كيف سيتغير الطلب على المكاتب التجارية في عصر الكورونا؟

اقتصاد

يؤثر سوق المكاتب التجارية بشكل كبير على الأسواق المالية أيضا مثل صندوق الاستثمار العقاري (REIT) وغيره، وليس فقط على قطاع العقارات. وفي ظل معاناة العديد من الشركات من انخفاض كبير في الأرباح، وانتشار العمل عن بعد بشكل سريع بسبب تأثير فيروس كورونا، كانت هناك تحركات لإعادة النظر فيما إذا كانت هناك حاجة إلى مساحة مكتبية تقليدية. فكيف سيتغير الطلب على بنايات المكاتب التجارية يا ترى؟

مباني المكاتب التجارية أكبر قطاع في سوق الاستثمار العقاري

أصبح تأثير فيروس كورونا الجديد على الأنشطة الاقتصادية أكثر خطورة، حيث ارتفع معدل البطالة مؤخرا، وانخفض عدد العاملين. وفي ظل هذه الظروف، أود النظر في الاتجاهات المستقبلية لسوق المكاتب التجارية والتغيرات في الطلب على المكاتب التجارية التي تكمن وراء ذلك.

من الممكن القول إن مباني المكاتب التجارية هي أكبر قطاع في سوق العقارات كهدف استثماري. ووفقا لجمعية التوريق العقاري، احتلت مباني المكاتب التجارية النسبة الأكبر من العقارات المملوكة من قبل صندوق الاستثمار العقاري في اليابان (J-REIT) وفقا لاستخدام كل عقار في نهاية شهر مايو/أيار من عام 2020، لتبلغ 41.0%، ولتتجاوز بشكل كبير نسبة المنشآت التجارية التي بلغت 17.4%، ونسبة مباني الخدمات اللوجستية التي بلغت 16.7%، ونسبة العقارات السكنية التي بلغت 14.2%. لذلك فإن مستقبل سوق المكاتب التجارية له تأثير كبير على سوق العقارات بشكل كامل.

هناك أصوات تشعر بالقلق من تأثير فيروس كورونا الجديد على سوق المكاتب التجارية متصورة الظروف التي سادت بعد أزمة الرهن العقاري في عام 2008، ولكن يبدو أن هناك اختلاف كبير فيما يتعلق بالتأثير على الطلب على المكاتب التجارية. فعند حدوث أزمة الرهن العقاري، كان ”قطاع التمويل“ الذي كان يسيطر على معظمه عمال المكاتب نقطة البداية، ثم انتشر التأثير إلى مجموعة واسعة من القطاعات الأخرى. ولكن في هذه المرة، كانت القطاعات التي تأثرت في البداية هي ”قطاع الخدمات المتعلقة بالمطاعم والسفر“، و”قطاع بيع التجزئة“، و”قطاع النقل“، وهي قطاعات يحتل فيها العمال غير المكتبيين نسبة مرتفعة. لذلك، يُعتقد أن التأثير المباشر على سوق المكاتب التجارية منخفض.

تأثير العمل عن بعد والتباعد الاجتماعي

وبناء على ذلك، فإنه عند التفكير حول سوق المكاتب التجارية المستقبلي، يجب التفكير بعد الفصل بين التغيرات على المدى القصير ولمدة عام تقريبا، والتغيرات على المدى المتوسط والطويل والتي تتضمن انتهاء فيروس كورونا الجديد.

أولا، من المتوقع أن ينخفض عدد الذاهبين إلى أعمالهم بسبب انتشار العمل عن بعد والعمل من المنازل على المدى القصير، وبالتالي من المتوقع أن يؤثر ذلك بشكل سلبي على الطلب على المكاتب التجارية. من ناحية أخرى، من أجل الحفاظ على التباعد الاجتماعي، لا بد من زيادة المساحة الأرضية لكل شخص في المكتب، وبالتالي من الممكن توقع تأثير إيجابي أيضا على الطلب على المكاتب التجارية.

