العمل عن بعد في عصر الكورونا: فرصة للتحرر من التحرش الجنسي والتسلط في مكان العمل؟

هو وهي

تتوالى فضائح التحرش الجنسي والتحرش السلطوي (استغلال السلطة في إلحاق الأذى بالآخرين في العمل). تشير السيدة شيراكاوا تووكو الصحافية إلى أن السبب في المضايقات أو استخدام السلطة يرجع إلى "علو التجانس" للمنظمة. تحدثنا مع السيدة شيراكاوا التي ترى أن المضايقات أو استخدام السلطة ستنخفض بتعديل نمط العمل مثل إدخال نظام العمل عن بعد.

شيراكاوا تووكو SHIRAKAWA Tōko

أستاذ زائر في جامعة شووا للبنات. بعد تخرجها في جامعة Keio، عملت في شركة Sumitomo Corporation وشركة سندات مالية برأس مال أجنبي، ثم أصبحت صحافية. وهي أيضًا عضو خاص في "مجلس تحقيق تعديل نمط العمل" التابع لأمانة مجلس الوزراء، وعضو في "مكتب المسح الخاص بمجلس المساواة بين الجنسين" التابع لمكتب مجلس الوزراء، وعضو في " لجنة بحث لمتاجر الكومبيني المثالية الجديدة " التابعة لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة. تتناول في موضوعاتها تعديل نمط العمل، والتنوع، والمشاركة النشطة للمرأة، والجنس، والتوازن بين العمل والحياة، والتطوير الوظيفي المستقل. في عام 2008، نشرت كتاب "عصر البحث عن زيجة" بالمشاركة في التأليف مع يامادا ماساهيرو الأستاذ في جامعة تشووأوو، الذي أحدث طفرة في نشاط البحث عن الزيجات في اليابان. لها العديد من المؤلفات منها "حدود التحرش: رجال يخلطون بين التحرش الجنسي والتحرش السلطوي" صادر عن دار Chukoku Shinsho La Clef للنشر.

فضائح التحرش أزمة تنظيمية

في مارس/ آذار 2020، استقال السيد كوجي إيشيكاوا ياسوهارو، مؤسس ورئيس شركة Stripe International، وهي من كبرى شركات صناعة الملابس التي أصدرت علامات تجارية مشهورة مثل "Earth Music & Ecology"، وذلك إثر تحمله مسؤولية أمر شكل صدمة كبرى للرأي العام في اليابان. حيث تبين تورطه في التحرش الجنسي ببعض الموظفات في الشركة بدعوتهن إلى الفنادق ومواعدتهن عبر استخدام تطبيق لاين. عقدت الشركة "لجنة تحقيق" بشأن التحرش الجنسي المزعوم للسيد إيشيكاوا في 2018، لكنه لم يعترف بالتحرش وانتهى الأمر بتوجيه "إنذار شديد اللهجة" له. وقد تشوهت صورة العلامة التجارية بشدة بسبب فضائح الشركة الشهيرة التي كانت عضوًا نشطا في "مؤتمر المساواة بين الجنسين" في الترويج للمرأة، وطريقة تعامل الشركة مع المضايقات.

تقول السيدة شيراكاوا تووكو "على الرغم من أن الشركة مُنحت ذات مرة "لقب الشركة السوداء" بسبب ساعات العمل الطويلة، إلا أنها حسّنت من بيئة العمل واستطاعت بنجاح أن تحظى بسمعة طيبة إثر تخلصها من سمات الشركة السوداء ببراعة". "أعتقد أن خبر استقالة المؤسس والرئيس التنفيذي، لشركة سريعة النمو قد لقبت باسم يونيكلو الثانية، بسبب التحرش الجنسي وقع كالصاعقة على الكثير من الشركات ورجال الأعمال".

لا يجب التعامل مع التحرش على أنه "مشكلة فردية"، بل يجب التعامل معه بوصفه عامل من عوامل تشويه صورة الشركة، أو إحدى مهام إدارة المخاطر.

استقالة مسؤول كبير بسبب التحرش

في أبريل/ نيسان 2018 وقع حادث بات بمثابة "منعَطفًا" في مشكلات التحرش الجنسي باليابان. حيث تم إقالة السيد فوكودا جونيتشى وكيل وزارة المالية من منصبه بعد التحقق من إعلان الدورية الأسبوعية "شوكان شينتشو" حادث قيامه بالتحرش الجنسي بمحررة أخبار تعمل لدى وكالة أساهي الإعلامية.

