الأخطار التي تهدد ”لاجئو مقاهي الإنترنت“ في اليابان في عصر الكورونا

مجتمع

لقد عرّضت جائحة فيروس كورونا الفئات ذوي الأوضاع الاقتصادية المتردية لأخطار مباشرة. ومن بين هؤلاء، نجد أن العديد من ”لاجئي مقاهي الإنترنت“ معرضون لخطر فقدان محل إقامتهم ووظائفهم، بسبب القيود التجارية الناجمة عن الوباء.

هبوب العاصفة

تقدم مؤسسة (تنؤهاشي) غير الربحية الدعم لمن هم بلا مأوى في حي (إيكيبوكورو) بطوكيو. وتشمل أنشطتهم الأساسية تقديم وجبات مرتين في الأسبوع (تم استبدالها بتوزيع (الأوبينتو) (علب وجبات الطعام) أثناء الوباء)، وتقدم المشورة بشأن أنماط الحياة، وتقوم بعمل دوريات ليلية كل يوم أربعاء حيث يقوم الموظفون بالإطمئنان على أولئك الذين ينامون في الشوارع ويقدمون لهم بعض الأطعمة الخفيفة مثل كرات الأرز (أونيغيري) وكتيبات معلوماتية.

سينو كينجي المدير التنفيذي لمؤسسة تنؤهاشي.
سينو كينجي المدير التنفيذي لمؤسسة تنؤهاشي.

وفي الآونة الأخيرة، انخفض عدد الأشخاص الذين يقيمون في الشوارع، لكن المدير التنفيذي لمؤسسة (تنؤهاشي)، (سينو كينجي)، قال ”في شهر مارس/ آذار، كان الأمر بمثابة هبوب عاصفة“.حيث أدى انتشار جائحة فيروس كورونا إلى توقف الأنشطة الاقتصادية تقريبًا، وبدأ الأشخاص الذين يستفيدون من خدمة توزيع الوجبات في الازدياد في ذلك الشهر. وفي أبريل/ نيسان، ضمت المجموعة الأولى أكثر من 200 شخص، وفي مايو/ آيار تجاوز العدد 260.شخصاً. وكان من بين الحالات أيضًا 80 طلب استشارة من أبريل/ نيسان حتى النصف الأول من يونيو/ حزيران، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه الوضع في نفس الفترة من العام الماضي.

وبالإضافة إلى كبار السن الذين كانوا مقيمين في الشوارع لسنوات، يصف (سينو) مبديًا دهشته من المشاهدات غير المسبوقة لـ ”لاجئي مقاهي الإنترنت“ الأصغر سنًا، وهم الأشخاص الذين ليس لهم محل إقامة ثابت ويعتمدون على مقاهي الإنترنت الرخيصة كمكان للنوم والاستحمام ويلجئون للاستفادة من خدمات المؤسسات غير الربحية. وقد أدت الانخفاضات الكبيرة في الطلب على العمالة اليومية في قطاع البناء والأعمال المؤقتة إلى زيادة أعداد المحتاجين، وأيضًا شمل بدوره إعلان أبريل/ نيسان لحالة الطوارئ جراء اجتياح الفيروس التاجي طلبات إغلاقٍ لمقاهي الإنترنت، الأمر الذي لم يدع خيارًا آخرًا أمام الأشخاص المقيمين هناك سوى المغادرة.

وفي زيارتنا يوم السابع والعشرون من يونيو/ حزيران إلى مركز توزيع الوجبات في (متنزه شرق إيكيبوكورو المركزي)، امتد اصطفاف الناس لمدة ساعة كاملة قبل افتتاحه الساعة السادسة مساءً. وضم الحشد الرجال والنساء على حد سواء، وكثيرٌ منهم كان في العشرينات والثلاثينات من عمره. وكان هناك أيضًا العديد من الأشخاص الذين اصطفوا مرتين، وقد استطاعوا المغادرة وأيديهم ممتلئة بوجبات الأوبنتو (علب الطعام). وكان الأمر كذلك في منطقة الاستشارات ومنطقة تقديم العلاج بالإبر الصينية، حيث كانت مزدحمة هي الأخرى.