وفي النهاية، فإن هناك شعور يشير إلى أن حصيلة التأثير السلبي والإيجابي على المدى القصير ستكون صفرا. وبالطبع، لا يمكن تجنب تقلص الطلب على المكاتب بحد ذاته نتيجة لانخفاض عدد العاملين، ولكن بسبب إدخال العمل من المنازل، ربما لن تحدث حالة من الانخفاض المفاجئ على الطلب على المكاتب.

ويتزامن هذا مع تحركات في المكاتب العقارية (مكاتب تأجير مباني المكاتب التجارية) مؤخرا. ففي الوقت الحاضر، هناك تحركات ملحوظة لإلغاء أو تجميد مؤقت للمشاريع قيد النظر أو التفاوض. بالمقابل، فإن التحركات لإلغاء عقود المكاتب التجارية التي تم التعاقد عليها محدودة.

فقبل أي شيء، لدى كل شركة موقف قوي لإعطاء الأولوية للتعامل مع فيروس كورونا الجديد، والتفكير بعناية في استراتيجية المكتب المتوسطة وطويلة الأجل، مع القيام بتقييم وضع الشركة والتغيرات داخل الشركة وخارجها.

وبالطبع، هناك تحركات لإلغاء عقود المكاتب التجارية بسبب الإدخال الفعلي للعمل من المنازل في بعض شركات تكنولوجيا المعلومات والشركات الناشئة. ومع ذلك، معظم المكاتب التي تم إلغاء عقودها صغيرة نسبيا، والتأثير على سوق المكاتب بشكل عام ليس كبيرا كما يخشى البعض. وفي الأشهر القادمة وحتى مدة عام تقريبا، سيكون من الصعب اتخاذ إجراءات ملموسة ترتبط بشكل مباشر بالطلب على المكاتب التجارية مثل العقود الجديدة أو إلغاء العقود، ومن المحتمل أن تتباطأ تحركات سوق تأجير المكاتب التجارية.

هل بلغت نسبة المكاتب الشاغرة في مباني المكاتب التجارية نسبة 4%؟

في الرسم البياني أدناه تم تبيان ”نسبة المكاتب الشاغرة في خمسة أحياء في وسط مدينة طوكيو، وإيجاراتها، والتوقعات لثلاث سنوات مستقبلية (مباني المكاتب التجارية التي تبلغ مساحة الطابق الواحد فيها أكثر من خمسين تسوبو (كل 1 تسوبو يساوي حوالي 3.3 مترا مربعا) في الربع الأول من عام 2020“ وفقا لمعهد الأبحاث الشاملة لمباني المكاتب التجارية.

على الرغم من كون نسبة المكاتب الشاغرة في الفترة الحالية تبلغ 0.6% وهي أقل نسبة تم تسجيلها منذ بدء الإحصاء، إلا أنه من المتوقع أن يكون هناك ارتفاعا متزايدا يقدر بـ 3.7 نقاط خلال مدة عام قادم، ومن المتوقع أن تبلغ تلك النسبة 4.3% في الربع الأول من عام 2021، و4.4% في نفس الفترة من عام 2022، و4.8% في نفس الفترة من عام 2023. ووفقا للتوقعات الاقتصادية لمعهد نيسي للأبحاث الأساسية (19/5)، من المتوقع أن ينخفض ​​معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الفترة من أبريل/نيسان وحتى يونيو/حزيران بشكل حاد، بينما سيستمر النمو الاقتصادي الإيجابي في الفترة من يوليو/تموز وحتى سبتمبر/أيلول. ونتيجة لذلك، ستتوقف نسبة المكاتب الشاغرة عن الارتفاع في العام المقبل، ومن المتوقع أن تستمر التحركات في نطاق ضيق حول 4.5% بعد الربع الأول من عام 2021.

وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن ترتفع نسبة المكاتب الشاغرة بشكل كبير، إلا أنها ستبقى في نطاق 4%، لذلك من المرجح أن يكون التأثير على الإيجارات محدودا خلال السنوات الثلاث المقبلة. وفي الوقت الحالي، من المتوقع أن يستمر استقرار الإيجارات عند 24,000 ين لكل تسوبو واحد.