وعلى لسان السيدة شيراكاوا. "فقد أعلنت وزارة المالية "إقرارها بوقوع حادث التحرش الجنسي" في مؤتمر صحفي، وقدمت اعتذارها عن ذلك، وأقرّت بأن الأضرار الناجمة عن التحرش الجنسي تعد انتهاكًا لحقوق الإنسان. وحتى تلك اللحظة كثيرًا ما كان يتم التغاضي عن أشخاص ذوي مناصب مرموقة في حال قيامهم بالتحرش، فقط لمجرد أنهم ذوي مناصب مرموقة. ولكن انقلب ذلك رأسًا على عقب، وتم الإعلان للمرة الأولى على إثر هذه القضية أن من قام بالتحرش (من قام بأفعال التحرش) يتم إقصاؤه من الوزارة، حتى ولو كان من ذوي المناصب المرموقة لاعتباره عاملا ضارا يضر بسمعة المؤسسة".

وفي مايو/ أيار من العام نفسه، دشنت صحافيات "شبكة العاملات في الإعلام"، وقد انهالت على الشبكة حالات الكثير من العضوات ممن تعرضن للتحرش الجنسي. "وقد صرحت الكثيرات من محررات الأخبار أنهن كنّ يعتقدن أن "عليهن التعامل مع التحرش الجنسي تجاههن في محل العمل أو في جهات التغطيات الإعلامية واعتبارها من متاعب المهنة. وأدت إعادة النظر في أن اعتقادهن ذلك تسبب في الأضرار على محررات الأخبار الجدد، أدت إلى تضامن حركة "#MeToo" التي غزت وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم. حينئذ أرادت نودا سيكو، وزيرة الشؤون الداخلية والاتصالات، ووزيرة شؤون تمكين المرأة، الاستماع مباشرةً إلى أصواتهن، فقمت أنا بدور الوساطة، وإعداد حوارات غير رسمية مع محررات أخبار ورئيسات تنفيذيات".

فيما بعد، تلخصت مبادرة الوزيرة نودا في "التدابير العاجلة للتعامل مع التحرش الجنسي" التي يتبلور محورها في زيادة الوعي حول التحرش الجنسي، وإدراج دورات تدريبية بصورة جديدة حول التحرش الجنسي لزامًا على الموظفين على مستوى مدير القسم فيما فوق بالوزارات والهيئات المركزية. بالإضافة إلى تسارع حركة تعديل القوانين المتعلقة بالتحرش الجنسي والتحرش السلطوي.

ومن خلال عدة لقاءات قامت بها السيدة شيراكاوا، أدركت أن مواقف التحرش الجنسي يتبعها حتمًا تحرش سلطوي. "وهناك الكثير من أماكن العمل التي يتعرض فيها الذكور إلى التحرش السلطوي، والنساء إلى التحرش الجنسي. ففي الأصل لم تتمتع اليابان بقوانين تجرّم أفعال المضايقات في حد ذاتها. فقانون المساواة بين الجنسين في فرص العمل كان يفرض على صاحب العمل أن يتخذ التدابير الوقائية، ولكنه لم يذكر عدم إجازة التحرش الجنسي ذاته. أما فيما يتعلق بالتحرش السلطوي فلم يكن هناك حتى نص الإلزام باتخاذ التدابير الوقائية تجاهه".

في مايو/ أيار 2019 تم تشريع قانون للحد من التحرش السلطوي بالبرلمان الياباني للمرة الأولى بالبلاد. وللمرة الأولى بالبلاد بات لزامًا على الشركات بذل جهودها للحد من التحرش السلطوي. وأما قانون المساواة بين الجنسين في فرص العمل تم تعديله في اتجاه تعزيز كل من تدابير المضايقات وكذلك قانون تمكين المرأة. وفضلًا عن ذكره تجريم التحرش السلطوي، والتحرش الجنسي، ومضايقات الأمومة، تم كذلك تجريم المعاملة غير العادلة كالقيام بإقصاء من أبلغ عن تعرضه للمضايقات وغيرها، وكذلك تنظيم سبل التعاون بين الشركات في حال قيام أحدهم بشركة ما بالتحرش الجنسي بعاملي شركة أخرى. ومن تدابير التحرش السلطوي، بما فيها وضع مكاتب استشارية، ستصبح لزامًا بالشركات الكبيرة بدايةً من يونيو/ حزيران عام 2020، وبالشركات الصغيرة والمتوسطة بدايةً من أبريل/ نيسان عام 2022.

