تعليم اللاجئين: المسؤولة التعليمية لليونيسف والسباحة الأولمبية اليابانية السابقة إيموتو ناوكو

العالم

تمتلك السباحة الأولمبية اليابانية إيموتو ناوكو مسيرة غير عادية في عالم السباحة، بما في ذلك التنافس في دورة ألعاب 1996 في أتلانتا. وهي الآن أخصائية تعليم في اليونيسف تعمل حاليًا في مساعدة اللاجئين في اليونان. في هذا المقال نلقي الضوء على مشوارها من سباحة أولمبية إلى موظفة إغاثة.

ملعب كرة قدم داخل مخيم اللاجئين

في منتصف فبراير من العام الجاري وقبل أن تضرب جائحة الفيروس التاجي أوروبا، سافرت إلى اليونان لمقابلة إيموتو ناوكو السباحة الأولمبية اليابانية السابقة والتي تعمل حالياً كموظفة إغاثة، وهناك استضافتني في زيارة إلى مخيم كبير للاجئين يقع في حي إليوناس في ضواحي أثينا ويأوي طالبي اللجوء من دول عدة على رأسها أفغانستان وسوريا.

لقد فوجئت عندما دخلت الموقع، فقد كان المخيم عبارة عن ملعب كرة قدم محاط بمجموعة من الغرف السكنية المؤقتة. الملعب كبير بما يكفي للعب الكرة الخماسية ومحاط بسياج كبير لتجنب خروج الكرة. حول أرضية الملعب ذات العشب الأخضر الطبيعي التفت مجموعة من الفتيات في سن المرحلة الإعدادية يهتفن بحماس شديد لتشجيع اللاعبات.

المساكن المؤقتة ذات الألوان المبهجة تحيط بملعب كرة القدم داخل مخيم اليوناس للاجئين. الصورة من الكاتب.
المساكن المؤقتة ذات الألوان المبهجة تحيط بملعب كرة القدم داخل مخيم اليوناس للاجئين. الصورة من الكاتب.

لم أستطع أن أخفي دهشتي من وجود ملعب كرة قدم داخل مخيم للاجئين، لكن إيموتو اكتفت بالرد علي بابتسامة هادئة، ثم قادتني إلى المبنى المدرسي داخل المخيم والذي كان هو الآخر عبارة عن مباني سابقة التجهيز.

داخل الفصل الدراسي جلس مجموعة من حوالي ثمانية أطفال على طاولات وهم يرتدون سماعات الرأس وعيونهم مثبتة على اجهزة الكمبيوتر اللوحي التي أمامهم. ذهبت إيموتو لمساعدة أحدهم على حل مشكلة ما تواجهه وكانت تتحدث معه باللغة اليونانية بطلاقة واضحة.

تترأس إيموتو فريق التعليم في مكتب اليونيسف في أثينا حيث تشرف على عدد قليل من الموظفين اليونانيين وتنسق مع عدد كبير من المنظمات غير الحكومية. أخبرتني أن هناك حاليًا أكثر من 100 ألف لاجئ يعيشون في مخيمات في جميع أنحاء اليونان، بما في ذلك حوالي 40 ألف طفل. تشرح قائلة ”حوالي 40٪ من هؤلاء الأطفال في سن الدراسة ويلتحقون بالمدارس العامة حيث تدعم اليونيسف برامج المساعدة التعليمية لوزارة التعليم اليونانية وتستخدم تمويل الاتحاد الأوروبي لتقديم خدمات تعليمية غير رسمية. على سبيل المثال نقوم الآن بتطوير مواد تعليمية على الكمبيوتر اللوحي (التابلت) لتزويد الطلاب بطرق ممتعة وجذابة لتعلم اللغة اليونانية“.

في فصل دراسي آخر كان هناك معلم يساعد مجموعة من الطلاب على أداء واجباتهم المدرسية. تقول إيموتو ”مثل العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى صوتت اليونان مؤخرًا لصالح حكومة يمين الوسط، مما جعل من الصعب علينا قبول المزيد من اللاجئين. أقضي الكثير من الوقت في التفكير في طرق جديدة لإقناع وزارة التعليم لكي تساعدنا“.