وإذا توقفت نسبة المكاتب الشاغرة عند نطاق 4%، فسيكون التأثير على ظروف السوق محدودا مقارنة بالتأثير الذي حدث بعد أزمة الرهن العقاري، حيث تجاوزت النسبة 8%. ومن المتوقع أن ينخفض ​​تأثير فيروس كورونا الجديد على الاقتصاد من النصف الأخير من عام 2020، وأن يتعافى الطلب على المكاتب التجارية بعد الربع الثاني من عام 2021.

وعند النظر إلى العرض الجديد الذي يؤثر على توازن العرض والطلب على المكاتب التجارية، فإنه من المتوقع أن يصل العرض إلى مستوى مرتفع متجاوزا 230,000 تسوبو في هذا العام، إلا أنه سينخفض ليتوقف عند أقل من 100,000 تسوبو في عامي 2021 و2022. وفي عام 2023، من المتوقع أن يزداد العرض بكمية كبيرة مرة أخرى ليصل إلى أكثر من 300,000 تسوبو لأول مرة منذ عام 2003. وكما يظهر الرسم البياني، من المتوقع أن يظل توازن العرض والطلب مستقرا من العام المقبل فصاعدا، ولكن في عام 2023 سيستمر العرض بكمية كبيرة من الربع الأول فصاعدا، لذلك سترتفع نسبة المكاتب الشاغرة أكثر في النصف الأخير من عام 2023، ومن المحتمل أن تدخل الإيجارات منحنى انكماش حاد.

تغير طريقة العمل إلى طريقة هجينة

في طريقة العمل بعد كورونا، ستنتشر على نطاق واسع خيارات مثل العمل عن بعد والعمل من المنازل. والمهم هنا هو الأمور التي ستترسخ كـ ”خيارات“، وتوقف مدى تبنيها على كل شركة من الشركات. وسيؤثر على ذلك الاختلاف بين أنواع الأعمال، ومحو الأمية في مجال تكنولوجيا المعلومات في كل شركة من الشركات، وثقافة الشركة بالمعنى الواسع. وفي حالات نادرة جدا، سيكون هناك شركات تكنولوجيا معلومات تعمل بالكامل من المنزل، ولكن بالمقابل هناك شركات ستعود إلى العمل من المكاتب كما كانت تفعل قبل كورونا.

ولكن في كثير من الحالات، ربما سيكون هناك بحث عن طريقة عمل هجينة، مع القيام بتبني العمل عن بعد بنسب تتناسب مع كل شركة من الشركات.

والمهم عند ذلك هو بقاء ذكرى قيام كل موظف بتجربة العمل عن بعد دون الذهاب إلى الشركة في ذاكرته، حتى مع وجود بعض من عدم الراحة. ومن المفترض أن يكون ذلك فرصة للتفكير في معنى الذهاب إلى العمل في قطار مزدحم، أو القيام بالتنقل لوقت طويل للقيام بزيارة أو برحلة عمل.

وبالطبع، لن تتغير أهمية التواصل وجها لوجه. وأعتقد أن هناك الكثير من الأشخاص الذين شعروا بعدم الحرية والتقييد في الاجتماعات المتلفزة التي لا غنى عنها في العمل عن بعد. ومع ذلك، فإنه بفضل تقدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعود المستخدمين عليها، سيتحسن بالتأكيد الشعور بعدم الراحة الحالي.

وعلى المدى المتوسط ​​والطويل، سيتم إعادة تعريف دور المكاتب، وسيتعين على كل شركة من الشركات إعادة النظر في وظائف تلك المكاتب. ولا يزال الشكل غير واضحا، ولكن لا يوجد شك في أن ذلك سيحدث تغييرا يُسمى ”الطلب على المكاتب التجارية بعد كورونا“.

(النص الأصلي باللغة اليابانية،صورة العنوان الرئيسي: مباني المكاتب التجارية في حي مارونوتشي في طوكيو، بيكستا)

طوكيو شينزو آبي الاقتصاد الحكومة اليابانية