صيف هادئ تشهده العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية

سياسة

عادة ما يكون أغسطس/ آب شهر عصيب للعلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية، ولكن هذه المرة، مضى هذا الشهر بسلام في عام 2020. ويرجع هذا في جزء منه إلى الوباء الواقعي، لكنه يعكس أيضًا تراجع الاهتمام بين مواطني الدول.

شهر حافل بذكريات الماضي

عادة ما يشهد شهر أغسطس/ آب اضطراب العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية. ويرجع ذلك أساسًا إلى العدد الهائل من المناسبات التي سلطت الضوء على تفسيرات الأحداث التاريخية المتباينة بين البلدين. ففي هذا الشهر، يستدعي اليابانيون ذكريات تعود إلى عام 1945 والقنابل الذرية على هيروشيما في 6 أغسطس/ آب وناغازاكي في 9 من نفس الشهر، ثم استسلام اليابان في 15 أغسطس/ آب.

لكن بالنسبة للكوريا الجنوبية، فإن التاريخ الأخير هو يوم التحرير الوطني، الذي يمثل نهاية السيطرة الاستعمارية اليابانية. وهو أيضًا اليوم الذي بدأ فيه الانقسام الكوري الشمالي الجنوبي، حيث تم تقسيم البلاد إلى منطقتين تحت الاحتلال من قبل القوات الأمريكية والسوفياتية عند خط عرض 38. وحصلت كوريا الجنوبية على استقلالها في نفس اليوم من عام 1948. وفي الوقت نفسه، يصادف يوم 29 أغسطس/ آب ذكرى احتلال اليابان لكوريا في عام 1910. وعلاوة على ذلك، في 14 أغسطس/ آب 1991، سلطت كيم هاك سون الضوء على قضية نساء المتعة الشائكة من خلال الإدلاء بشهادتها العامة حول تجربتها الشخصية. ومنذ عام 2017، حددت كوريا الجنوبية يوم 14 أغسطس/ آب باعتباره يوم ذكرى ضحايا نساء المتعة كضحايا العسكرية اليابانية.

كما شهد شهر أغسطس/ آب عام 2020، أحداثّا خاصة. حيث سمح حكم محكمة كورية جنوبية في 4 أغسطس/ آب بمصادرة أصول شركات يابانية لتعويض الكوريين عن العمل القسري أثناء فترة الحكم الاستعماري الياباني. وكان 24 أغسطس/ آب هو الموعد النهائي لإعلان الانسحاب من اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية، كما كانت كوريا الجنوبية قد هددت من قبل. وكان الكثيرون قلقين بشأن احتمال حدوث خلاف بين البلدين حول العديد من القضايا غير المستقرة، من بينها تلك المتعلقة بالعمل الجبري ونساء المتعة. ومع ذلك، فإن هذا النوع من المواجهة لم يحدث.

هدوء غير عادي

على الرغم من أن حكم المحكمة الصادر في 4 أغسطس / آب حظي بقدر لا بأس به من التغطية الإعلامية في اليابان، أكدت وسائل الإعلام أنه ستكون هناك حاجة لعدة أشهر أخرى لاستكمال إجراءات أخرى قبل إمكانية تصفية الأصول.

 وظل اجتماع الحكومة اليابانية منعقدّا طوال الوقت. وبينما أصدرت بيانات عامة تعبر عن القلق، لم تتسرع في تنفيذ الإجراءات المضادة التي نوقشت في بعض الأوساط، مثل تعليق الإعفاءات من التأشيرات أو زيادة الرسوم الجمركية. وفي المقابل، كان الجانب الكوري الجنوبي هادئًا بالمثل. ولم يوجه الرئيس مون جاي إن كلمات قاسية إلى اليابان سواء في خطابه السنوي في ذكرى نساء المتعة في 14 أغسطس/ آب أو في يوم التحرير الوطني في اليوم التالي.

ومنذ أن تراجعت حكومة كوريا الجنوبية عن قرارها الانسحاب من اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، احتفظت بالحق في إلغائها في أي وقت. ومع ذلك، لم تتخذ أي إجراء على هذا المنوال، ولا يزال الوضع متأزمًا.

وهذه حالة مختلفة تمامًا عن العام الماضي. ففي صيف عام 2019، كانت اليابان وكوريا الجنوبية على خلاف بالفعل بشأن حكم أكتوبر/ تشرين الأول السابق الصادر عن المحكمة العليا في كوريا والذي يأمر شركة نيبون ستيل بتعويض العمال الذين كانوا قد جندوا للعمل دون أجر.ب وأدى تشديد اليابان للضوابط على صادرات مواد أشباه الموصلات إلى كوريا الجنوبية في يوليو/ تموز 2019 إلى زيادة التوتر بين البلدين.

بلغ التنافر بين البلدين ذروته عندما قررت الحكومة اليابانية إزالة كوريا الجنوبية من ”القائمة البيضاء“ للشركاء التجاريين الذين يتمتعون بضوابط تصدير مبسطة في 2 أغسطس/ آب، مما أثار مقاطعة كورية للمنتجات اليابانية والوجهات السياحية. وفي ظل هذه الظروف، أعلنت حكومة كوريا الجنوبية عزمها إلغاء اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية في 23 أغسطس/ آب، وبالتالي فإن تدهور العلاقات بين البلدين امتد من أمر يتعلق بالوعي التاريخي إلى القضايا الاقتصادية إلى الأمن القومي.

التعامل مع جائحة كورونا

لماذا مر شهر أغسطس/ آب 2020 بسلام؟ يقترح البعض أن السبب الرئيسي هو التباطؤ الكبير في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بسبب جائحة كورونا. وكلتا الحكومتين انشغلتا بالتعامل مع الموجات الثانية من العدوى.

