حظوظ سوغا في الحفاظ على حكومته والتخلص من إرث آبي

سياسة

خلال الفترة الطويلة التي عمل بها سوغا ”يوشيهيدي متحدثا باسم الحكومة ووزيرا لشؤون مجلس الوزراء الياباني كانت أمامه فرصة ضئيلة فقط لتحديد هويته، وهو ما يعني أنه لا يُعرف إلا القليل عن مهاراته السياسية بعد أن أصبح رئيسا للوزراء. ولكن ما هي التحديات التي تنتظر الزعيم الجديد والذي ما زال حتى الآن يتعهد بمواصلة السير على درب آبي.

صياغة الهوية السياسية الخاصة بسوغا

انطلقت للتو إدارة سوغا يوشيهيدي رئيس الوزراء الياباني الجديد. يمكننا بالفعل أن نتنبأ بالخطوط العريضة لما سيسعى إلى تحقيقه والمواعد المتعلقة بها. وقد نكون أيضا قادرين على تقديم بعض التخمينات القوية حول توقيت وأسباب نهاية إدارته.

بادئ ذي بدء من المفترض أن نشهد حل مجلس النواب وإجراء انتخابات عامة قبل انقشاع الغبار عن تشكيل حكومة سوغا الجديدة. الموعد المحتمل لهذا الاستحقاق هو 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري. وفي هذه الانتخابات ستتمثل المهمة الرئيسية أمام رئيس الوزراء الجديد في منع السياسيين الثلاثة الأقوياء الذين ساعدوه على تولي منصبه وهم سلفه آبي شينزو ونائب رئيس الوزراء أسو تارو والأمين العام للحزب الليبرالي الديمقراطي نيكاي توشيهيرو، من محاولة ممارسة السلطة من خلف الكواليس.

ويبدو من المرجح أن آبي على وجه الخصوص – بصفته الرجل الذي أفسح المجال لسوغا لتولي المنصب بتنحيه – قد يطالب ببعض المساهمة في اختيار المناصب الرئيسية مثل وزير شؤون مجلس الوزراء. لكن سوغا الذي دعم إدارة آبي في ذلك المنصب، لديه بالتأكيد أفكاره القوية الخاصة بشأن الطبيعة المناسبة للشخص الذي سيشغل منصب وزير شؤون مجلس الوزراء.

وإذا اتهم آبي وأسو ونيكاي سوغا بأنه يتجاهل الطريقة التي جعلوه بها رئيسا للوزراء، فهو مستعد لصد هجماتهم مع إبداء الكياسة طوال الوقت. هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما في أعلى منصب في البلاد، وفي حقيقة الأمر لا يوجد أحد أكثر استعدادا منه لتولي المنصب. في البداية سيصرح ببعض العبارات المبتذلة التي تناسب الوضع بشأن ”مواصلة برنامج آبي السياسي“، لكن من المؤكد أنه يفكر بالفعل في كيفية إرساء مقارباته الخاصة حيال الحكومة اليابانية.

ولكن ما هي سياسات سوغا؟ أحد الدوافع القوية بالنسبة له هو الرغبة في تعزيز المناطق الأقل حضرية في اليابان. وفي هذا الصدد ربما يشعر بطموح مشابه لما شعر به عندما وصل لتوه إلى محطة أوينو شمالي طوكيو قادما من المدرسة الثانوية في أكيتا وحاملا أمتعته بحقيبة يد واحدة. القطارات التي تصل إلى طوكيو قادمة من الشمال تحمل معها ذكريات عن مساقط رؤوس ركابها الذين يتدفقون إلى العاصمة بحثا عن مستقبلهم.

فن بناء شبكة العلاقات

يكمن مصدر فطنة سوغا السياسية الكبيرة في طبيعته الهادئة. فأثناء عمله ضمن حكومة آبي اصطدم مرات لا تحصى مع كل من أسو ونيكاي نائب رئيس الوزراء والأمين العام للحزب الليبرالي الديمقراطي. وقد كان الخلاف بين سوغا وأسو فيما يتعلق بالتوقيت المثالي لحل مجلس النواب والدعوة إلى الانتخابات العامة التالية شديدا على نحو خاص. يُعرف عن سوغا طريقته في التحدث بصراحة وبساطة سواء كان يخاطب رئيس الوزراء نفسه أو الموظفين الذين يعملون في مكتب رئاسة الوزراء.

ولكن في الوقت نفسه فهو معروف أيضا برعايته الكبيرة للآخرين، وهو شيء اكتسبه من أستاذه في السياسة كاجياما سيئيروكو من الحزب الليبرالي الديمقراطي. في شهر يونيو/حزيران عام 2000 عندما توفي كاجياما، شوهد شخص يبكي في جنازته التي أقيمت بمحافظة إيباراكي وقد كان الرجل أوكاموتو يوكيؤ أحد كبار الموظفين سابقا في وزارة الشؤون الخارجية (بالمناسبة أصيب أوكاموتو في أبريل/نيسان من هذا العام بمرض كوفيد-19). كانت الصداقة بين أوكاموتو وكاجياما قوية بشكل غير عادي، وكانت غير عادية في جسر الحدود بين عالم السياسة والبيروقراطية. عمل سوغا أيضا على بناء روابط كهذه مع مجموعة متنوعة من الشخصيات، وقد نرى بعضهم يلعبون أدوارا واضحة للغاية في إدارة سوغا.

