على خطى الولايات المتحدة.. اليابان تعدل قوانينها للاستثمار الأجنبي

سياسة

في شهر مايو/أيار 2020 أصبح مفعول تشريع معدل ينظم الاستثمار الأجنبي في الشركات اليابانية التي تعتبر حيوية للأمن القومي ساريا. بموجب القانون المعدل سيتم تخفيض عتبة الأسهم المشتراة من قبل المستثمرين الأجانب التي لا تستوجب الدراسة. وفي حين أن التعديل قد يؤدي إلى تعزيز أمن اليابان إلا أنه يتعرض لانتقادات بسبب زيادة صعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية.

معارضة المؤسسات المالية الأجنبية

كان يتعين على المستثمرين الأجانب الذين يشترون أسهم شركات التصنيع اليابانية التي تملك تكنولوجيا يمكن استخدامها للأغراض العسكرية أو عندما يستثمرون في الكهرباء أو الغاز أو الاتصالات وغيرها من شركات البنى التحتية، كان عليهم في السابق إخطار الحكومة مسبقا عند الاستحواذ على حصة 10% أو أكثر. ولكن مع تعديل قانون الصرف الأجنبي والتجارة الخارجية سيتم تخفيض هذه العتبة الآن إلى 1% أو أكثر.

تحدد مسودة القواعد واللوائح التي تصف إجراءات تطبيق القانون 12 قطاعا بما في ذلك الدفاع والطيران والفضاء والطاقة النووية والأمن الفضائي باعتبارها صناعات أساسية. وسيكون الآن من الضروري تقديم إخطار مسبق عندما يخطط المستثمرون الأجانب للحصول على 1% أو أكثر من أسهم تلك الشركات. ومن المتوقع أن تكون عدة مئات من الشركات اليابانية المدرجة في البورصة والبالغ عددها 3800 شركة أو نحو ذلك من بين تلك القطاعات الأساسية. أجرت وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة – اللتان تتمتعان بسلطة قضائية تنظيمية – مشاورات عامة امتدت حتى منتصف أبريل/نيسان بشأن مسودة القواعد واللوائح تلك.

لم يكن السعي لتعزيز لوائح الاستثمار خاليا من التعقيدات. وقد أبدت البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار والمؤسسات المالية الأخرى تحفظات قوية. في شهر سبتمبر/أيلول عام 2019 عندما شرحت الحكومة سياساتها للقطاع الخاص، اعترضت المؤسسات المالية الأمريكية قائلة إن تلك السياسات تتعارض مع سياسات أبينوميكس الحكومية التي تشجع الاستثمارات الأجنبية الواردة، وبدأت في الضغط على المشرعين في الائتلاف الحاكم من أجل إعادة النظر في مسألة تشديد اللوائح.

من الواضح أن تلك الاعتراضات فاقت توقعات المسؤولين، وقررت وزارة المالية استرضاء مجتمع الاستثمار الأجنبي من خلال إنشاء قائمة بالشركات المتداولة في البورصة والتي لن تكون هناك حاجة لتقديم إخطار مسبق. وبعد إعداد استثناءات للتطبيق الصارم للوائح المتعلقة بالاستثمار تم تمرير القانون المعدل بسرعة. ولكن لا يزال العمل على وضع القواعد التفصيلية من أجل تطبيق القانون قائما. وبحسب مسؤول بارز بوزارة المالية فإن تنسيق وجهات النظر مع المؤسسات المالية سيتطلب أقصى درجات الحذر. ولا تزال بذور الأسباب المحتملة لاندلاع نزاع بين الحكومة والسوق المالية موجودة.

توحيد السياسات الاقتصادية والأمنية

أشار مسؤول مرموق في مؤسسة مالية أمريكية كبرى أن التشديد الحالي للوائح جاء بصورة مفاجئة للغاية بالنسبة لعالم التمويل. ولكن كانت هناك أسباب لتوقع إجراء فحص أكثر صرامة للاستثمارات في مجالي السياسة الخارجية والأمن. وخلفية القرار تتمحور حول النمو الاقتصادي والتكنولوجي السريع للصين. وكانت الولايات المتحدة أول من اتخذ خطوات في هذا الصدد لأنها تنظر إلى تلك التطورات كتهديد لها.