ومع ذلك، عند مواجهة خطر فيروس كورونا، حاول بعض القادة السياسيين توحيد الجمهور من خلال تحميل المسؤولية عن الفوضى على بلد آخر أو اللعب على نغمة التهديد الخارجي. ويمكن النظر إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنه المثال النموذجي في محاولته إلقاء الكثير من اللوم على الصين من خلال استخدامه المتكرر لعبارة ”الفيروس الصيني“.

أشار بعض المحللين إلى أن الحكومات في اليابان وكوريا الجنوبية تميلان إلى تصعيد خطابها ضد الدولة الأخرى عندما يتراجع الدعم المحلي، لأن السياسات المتشددة توفر دعمًا مساعدًا في نسب التأييد باستطلاعات الرأي. وإذا كان هذا هو الحال، فربما تكون الإدارتان - اللتان تكافحان مع الانزلاق السريع في الشعبية - قد سعتا إلى تغيير موقفهما من خلال موقف متشدد في عام 2019.

ولكن لم يلجأ أي من البلدين لهذا الاختيار. بل كانت قراراتهم مرتبطة بالتدهور السريع في الاهتمام بالعلاقات الثنائية على كلا الجانبين.

غياب المزيد من التصعيد

في كوريا الجنوبية، حتى عام 2012 تقريبًا كان صحيحًا بالتأكيد أن الخطب المتعلقة بالسياسات الخاصة باليابان من قبل الرئيس والشخصيات الحكومية أثرت على معدلات تأييد الحزب الحاكم والقيادة. ولكن تضاءل هذا الارتباط كثيرًا خلال إدارة الرئيسة السابقة بارك غيون هاي (2017-2013)، واختفى تقريبًا تحت حكم مون.

وفي استطلاعات الرأي الأسبوعية التي أجرتها مؤسسة غالوب كوريا، لم يذكر أي من المشاركين تقريبًا أن السياسات المتعلقة باليابان قد تشكل عامل يؤثر على تأييدهم للرئيس. كما أن الخطابات التي ألقتها شخصيات حكومية بارزة حول العلاقات الثنائية في أغسطس / آب الماضي كان لها تأثير شبه معدوم في رفع نسب التأييد الرئاسي.

وفي اليابان أيضًا، كان الموقف الدبلوماسي تجاه كوريا الجنوبية أقل أهمية بكثير بالنسبة لنسب تأييد ومجلس الوزراء مما كان عليه في السابق.

وعلى عكس كوريا الجنوبية، حيث يتخذ كل من المحافظين والتقدميين في الحكومة والمعارضة موقفًا متشددًا ضد اليابان في القضايا التاريخية، فإن الناخبين في اليابان الذين يريدون رؤية سياسات متشددة ضد جارتها هم محافظون إلى حد كبير. ويتكون جوهر الحكومة اليابانية الحالية من محافظين يتمتعون بطابع قومي قوي، وقد حظيت دائمًا بدعم أولئك الذين يرغبون في مثل هذه الاتجاهات.

ويعني هذا أن هناك فرصة ضئيلة لجذب المزيد من الدعم من خلال اتخاذ موقف أكثر حزما تجاه كوريا الجنوبية. وفي ظل الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لأزمة كورونا، لا يكاد يوجد أي دافع للحكومة اليابانية لإعطاء الأولوية للسياسات المتشددة.

قضايا عالقة

بطبيعة الحال، هذا لا يعني أننا في بداية جهود مخلصة لحل قضايا المفاهيم التاريخية بين البلدين. بل يعني انخفاض الاهتمام بالعلاقات الثنائية عدم وجود أي حافز للحكومات لمعالجة هذه المشاكل.

هذا واضح بشكل خاص داخل إدارة الرئيس مون. فبينما تدعي أنها تركز على الضحايا في أعمالها، فإنها لم تنفذ أي تدابير لدعمهم بشكل فعال. وبالتالي، بمتوسط ​​عمر يزيد عن 90 عامًا، فإن هؤلاء الضحايا يموتون دون رؤية أي تسوية خلال حياتهم. وبمقارنة مون مع روه مو هيون، الذي شغل منصب مدير مكتب الرئيس الكوري الجنوبي، وغيره من القادة الكوريين الجنوبيين السابقين، فإن لامبالاة مون تجاه الضحايا كانت مذهلة. هنا، يمكن للمرء أن يلاحظ بوضوح التراجع الكبير في الاهتمام بقضايا التاريخ الثنائي لدى حكومة وشعب كوريا الجنوبية.

إذن ما هي الدروس التي سيتركها الصيف الهادئ غير المتوقع للعلاقات المستقبلية بين اليابان وكوريا الجنوبية؟ وهل سيستمر الهدوء والوضع الراهن، أم أن بعض الأحداث الجديدة ستؤدي إلى تجدد الصراع أو المفاوضات الصادقة؟ إنه وضع يتطلب اهتمامًا مستمرًا، لمتابعة الأمر ومن بينه سياسات الحكومة اليابانية حول الشأن الكوري في ظل زعيمها الجديد.

(نشر النص الأصلي في 4 سبتمبر/ أيلول عام 2020 باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن يلقي خطبة في سيول بمناسبة يوم التحرير القومي في 15 أغسطس/ آب عام 2020. الصور من وكالة يونهاب للأخبار، نيوزكوم، كيودو نيوز)

الحزب الليبرالي الديمقراطي العلاقات اليابانية الصينية كوريا الحكومة اليابانية