على الرغم من وظيفتها المرهقة إلا أنني شعرت أنها تستمتع بهذا التحدي. وبالطبع لم أستطع أن أخفي فضولي لمعرفة ما الذي دفعها إلى تغيير مسار حياتها من السباحة إلى مساعدة اللاجئين.

هذا العالم غير منصف

ولدت إيموتو في محافظة آيتشي ولكنها نشأت وترعرعت في طوكيو. بدأت السباحة في سن الثالثة، وبحلول سن الثانية عشر حطمت الرقم القياسي الياباني في سباحة 50 متر حرة. بعد المدرسة الابتدائية قررت إيموتو الانضمام إلى مدرسة السباحة الشهيرة ايتومان في أوساكا على أمل الوصول إلى الأولمبياد، وهو ما كان يعني ترك بيت العائلة والذهاب إلى أوساكا لتعيش بمفردها.

خلال سنوات دراستها الإعدادية والثانوية اعتادت إيموتو أن تقضي ساعات طويلة من وقتها في التدريبات، ولكن المنافسة الشرسة منعت الفتاة ذات الستة عشر ربيعاً من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في برشلونة عام 1992 حيث استطاعت منافستها أن تتغلب عليها بفارق جزء واحد من الثانية. لكن إيموتو تميزت عن اقرأنها بامتلاكها رؤية مستقبلية للأمور، حيث كانت تمتلك خطة واضحة لمرحلة ما بعد الاعتزال، فقد كانت تخطط للحصول على وظيفة في الأمم المتحدة.

كانت إيموتو مهتمة للغاية بمتابعة أخبار العالم الخارجي، فقد اعتادت كل يوم بعد الانتهاء من التمرين الصباحي أن تستعير الصحيفة من مدربها وتقرأ ما فيها من أخبار. تتذكر إيموتو طفولتها ”لقد أحببت الأخبار العالمية بشكل خاص. القراءة عن الأحداث في جميع أنحاء العالم جعلتني أرغب في العمل خارج اليابان، وبمجرد أن وصلت إلى المدرسة الإعدادية عملت بجد على تحسين لغتي الإنكليزية“.

في خريف عامها الأخير في المدرسة الثانوية ومع تركيز أنظارها على دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا، شاركت إيموتو في الألعاب الآسيوية في هيروشيما. وبالطبع مثل بقية السباحين اليابانيين الآخرين اتبعت نظامًا غذائيًا صارمًا خلال فترة المنافسة. ولكن في قرية الرياضيين صدمت إيموتو لرؤية مجموعة من السباحين من البلدان النامية يلتهمون بعض الحلويات مثل الآيس كريم وحلوى الكاسترد المتاحين مجانا للاعبين. تقول إيموتو ”بدا الأمر وكأنهم يتنافسون على صنع أطول كومة من أغلفة الحلوى الفارغة. في البداية اندهشت كثيراً، ولكن فيما بعد اتضح لي الأمر، فهؤلاء اللاعبين من بلدان فقيرة ولا يمكنهم الحصول على مثل هذه الحلويات البسيطة اللذيذة في بلدانهم“.

تستطرد إيموتو حديثها ”في السنة الثانية من المرحلة الإعدادية تم اختياري لتمثيل اليابان في إحدى المسابقات الدولية. كانت هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها إلى الخارج والتقي مع سباحين من بلاد مختلفة. كان بعضهم يرتدون ملابس سباحة قديمة ومهترئة، وحتى أعضاء الفريق الواحد لا يلتزمون بزي موحد، وبعضهم يرتدون قمصان عادية غير مخصصة للسباحة، كما أنهم يسبحون ببطء شديد لا يتناسب مع مسابقة للمحترفين. هنا تملكني الفضول واستفسرت عن الأمر وعلمت أنهم لا تتوافر لديهم في بلدانهم حمامات سباحة للتدريب. لقد كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي“.

في وقت لاحق عندما بدأت التفكير في دخول الجامعة، كانت إيموتو تقرأ مقالًا صحفيًا حول الحرب المستعرة في يوغوسلافيا ولاحظت تقريرًا قصيرًا أخر يتحدث عن ذبح مليون شخص في رواندا في غضون 100 يوم فقط. بالكاد استطاعت تمالك نفسها من أثر الصدمة. تقول إيموتو ”هنا بدأت أفكر وأقول لنفسي الآن وبعد حوالي نصف قرن من نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت اليابان تعيش في سلام، ولكن لا تزال هناك مذابح تحدث في مكان ما آخر على وجه الأرض“.