هل تتغير ثقافة الشركات

قد خطت قوانين المضايقات أولى خطواتها إلى الأمام، ولكن ليس هناك عقوبات جزائية، وليس لزامًا على الشركات وضع "دليل توجيهي عن المضايقات". فهل سيؤدي ذلك إلى تغيّر ثقافة الشركات التي تولد بها حالات مضايقات.

"هناك شركات تتخذ بالفعل إجراءات صارمة تجاه عموم المضايقات، مثل نقل الجناة وغير ذلك. فبشكل عام، ونظرًا لأن شركات الاستثمارات الأجنبية العالمية تهتم بقضايا حقوق الإنسان بشدة، نجد أنها كثيرًا ما تقوم بعمليات التوظيف شريطة أن القيام بأفعال المضايقات سيؤدي إلى الإقصاء التأديبي. وقررت إحدى الشركات، وفقًا لمعايير الشركة المدرجة في بورصة نيويورك، أن القيام بوضع اليد على كتف المرأة لقول "أحسنتِ" يعد فعلًا يستحق جزاءًا تأديبيًا تجاهه. من ناحية أخرى، نجد أن الأوضاع الحالية تنم عن وجود القليل من الشركات اليابانية بها دليل توجيهي مفصّل عن المضايقات".

تتمثل الخطوة الأولى تجاه اتخاذ إجراءات شاملة ضد المضايقات والتحرش في إعلان واضح للإدارة العليا للشركة للقضاء على المضايقات بها. " فعلى سبيل المثال نجد أنه في شركة Accenture للاستشارات، اتخذ رئيس الشركة زمام المبادرة للحد من المضايقات كجزء من مجهودات الشركة لتعديل نمط العمل. وتقوم الشركة بوضع مكاتب استشارية خارجها إثر تعالي الأصوات المنادية بعدم قدرة العمال على الإفصاح بسبب شعورهم بالقلق حيال ما سيؤول إليه الأمر إن قاموا بالإفصاح والتشاور داخل الشركة، وخلاف ذلك تقوم بإجراء استطلاعات رأي ربع سنوية لجميع الموظفين لقياس مدى التقدم المحرز في تعديل نمط العمل، وإدراج سؤال التحقق "هل توجد ثقافة العفو عن المضايقات" في بعضها، واستنادًا إلى النتائج، اتضح وجود مشكلات واضحة مع فرد أو فريق، وفي حال احتوائها على مشكلات مضايقات ينخرط المختصون فيها ويتم التعامل معها"

الأفكار البالية سبب التحرش

كل من يفتقر إلى حس التعاطف، أومن لديهم الميول إلى الفكر التقليدي بتفوق الرجل على المرأة، والإيمان بأفكار التفوق والديكتاتورية من السهل تحولهم إلى متحرشين. كما تشير السيدة شيراكاوا إلى أن المؤسسات والمجتمعات التي تتمتع بدرجة عالية من "التجانس" تتسامح مع المتحرشين.

"حتى لو تطرقنا إلى تعزيز التنوع وتمكين المرأة، إذا تطلب الأمر التزامًا على مدار 24 ساعة لمدة 365 يومًا، سنجد أولئك القادرات على العمل بهذه الطريقة فقط هم من يرتقون إلى فئة صانعي القرارات، وستصبح المنظمة كتلة من التجانس. فمن السهل الوصول إلى أوضاع لا يتم فيها اتخاذ أي جزاءات تأديبية رغم القيام بالمضايقات. يتغير مناخ المنظمة عندما يزداد عدد من يلعبون أدوارًا خارج نطاق العمل، بغض النظر عن النوع. على سبيل المثال، من لديهم أطفال من الرجال ولكن لا يقومون بلعب دور الأب ويقومون بالتركيز على العمل فقط، لا يتراءى لهم سوى جانب واحد فقط من المجتمع. كما أنه حتى إذا تم توفير نظام الرعاية لتحقيق التوازن مع تربية الأطفال (إجازة أمومة طويلة وساعات عمل قصيرة) للنساء فقط، نجد أنه في نهاية المطاف، سوف تنحاز المرأة إلى الأعمال المنزلية، ورعاية الأطفال في المنزل، وما أن تعود إلى العمل حتى تتعرض للتمييز "مسار الأمهات" (مسار وظيفي يستبعدهن من الترقيات، والمُضي قدمًا). تتغير المنظمات عندما يدخل الأشخاص الذين واجهوا الأبوة والأمومة، بغض النظر عن النوع، فئة صانعي القرارات. ولكن تعد زيادة عدد النساء في فئة صانعي القرارات من الاعتبارات الهامة. أعتقد أن إجراءات التعامل مع التحرش الجنسي ستختلف إذا كان هناك أكثر من ثلاث نساء في حال إقرار الجزاءات التأديبية".

