هل تستطيع اليابان نزع فتيل الأزمة بين الولايات المتحدة والصين؟

سياسة

أصبحت الآن جائحة فيروس كورونا الجديد الشغل الشاغل لعالمنا من الناحية الاقتصادية ومن ناحية الصحة العامة. لكن العلاقة الاقتصادية الصينية الأمريكية تظل عاملاً حيويًا يؤثر على رفاهية الاقتصاد العالمي. تبدو الحرب التجارية هادئة في الوقت الحالي، لكن المؤلف يحذر من استمرار الحرب الباردة في مجال التكنولوجيا المتطورة ومن إمكانية أن تعتلي الصين القمة.

السياسات الأمريكية في عهد ترامب

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رجل يصعب التنبؤ بأفعاله، ولكن عندما يتعلق الأمر بالاحتكاكات التجارية الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين، فقد كان من السهل جدًا التنبؤ بما سيقوم به. لقد قام بسلسلة من الخدع القوية في تعاملاته مع بكين، ولكنه في النهاية قام بوضع مجموعة محدودة من المجالات ذات الأولوية والتي كان من السهل توقع نتائجها بشكل سريع نسبيًا، مثل جعل الصين تزيد من وارداتها الأمريكية وتوفر وصولًا أفضل إلى الأسواق، أو تحسين حمايتها لحقوق الملكية الفكرية، وقررت تأجيل المناطق الشائكة الأخرى مثل السياسة الصناعية في الصين والإعانات المقدمة للشركات المحلية. كان من الواضح رغبة الرئيس ترامب في تجنب الدخول في حرب تجارية كاملة يقوم فيها الجانبان بفرض التعريفات العقابية القصوى. فهو على الأرجح كان يسعى إلى تجنب أية ضربات قوية للاقتصاد الأمريكي، وخاصة لسوق الأوراق المالية، من شأنها أن تمثل تهديداً لفرص إعادة انتخابه.

في غضون ذلك، أبدى الجانب الصيني استعدادًا واضحًا للبحث عن ثاني أفضل خيار. فلا شك أن بكين لم تكن سعيدة لأن غالبية التعريفات الأمريكية الجديدة ظلت قائمة على الرغم مما قدمته من تنازلات كبيرة بشأن مستويات الاستيراد والوصول إلى الأسواق، لكنها في نفس الوقت تفتقر إلى الإرادة والقدرة الاقتصادية لاختيار الدخول في حرب تجارية شاملة كبديل.

استنادًا إلى ما سبق، يمكننا القول إن كلاً من الصين والولايات المتحدة قد اعتبرتا "المرحلة الأولى" من صفقة التجارة التي تم الإعلان عنها في يناير 2020 لا تعدو كونها مجرد تمثيلية خرقاء ذات نتائج محددة مسبقًا. لكن اليوم، فإن التباطؤ الدراماتيكي للاقتصاد الصيني يجعل تحقيق أهداف الاستيراد الواردة في الاتفاقية أمراً بعيد المنال، كما أن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا الخريف يهدد بإثارة الصراع التجاري مرة أخرى، لذا فإن الحذر مطلوب.

استمرار الحرب الباردة في قطاع التكنولوجيا المتطورة

على الرغم من الذوبان الظاهر في العلاقات التجارية الموصوفة كما سبق ذكره، حافظت واشنطن على خط متشدد فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتطورة لأكثر من عام الآن. تضمنت الإجراءات الأمريكية قيودًا أكثر صرامة على الاستثمار الصيني الوافد، وقد تم تنفيذ هذه الإجراءات جزئيًا من خلال إشراف قوي من قبل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة. وشمل هذا التصعيد أيضًا حظر استخدام بعض الأجهزة المصنعة في الصين من قبل الوكالات أو الشركات الحكومية الأمريكية، بالإضافة إلى حظر تصدير أجهزة تكنولوجيا المعلومات IT إلى الشركات الصينية والمنظمات الأخرى التي تظهر على قائمة الكيانات، بما في ذلك إعادة تصدير التقنيات الأمريكية عبر دول ثالثة. كذلك، تضغط واشنطن أيضًا على حلفائها ليمتنعوا عن استخدام تكنولوجيا الاتصالات التي تنتجها الشركة الصينية هواوي أثناء طرح شبكاتهم اللاسلكية من الجيل الخامس 5G. لقد كان هناك سيل مستمر من الإجراءات الصارمة التي تهدف إلى تقزيم دور الصين في قطاع التكنولوجيا المتطورة.

في غضون ذلك، وعلى الصعيد الأمني، فإن مخاوف الولايات المتحدة المتعلقة بالصين في هذا الصدد لا تقل عن مخاوفها التجارية، ويعتقد الكثيرون أن الأمريكيين من المرجح أن يواصلوا تعزيز سيطرتهم التي تهدف إلى مواجهة هذه المخاوف.