ما بعد الاعتزال

ساعدت هذه التجربة إيموتو على اختيار المسار الذي تود أن تسلكه بعد أن تعتزل السباحة في المستقبل. فكان قرارها هو العمل في مجال المساعدات الإنسانية، فالتحقت بجامعة كيو وبدأت في الدراسة للحصول على شهادة في وضع الخطط والسياسات.

في عام 1996 بينما كانت في عامها الثاني في الجامعة سافرت مع الفريق الأولمبي الياباني إلى أتلانتا وساعدت في دفع فريق التتابع الحر 4 × 200 متر إلى المركز الرابع. بعد الأولمبياد، أمضت إيموتو وقتًا في دراسة العلاقات الدولية في جامعة الجامعة الميثودية الجنوبية ”Southern Methodist University“ في ولاية تكساس بأمريكا، كما استمرت في ممارسة السباحة، ثم بعد عودتها إلى اليابان استأنفت دراستها في جامعة كيو، وشاركت في منافسات التأهل إلى أولمبياد سيدني 2000, وعندما فشلت في التأهل قررت الإعتزال.

إيموتو خلال مسابقة التتابع الحر 4 × 200 متر في دورة الألعاب الأولمبية بأتلانتا. الصورة من  إيموتو ناوكو.
إيموتو خلال مسابقة التتابع الحر 4 × 200 متر في دورة الألعاب الأولمبية بأتلانتا. الصورة من  إيموتو ناوكو.

في بداية فصل جديد من حياتها، تخرجت إيموتو من جامعة كيو وعملت لبعض الوقت كسكرتيرة لعضو في البرلمان الياباني، ثم حصلت على وظيفة ناقدة رياضية قبل أن تعود إلى الدراسة لتحصل على درجة الماجستير في دراسات السلام والصراع من جامعة مانشستر. في عام 2003 سافرت إلى غانا كمتدربة لدى هيئة التعاون الدولي اليابانية (الجايكا)، وشاركت أيضًا في جهود الهيئة من أجل إعادة إعمار سيراليون ورواندا بعد انتهاء الصراع.

في عام 2007 استطاعت تحقيق حلمها بالعمل في الأمم المتحدة، حيث انضمت إلى منظمة اليونيسف. عملت في مشاريع إعادة الأعمار في العديد من الدول، منها على سبيل المثال إعادة إعمار سريلانكا بعد الحرب الأهلية وهايتي بعد الزلزال الكبير والفلبين بعد الإعصار المدمر. وفي مالي شاركت في إطلاق مشروع لتوعية المواطنين بشأن تدابير الوقاية من الإيبولا.

إيموتو مع مجموعة من الشباب القرويين في مالي خلال عملها مع اليونيسف حيث ساعدت في تأليف كتاب مدرسي لتعليم السكان المحليين طرق الوقاية من الإيبولا. الصورة من إيموتو ناوكو.
إيموتو مع مجموعة من الشباب القرويين في مالي خلال عملها مع اليونيسف حيث ساعدت في تأليف كتاب مدرسي لتعليم السكان المحليين طرق الوقاية من الإيبولا. الصورة من إيموتو ناوكو.

الربط بين التعليم والرياضة

في عام 2016 استجاب الاتحاد الأوروبي للتدفق المفاجئ للاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط من خلال بناء مخيمات للاجئين في إيطاليا واليونان. ولكن بينما ركزت إيطاليا بشكل رئيسي على قبول اللاجئين الأفارقة ومنحهم المهارات المهنية، استقبلت اليونان أعدادًا كبيرة من اللاجئين من الشرق الأوسط وركزت على دعم التعليم الابتدائي والمتوسط، وهنا وجدت إيموتو ضالتها المفقودة أين تقدمت بطلب للحصول على وظيفة مسؤول التعليم في مكتب اليونيسف في أثينا. وقالت إنها تريد أن تضع نفسها أمام تحديًا جديدًا لمساعدة الأطفال اللاجئين أثناء التفاوض مع المنظمات الحكومية في البلاد الأوروبية الصناعية المتقدمة. وتقول ”إن أفضل طريقة لمنح مستقبل أفضل للاجئين هي تعليمهم“.