وقد جاء أحد الأشخاص مؤخرًا طالبًا للمشورة يقيم في أحد مقاهى الإنترنت ويعمل في منشأة لتحميل الأجهزة المعاد تدويرها في حاويات متجهة إلى جنوب شرق آسيا. وفي فبراير/ شباط، حصل على وعد بمبلغ 10,000 ين في اليوم، ثلاثة أيام في الأسبوع، ولكن اعتبارًا من مارس/ آذار تم تقليص عمله إلى يوم واحد في الأسبوع. وبدأ الشركاء التجاريون للشركة في إجراء عمليات تفتيش أكثر صرامة مع استمرار انتشار الوباء في اليابان، وبدأت حركة السوق ككل تعاني. كما كان يقوم أيضًا بالعمل في وظائف البناء في نفس الوقت، ولكن مع الانخفاض المتزامن على الطلب، انخفض دخله الشهري إلى 65,000 ين (حوالي 610 دولًا) في مايو/ آيار.

إقامة مؤقتة

يفضل لاجئو مقاهي الإنترنت شغل وظائف يومية غير مستقرة ومنخفضة الأجر ووظائف مؤقتة أثناء إقامتهم في مقاهي الإنترنت على مدار 24 ساعة، والتي تكلف ما متوسطه 2000 ين في اليوم. ويُقدَّر عدد هؤلاء الأشخاص في طوكيو بنحو 4000 شخص، وقد انتقل جزء من أولئك الذين أجبروا على المغادرة بسبب القيود المفروضة على الأعمال التجارية إلى فنادق تجارية استأجرتها لهم حكومة العاصمة طوكيو كمسكنٍ بديل اعتبارًا من أبريل/ نيسان. وبحسب تقارير العاصمة، فقد استفاد حوالي 1,200 شخص من هذا البرنامج حتى الآن.

ولقد رافقت طاقم مؤسسة (تنؤهاشي) في دوريتهم الليلية في الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران، وبالقرب من محطة (هيغاشي إكيبوكورو) وجدنا 16 شخصًا أو نحو ذلك مختبئين في أماكن منزوية بالقرب من المنتزه، وتحت الجسور العلوية وتحت السلالم، وعلى كلٍ لم يكن هناك سوى شخص واحد صغير السن. إلا أنه من الواضح، أن بعض لاجئي مقاهي الإنترنت قد أُجبروا على الإقامة في الشوارع.

والرجل الذي ذكرته سابقًا الذي كان يعمل في تحميل الأجهزة المعاد تدويرها وفي أعمال البناء، كان يقيم مجانًا أيضًا في فندق (طوشيما) التجاري. وكانت مسألة تأمين سكن مجاني أمرًا ضروريًا لكي يستطيع العيش بميزانيته اليومية المنخفضة التي تبلغ حوالي 2000 ين في اليوم، والتي يمكنها الآن تغطية نفقات الطعام والمواصلات العامة إلى العمل والهاتف المحمول الذي يحتاجه للبحث عن عمل كل يوم.

إلا أن هؤلاء المحتاجين كان مسموح لهم فقط الإقامة في الفنادق التجارية حتى الأول من يوليو/ تموز. والسؤال الآن أين ذهبوا بعد ذلك؟ ولكن للأسف لا نعلم.

مساعدات الرعاية الاجتماعية بعيدة المنال

أحد الأشخاص يستخدم أحد أجهزة الكمبيوتر في أحد مقاهي الإنترنت. جيجي برس.
أحد الأشخاص يستخدم أحد أجهزة الكمبيوتر في أحد مقاهي الإنترنت. جيجي برس.

