ذلك، فإن القوى المحافظة قامت إلى حد ما باحتكار الدعم الموجه نحو تعظيم مشاركة اليابان على الساحة الدولية، ونتيجة لذلك فقد أسيء فهم التحالف مع الولايات المتحدة ومشاركة اليابان دولياً على أنهما فكرتان لا تنفصلان. في الواقع، يمكن أن يكون الأمران مستقلين تمامًا عن بعضهما البعض.

في الولايات المتحدة والعديد من البلدان في أوروبا، على سبيل المثال، دفعت بعض (إن لم يكن كل) الأحزاب اليسارية وأحزاب يسار الوسط والأحزاب الليبرالية نحو مزيد من المشاركة الدولية والتدخلات الأجنبية. في أوروبا، هناك بعض المجموعات التي تحبذ التدخلات الإنسانية مع الإبقاء على مسافة مناسبة مع الولايات المتحدة. لا يوجد في اليابان مثل هذا الاتجاه الفكري على الإطلاق، وربما يكون هذا هو السبب وراء ضعف الدعم المحلي للمشاركة الدولية لليابان. إن الاتجاهات الفكرية اليسارية والليبرالية التي تنادي بالمشاركة الدولية ليست مرتبطة بالضرورة بمعاداة أمريكا، وبالمثل فقد كانت أوغاتا بعيدة كل البعد عن معاداة أمريكا.

إن قناعات أوغاتا تتعارض مع كل من الانعزالية وتوسيع دور اليابان على الساحة الدولية كوسيلة لإدارة التحالف بين اليابان والولايات المتحدة، لكنها وجدت الأخيرة أقرب إلى أهدافها، لأنها كانت دائماً تؤمن بتوسيع المشاركة الدولية لليابان. وهكذا عملت أوغاتا بشكل وثيق مع الحكومات اليابانية المتعاقبة وكثيرا ما ورد اسمها كمرشح محتمل لمنصب وزير الخارجية.

إلا أن جهود طوكيو في سبيل توسيع الدور الدولي للبلاد لم تكن كافية أبداً ولا تتناسب مع حجم وإمكانات اليابان كما كانت تراها أوغاتا. في 24 سبتمبر/ أيلول 2015، عبرت أوغاتا في مقابلة مع أساهي شيمبون عن خيبة أملها في هذا الوضع قائلة إنها كانت لديها آمال كبيرة في أن تقوم اليابان بإرسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية ضمن عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، لكن الحكومة لم ترسل قوات الدفاع الذاتي اليابانية إلى المناطق الخطرة". ورداً على سؤال في سياق قانون السلام والأمن في عام 2015، أجابت في مقابلة لها مع نيهون كيزاي شيمبون نشرت في 13 أغسطس/ آب 2015 أنه "طالما كانت هناك حاجة على الأرض، فيجب إرسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية للقيام بدورها في المساعدة الأمنية" في إطار العمليات الدولية (بخلاف الدور التقليدي لقوات الدفاع الذاتي اليابانية في المساعدة الإنسانية وإعادة الإعمار) مما يشير إلى أسلوب أوغاتا الواقعي في التفكير.

قد تفاجئ مثل هذه الكلمات أولئك الذين يعرفون أوغاتا فقط من خلال دورها في حماية اللاجئين وكونها رسولاً للسلام وواحدة من الذين عارضوا تشريع السلام والأمن لعام 2015 وفكرة إرسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية إلى الخارج. لكن أوغاتا في الحقيقة كانت بعيدة تماماً عن المثالية الساذجة.

وفي نفس المقابلة التي أجرتها مع أساهي، قامت أوغاتا أيضًا بتوبيخ رئيس الوزراء آبي شينزو على "إسهامه الاستباقي في السلام"، مشيرةً إلى أن فئة قليلة فقط داخل الحكومة كانت تتحدث عن كم التضحيات التي كانت اليابان مستعدة لتحملها من أجل القضايا الدولية، وعلّقت ساخرةً "لهذا فإن سياسة آبي هي مجرد كلمات فارغة"، كانت أوغاتا تعتقد أن على اليابان القيام بالمزيد.

فشل العالمية في اليابان

ختاماً، لا يمكن إنكار أن العالمية كما عرّفتها أوغاتا قد فشلت في التأصّل داخل اليابان، سواء داخل الحكومة أو في المجتمع ككل. لقد دافعت حكومة آبي عن "المساهمة الاستباقية في السلام" وكذلك "الدبلوماسية من خلال منظور بانورامي للعالم"، ويبدو أن مكانة اليابان الدولية قد زادت. ولكن هل يعني هذا أن اليابانيين الآن أكثر تطلعاً للخارج وأن البلاد أكثر استعدادًا لقبول التكلفة والتضحية من أجل قضية السلام الدولي؟ والجواب على الأرجح هو لا. لقد تركت لنا أوغاتا مهمة شاقة وغير منتهية.

نظرًا لأن بيئة الأمن القومي في اليابان أصبحت أكثر هشاشة وتقلص عدد السكان، تدعو العديد من الأصوات إلى تخصيص موارد اليابان المحدودة للقضايا ذات الأولوية القصوى مثل الدفاع الإقليمي، ولا شك أن هذه الأولوية تبدو منطقية وحتمية. لكن على المدى المتوسط إلى الطويل هل سيضمن ذلك حقًا أمن اليابان وازدهارها؟

بالنسبة لهذا السؤال، كانت أوغاتا تؤمن بأن "السر يكمن فيما إذا كان بإمكان الناس تغذية شعور التضامن مع الشعوب الأخرى في البلاد البعيدة"، وهي جملة مقتبسة من كتاب ألّفته عن الفترة التي شغلت فيها منصب المفوض الأعلى لشئون اللاجئين، واتاشي نو شيغوتو (عملي). ربما تكون وجهة النظر هذه، التي تجمع بين إنسانيتها وواقعيتها، بمثابة نقطة انطلاق للتأمل والتفكير داخل اليابان.

 (نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: أوغاتا ساداكو، مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، تلقى ترحيباً في مخيم للاجئين الروانديين في بوكافو، زائير (تٌعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية) في 13 فبراير/ شباط 1995. أفلو)

النمو الإقتصادي اليابان السياسة