تشجع إيموتو فكرة إقامة ملاعب داخل مخيمات اللاجئين، وعندما سألتها عما إذا كانت تريد استخدام تجربتها الخاصة كسباحة أولمبية سابقة لتعليم الأطفال معنى السلام من خلال ممارسة الرياضة، ابتسمت ثم هزت رأسها معلقة ”يحاول الصحفيون دائمًا الربط بين الأمور على هذا النحو، لكن في الحقيقة بالنسبة لي أرى أن وجود الملاعب كجزء من المخيم ومن المدرسة أمر طبيعي جداً. هناك بعض الأطفال لا يحبون الذهاب إلى المدرسة، لكنك لن تجد طفل واحد لا يحب اللعب وممارسة الرياضة“.

”التعليم هو أقوى سلاح يمكن أن نستخدمه لتغيير العالم“ شعار على جدار أحد المساكن سابقة التجهيز داخل مخيم إليوناس  للاجئين.
”التعليم هو أقوى سلاح يمكن أن نستخدمه لتغيير العالم“ شعار على جدار أحد المساكن سابقة التجهيز داخل مخيم إليوناس  للاجئين.

ميدالية من نوع مختلف

تعتقد إيموتو أن السباحة هي من علمتها كيف تنظر إلى العالم، كيف تكون صداقات، كيف تطور مهاراتها في التواصل، وهي التي قادتها في نهاية المطاف إلى حياتها المهنية الحالية. تعد تجربة إيموتو مثال مهم ومفيد للرياضيين الهواة الآخرين الذين يفكرون في الخيارات المهنية المتاحة أمامهم بعد الإعتزال.

إيموتو تستلم الشعلة الأولمبية من رئيس اللجنة الأولمبية اليونانية سبيروس كابرالوس خلال حفل أقيم يوم 19 مارس/ آذار 2020. جيجي برس.
إيموتو تستلم الشعلة الأولمبية من رئيس اللجنة الأولمبية اليونانية سبيروس كابرالوس خلال حفل أقيم يوم 19 مارس/ آذار 2020. جيجي برس.

في حين أن إيموتو لم تفز أبدًا بميدالية أولمبية، لكنها تحاول الحصول على ميدالية من نوع أخر من خلال إسهاماتها في مجال العمل الإنساني. إن رؤيتها الواضحة منذ صغرها بشأن ما تريد أن تكون عليه في المستقبل وحماسها للقيام بما تحتاجه لتحقيق هذا الهدف قد مكناها من صياغة عمل ناجح. أعتقد أن أيًا منا يمكنه تحقيق نجاح مماثل إذا كان لديه نفس الإصرار ووضوح الرؤية.

بعد أسبوعين من زيارة إيموتو في مخيم اللاجئين كانت اليونان تواجه مشكلة جديدة، حيث فرضت البلاد حظر التجول لمنع تفشي وباء كوفيد-19. وفي مثل هذه الظروف تتحول مخيمات اللاجئين إلى أرض خصبة لانتشار العدوى، حيث الكثافة السكانية العالية والظروف الصحية غير الجيدة. وبالنسبة لليونان فإن مصدر القلق الأكبر هو أولئك الذين يعيشون داخل خيام في مخيمات اللاجئين في الجزر اليونانية قبالة ساحل بحر إيجه على الحدود مع تركيا. وعلى الرغم من اشتداد الأزمة على إيموتو وزملائها إلى أنها بدت مرحة كعادتها عندما تحدثت معها عبر الهاتف للاطمئنان عليها.

تقول إيموتو ”أنا أفكر في الأمر على النحو التالي، عندما كنت سباحة عملت بجد لأصبح الأفضل في العالم لكني لم أستطع تحقيق هذا الإنجاز، لكن في هذه المهنة أنا ما زلت في منتصف الطريق نحو هدفي، أريد أن أبذل قصارى جهدي للوصول إلى القمة هذه المرة. أريد أن يحصل جميع الأطفال على حق التعلم والذهاب إلى المدرسة“.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان: إيموتو ناوكو تساعد الأطفال على التعلم باستخدام أجهزة الكومبيوتر اللوحي. تصوير الكاتب)

طوكيو المساعدة الإنمائية الرسمية الحكومة اليابانية اللاجئين