تشير السيدة شيراكاوا إلى أن خطر التجانس واضح في وسائل الإعلام القديمة، مثل الصحف ووكالات البث الإعلامي قائلة "لابد أن يتغير عالم الأعمال بسبب العقلانية الاقتصادية والضرورات العالمية. ومن ناحية أخرى، نجد أنه في وسائل الإعلام يتم تقييم الأخبار من قِبَل الرجال ذوي التجانس العالي ممن كانوا يركضون وراء الإيمان بأن "التغطية على مدار 24 ساعة هي الأساس". فعلى سبيل المثال، أصبحت مشكلة قوائم انتظار الأطفال بدور الحضانة قضية سياسية في عام 2016 بعد أن لفت تعليق المدونة الذي يقول "لم يتم اختيار ابني في قرعة دور الحضانة، فلتذهب اليابان إلى الجحيم!"، الانتباه بشدة. ولقد كانت تنادي بعض الصحفيات من معارفي بتناول هذه المشكلة قبل سنوات طويلة من ذلك. ولكن في كل مرة كان يتم قبول الأمر بالرفض من قِبَل محررين من الذكور ممن ليس لديهم خبرة تربية الأطفال. أعتقد أنه لو كانت تمت كتابة المقال في وقت أقرب، لكانت إجراءات الحكومة أكثر تقدمًا. فلن يتغير المناخ الاجتماعي والثقافي إذا كان الحكم الإخباري لوسائل الإعلام متحيزًا"

تحول نموذجي في نمط العمل بفضل الفيروس!

من أجل القضاء على المضايقات، من الضروري تعزيز التنوع في مكان العمل، والتحرر من خطر التجانس، وللقيام بذلك، من الضروري إدراج التنوع في نمط العمل.

"نجد هناك مضايقات في مكان العمل حيث لا يتم وضع مسألة ساعات العمل الطويلة في نصابها الصحيح. يعزى ذلك إلى أن ارتباط الفرد بالشركة لفترات طويلة يعتبر مضايقة في حد ذاته. قد يكون بعض الأشخاص نجوا من المضايقات من خلال أوقات العمل المرنة أو الحرة (بيئة عمل يختار فيها الموظفون مقاعدهم الخاصة للقيام بالعمل) أو العمل عن بعد. ذلك لأن عدم اللقاء يحد من خطر التعرض إلى المضايقات. والآن، نجد أن حالة الطوارئ في ظل كورونا المستجد تسببت في تحول نموذجي في طريقة العمل. يعد التحول إلى العمل عن بُعد بصورة إلزامية رائدًا في اكتساب المزيد من الأشخاص المزيد من الخبرات".

شجعت الحكومة العمل عن بُعد أملًا في تخفيف الازدحام خلال دورة الألعاب الأوليمبية والبارالمبية بطوكيو، ولكن السيدة شيراكاوا تقول "العمل عن بُعد ينتشر في الأساس كجزء من إدارة الأزمات". "على سبيل المثال، عندما كان تلوث الهواء سيئًا للغاية في فرنسا لدرجة أنه قيد حركة المرور، تم الترويج للعمل عن بعد. وفي اليابان أدرجت كثير من الشركات العمل عن بُعد عقب زلزال شرق اليابان الكبير، وحتى أثناء أزمة كورونا، قاموا بتطبيق العمل عن بُعد بسرعة بناءً على خبرتهم أثناء الكارثة". ونجد أن كثيرًا من الشركات على عجلة من أمرها هذه المرة لإدراج العمل عن بُعد لأول مرة. ووفقًا لدراسة استقصائية نشرها التحاج العمال الياباني في 9 مارس/ آذار، قالت أن أقل من 70٪ من الشركات "طبقت أو تخطط لتطبيق النظام". ومع إعلان الحكومة حالة الطوارئ، ستتسارع جهود العمل عن بُعد.

"أعتقد أن التوصية بالعمل من المنزل هذه المرة أوضحت أن تعديل نمط العمل يعد كذلك سبيلا لإصلاح نمط المعيشة. وقد تكون فرصة للآباء لمشاركة أطفالهم".

(النص الأصلي باللغة اليابانية، بناء على مقابلة مع إيتاكورا كيمي من المؤسسة. صورة العنوان من بيكستا)

الجنس المساواة الشركات اليابانية المساواة بين الجنسين