عمدت واشنطن إلى تعزيز سلطة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بموجب قانون صدر في أغسطس/آب عام 2018، والتي تستطيع عمليا منع الاستحواذ على الشركات الأمريكية بناء على مخاوف أمنية، ووسعت نطاق الفحص ليشمل الأراضي وكذلك الشركات. قبل سريان مفعول قانون ذي صلة في فبراير/شباط عام 2020 أنشأت الولايات المتحدة قائمة بيضاء للبلدان التي تحظى استثماراتها في الولايات المتحدة بمعاملة تفضيلية من خلال إعفائها من لوائح صارمة. كما اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات متزامنة من خلال تطبيق أول لائحة له للفحص تتعلق بالاستثمارات الأجنبية الواردة في أبريل/نيسان عام 2019.

يمثل كلا الإجراءين مخاوف الطرفين ومحاولة لكبح تدفق المعلومات إلى الخارج عن طريق استحواذ الصين على الشركات ذات التكنولوجيا المتقدمة أو حقوق الملكيات الفكرية. تهدف استراتيجية ‘'صُنع في الصين 2025'’ الخاصة بنمو الجيل القادم من التكنولوجيا والصناعة التي أعلنت عنها إدارة الرئيس الصيني شي جينبينغ في عام 2015، إلى جعل الصين رائدة عالميا في مجالي تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الرقمية وهو أمر يسبب قلقا بالغا في الولايات المتحدة. وقد سعت الولايات المتحدة في مفاوضاتها التجارية مع الصين مرارا وتكرارا إلى إحداث تعديل في استراتيجية النمو تلك.

وصرح محام أمريكي يعمل مستشارا للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة أن إدارة ترامب في إطار مسعاها لكبح جماح الصين، طلبت في اجتماعات مجموعة السبع لعام 2019 التي تمت على مستوى الوزراء والقادة بأن تحذو اليابان والدول الأوروبية حذو الولايات المتحدة وتشدد لوائحها في وجه المستثمرين الأجانب.

ويشير موظفو وزارة المالية اليابانية الذين صاغوا التعديل الأخير لقانون الصرف الأجنبي والتجارة الخارجية إلى أن الهدف من تشديد العتبة اللازمة للإخطار كان رغبة اليابان في أن تدرجها الولايات المتحدة على قائمتها البيضاء للدول. وهم يقرون بأن القوة الدافعة لتعديل القانون كانت تتماشى بشكل مناسب مع القواعد الأمنية والاقتصادية الأمريكية.

الانضمام إلى نادي الدول البيضاء

من الصعب للغاية توقع الاستراتيجيات الأمنية الأمريكية من الخارج. عندما نشرت وزارة الخزانة الأمريكية القائمة البيضاء الخاصة بها في يناير/كانون الثاني عام 2020 كانت بريطانيا وكندا وأستراليا هي الدول الوحيدة المدرجة عليها. لم تكن اليابان مدرجة على القائمة، ولم تتحقق آمال الحكومة في أن يؤدي تعديلها القانوني لتعبيد الطريق من أجل إدراجها على قائمة الدول البيضاء في الوقت الحالي.

البلدان الثلاثة التي اعترفت بها الولايات المتحدة كدول بيضاء لها علاقات وثيقة للغاية مع واشنطن في تبادل المعلومات الأمنية. وجميع تلك الدول أعضاء مع الولايات المتحدة في منظمة الخمسة أعين ‘'FVEY''، وهي تحالف لتبادل المعلومات الاستخبارية مرتبط بالكومنولث البريطاني. وستحظى هذه البلدان الثلاثة بمعاملة تفضيلية في الاستثمار في الولايات المتحدة على مدى السنتين القادمتين.

يشير مسؤول كبير في وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية إلى أن تحالف الخمسة أعين فريد تماما، مما يعني أن طلب الحصول على معاملة مساوية سيكون أمرا صعبا. ولكن هذا لا يعني أن اليابان – الحليفة للولايات المتحدة – لن تعترف بها واشنطن كدولة بيضاء في مرحلة ما في المستقبل. وعلق مسؤول كبير آخر قائلا إن اليابان قد توضع في ظروف غير مواتية في صياغة القواعد الاقتصادية – حتى من قبل الولايات المتحدة – ما لم تتوافق مع الاتجاه الأمريكي والأوروبي نحو تشديد القيود على المستثمرين الأجانب. وبناء عليه سيحتاج النظام التنظيمي إلى مزيد من التطوير في القطاعات التي تتداخل فيها السياسات الاقتصادية والأمنية.

