التاريخ يعيد نفسه.. هل تعلم أن أولمبياد طوكيو 1940 واجهت وضعاً أصعب مما تواجهه أولمبياد طوكيو 2020!

طوكيو 2020

خلال صيف العام الجاري، كان من المفترض أن ينشغل العالم بأسره بأجواء من الإثارة والحماس كانت ستشعلها دورة الألعاب الأوليمبية والبارالمبية في طوكيو، إلا أن جائحة كوفيد -19 تسببت في تأجيلها لمدة عام، وليس هناك ما يضمن أن تقام في عام 2021. في عام 1940، ضاعت على طوكيو فرصة إقامة الألعاب بسبب اتساع رقعة الحرب. دعونا نرجع بالزمن إلى الوراء في وقت واجهت فيه الألعاب الأولمبية وضعا متأزماً تماماً كما هو الحال الآن.

الحرب العالمية الأولى وزلزال كانتو العظيم

كان الهدف الرئيسي من دعوة طوكيو لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 1940 هو الرغبة في التأكيد على أن البلاد قد تعافت من زلزال كانتو العظيم. تم التخطيط للألعاب الأولمبية في الذكرى السابعة عشرة للزلزال، بالإضافة إلى الاحتفال بمرور 2600 عام على الصعود الأسطوري للإمبراطور جينمو على عرش الأقحوان.

إلا أن ما كان من المفترض أن يكون احتفالًا للعالم كله تحول إلى وهم كبير. إن التطورات التاريخية المختلفة التي اجتمعت لتؤدي إلى ضياع فرصة إقامة الأولمبياد حينها مليئة بدلالات يبدو أنها تعكس حالتنا اليوم.

لقد عانى العالم حالة من عدم الاستقرار الشديد منذ العقد الأول من القرن العشرين وحتى العقد الثالث. حيث بدأت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، وفي نهاية ذلك الصراع، انتشر فيروس الإنفلونزا المعروف باسم ”الإنفلونزا الإسبانية“ من الولايات المتحدة إلى أوروبا وبقية العالم، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تحركات القوات العسكرية في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى العديد من الوفيات في اليابان أيضًا، وظلت تلك الجائحة نشطةً لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، بدءًا من عام 1918.

ضرب زلزال كانتو الكبير اليابان في 1 سبتمبر/ أيلول 1923. ودمر الزلزال قلب اليابان كما دمّر تمامًا العديد من الهياكل الخشبية في منطقة كانتو. وقد تعرض الاقتصاد الياباني حينها لضربة كبيرة، ومع تعطل الحياة في العاصمة، انزلقت البلاد إلى حالة من الركود الاقتصادي أصبحت تُعرف باسم ”ذعر الزلزال“.

في الوقت نفسه، كان الاقتصاد العالمي في العشرينات من القرن الماضي يعمل على تحقيق الانتعاش بناءً على طلبات إعادة الإعمار في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد أدى الاستثمار المفرط إلى التضخم وانفجرت الفقاعة أخيرًا. في يوم الخميس الأسود، 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1929، انهارت بورصة نيويورك مما أدى إلى ذعر في أسواق المال العالمية من وقوع الكساد الكبير.

في عام 1930 أي في وقت زلزال كانتو الكبير، أصبح ناغاتا هيديجيرو، الذي كان في الأصل مسؤولاً حكومياً وكان حريصًا جدًا على استضافة الألعاب الأولمبية، عمدة لطوكيو. (حتى عام 1943، كانت طوكيو مجرد مدينة ولم تكن العاصمة). ثم استقال بعد عام من وقوع الزلزال على خلفية قضية تتعلق بمسؤولي المدينة، لكنه نجح في استعادة منصبه كعمدة وسعى لاستغلال أية فرصة ليظهر للعالم أن طوكيو قد نهضت مرة أخرى من تحت الأنقاض، حيث كان يتبنى فكرة إقامة ”أولمبياد إعادة الإعمار“.