كيف ينبغي أن تكون استجابة اليابان لكل من المخاطر الأمنية التي تعتقد واشنطن أن الصين تمثلها، وللإجراءات الأمريكية المتخذة لمواجهتها؟

أعتقد أن اليابان عليها أولاً أن تواجه الخطر الذي تشكله الصين على الجبهة الأمنية بشكل مباشر، وهذا يظهر جلياً في الطريقة التي حاولت من خلالها الصين التخلص من سيطرة اليابان الفعالة على جزر سينكاكو، وكذلك الهجمات الإلكترونية الصينية المنظمة للغاية التي شنتها ضد الشركات اليابانية ذات الصلة بمجال الدفاع.

ثانياً، في جميع الأحوال ستجد اليابان صعوبة كبيرة في أن تدير ظهرها بالكامل لطلبات الولايات المتحدة التي تندرج تحت بند الأمن، وهي الحليف الذي يوفر ذلك الأمن لليابان. كما سأشرح في السطور التالية، فإن المضي قدمًا مع الولايات المتحدة يهدد بحدوث أضرار كبيرة للصناعة والاقتصاد في اليابان، ولكن من المحتمل أن تتغاضى اليابان عن ذلك كجزء من تكلفة الحفاظ على هذا التحالف.

إلا أن الحرب الأمريكية الباردة الموجهة ضد الصين في مجال التكنولوجيا المتطورة تظل سياسة متطرفة من شأنها أن تؤدي إلى عزلة الولايات المتحدة وداعميها على الصعيد العالمي كما سأشرح في السطور القادمة.

سياسات الأمن الأمريكية المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات تأتي بنتائج عكسية

منذ عام 1996، عندما أبرمت منظمة التجارة العالمية اتفاقية تكنولوجيا المعلومات التي تهدف إلى إلغاء التعريفات الجمركية على منتجات تكنولوجيا المعلومات بشكل كامل، تقدمت الصناعة بشكل سريع بفضل تحرير التجارة والعولمة، لكن الموقف المتشدد الذي تتبناه الولايات المتحدة مؤخرًا يعصف بما تم تحقيقه من تقدم، لا سيما ما تم الإعلان عنه بشكل مفاجئ من أن تكنولوجيا المعلومات سوف تُعامل باعتبارها صناعة مستثناة من مبادئ التجارة الحرة.

إن الإجراءات الأمريكية مثل الحظر والمقاطعة وفرض قيود على التجارة مع نظراء بعينهم، إضافة إلى التهديد بعقاب شديد لمن يتحايل على ذلك، قد يكون له تأثير كبير من حيث الانكماش الذي تحدثه تلك الإجراءات للأنشطة التجارية. كما أنها تهدد بقطع الروابط المتصلة لسلسلة توريد تكنولوجيا المعلومات التي نمت على مر السنين لتصبح شبكة عالمية حقيقية.

إذا اضطرت شركات تكنولوجيا المعلومات الغربية إلى وقف تعاملاتها مع الصين، فسيكون ذلك بمثابة ضربة موجعة لتلك الشركات. أما في اليابان، حيث يعاني قطاع الإلكترونيات ككل من ضعف كبير، ظلت صناعة توريد قطع غيار الإلكترونيات المتقدمة تمثل نقطة مضيئة. ولكن إذا استمرت واشنطن في تعزيز سياستها التجارية الصارمة، فإن هذه الصناعة أيضًا سوف تتدهور دون شك، ونفس المصير ستلقاه صناعات تكنولوجيا المعلومات في كوريا الجنوبية وتايوان وحتى في الولايات المتحدة نفسها.

في نفس الوقت، شعر الجانب الصيني بالخطر من إمكانية أن تؤدي إجراءات الحظر التجاري الأمريكية إلى قطع إمداداته من أشباه الموصلات، فقامت الصين بمضاعفة جهودها لإقامة صناعة أشباه الموصلات المحلية الخاصة بها. ويبدو أن الرقاقات الأمريكية الصنع التي كانت تشغّل أجهزة هواوي فيما مضى، يتم حالياً استبدالها واحدة تلو الأخرى ببدائل مصنوعة في الصين. وبذلك، فربما تكون السياسات المتشددة التي تنتهجها الولايات المتحدة قد جاءت بنتائج معاكسة تماماً للغرض الأساسي الذي كان منشوداً منها.

سعت الولايات المتحدة أيضًا إلى تجميد منتجات هواوي والشركات الصينية الأخرى من شبكات الجيل الخامس 5G التي يتم طرحها حاليًا في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من ذلك، حتى اليوم وافقت ثلاث دول فقط على تلبية الرغبات الأمريكية وهي اليابان وأستراليا وفيتنام. حتى بين دول مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى G7، يعتزم أعضاء مثل بريطانيا وألمانيا التزود بمعدات هواوي بعد فرض بعض الشروط. علاوة على ذلك، فإن معظم أعضاء مجموعة العشرين G20 بخلاف دول مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى G7 يعربون بشكل صريح عن ترحيبهم بشركة هواوي. إن ما تبذله الولايات المتحدة من جهود شديدة العدوانية لمقاطعة المنتجات الصينية تؤدي إلى حدوث العديد من السلبيات في البلدان الشرائية، كارتفاع التكاليف وتأخر بدء تشغيل الشبكة وانخفاض جودة الاتصالات.