كانت الإقامة في الفنادق التجارية تمثل دائمًا حلاً مؤقتًا، وبالتالي لا يمكن لأي شخص استخدامها للتسجيل السكني الرسمي. ونظرًا لأن تلقي الدعم الحكومي، بما في ذلك الدعم النقدي الخاص البالغ 10000 ين لكل شخص أو مزايا التأمين السكني أمرٌ يتطلب عنوانًا في سجل المقيمين الأساسي، فيقول سينو معلقًا على ذلك ”هؤلاء من هم في حاجة ماسة إلى المال سيجدون الأمر بعيد المنال“.

وقد كان الموعد النهائي لتقديم طلبات الحصول على الدعم المالي 10000 ين ياباني هو نهاية شهر أغسطس/ آب. فكم من هؤلاء المحتاجين تمكن من الحصول على عنوان دائم واستطاع الوقوف على أقدامه بحلول ذلك الوقت؟

كما أن ظروف العمل قد تدهورت هي الأخرى. فوفقًا لقانون معايير العمل، يحق لأي شخص فقد عمله بسبب إجراءات مكافحة الوباء الحصول على راتب يعادل 60٪ على الأقل من راتبه، ولكن غالبًا ما يخرج الموظفون المؤقتون والعمال المياومون خاليين الوفاض بسبب هذه الثغرات.

وتقول المحامية (إينوماطا تاداشي)، الخبيرة في قضايا العمل: ”يُعطى الموظفون المؤقتون فكرة عن العمل القادم، ولكن إذا أعلن أرباب العمل فجأة بأن العمل قد أُلغي ولا داعي للحضور، فيجب أن يُطلب منهم تحمل المسؤولية وتقديم التعويضات. وينبغي أن يُمنح الموظفون الموفدون رواتب إجازات قسرية“.

وقد أظهر مسح أجرته وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية أنه اعتبارًا من السادس والعشرين من يونيو/ حزيران ، فقد 9,009 من العمال غير النظاميين عملهم بسبب جائحة كورونا. وهذا يمثل زيادة بنسبة 380٪ عن الرقم المعلن في التاسع والعشرين من مايو/ آيار عندما تم إجراء المسح لأول مرة. وغالبًا ما يتم تجديد العديد من عقود الموظفين الموفدين كل ثلاثة أشهر، ويبدو كذلك أنه كانت هناك زيادة في حالات تعليق العمل قبل حلول شهر يوليو/ تموز.

حواجز نفسية

لقد انتهت بالفعل المهلة الزمنية لبعض الفنادق التي استأجرتها حكومة طوكيو، ومع مرور الوقت، ستغلق الفنادق المتبقية أبوابها أمام هؤلاء المقيمين المؤقتين واحدًا تلو الآخر. حينها هل سيتمكن هؤلاء من العودة إلى مقاهي الإنترنت التي كانوا فيها أم سيضطرون للتجول في الشوارع؟ ويقول (سينو) إن الكثيرين ما زالوا ينتظرون تعافي أوضاع العمل، رغم أن هذا الأمر لا يزال بعيد المنال. وبدلاً من العودة إلى مقاهي الإنترنت، سيكون من الأفضل أن يحصلوا على مساعدات حكومية لمعاونتهم في استئجار سكن والبدء في البحث عن عمل مناسب. و (سينو) نفسه يساعد العديد من المحتاجين في تقديم طلبات للحصول على الدعم الحكومي، لكن الامر ليس سهلًا

وتتطلب مسألة تلقي المساعدات الحكومية إجراءً يسمى (fuyō shōkai) (الاستعلام عن المعالين) للتأكد مما إذا كان بإمكان أي فرد من أفراد الأسرة تقديم الدعم المالي. وهذا يعني أن المكتب العام سيبلغ عائلة مقدِم الطلب بالطلب المقدَم، وهو الأمر الذي يبغضه الكثيرون منهم. حيث يعتقد العديد من المتقدمين أنفسهم أن الحصول على الرعاية الاجتماعية أمر محرج، ولذلك لا يريدون لعائلاتهم أن تعرف حقيقة الأمر. وقد تكون هناك أيضًا مشكلات عائلية يجب أن نضعها في الحسبان.