دورة الألعاب الأولمبية التي لم تحدث قط

ومع ذلك، فقد كان العالم يدخل فترة من الانقسامات المتزايدة. ففي أعقاب مرحلة الذعر المالي، مال اللاعبون الرئيسيون نحو التكتلات الاقتصادية، في محاولة لحماية اقتصاداتهم من خلال اتباع سياسة الحمائية التجارية. ومع تراجع التعاون الدولي، شهدت ألمانيا، التي خسرت الحرب، صعود الحزب النازي القومي كما سعت اليابان أيضًا إلى توسيع مجالها الاقتصادي من خلال غزو الصين.

مُنحت اليابان حق إقامة الألعاب الأولمبية في اجتماع عام للجنة الأولمبية الدولية عقد في برلين بمناسبة دورة ألعاب 1936. ولكن مع بداية الحرب الصينية اليابانية الثانية في عام 1937، لم يكن لدى البلاد، التي كانت عازمة على التوسع العسكري، متسع من الوقت للتحضير للألعاب، فتم اتخاذ قرار التنازل عن حق إقامة دورة الألعاب الأولمبية في يوليو/ تموز 1938. إذ أنه مع تبقي عامين فقط من أجل التحضير للأولمبياد، اتخذت الحكومة اليابانية قرارًا بإلغائها، متجاوزةً رؤساء مدينة طوكيو واللجنة الأولمبية.

بالنظر إلى الوضع الحالي، تتبادر إلى الذهن مقولة ”التاريخ يعيد نفسه“. أي نعم لا توجد حرب فعلية، ولكننا في العقود الأخيرة شهدنا انفجار الفقاعة الاقتصادية في اليابان، والأزمة المالية العالمية عام 2008، وزلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011، وصعود القادة القوميين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد، ولذلك فإن السؤال المُلح هو ما إذا كان من الممكن إقامة أولمبياد طوكيو أم لا في خضم كل هذا.

ما يمكننا استقراؤه كلمات سوغيموتو سونوكو

بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، تمكنت اليابان في النهاية من استضافة دورة الألعاب الأولمبية عام 1964. هناك نص مشهور للروائي سوغيموتو سونوكو حول مشاهدة حفل الافتتاح في الإستاد الوطني في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1964، وهو مقال Asu e no kinen (صلاة من أجل الغد)، الذي نشرته وكالة أخبار كيودو لأول مرة وتم تضمينه في منشور Tōkyō Orinpikku: Bungakusha no mita seiki no saiten (أولمبياد طوكيو: مهرجان عالمي من منظور الكتاب) الذي أصدرته دار نشر كودانشا.

”قبل عشرين عامًا، كنت أقف في هذا الملعب نفسه، كنت طالباً وكنت أودع الطلاب الواقفين تحت أمطار الخريف على وشك المغادرة إلى الجبهة. . . . بالقرب من المقصورة الملكية حيث كان يجلس الإمبراطور والإمبراطورة وقف رئيس وزراء اليابان حينها توجو هيديكي، يحث الطلاب على القضاء على الأعداء الأمريكيين والبريطانيين. . . . لم أكن أتخيل أنني بعد مرور عشرين عامًا، سأشاهد شبابًا من 94 دولة يجتمعون معًا في نفس الملعب“.

بعد انتهاء الصراع العالمي، تم هدم ملعب ميجي جينغو جايئن الذي كان موقعاً لمراسم وداع المجندين المتجهين إلى الحرب. كان هذا هو المكان الذي تم فيه بناء الإستاد الوطني الذي كان من المفترض أن يكون الموقع الرئيسي لأولمبياد 1964، ثم تمت إعادة بنائه مرة أخرى قبل أولمبياد 2020، ولكن بعد أن تقرر تأجيل الأولمبياد لم يتم استخدام المنشأة الجديدة بشكل مناسب حتى الآن، باستثناء يوم 23 يوليو/ تموز، عندما قام السباح إيكي ريكاكو ببث رسالة كجزء من حدث قبل عام واحد من دورة الألعاب التي تقرر تأجيلها .

كانت هذه هي الطريقة التي وصف بها سوغيموتو رؤيته لهذين المشهدين المتناقضين، مشهد مؤلم لطلاب يتم إرسالهم إلى الحرب، ومشهد رائع لحفل الافتتاح الأولمبي المذهل في عام 1964.