كورونا يسلط الضوء على منطقة استراتيجية جديدة

من المتوقع أن يغير هذا التطبيق الموحد للسياسات الاقتصادية والأمنية شكله ويتسارع مع الانتشار العالمي لجائحة كوفيد-19. ووفقا لما ذكره مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأمريكية، فإن أمن أي دولة سيعتمد على قدرتها على تأمين المنتجات والمعدات الطبية وتطوير الأدوية العلاجية.

فعلى سبيل المثال تسعى الصين إلى زيادة نفوذها العالمي من خلال ‘'دبلوماسية الكمامات الطبية'’ حيث تعكف على زيادة صادراتها من الكمامات الطبية ومجموعة أدوات كشف الفيروس. أعطت الولايات المتحدة والدول الأوروبية – التي شهدت منذ شهر مارس/آذار زيادة حادة في حالات الإصابة بفيروس SARS-CoV-2 المسبب لكوفيد-19 – الأولوية لتأمين الكمامات الطبية بهدف تلبية الطلب المحلي وفرضت قيودا مؤقتة على صادراتها. وقد قامت إسرائيل بتكليف جهاز مخابراتها الوطني ‘'موساد'’ بمهمة تأمين المعدات الطبية.

واليابان ليست استثناء. ففي شهر أبريل/نيسان استحدثت الحكومة قسما اقتصاديا لدى مجلس الأمن القومي المسؤول عن السياسات الخارجية والأمنية برمتها، وعينت رئيسا للقسم الجديد عضوا سابقا في مجلس الوزراء من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة. وبحسب مسؤول في مكتب رئيس الوزراء فإن هذه الوحدة الاقتصادية ستضطلع بدور مهم في الاستجابة لأزمة كوفيد-19. ومع توقع الحكومة استمرار الجائحة لفترة طويلة وتزايد أهمية المصنعين المحليين للمعدات الطبية من الناحية الأمنية، يقال إن الحكومة تدرس لوائح جديدة للمستثمرين الأجانب.  

الدفاع عن توشيبا ضد المستثمرين الأجانب

من المعتقد أن التعديل الأخير لقانون الصرف الأجنبي والتجارة الخارجية والقواعد واللوائح ذات الصلة من أجل تعزيز الأمن له غرض آخر.

ويتمثل ذلك الغرض في كبح جماح المستثمرين النشطاء الذين يعززون حضورهم في السوق اليابانية. وفي ظل ردود فعل المشاركين في السوق المالية على تشديد اللوائح أمام المستثمرين الأجانب، أعدت الحكومة إجراء لاستثناء صناديق الاستثمار الأجنبية التي تستوفي شروطا معينة من اللوائح الصارمة، وذلك للحيلولة دون حدوث كبح مفرط للاستثمار الأجنبي الوارد بسبب التعديل القانوني.

ومن بين تلك الشروط متطلبات بعدم مشاركة مالكي الأسهم الجدد في اللجان الداخلية التي تتمتع بسلطة اتخاذ قرارات مهمة وعدم تقديم مقترحات مكتوبة بحدود زمنية إلى مجلس الإدارة أو مسؤولي شركات من نفس المستوى. يجب أن يكون واضحا أن تلك الشروط ستقيد استثمارات المستثمرين النشطاء.

يولي المشاركون في السوق اهتماما وثيقا بتوشيبا وهي شركة تم شراء أسهمها من قبل الكثير من صناديق الاستثمار في عام 2017، ويقال إنها تتعرض لهجوم عبر مقترحات مالكي الأسهم. من المؤكد أن توشيبا – مع شركاتها للطاقة النووية والبنى التحتية – سيتم تعيينها كصناعة أساسية تخضع للتنظيم الصارم للمستثمرين الأجانب. ومع التطبيق الكامل لقانون الصرف الأجنبي والتجارة الخارجية المعدل في 7 يونيو/حزيران، سيجد المستثمرون النشطاء صعوبة في تقديم مقترحات مالكي الأسهم، وسيكون من السهل على توشيبا الدفاع عن نفسها في اجتماعها العام لمالكي الأسهم في يونيو/حزيران.

لا تنكر السلطات الحكومية اليابانية أن توشيبا كانت عاملا أخذ في الحسبان عند تعديل القانون. ويتضح هنا جليا الاستخدام الذكي للوائح الاستثمار لحماية الشركات من المستثمرين النشطاء.

(النص الأصلي باللغة اليابانية الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان من جيجي برس)

العلاقات الخارجية الاقتصاد العلاقات اليابانية الأمريكية حكومة آبي الحكومة اليابانية