من بين هؤلاء الأشخاص هناك تاكيناكا هييزو الاقتصادي الذي شغل عدة مناصب في إدارة رئيس الوزراء كويزومي جونئيتشيرو (2001-2005). وهناك أيضا هاشيموتو تورو محافظ أوساكا وعمدة مدينة أوساكا سابقا. من خلال مجموعة ”أوساكا إيشين نو كاي“ السياسية التي ينتمي إليها هاشيموتو، تمكن سوغا من إقامة صلات مع عدد من الشخصيات الرئيسية في أوساكا، ولديه شبكات مماثلة في أوكيناوا وأماكن أخرى في جميع أرجاء البلاد. أثناء عمله كوزير شؤون مجلس الوزراء الياباني، كان يعقد أيضا اجتماعات منتظمة ثلاث مرات يوميا مع شخصيات في مختلف المجالات يتعلم منهم ويبني المزيد من الشبكات الهائلة.

التطلع قدما نحو الألعاب الصيفية

ما هي الأولويات التي نتوقع أن يحددها سوغا في قائمة سياسته؟ من المؤكد أن مواجهة جائحة كورونا المستمرة ستكون على رأس أولوياته. تتمثل مهمة رئيس الوزراء في قيادة الأمة والتواصل مع شعبها، وقد تختلف الأساليب التي سيتبعها في التعامل مع فيروس كورونا عن تلك التي ساعد في تنفيذها أثناء عمله مع رئيس الوزراء آبي.

بعد ذلك ستأتي قضية إعادة تدوير عجلة الاقتصاد الياباني إلى سرعتها السابقة. يواجه العالم بأسره أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مع حالة من نضوب رؤوس الأموال وتباطؤ تدفق البضائع إلى حد كبير. كما أن التجارة الحرة تكاد لا تجد من يدافع عنها في الوقت الحاضر، وتتجه الدول في أرجاء العالم بشكل متزايد إلى تشكيل حكومة أكبر مهما كان شكلها.

أحد الأشياء التي سيتعين على سوغا القيام بها بسرعة نسبيا هو اتخاذ قرار بشأن دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية في طوكيو والتي تم تأجيلها حتى صيف عام 2021. وسيتعين اتخاذ القرار خلال العام الحالي بشأن المضي قدما في استضافة الحدث الذي يقام كل أربع سنوات أو إلغائه نهائيا. لا تزال جائحة كورونا مستمرة، وتشهد حالات الإصابة ارتفاعا سريعا في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية على وجه الخصوص، كما أن جميع الدول تضررت اقتصاديا بشدة من تكلفة الاستجابة للجائحة. يبدو أن هذه الحقائق تشير إلى إلغاء الألعاب على الأرجح، وهو أمر من شأنه أن يوجه ضربة قوية لليابان ماديا ومعنويا. وستكون كيفية إعادة البناء بعد فقدان الألعاب الأولمبية هي القضية التالية التي يجب معالجتها. ولذلك فإن ألعاب طوكيو إلى جانب مهمة التعافي الاقتصادي، ستكونان الموضوعين الرئيسيين خلال العام المقبل.

يمثل الاقتصاد تحديا صعبا بغض النظر عمن سيواجهه. عندما يكون العالم بأسره في حالة ركود اقتصادي بسبب الجائحة، فليس لدى اليابان أمل في تحقيق انتعاش ناجح بمفردها. لا زال سوغا حتى الآن يؤكد على ضرورة الاستمرار في سياسة ”آبينوميكس“، ولكن في حقيقة الأمر ليس لدى آبينوميكس الكثير لتقدمه أكثر من برنامج التسهيل النقدي الهائل لمحافظ بنك اليابان المركزي كورودا هاروهيكو.

أظهر رئيس الوزراء الجديد نزعة لتفضيل السياسات الاقتصادية التي تقدم دعما مباشر للشعب من قبيل تخفيض فواتير الخدمات العامة وخفض الرسوم على استخدام الهواتف المحمولة وما شابه ذلك. قد نشهد ظهور سياسة ”سوغانوميكس“ التي يكون تأثيرها على الحياة اليومية للمواطن العادي أكثر وضوحا.

إن سوغا ”يوشيهيدي ليس سياسيا من النوع الذي سيحظى بدعم الشعب عن طريق شخصيته أو أساليبه الملهمة. ولكن قد تكون أصول عائلته المتواضعة مصدرا لشعبيته، وهو ما سيدفعه للعب على هذا الوتر. إنه رجل المتناقضات، فهو يظهر أنه قادر على تقديم دفء عاطفي جارف في بعض الأوقات وفي أحيان أخرى يكون باردا بقدر ما يحتاج لاتخاذ موقف صارم بشأن القضايا. ولكن يبقى من غير المعروف كيف ستعمل هاتان الصفتان المتعارضتان، أو من التي ستحتل الواجهة. قد يشكل سوغا إدارته التي تستمر لفترة طويلة، ولكن قد ينتهي به الأمر إلى ألا يكون سوى مدبرا لأعمال مجلس الوزراء ريثما يتمكن آبي شينزو من العودة للمرة الثالثة إلى رئاسة الحكومة.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول عام 2020. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: سوغا يوشيهيدي (الثاني من اليسار) في اجتماع للحكومة بشأن قضايا اقتصادية وأخرى بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني عام 2020. حقوق الصورة جيجي برس)

شينزو آبي الحزب الليبرالي الديمقراطي الحكومة اليابانية