”هناك صلة بين ذلك اليوم وبين دورة الألعاب الأولمبية الحالية، ولا شك أن ذلك اليوم مرتبط أيضًا بيومنا هذا. وهو أمر يشعرني بالخوف. لا أحد يستطيع حتى أن يتخيل كيف يمكن لحاضرنا، بما فيه من حسن الحظ والألوان المشرقة، أن يرتبط بمستقبلنا. الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به هو أن نصلي لكي يكون جمال حاضرنا وإشراقه جزءًا من غدنا“.

صور السلام في حفل الافتتاح عام 1964

واجه كاتاكورا ميتشيو، مدير هيئة الإذاعة اليابانية NHK الذي كان مسؤولاً عن تصوير الحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية عام 1964، صعوبة في تحديد نوع الصور الأفضل للحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية الأولى التي ستقام في اليابان.

لذلك ذهب لطلب المشورة من أوشيما كينكيتشي، الذي كان طالباً أقدم منه في جامعة كانساي وكان رئيس بعثة اليابان في دورة الألعاب ذلك العام. قبل الحرب، كان قد حصل على ميدالية برونزية في الوثب الثلاثي في أولمبياد 1932 في لوس أنجلوس. بعد ذلك أصبح مراسلاً لجريدة ماينيتشي في برلين وكاتبًا متخصصاً في مجال الرياضة. كما قدم لليابانيين أيديولوجية بيير دي كوبرتان، مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة، وكان يُعرف باسم ”الفيلسوف القافز“.

عندما سأله أوشيما عن تصوره لبث الألعاب الأولمبية، رد كاتاكورا مؤكداً على أن: ”الألعاب الأولمبية ليست مجرد ليست مجرد مسابقة رياضية دولية، بل إنها مهرجان للصداقة والسلام“. أومأ أوشيما بالموافقة. لكن كاتاكورا ظلّ مضطرباً لأنه حتى لو تمكن من تصوير صور ترمز إلى معنى الصداقة، فهو لا يعرف ما الذي يمكنه أن يمثل صور السلام.

في الحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية 1964، اجتمع أعضاء من العديد من المنتخبات الوطنية متشابكي الأذرع للاستعراض أمام الجماهير. جيجي برس.
في الحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية 1964، اجتمع أعضاء من العديد من المنتخبات الوطنية متشابكي الأذرع للاستعراض أمام الجماهير. جيجي برس.

استعدادًا لليوم الكبير، أعد كاتاكورا عددًا من القصص المصورة وقام باستعدادات مضنية. ثم بدأ الحفل بدخول حاملي الرايات من كافة المنتخبات لكن بعد ذلك بقليل، حدث أمامه مشهد غير متوقع حيث بدأ الرياضيون، على اختلاف جنسياتهم، في الاختلاط معًا وقام الرياضيون الأجانب برفع السباح فوكوي ماكوتو حامل علم اليابان على أكتافهم، لقد كان هذا سيناريو غير متوقع.

بعد انتهاء دورة الألعاب، يبدو أن أوشيما قال لكاتاكورا، ”هذا هو الشيء الذي يجعل الناس يقولون إن الألعاب الأولمبية ضرورية للسلام العالمي“. لقد تمكن في النهاية من تصوير ”صور السلام“ التي أرادها بطريقة غير متوقعة.

مرت 19 سنة فقط على انتهاء الحرب العالمية الثانية. كان من الطبيعي أن يحتفل الناس في جميع أنحاء العالم -وليس فقط في اليابان التي نجحت في بعث نفسها من جديد من تحت أنقاض تلك الحرب - بفرحة السلام.

وقت التفكير في الأساسيات

لقد مر أكثر من نصف قرن منذ ذلك الحين، وازداد حجم الألعاب الأولمبية أكثر من أي وقت مضى. ونظراً لكونها ملزمة بعقود ضخمة لحقوق البث والرعاية، فلم يعد من الممكن تغيير الموعد المحدد لانطلاقها حتى وإن كان هذا بغرض تجنب الحرارة الشديدة. إن الدول المنظمة تجري استعداداتها بتوجيه سياسي، ويبدو أن الميزانيات الهائلة هي إحدى وسائل الدول لإظهار قوتها.