فوز الصين في اقتصاد البيانات العالمية

من المتوقع في القرن الحادي والعشرين أن تكون القدرة التنافسية في "اقتصاد البيانات"، أي القدرة على تجميع أكبر كم من البيانات مقارنةً بالدول الأخرى، هي المحدد الأول والأخير لنتيجة المنافسة الاقتصادية ككل. لذلك تتصادم الولايات المتحدة والصين كثيراً خلال محاولة كل منهما تحديد القواعد والأطر التي تحكم اقتصاد البيانات. ونتيجة لذلك، يتوقع البعض أن يظل الاقتصاد العالمي مقسماً إلى تكتلات مع استمرار الانفصال بين أجزاء البيانات وأن تظل الاقتصادات الرقمية منقسمةً بين المعسكرات التي تقودها بكين وواشنطن.

تجادل الولايات المتحدة بأن الصين عملت دائماً على إقامة حواجز حول بياناتها وحجبها عن بقية العالم، في حين منحت دول أخرى جميع القادمين إليها حرية الوصول إلى الكثير من بياناتها. كما تجادل أيضاً بأن هذا النهج أدى إلى منافسة غير متكافئة وغير عادلة بين الصين من ناحية وتلك المجتمعات الأكثر حرية من ناحية أخرى، مما يشكل تهديداً خطيراً لخصوصية البيانات وأمنها، لذلك يبدو أن الولايات المتحدة تتحرك لتشكيل تكتل يمكنه الوقوف ضد هذا الخطر الصيني.

ومع ذلك، فبالنظر إلى مجموعة أخرى من البلدان، كجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وأفريقيا على سبيل المثال، يتضح أنها تحرك اقتصاداتها على أساس رقمي مدفوع بالهواتف الذكية بوتيرة أسرع بكثير مما حققته الدول المتقدمة. ففي هذه المناطق، تستحوذ شركات الاتصالات الصينية العملاقة مثل هواوي وزد تي إي على حصة هائلة من سوق الأجهزة، وبالنسبة للبرامج والتطبيقات انخرطت شركتا علي بابا وتينسنت الصينيتان بشكل قوي في أنشطة الاندماج والاستحواذ، ونجحت الشركتان في بناء تحالفات هائلة من القطاع الخاص مع اللاعبين المحليين. بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بتشكيل تكتلات جديدة لعصر اقتصاد البيانات، فإن الصين تأتي في المقدمة دون منازع.

لعل أحد أسباب تفوق الصين في هذا الصدد هو أن جهودها كانت دوماً مدفوعة بالأعمال، في حين أن الحكومة الأمريكية كانت دائماً هي الموجّه الرئيسي لاستراتيجية الولايات المتحدة التي تقوم في الأساس على تخويف الحلفاء للمشاركة في أنظمة ذات إجراءات استثنائية وسلبيات أخرى. إن السبيل الوحيد للفوز في المنافسة القائمة بين الكتلتين على الحصة السوقية، هو من خلال تقديم مزايا وفوائد وبدائل جذابة. لا يمكن لأمريكا حتى أن تحلم بهزيمة الصين طالما استمرت على نهجها الحالي.

إذا تمسكت واشنطن بهذا النهج، فإن الولايات المتحدة وحلفائها سيصبحون بمعزل عن بقية العالم، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع هذه الدول في المنافسة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين.

أملاً في تصحيح النهج الأمريكي

هناك مؤشران يبعثان على التفاؤل. الأول هو إمكانات الابتكار التكنولوجي، فاليوم يبدو أن التقنيات الجديدة تعزز الحكم المستبد للحزب الواحد الذي تشهده الصين، لكن الوضع قد يتغير يومًا ما، ويمكن للتقدم التكنولوجي أن يسطر فصل النهاية لسيطرة الحزب الشيوعي.

أما السبب الثاني للتفاؤل فهو إمكانية التغيير في الولايات المتحدة. إن التاريخ الأمريكي مليء بالأخطاء التي ارتكبتها الدولة، ولكنه أيضًا يحمل في طياته قدرة تصحيحية قوية. من المرجح أن يستمر صراع الولايات المتحدة مع الصين من أجل السيادة لبعض الوقت في المستقبل، ولكن من الممكن تحسين السياسات المتطرفة التي تنتهجها أمريكا حالياً.

اليابان من جانبها لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة من أجل تلبية احتياجاتها الأمنية ولذا ينبغي عليها بشكل أو بآخر أن تأخذ صف الولايات المتحدة، لكن يجب أن نكون جاهزين لتحذير حليفنا من التأثيرات السلبية لخياراته الأكثر تشدداً، وأن نعمل عن قرب مع هذا الحليف لنكون مستعدين لما سيجلبه المستقبل من تغيير.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي والرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في أوساكا في يونيو/ حزيران 2019. الصورة من جيجي برس)

الصين الولايات المتحدة العلاقات اليابانية الأمريكية الحكومة اليابانية