المنطقة المخصصة للاستشارات المجانية برعاية مؤسسة (تنؤهاشي). الصورة مقدمة من (كوشي كازوؤ).
المنطقة المخصصة للاستشارات المجانية برعاية مؤسسة (تنؤهاشي). الصورة مقدمة من (كوشي كازوؤ).

ولقد قمنا بالتحدث إلى إحدى السيدات العازبات في الأربعينيات من عمرها أقامت في أحد مقاهي الإنترنت وكانت ذات يوم موظفة موفدة تعمل في مجال الخدمات اللوجستية. وقد توقف عملها منذ أبريل/ نيسان الماضي، لكنها الآن تمكنت أخيرًا من الإقامة في منزل مستأجر من قبل حكومة العاصمة. ولقد ترددت في التقدم بطلب للحصول على الرعاية الاجتماعية حتى قبل الموعد النهائي بقليل بسبب مخاوف إبلاغ أسرتها. حيث كان السبب الأساسي وراء مغادرتها لمنزل العائلة والبقاء في مقهى إنترنت مشاحنات مع أسرتها، وهي تريد تجنب إخبارهم بوضعها بأي ثمن. وقد أخذ مستشار مؤسسة (تنؤهاشي) مخاوفها على محمل الجد، واستنتج أن مطلب الاستفسار عن المُعال قد يتم إسقاطه لأسباب تتعلق بسوء المعاملة، وساعدها على استكشاف الخيارات المتاحة لها لإيجاد استراتيجية للتقديم الآمن، بما في ذلك الأسباب المبنية على أسس متعلقة بالإساءة النفسية.

طوق نجاة في زمن الكورونا

أحد العوائق الرئيسية الأخرى هي وصمة العار الاجتماعية حول تلقي المساعدات الاجتماعية. وهناك رأي شائع بأن متلقي الرعاية الاجتماعية ليسوا مهتمين أصلًا بالعمل، ويريدون فقط العيش من ضرائب الآخرين.

وتقول (أوزاسا ميوا)، استشاري المواريث ورعاية المسنين ولها باع طويل في العمل في أحد مكاتب بلديات مدينة كيوتو، بأن هذا ليس صحيحًا. ”فهناك الكثيرون ممن لا يستطيعون العمل لأسباب صحية، على الرغم من صعوبة التعرف على ذلك من الوهلة الأولى. وعادةً ما يريد هؤلاء الأشخاص أن يكونوا قادرين على العمل وإعالة أنفسهم دون الاعتماد على المساعدات الاجتماعية “. ومع ذلك، تستمر النظرة المتحاملة ضد متلقي الرعاية الاجتماعية في الزيادة، على الرغم من أن الحوادث الفعلية لإساءة استخدام النظام نادرة للغاية.

ومع استمرار الوباء، والتوقع بأن تضرب اليابان موجة ثانية قريبًا، يبدو أنه من المرجح أن يستمر عدد الذين يحتاجون إلى المساعدات الحكومية في الزيادة. وتضيف (أوزاسا) قائلة: ”من السهل التخلي عن العمال المؤقتين، وحتى لو عملوا في شركات كبيرة، فليس هناك ضمان بأنهم لن يتم تسريحهم. وهناك شعور متزايد بعدم الارتياح لأن الناس لا يعرفون متى وأين وكيف سينتهي الأمر بوظيفتهم. لذلك فإن الحاجة إلى المساعدات الحكومية كطوق نجاة اجتماعي أمرٌ حقيقي، وسوف تزداد هذه الحاجة“.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: اصطفاف بعض الأشخاص أثناء توزيع وجبات الطعام. الصورة مقدمة من مؤسسة تنؤهاشي)

الفقر المجتمع الياباني الشركات اليابانية الحكومة اليابانية المشردين