في ظل الظروف الصعبة الناتجة عن جائحة كوفيد-19، فإن الحقيقة القاسية هي أن الرأي العام بشأن الألعاب الأولمبية يميل أكثر إلى أفكار مثل ”يجب إلغاؤها“ و ”سيكون من المستحيل إقامتها العام المقبل أيضًا“، ولا يميل الكثيرون إلى فكرة إقامة الأولمبياد. لا شك أنه من غير المعتاد أن يتحول التيار السائد إلى هذه الدرجة.

في الأساس، تم تصوير أولمبياد طوكيو هذه على أنها وسيلة لليابان لإظهار تعافيها من زلزال شرق اليابان الكبير عام 2011، ولكن يُطلق عليها الآن ”أولمبياد الانتصار على فيروس كورونا“، وعندما شرعت طوكيو في وقت سابق في الفوز بحقوق الاستضافة لعام 2016، فإن الملف الذي قدمته ولم ينجح في إقناع اللجنة الأولمبية حينها كان يصنف تلك الدورة الأولمبية على أنها ”أولمبياد البيئة“، فهل يمكن أن ينم هذا التصور المتغير باستمرار عن قصور في فهم الطبيعة الحقيقية للألعاب الأولمبية؟

بالنظر إلى المدن المستضيفة للأولمبياد الأخيرة (بما في ذلك المدن المخطط لها)، يمكن رؤية النقاط المشتركة مع طوكيو. لندن 2012، باريس 2024، لوس أنجلوس 2028. فكل هؤلاء لديهم خبرة في استضافة الألعاب الأولمبية، لكن تظل الجدوى من تكرار استضافتهم للأولمبياد محل شك. لقد كان الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة هو قيام المدن الرائدة في الاقتصادات المتقدمة بالسعي لإقامة الألعاب الأولمبية كوسيلة لتنفيذ برامج التجديد الحضري.

يمكن رؤية الدليل على ذلك في الطريقة التي تم بها هدم الإستاد الوطني الصالح للخدمة تمامًا في طوكيو لبناء ملعب جديد بالكامل، بينما تمت في نفس الوقت عملية إعادة تطوير في منطقة أوياما، كما تم أيضًا تطوير منطقة خليج طوكيو وإضفاء مظهر جديد عليها يهدف إلى الترحيب بالسياح الأجانب، لكن الأمور لم تجري كما كان مخططاً لها.

إن الوضع الحالي يلزمنا بالتفكير في القيمة الحقيقية والدور الفعلي للألعاب الأولمبية.

استجابة لعصر العولمة، تتطلع جميع بلدان العالم إلى حماية مصالحها الخاصة من خلال التجزئة بشكل أكبر. بدءاً من المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتوتر العلاقات في شرق آسيا بين اليابان والدول المجاورة لها. ولا شك أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى تفاقم هذا الوضع، حيث أصبح نسيج المجتمع ذاته مقسماً.

مثلما كتب سوغيموتو، التاريخ هو حلقة متصلة، فبهجة السلام التي جمعت الناس من شتى أنحاء العالم مرتبطة بالحاضر وسوف تتوارثها الأجيال القادمة. إنه ذلك الحماس الذي يجب ألا يتلاشى أبداً.

الإستاد الوطني الجديد على أهبة الاستعداد لأولمبياد 2021. (أمانو هيساكي).
الإستاد الوطني الجديد على أهبة الاستعداد لأولمبياد 2021. (أمانو هيساكي).

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الطلاب الذين كانوا يتم إرسالهم للقتال في الحرب العالمية الثانية يتجمعون في استاد ميجي جينغو جايئن في حفل مراسمي أقيم في أكتوبر/ تشرين الأول، 1943. وكالة كيودو للأنباء)

طوكيو الرياضة الألعاب الأولمبية الحكومة اليابانية